تحديد الغرامة التهديدية بين الإدارة والمسؤول عن التنفيذ في القانون الجزائري

0
تحديد الغرامة التهديدية بين الإدارة والمسؤول عن التنفيذ :


تنص مقتضيات الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية المحال عليه بموجب المادة 7 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية بما يلي : " إذا رفض المنفذ عليه أداء التزام بعمل أو خالف إلتزاما بالإمتناع عن عمل أثبته عون التنفيذ ذلك في محضره وأخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية ".

إن القراءة الأولية لنص المادة أعلاه في ضوء صياغته القانونية توحي بأن المخاطب بإجراءات تنفيذ الأحكام الإدارية هو الشخص المعنوي العام دون الخاص الذي يبقى مخاطبا بتنفيذ الأحكام العادية الصادرة في إطار القانون الخاص. ولكن أمام عمومية لفظة المنفذ عليه التي تحوي كلا من أشخاص القانون العام والخاص هل تسعف في القول بإمكانية تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الموظف المسؤول عن التنفيذ إذا ما تعلق الأمر بتنفيذ حكم في مواجهة الشخص المعنوي العام.


وأول مبادرة جريئة وشجاعة في العمل القضائي الإداري المغربي ذهبت في هذا المنحى وأجازت تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة المسؤول عن تنفيذ الحكم الإداري هو الحكم الصادر عن إدارية مكناس ـ[1]ـ وقد جاء في تعليله أن قانون المسطرة المدنية المطبق أمام المحاكم الإدارية يشير بأن التنفيذ الجبري للأحكام إلى الغرامة التهديدية كوسيلة من وسائل إجبار المحكوم عليه على التنفيذ ولما لم يستثن المشرع أي طرف محكوم عليه من هذه الوسيلة فإنه لاشيء يمنع من إقرار الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة أو المسؤول الإداري نتيجة امتناعهما غير المبرر عن التنفيذ وانتهى الحكم في النهاية إلى تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة المدعى عليه شخصيا وليس بوصفه شخصا من أشخاص القانون العام. وقد تعلق الأمر في هاته النازلة بامتناع رئيس المجلس من تنفيذ حكم بإلغاء قرار العزل من وظيفة جماعية ومن التخلي عن القرار الملغى وإرجاع الطاعن إلى وظيفته وتسوية وضعيته الإدارية وقد أعطى هذا الحكم مفهوما جديدا للمنفذ عليه المعني بتحديد الغرامة التهديدية وتوسع في مجال تطبيق تلك الغرامة ليحددها في النهاية في مواجهة المسؤول عن التنفيذ تسعفه في ذلك القواعد العامة للقانون العام والقضاء الإداري كقانون قضائي يعتبر فيه القاضي الإداري فاعل أساسي في المجال الإداري وصانع رئيسي للقواعد الإدارية و المبادئ القانونية ومبتكر للحلول القضائية على ضوء التفسير الملائم للقواعد القانونية لغاية إيجاد الحلول الناجعة لسد كل فراغ تشريعي في سبيل صيانة الحقوق والحريات لترسيخ دولة الحق والقانون.


وقد عمد القاضي الإداري المغربي في هاته النازلة إلى تطبيق فكرة المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ التي نادى بها فقهاء القانون العام في فرنسا، فقد كان للعميد هوريو فضل كبير في صياغة نظرية الخطأ الشخصي للموظف المسؤول عن عدم تنفيذ الشيء المقضي به ضد الإدارة بــمناســبة تعليقه على حكم Fabregues  وحكم Delle Manrot حيث قال " إننا انشغلنا أكثر من اللازم بالمسؤولين عن خطإ المرفق فقط دون أن نعطي الاهتمام الكافي للمسؤولية الشخصية للموظفين وقد حان الوقت للنظر إلى هذا الجانب الذي له فائدته هو أيضا والذي يكمن بصفة خاصة أن تقدم جزاء لكل الأحكام الصادرة ضد الإدارة لأنه بالنسبة لرجل الإدارة المسؤول عن عدم تنفيذ الشيء المقضي به ضد الإدارة فإن طرق التنفيذ العادية يمكن استخدامها ". وموقف العميد هوريو من تنفيذ الإدارة للأحكام الصادرة ضدها يتلخص في مبدأ عام مؤداه أنه عندما يقضى ضد الإدارة بحكم نهائي فإن الموظف المسؤول عن تنفيذ هذا الحكم يرتكب خطأ شخصيا إذا امتنع عن تنفيذه ويسأل في ماله الخاص.


