الاختصاص في المادة العقارية في القانون الجزائري

0

الاختصاص في المادة العقارية

يقتضي تنازع الاختصاص أن يعرض على قاضي القسم العقاري أو القاضي الإداري نزاع يتعلق بالميدان العقاري، فيقوم أحدهما بصفة تلقائية أو بطلب الأطراف المتنازعة التصريح بعدم الاختصاص، أو يدفع أمامه بعدم الاختصاص و يستمر بالنظر فيه، فيقوم الطرف الثاني في النزاع برفع دعوى جديدة أمام الجهة القضائية الثانية.

هذه الأخيرة تقوم بالفصل في النزاع، فيصدر حكمان متناقضين، و يعود سبب ذلك في غالب الأحيان إلى ما يشوب النصوص المتعلقة بالسلطة القضائية و تقسيماتها من قصور و رغبة كل جهة قضائية توسيع وظيفتها، و مد سلطتها أو تقليصها تبعا لتقديرها([1]).

إضافة لذلك صدور تشريعات تمس جوهر الروابط القانونية القائمة، أو أسس تكوين الأشخاص الاعتبارية([2])، أو تغيير صفات بعض المعاملات القانونية.

تبرز حالات تنازع الاختصاص في المادة العقارية من خلال أوجه التنازع المختلفة      (الفرع الأول) ثم تناقض القرارات النهائية (الفرع الثاني).

 

الفرع الأول: أوجه التنازع المختلفة


تبرز أوجه التنازع في صورتين هما: التنازع الإيجابي (أولا) ثم التنازع السلبي (ثانيا).

أولا- التنازع الإيجابي:conflits positif

عرفت المادة 16 من القانون 98-03 المؤرخ في 03 جوان 1998 المتضمن اختصاصات محكمة التنازع تنظيمها و عملها، تنازع الاختصاص الإيجابي بأنه قضاء جهتان قضائيتان إحداهما خاضعة للنظام القضائي العادي و الأخرى خاضعة للنظام القضائي الإداري، باختصاصهما في نفس النزاع.([3])

         يقصد بنفس النزاع عندما يتقاضى الأطراف بنفس الصفة أمام جهة إدارية وأخرى قضائية، و يكون الطلب مبنيا على نفس السبب و نفس الموضوع المطروح أمام القاضي.

و عليه تتمثل شروط وجوب تنازع الاختصاص الإيجابي في:([4])

-         تصريح مزدوج بالاختصاص في نزاع واحد.

-         صدور قرارات قضائية نهائية من طرف جهات القضاء العادي و جهات القضاء الإداري.

-         أن يكون موضوع القرارين القضائيين يتعلق بنفس النزاع (وحدة الأطراف، السبب والطلب).

ثانيا- التنازع السلبي:Conflit Négatif

يعرف تنازع الاختصاص السلبي بأنه تنازع ناتج عن تصريح القضاء الإداري و القضاء العادي بعدم اختصاصهما اتجاه قضية واحدة.

و نصت المادة 16 من القانون 98-03 أنه:" يكون تنازع في الاختصاص عندما تقضي جهتان قضائيتان إحداهما خاضعة للنظام القضائي العادي و الأخرى خاضعة للنظام القضائي الإداري بعدم اختصاصهما في نفس النزاع".

تمثل صورة التنازع السلبي الصورة المبسطة و الأكثر حدوثا في الواقع العملي، و يحق لكل طرف صدر في مواجهته حكمان متتاليين من جهتي القضاء العادي و القضاء الإداري بعدم الاختصاص اللجوء إلى محكمة التنازع يطالب فيه الحكم بتعيين الجهة القضائية المختصة([5]).

و عليه تتمثل شروط التنازع السلبي في:

-         تصريح مزدوج بعدم الاختصاص.

-         صدور أحكام قضائية نهائية من طرف جهات القضاء العادي و جهات القضاء الإداري([6]).

-         يجب أن يكون موضوع القرارين القضائيين يتعلق بنفس النزاع.

 

يتضح من خلال أوجه التنازع المختلفة أنه كلا الحالتين: التنازع السلبي أو التنازع الإيجابي يفحص القاضي العادي (الفاصل في المسائل العقارية) أو القاضي الإداري اختصاصه بالفصل في المنازعة العقارية من عدمه، دون التطرق إلى موضوع المنازعة في حين توجد حالة من حالات التنازع أين يصدر عن كلا الجهتين القضائيتين، قرارات نهائية تطرقت لموضوع المنازعة و صدرت متناقضة.

الفرع الثاني: تناقض القرارات النهائية

     يشكل تناقض القرارات النهائية حالة من حالات تنازع الاختصاص، تفترض دراستها التعرض إلى فكرة تناقض القرارات النهائية (أولا) ثم موقف المشرع الجزائري من تناقض القرارات النهائية.

أولا- فكرة تناقض القرارات النهائية: الأصل الفرنسي


ظهرت هذه الحالة من التنازع للمرة الأولى بموجب قانون 20 أفريل 1932 عقب قضية روزي (ROSAY)، و تمثلت وقائع القضية أن السيد روزي أصيب بأضرار بالغة نتيجة اصطدام سيارة خاصة كانت تنقله بأحد السيارات العسكرية، فتقدم أمام القضاء العادي طالبا التعويض عن الأضرار التي لحقته فرفضت دعواه على أساس أنه لم يقع من جانب سائق السيارة الخاصة خطأ، مما أجبره على رفع دعوى جديدة أمام مجلس الدولة فقضى بانتفاء الخطأ في جانب سائق السيارة العسكرية([7])، نتج عن القضية صدور حكمين متناقضين، و أصبح المتقاضي في وضعية إنكار العدالة([8]), و بالنظر لما تم في القضية أصدر المشرع القانون السالف الذكر، أين  أدرج بذلك تناقض القرارات النهائية كحالة من حالات التنازع إلى جانب كل من التنازع الإيجابي و السلبي.

 

ثانيا- موقف المشرع الجزائري من تناقض القرارات النهائية

كرس المشرع الجزائري حالة تناقض القرارات بموجب القانون العضوي 98-03 في المادة 17 الفقرة الثالثة (3) بقوله:" في حالة تناقض بين أحكام نهائية و دون مراعاة للأحكام المنصوص عليها في الفقرة الأولى تفصل محكمة التنازع بعديا في الاختصاص".

تحمل المادة السابقة ثلاثة شروط لقيام التناقض و هي:

-         صدور قرارين نهائيين في موضوع دعوى عن جهات القضاء العادي و جهات القضاء الإداري.

-         تعارض القرارين تعارضا يؤدي إلى إنكار العدالة بالنسبة للشخص رافع الدعوى.

-         أن يكون موضوع القرارين يتعلق بنفس النزاع (وحدة الأطراف، السبب و الموضوع).

و قد كرست محكمة التنازع هذه الصورة في قرار 12 المؤرخ في 24 ديسمبر 2001 غير منشور([9])، و تعلق الأمر بصدور قرار عن مجلس قضاء تيارت قضى على المدعى عليه بالطرد من الأرض المتنازع عليها بعد أن استرجعها بموجب مقرر ولائي صادر                في 24 أفريل 1991 بعد أن كانت مؤممة في إطار الثورة الزراعية.

عاود المدعى عليه رفع دعوى أمام القضاء الإداري انتهت بتثبيت حقه في القطعة المتنازع عليها بموجب قرار صادر بتاريخ 24 ديسمبر 1998 عن مجلس الدولة.

خلصت محكمة التنازع بعد تطبيق أحكام المادة 17 إلى القول:" بأن التنازع  قائم، وأن القضاء الإداري هو المختص بالفصل في القضية، ومنه بأن القرار الوحيد الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ 24 ديسمبر 1998 هو الوحيد القابل للتنفيذ".

نخلص من خلال حالات تنازع الاختصاص في المادة العقارية إلى القول بأن التنازع قد يكون إيجابيا , سلبيا  و تناقضا في القرارات القضائية , يعود الفصل فيه إلى محكمة التنازع باعتبارها هيئة قضائية تعلو النظام القضائي المزدوج([10]), و حتى تكتمل الدراسة وجب التعرض لها من خلال المطلب الثاني.

 


 

منازعات الوعاء العقاري في الجزائر

0

-  منازعات الوعاء العقاري: 

حددت أصناف الأملاك العقارية وفق الدستور و قانون التوجيه العقاري إلى: أملاك وطنية، أملاك خاصة و أملاك وقفية.

فبالنسبة مثلا للأملاك الغابية([1])، التي صنفتها المادة 17 من الدستور ضمن الأملاك العامة التابعة للمجموعة الوطنية العمومية التابعة للدولة، يؤول الاختصاص للقضاء الإداري الاستعجالي منه و الموضوعي للبث في إلزام أي شخص سواء الإدارة، المواطن، والأشخاص الاعتبارية الشاغلين لجزء من الملك الغابي دون سند أو حق، بإخلاء الجزء المشغول و إعادة الحال إلى       ما كان عليه (إعادة التشجير)، و وضع حد للتعدي، كما يجوز الحكم بالتعويض عن الأضرار اللاحقة بالغابة، فضلا عن إعادة هدم البناءات المشيدة بصورة غير تنظيمية أو قانونية على نفقة المخالف.

كما نصت المادة 96 من قانون 90-30 ([2]) على أن: " تخضع المنازعات المتعلقة بالتبادل للهيئات القضائية المختصة في مجال القانون العام"، و مفاد ذلك إخضاع المنازعات الواردة على تبادل الأملاك العقارية التابعة للأملاك الوطنية الخاصة التي تملكها الدولة أو الجماعات الإقليمية بين المصالح العمومية إلى الجهات القضائية المختصة في القانون العام.(3)

تحدد هذه المادة القانون الواجب التطبيق أولا، ثم إخضاع ذلك كله إلى الجهة القضائية المختصة بذلك، و طالما أن الأمر يتعلق بالقانون الإداري في هذه الحالة، فان الاختصاص يؤول للجهات القضائية الإدارية تطبيقا لمبدأ أن القاضي الإداري هو جهة القضاء العام بالنسبة للإدارة(4).

2- منازعات العقود التوثيقية المشهرة:

استقر الاجتهاد القضائي على تخويل سلطة النظر و إبطال العقود التوثيقية المشهرة للقاضي العادي بصفته حامي الحقوق الفردية الناتجة عن تلك العقود، و بذلك يكون القضاء الإداري قد تخلى عن اختصاصه في النظر فيها بالرغم من وجود الإدارة كطرف فيها في العديد من الأحيان، لا سيما في عقود التنازل المحررة في إطار القانون81-01 المؤرخ في 07 أفريل 1981 المتضمن التنازل عن الأملاك العقارية ذات الاستعمال السكني أو المهني أو التجاري أو الحرفي التابعة للدولة و الجماعات المحلية و مكاتب الترقية و التسيير العقاري و المؤسسات و الهيئات و الأجهزة العمومية.

 أصبحت الوكالة العقارية بموجب المادة 73 من قانون التوجيه العقاري 90-25 الجهة الوحيدة المختصة بتسيير الأملاك العقارية التابعة للبلدية ([3]) ، و غالبا ما تلجأ تلك الوكالات إلى إبرام عقود عن طريق الموثقين، الأمر الذي يجعل العقد توثيقيا، و إن كان ذا صبغة إدارية بالنظر لطرفيه.

وقد أكد مجلس الدولة في قراره رقم 294199 المؤرخ في 12 جوان 2000 ذلك بقوله:    " إن العقد التوثيقي  تخرج مسالة إلغاءه من نطاق صلاحيات القاضي الإداري ، مما يتعين إخراج الوالي و مدير أملاك الدولة من الخصام و التصريح بعدم الاختصاص" ([4]).

وبذلك يكون موقف القضاء الإداري واضح في أن الاختصاص يعود إلى المحاكم العادية على أساس أن العقود التوثيقية ليست بقرارات و لا عقود إدارية حتى يتم الطعن في صحتها أمام الجهات القضائية الإدارية.

يرى البعض([5]) أن الاختصاص يؤول للقاضي العادي في إبطال العقود التوثيقية المشهرة([6]) إذا كان صادرا بين أشخاص القانون الخاص.

 



([1] )  نظمها القانون رقم 84 –12 المؤرخ في 23/06/1984 المعدل و المتمم القانون 91/20 المؤرخ في 02/12/1991 المتضمن النظام العام للغابات.
 ([2] )  القانون 90-30 المؤرخ في 01/12/1990 يتضمن قانون الأملاك الوطنية.
(3)    يرى البعض أن الأملاك الوطنية الخاصة ينبغي أن تخضع للقانون الخاص وتبرير ذلك ان السلطة الإدارية عند تسييرها لهذه الاملاك  فإنها تسييرها كأي شخص  عادي.
أنظر :                                                         AHMED RAHMANI  :  Les biens publics, éd international 1996, p 247
(4)  فسرت المحكمة العليا ذلك عند تطبيقها المادة 35 من قانون التنازل لأملاك الدولة قبل إلغاءه على أنه القاضي الإداري هو جهة القضاء العام بالنسبة إلى الإدارة.                           Le juge de droit commun de l’administration et le juge administratif
أنظر: ليلى زروقي و حمدي باشا عمر، المرجع السابق ص، 36..
([3]) نظمت الوكالة العقارية للتسيير العقاري الحضري بموجب المرسوم التنفيذي 90-405 المؤرخ في 22/12/1990، و تمسك تلك الوكالات حساباتها على الشكل التجاري طبقا للأمر 75-35 المؤرخ في 29/04/1975 المتضمن مخطط المحاسبة الوطنية طبقا للمادة 24منه .
([4]) نفس الموقف أخذت به الغرفة الثانية لمجلس الدولة بموجب قراريها 191983 و193141 المؤرخين على الترتيب في 08/05/200.
انظر: حمدي باشا عمر، القضاء العقاري في ضوء  أحداث القرارات الصادرة عن مجلس الدولة و المحكمة العليا، دار هومة، الجزائر، طبعة 2002،         ص 69 وص70.
([5]) انظر: بوصوف موسى، المرجع السابق، ص30.
([6]) أنظــــــر: قرار مجلس الدولة، الغرفة الرابعة رقم 013673 المؤرخ في 01/02/2005، مجلة مجلس الدولة ،الجزائر العدد07 ، سنة 2005، ص 161.

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه