: مبــررات تطبيـــق مسطـــــرة الشقــــاق
باستقرائنـا لمقتضيات المواد
94 و 52 و 100 و 120 و 124 من مدونة الأسرة ، يتضح جليا أن مبررات تطبيق مسطرة
الشقاق تنقسم إلى سبب رئيسي يتعلق بوجود
نزاع بين الزوجين يخاف منه الشقاق (
المطلب الأول ) و باقي الأسباب نجملها في الحالات الأخرى لتطبيق مسطرة الشقاق (
المطلب الثاني ) .
المطلـب الأول : وجــود
نــزاع بين الزوجيــن يخـاف منــه الشقـــــــــــــاق
إن المبـدأ الأسمى الذي ينبغي
أن تتأسس عليه الحيـاة الزوجيـة قوامـه التشاور ، و التفاهم ، و المودة ، و أداء
كل منهما دوره على حسن وجـه ، و احترام ــــــــــــــــ
(1) ابن العربي : أحكام القرآن ، دار إحياء الكتب
العربية ، المجلد الأول ، الطبعة الأولى ، ص : 176 .
(2) الحطاب :
مواهب الجليل على مختصر خليل ، الجزء الرابع ، ص : 16 .
17
حقوق الآخر ، و الحرص على
خير الأسرة و استمرارها ، تحقيقا للغاية التي شرع الله تعالى من أجلها الزواج
بقوله : ) و من آياته أن خلق لكم من
أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينهم مودة و رحمة ( (1) ، فالعلاقة الزوجية من
المنظور الإسلامي علاقة سكن و تساكن تنشرح فيها النفوس و تتصل بها المودة و الرحمة
.
بيد أنه قد يطرأ على الحياة
الزوجية ما يكدر صفوفها و يعكر صفائها بفعل اختلاف الطباع و الأدوار بين الزوجين ،
مما يجعل الأسرة تواجه صعوبات من شأنها أن تعصف باستقرارها ، فمن الناذر أن تخلو
حياة الأسرة من أحداث و أزمات تؤدي إلى حدوث نزعات بين الزوجين تختلف طبعا من حيث
نوعيتها و تأثيرهـا ، فقد تكـون هذه النزاعات بسيطة ثم تتطور لتصبح شقاقا يستعصي
معه دوام العلاقة الزوجية ، و يحتمل أن يتلوها التوافق و التفاهم بينهما ، مما
يتيح لهما الاستمرار في جو أسري يطبعه الاستقرار كحالة طبيعية يفترض أن تكون عليها
كل أسرة ، لأن في استقرارها استقرار المجتمع و في تفككها إصابته بالتصدع و الشقاق
.
و نظرا لكون القانون يهدف
إلى ضبط و تنظيم العلاقات الأسرية من خلال
حرصه على ضمان تحقيق التعايش الفعلي بين الزوجين ، فقد عمد المشرع من خلال مدونة
الأسرة إلى صياغة قواعد قانونية مبسطة
تيسر للزوجين إمكانية التظلم أمام القضاء ، تجسدها المقتضيات المنظمة
لمسطرة الشقاق .
فكثيرة هي الحالات التي تكون
فيها النزاعات الزوجية بسيطة يمكن حلها ، غير أن السكوت عنها و تكررها و
استمراريتها يؤدي إلى تطورها و احتدامها إلى أن تصبح شقاقا ، يتعذر معه التوفيق
بين الزوجين و يقتضي حله الحكم بالتطليق بينهما ، لذلك فان العديد من الأحكام
القضائية التي صدرت بالطلاق أو التطليق
غالبا ما كانت تتأسس على أسباب واهية ، كان بالإمكان تفاديها لو تريثا الزوجين و
قدرا جيدا العواقب الوخيمة لتفكك الأسرة .
ــــــــــــــــ
(1) سورة الروم ، الآية : 20 .
18
و إذا كان الخوف من الشقـاق
الذي قد ينجم عن النـزاع الواقـع بين الزوجيـن
، يعتبر المبرر الرئيسي لتطبيق مسطرة الشقاق ، فان المشـرع المغربي لم يعرف
هذا الأخير كما فعل بالنسبة للضرر (1)
كما لم يحدد نماذج للنزاع المفضي إليه ، ولعل هذا ما يفسر الغموض الحاصل
حول المضاميـن الحقيقية لمسطرة الشقـاق ، حيث ذهب البعض إلى القول أنها تعبر مسطرة
جديدة الغاية منها توسيع حالات حق طلب التطليق الممنوح للزوجة ، فالتطليق للشقاق
بالنسبة لها يقابل حق الزوج في الطلاق ، و بذلك فمسطرة الشقاق وفق هذا الرأي تشكل
ثورة نسائية داخل مؤسسة الأسرة جاءت لتحرير المرأة من جبروت و تسلط الزوج ، بطلبها
التطليق للشقاق الذي يعتبر الحكم به مسألة حتمية متى تمسكت به (2) ، و
لعل هذا ما يفسر ارتفاع نسبة طلبات
التطليق للشقاق بعد صدور مدونة الأسرة ، و الحقيقة أن هذه المسطرة كما يستشف ذلك
من المقتضيات القانونية المنظمة لها ، تمثل مظهرا من مظاهر اتخاذ الزوجين أو
أحدهما مبادرة اللجوء إلى القضاء ، لطلب حل كل نزاع بينهما يخشى أن يؤثر سلبا على
مصير علاقتهما الزوجية ، حيث يمكن أن ندرج
على سبيل المثال كنماذج لبعض الأسباب التي من شأنها أن تفضي إلى الشقاق بين
الزوجين ما يلي (3) : النشوز بمختلف مظاهره ، السكر العلني و كثرة
التدخين داخل بيت الزوجية ، الإهمال ، ضعف الشخصية ، تسلط الزوج أو الزوجة ... الخ
.
ـــــــــــــــــ
(1) يعرف الضرر طبقا للمادة 99 من مدونة الأسرة كما
يلي : " يعتبر ضررا مبرر لطلب التطليـق ، كل تصرف من الزوج أو سوك مشين أو
مخل بالأخلاق الحميدة يلحق بالزوجة إساءة مادية أو معنوية تجعلها غير قادرة على
الاستمرار في العلاقة الزوجية " ، كما أن كل إخلال بشرط من شروط عقد الزواج
يعتبر طبقا لهذه المادة ضررا يبرر طلب التطليق .
(2) فوزيـة برج : "مسطرة الشقاق ثورة نسائية
داخل مؤسسة الأسرة " ، جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 7927 ، 5 ماي 2005 ، و قد
أكدت زهور الحر على حق المرأة في الحصول على التطليق للشقاق متى تمسكت به ، "
مدونة الأسرة : تحديات التطبيق " ، ندوة : " نساء المتوسط و حقوقهن
" فاس ، 28 –29-30 أبريل 2005 .
(3) عبد الصمد خشيع : "مسطرة الشقاق على ضوء
مدونة الأسرة" ، مجلد الملف ، عدد 7 ، أكتوبر 2005 ص: 190 و ما بعدها .
19
أما الشقاق فيعرف لغة من شق
يشق شاقه أي خالفه و عاداه ، و في القرآن الكريـم : ) ذلك بأنهم شاقـوا الله و رسوله و من يشاقـق الله و رسوله فان الله شديد
العقاب ( (1) ، و عرفه ابن منظور بأنه :» غلبـة العـداوة والخلاف ،
شاقـة مشاقة
و شقاقا خالفه ، و الشقاق
العداوة بين فريقيـن و الخلاف بين اثنين «(2) ، أما في الاصطلاح الفقهي و
القانوني فيعرف بأنه الخلاف العميق و المستمر بين الزوجين لدرجة يتعذر معها
استمرار العلاقة الزوجية في الحال و المآل (3) .
بعد هذا التحديد لكل من
الشقاق و النزاع المفضي إليه ، تجب الإشارة إلى أن من مظاهر سوء فهم روح مسطرة
الشقاق ، كما يؤكد ذلك الواقع العلمي الذي تعكسه الأحكام القضائية الصادرة في
الموضوع ، أن العديد من الطلبات التي تقدم بشأن التطليق للشقاق ، تجعل هذا الأخير
مستوعبا لكافة الأسباب الأخرى المبررة لطلب التطليق المنصوص عليها في المادة 98 من
مدونة الأسرة ، و نورد على سبيل المثال نماذج لبعض تلك الأحكام الصادرة عن بعض
الأقسام قضاء الأسرة بالمملكة :
- حكم صادر عن ابتدائيـة الرماني بتاريخ 29 أكتوبر 2004 قـضى بالتطليق للشقاق
بسبب العجز الجنسي للـزوج ، جاء فيه : » ... و حيث أسست الزوجة الأسباب الداعية لطلبها على كون الزوج
يعاني عجزا جنسيا نتج عنه أنها لازالت بكرا رغم معاشرته لها معاشرة الزواج مما أثر على نفسية الرجل و تعذر عليها
الاستمرار معه على هاته الحالة رغم مرور حوالي ثلاث سنوات على زواجهما ، و أنه
أمام تخلف الزوج ونفيه أو إثباته لهاته الوقائع تعذر على المحكمة محاولة الصلح
بينهما ، و حيث أن الشقـاق هو الخلاف العميـق و المستمر بين الزوجين لدرجة يتعذر
معها استمرار
ــــــــــــــــ
(1) سورة الأنفال ، الآية : 13
(2) ابن منظور : لسان العرب ، الجلد العاشر ، ص : 183
.
(3) الدليل العملي لمدونة الأسرة ، وزارة العدل ،
سلسلة الشـروح و الدلائل 2004 ، ص : 81 ، كما أشار هذا التعريف محمد الشتوي في :
الإجراءات الإدارية و القضائية لتوثيق عقد الزواج ، المطبقة و الوراقة الوطنية
مراكش ، طبعة 2004 ، ص : 215 .
20
العلاقة الزوجية دون تحديد
المشرع للحالات محددة داخلة في نطاقه ، بل هو مفهوم واسع وعام لا يشمل حالات
بعينها ، و حيث أنه بمقتضى المادة 97 من مدونة الأسرة فانه في حالة تعذر الإصلاح و
استمرار الشقاق تحكم المحكمة بالتطليق و المستحقات طبقا للمواد 83 و 84 و 85 من
المدونة ، و حيث تكون بهذه الإجراءات المتعلقة بمسطرة الشقاق قد استوفت شكلها
المنصوص عليها في الفصول 94 إلى 97 « (1) .
-
حكم صادر عن ابتدائية طنجة –
قسم قضاء الأسرة – بتاريـخ 15/5/2005 قضى بتطليق الزوجة من زوجها للشقاق لكونه
يعتدي عليها بالضرب و لا ينفق عليها و أنه
يهددها بالقتل و يشتمها ، جاء فيه : » بناء على مقال الدعـوى المسجل بكتابة الضبـط عند المحكمة بتاريخ
03 يناير 2005 و المعفي من الرسوم القضائية بقوة القانـون ، و الذي تعرض فيه
المدعية أنها زوجة المدعى عليه على سنة الله و رسوله و أنها لها منه أبناء ... و
أنه يعتدي عليها بالضرب و لا ينفق عليها و أنه يهددها بالقتل و يشتمها و لأجله ،
فإنها تلتمس الحكم بتطليقها للشقاق ... « (2) ، و كذلك قضت نفس المحكمة
في حكم آخر بالتطليق للشقاق لكون الزوج يعرض زوجته لمجموعة من الإهانات و الضرب و
أنه يغيب عليها لمدة طويلـة ، مما جعل استمرار العلاقة الزوجية بينهما أصبحت
مستحيلة (3) .
- حكم صادر عن ابتدائية تاونات – قسم قضاء الأسرة – بتاريخ 26/01/2004 قضى
بالتطليق للشقاق لكون الزوج لم يعاشر زوجته بالمعروف و يعرضها للضرب و الشتـم
باستمرار ، فضلا عن إهماله لها و طردها من بيت الزوجيـة ، و مما جـاء فيـه : » بناء على المقال الافتتاحي
الذي تقدمت به المدعية بواسطة محاميها ... و الذي تعرض فيه أنها متزوجة بالمدعى
عليه بمقتضى عقد النكاح ... و أنه منذ تاريخ الزواج
لم يعاشرها بالمعروف و
يعرضها للضرب و الشتـم باستمـرار فضلا عن إهماله لها ــــــــــــــــ
(1) منشور في جريدة العلم عدد 200046 ، الخميس ربيع
الأول 1426 الموافق 14 أبريـل 2005 تحت
عنوان : " مفهوم الشقاق في مدونة الأسرة : تطليق الزوجة بسبب العجز الجنسي
للزوج " .
(2) حكم رقم 903 ، ملف شخصي عدد 06/2005 ( غير منشور
) .
(3) حكم صادر بتاريخ 14/09/2005 ، رقم 1802 ، في ملف
شخصي ، عدد 1145/05 ( غير منشور ) .
21
و طردها من بيت الزوجيـة مما
لم تعد معه مطيقـة نفسيـا و عصبيا الاستمرار معه و أضحت غير مرتاحة لمعاشرته و
قررت عدم الالتحاق به ، لذلك تلتمس الحكم بتطليقها منه و الحكم بالمستحقات المنصوص
عليها في المـواد 83 و 84 و 85 لمدونة الأسـرة ... « (1) .
و بذلك فلئن كان المشرع قد
توخى من إخضاعه للطلاق الذي هو من حق الزوج لرقابة و إشراف القضاء ، الحيلولة دون
المبالغة و التعسف في اللجوء إليه تفاديا لكل المشاكل الناجمة عن ذلك ، فانه في ظل
ما يجري به العمل بخصوص التطبيق القضائي لمسطرة الشقاق ، يكون قد فتح بابا واسعا
تستطيع الزوجة من خلاله ولوج القضاء لطلب التطليق للشقاق ، و الحصول عليه متى
تمسكت به بناء على أسباب تتضرع بها و لو كانت تتعلق بحالات أخرى لطلب التطليق ، على اعتبار أن الشقاق يستوعبها
جميعها في ظل غياب التعريف التشريعي له يحدد نطاقه و يحصر حالاته ، في حين أنه
مادام أن المشرع حدد في مدونة الأسرة لكل سبب من أسباب التطليق المنصوص عليها في
المادة 98 أحكامها و مسطرتها الخاصة بها ، فان المنطق القانوني يقتضي أن تبادر
المحكمة إلى عدم الاستجابة لطلبات التطليق للشقاق ، إلا إذا كانت مؤسسة حسب
قناعتها على مبرر موضوعي و مقبول ، يكشـف في عمقـه عن وجود نزاع عميـق و مستمر
يتعذر معه استمرارية العلاقة الزوجية ، و ذلك بعد قيامها بكل الإجراءات القانونية
الضرورية التي توصلها إلى هذه القناعة .
عموما فالسماح للزوجين أو
أحدهما باللجوء إلى القضاء لطلب حل كل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق ، من شأنه بناء
على ما سبق أن يساهم في معالجة بعض الأسباب الكامنة وراء ارتفاع نسبة الطلاق و
التطليق ببلادنا ، إذا ما تم تفعيل الإجراءات المسطرية لدعـوى الشقاق في اتجاه
يراعي هاجس الحفاظ على استقـرار و تماسك الأسرة ، تفنيذا للرأي السائد بكون مسطرة
الشقاق وسيلة سهلة للحصول على التطليق في أقرب وقت و بأبسط الإجراءات .
ــــــــــــــــ
(1) حكم رقم 67 في ملف شخصي عدد 579/04 (غير منشور) .
22