وقد نادى العميد ديجي أيضا بالمسؤولية الشخصية للموظفين باعتبارها الوسيلة الناجعة لضمان تنفيذ الشيء المقضي به بقوله : " إنه من المفترض أن كل حكم مطبق للقانون أو كل قانون يجد أساسه في المرفق العام نفسه ومن ثم فإن الموظف بتجاهله حكم القاضي يتجاهل قانون المرفق نفسه ويرتكب بذلك خطأ شخصيا ".

كما قرر جيز:" إن الموظفين الذين يقع على عاتقهم تنفيذ الشيء المقضي به ويرفضون دون سبب مشروع القيام به يرتكبون خطأ شخصيا يرتب مسئوليتهم " ويرى فيدل :" إن الوسيلة الجدرية الوحيدة الجديرة بالدولة القانونية هي بلا شك الانعقاد التلقائي للمسؤولية المالية للموظف المــسؤول عن عدم تنفيذ الحكم القضائي".


وقد تبنى مجلس الدولة المصري فكرة المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ ـ[2]ـ جاء فيه :" إن امتناع الوزير عن تنفيذ الحكم ينطوي على مخالفة قانونية لمبدإ أساسي وأصل من الأصول القانونية تمليه الطمأنينة العامة وتقضي به ضرورة استقرار الحقوق والروابط الاجتماعية استقرارا ثابتا ولذلك تعتبر المخالفة القانونية في هاته الحالة خطيرة وجسيمة لما تنطوي عليه من خروج سافر على القوانين فهي عمل غير مشروع ويعاقب عليه قانونا ومن ثم وجب اعتبار خطأ الوزير خطأ شخصيا يستوجب مسؤوليته ".


وقد ذهبت محكمة القضاء الإداري بمصرـ[3]ـ بمناسبة امتناع أحد الوزراء عن تنفيذ أحكامها إلى القول بأن بالإمتناع عن تنفيذ الحكم في أي صورة من الصور يشكل خطأ مصلحيا وخطأ شخصيا في نفس الوقت وصاحب الشأن كما يستطيع أن يرفع دعواه على الإدارة أو على الموظف يمكنه أن يرفعها عليهما معا وجاء في حكمـهـا ما يلي : "إن ذات الفعل أو الترك قد يكون خطأ شخصيا وخطأ مصلحيا في الوقت ذاته إذ يعد الخطأ الشخصي متى وقع من الموظف أثناء تأديته لوظيفته أو بمناسبة تأديتها دليلا على خطأ مصلحي تسأل عنه الحكومة لإهمالها في الرقابة والإشراف على موظفيها وعلى ذلك ليس في القانون ما يمنع من قيام مسؤولية الحكومة عن خطئها المصلحي المستقل بجانب مسؤولية الموظف عن خطئه الشخصي ولا يمنع أيضا طالب التعويض من أن يجمع بين المسؤولتين معا في قضية واحدة.


وفكرة المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ التي نادى به حكم إدارية مكناس السالف الذكر تعتبر ضامنا حقيقيا لتنفيذ الأحكام الإدارية الحائز ة لقوة الشيء المقضي به ذلك أن الموظف الذي سوف يدرك أنه معرض للحكم عليه بالغرامة التهديدية التي تنقلب إلى تعويض في نهاية الأمر وبخطورة الفعل الغير المشروع المرتكب من جانبه وبالتالي لن يستهين بقوة الشيء المقضي به للأحكام الإدارية وتعمل على تنفيذها، أما إذا ظل لديه إحساس بأنه مغطى بنوع معين من الحصانة وأنه في حماية الآلية  الإدارية التي يعمل في ظلها فإنه سيسخر ويستهين بقوة الشيء المقضي به دون أن يكون معرضا لأي عقاب وهذا الجزاء سوف يكون له أثر مانع من عرقلة عملية تنفيذ الأحكام الإدارية.

وإذا كانت فكرة المسؤولية الشخصية للموظف قد لقيت حماسا كبيرا من طرف الفقه الإداري المغربي ـ[4]ـ فإن هذا الحماس وهذا التطور الإيجابي الذي هجر فيه القاضي الإداري القاعدة الكلاسيكية التي سار عليها المجلس الأعلى والتي تنص على أن موقف الإدارة السلبي من التنفيذ تعتبر قرارا سلبيا يشكل أساسا لدعوى الإلغاء أو دعوى التعويض وهو اتجاه غير مرغوب فيه، فقد اصطدم ذلك الحماس بموقف المجلس الأعلى الذي رفض فكرة الغرامة التهديدية في مواجهة المسؤول عن تنفيذ حكم الإلغاء. وقد قرر وهو يلغي حكم إدارية مكناس ـ[5]ـ.


 " إنه إذا كانت الجماعة القروية التي ألغي قرارها بعزل الطاعن المذكور قد امتنعت عن تنفيذ الحكم المذكور رغم سلوك المعني بالأمر الإجراءات المسطرية لحملها على التنفيذ فإنه لا يمكن إجبارها على التنفيذ عن طريق الغرامة التهديدية مادام القضاء الإداري قد اقتصر على إلغاء قرارها الذي اعتبره متسما بالشطط في استعمال السلطة فيبقى أمام المعني بالأمر اللجوء إلى القضاء الإداري بعد الإدلاء بمحضر بالإمتناع عن التنفيذ لطلب التعويض عن الأضرار الناتجة عن هذا التصرف بخصوص نشاطات أشخاص القانون العام التي من شأنها الإضرار بمصالح الخواص ".

ولعل المجلس الأعلى في قراره هذا يميز بين تحديد الغرامة التهديدية بخصوص أحكام الإلغاء بالشطط في استعمال السلطة وأحكام القضاء الشامل.

ولعله أيضا يسحب الاعتراف للمحاكم الإدارية في فرض الغرامة التهديدية رجوعا منه إلى القاعدة التقليدية القائمة على اعتبار دعوى التعويض هي الوسيلة الوحيدة لمعالجة ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام الإدارية انطلاقا من مبدإ احترام استقلال الإدارة لعدم توجيه الأوامر إليها في إطار مبدإ الفصل بين السلط.

ونعتقد أنه لامبرر للتمييز بين أحكام دعاوى الإلغاء وأحكام القضاء الشامل فيما يخص تحديد الغرامة التهديدية مادام أن النتيجة واحدة وهي امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها، وتعلق التنفيذ بإرادتها المنفردة دون إمكانية للتنفيذ الجبري وسوف نعود لمناقشة هذا الموضوع بمناسبة التطرق للغرامة التهديدية بين دعوى الإلغاء والقضاء الشامل.


كما أن مبدأ  الفصل بين السلطات المبني عليه قرار المجلس الأعلى المذكور وما يستتبعه من استقلال الإدارة لا يتخذ إلا ليضمن للموظفين العموميين حرية الحركة والتصرف وليس عد م الالتزام بقوة الشيء المقضي به.

وإذا كان حكم إدارية مكناس المعلن لأول مرة في تاريخ القضاء الإداري المغربي للمسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ يشكل قفزة نوعية في اتجاه تطوير القضاء الإداري ببلادنا فإن مجموعة من التساؤلات تثار حوله بخصوص مسألة الإختصاص.


فإذا كانت المسؤولية الشخصية للموظف لا تدخل ضمن حالة الإختصاص النوعي الوارد بالفصل 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، وإذا كان تحديد تلك الغرامة  في مواجهة المسؤول عن التنفيذ باعتباره مرتكبا لخطأ شخصي سوف تؤول في النهاية إلى تعويض تبقى الجهة المختصة بتصفية التعويض في إطار طبيعة الضرر وأهميته ومداه هي محكمة القضاء العادي وليست الإداري فهل كان القضاء الإداري في شخص قاضي المستعجلات مختص بتحديد الغرامة التهديدية في مواجهة أشخاص القانون الخاص المدعي  بوصفه من أشخاص القانون الخاص والمدعى عليه بوصفه الشخص المرتكب لخطإ شخصي ؟ وهل تكون المحكمة الإدارية لاحقا مختصة بتصفية تلك الغرامة التهديدية أمام عدم وجود نص خاص يخولها الحق في تعويض المتضرر عن الأخطاء الشخصية ؟ هاته الإشكالية سوف نتناولها بمناسبة مناقشة الجهة المختصة بتحديد الغرامة التهديدية وتصفيتها.




[1]  ـ حكم ادر عن المحكمة الإدارية بمكناس في قضية العيطاوي ضد رئيس جماعة تونفيت بالملف عدد 110/ 98 بتاريخ 3 /4 / 1998  .
[2]  ـ حكم محكمة القضاء الإداري في القضية عدد : 888  مشار إليه بكتاب تنفيذ الأحكام الإدارية والإشكاليات المتعلقة بها للأستاذ حسن عبد الواحد صفحة 595
[3]  ـ  حكم صادر عن محكمة القضاء الإداري  بتاريخ : 29 / 06 / 1950 مشار إليه في المرجع السابق
[4]  ـ  أمال المشرفي في تعليقه على حكم إدارية مكناس عدد: 110 /98  بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد : 26 يناير ومارس 1999.
[5]  ـ قرار المجلس الأعلى الغرفة الإدارية  عدد : 235 بتاريخ :11 /03 / 1999 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه