الغرامة التهديدية بين امتناع الإدارة عن تنفيذ أحكام الإلغاء لتجاوز السلطة وأحكام القضاء الشامل في القانون الجزائري

0
الغرامة التهديدية بين امتناع الإدارة عن تنفيذ أحكام الإلغاء لتجاوز السلطة وأحكام القضاء الشامل :

ذهب المجلس الأعلى في قراره عدد : 935 الصادر بتاريخ 11/3/99 وهو يلغي حكم إدارية مكناس القاضي بتحديد الغرامة التهديدية في مواجهة رئيس جماعة تونفيت شخصيا لامتناعه من تنفيذ الحكم القاضي بإلغاء قرار العزل وإرجاع الموظف الطاعن إلى عمله إلى القول بما معناه أنه لا يمكن إجبار الإدارة على تنفيذ حكم الإلغاء عن طريق الغرامة التهديدية مادام أن القضاء الإداري قد اقتصر على إلغاء قراره الذي اعتبره شططا في استعمال السلطة وأنه يبقى أمام المعني بالأمر الحق في اللجوء إلى القضاء الإداري لطلب التعويض عن الأضرار الناتجة عن الضرر من جراء عدم التنفيذ.


وفي قرار لاحقا ـ[1]ـ، أيد الأمر الإستعجالي الصادر عن المحكمة الإدارية بوجدة تحت عدد 13/98 القاضي بإيقاف أشغال البناء تحت طائلة غرامة تهديديه وقد تبنى في ذلك نفس العلل التي تواتر اجتهاده على الأخذ بها بخصوص دعاوى القضاء  الشامل وهي أن الإجبار على تنفيذ الأمر المستأنف بواسطة الغرامة لا يوجد ما يمنع تطبيقه في مواجهة الإدارة وفقا للفصل 448 من قانون المسطرة المدنية الذي تحيل عليه مقتضيات المادة 7 من القانون رقم 90.41.


والمجلس الأعلى وهو يلغي الحكم المذكور لم يتناول في حكمه مدى إمكانية تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الشخص الممتنع عن التنفيذ باعتباره مرتكبا لخطإ شخصي ولم يتطرق إلى مسألة اختصاص رئيس المحكمة بتحديد الغرامة التهديدية ضد الشخص الذاتي لفائدة شخص من أشخاص القانون الخاص. بل استبعد هاته الوسيلة كلها من دعوى الإلغاء وهو بذلك يكون قد تراجع عن المكسب القضائي الذي نادى به حكم إدارية مكناس، ورجع إلى قاعدته الأصلية التي تقضي بأن الامتناع عن تنفيذ الإدارة لا يرتب سوى المطالبة بالتعويض.


والملاحظ أن المجلس الأعلى من خلال القرارين السالفي الذكر يميز في تحديد الغرامة التهديدية بين امتناع الإدارة عن تنفيذ أحكام الإلغاء الحائزة لقوة الشيء المقضي به ومثيلتها الصادرة في إطار القضاء الشامل ويجيز تحديد الغرامة التهديدية بشأن امتناع الإدارة عن تنفيذ هاته الأحكام الأخيرة دون مثيلتها الأولى، فهل هناك من مبرر للقول بهاته التفرقة ؟ إن المجلس الأعلى وهو يحدد الغرامة التهديدية بشأن أحكام القضاء الشامل يعلل ذلك بقولـه أن الإجبار على تنفيذ الأمر المستأنف بواسطة الغرامة التهديدية لا يوجد ما يمنع تطبيقه في مواجهة الإدارة وفق الفصل 448 من ق. م . م المحال عليه بموجب المادة 7 من القانون 90.41.


إذن فما هو المانع الذي يمكن الاستناد عليه لعدم قبول تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة حينما تمتنع من تنفيذ أحكام الإلغاء. خصوصا وأنه لا يوجد أي نص صريح يمنع من ذلك وأن مبررات تحديد الغرامة التهديدية كما هي منصوص عليها بالفصل 448 من ق. م .م تشفع بذلك. إذ أن الأمر يتعلق بامتناع من تنفيذ الحكم القاضي بالإلغاء وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه وإن ذلك الامتناع لصيق بشخصية المحكوم عليه وتلزم إرادته في تنفيذه دونما إمكانية لإجباره على ذلك بواسطة وسائل التنفيذ الجبري المحددة بالباب الثالث من قانون المسطرة المدنية المتعلقة بالتنفيذ الجبري للأحكام.




نعتقد أن نفس المبررات التي تدعو إلى تحديد الغرامة التهديدية في إطار القضاء الشامل المعتمدة من طرف المجلس هي نفسها المتاحة لأعمالها في إطار قضاء الإلغاء وأنه لا داعي للتفرقة بين الدعويين معا مادام أن وسائل التنفيذ الجبري لا تسعف في تنفيذ حكم الإلغاء.


وأن مبدأ الفصل بين السلطات وما يستتبعه من استقلال الإدارة وعدم توجيه أوامرها لم يتخذ إلا ليضمن للموظفين العموميين حرية الحركة وليس عدم الالتزام بقوة الشيء المقضي به. وإذا كان اتجاه حكم إدارية مكناس قد لقي حماسا لدى الفقه الإداري المغربي ويعتبر بحق تطورا إيجابيا يساير العمل القضائي المقارن بمصر وفرنسا كما سبق تناول ذلك ويعتبر مكسبا قضائيا للقضاء الإداري.


فقد تراجع المجلس عنه بدون تعليل مقنع وهو أجدر بالحماية. وقد كان حريا بالمجلس الأعلى مسايرة منه للفقه والقضاء المقارن أن يتبناه لما يترتب عنه من أثر موقف لامتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الإدارية ورد ظاهرة امتناع المسؤولين عن تنفيذ الأحكام الإدارية والاستهانة بها، ونتمنى استقبالا أن يعدل المجلس عن هذا الموقف كما فعل بخصوص نظرية الاعتداء المادي لردع كل تهاون أو استحقاق أو استهتار للأحكام الإدارية من طرف القائمين على تنفيذها، وإلا ما الفائدة من الحماية القضائية الجادة للمشروعية لحقوق وحريات المواطنين في إطار قضاء إداري عادل ومتطور وجاد في أحكامه واجتهاده إذا بقيت هاته الحماية نظرية لم تترجم على أرض الواقع بإيجاد الوسائل الناجعة لإجبار الإدارة على التنفيذ من خلال تقرير المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ وإلا ستذهب سدى جميع الجهود المبذولة حتى الآن لاستكمالها بناء صرح دولة الحق والقانون إذا لم تجد أحكامها الحامية لمشروعية المقررات الإدارية منفذا للتنفيذ.










[1]  ـ قرار  الغرفة الإدارية  عدد 453 بتاريخ 22 / 04 / 1999 في قضية أحمد بن يونس ضد الوكيل القضائي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه