مفهــوم الخطــــأ وصـــــوره في القانون الجزائري

0
v     مفهــوم الخطــــأ  وصـــــوره

المطلــب الأول :  مفهــــــوم  الخطــــــــأ

لم يعرف المشرع الجزائري الخطأ الجزائي واستعمل عدة صور للتعبير عنه.

عموما يمكننا تعريف الخطأ الجزائي بأنه تقصير في مسلك الإنسان لايقع من شخص عادي وجد في نفس الظروف الخارجية.

ولكن من هو الشخص العادي الذي يجب أن تقاس على صورته تصرفات الفاعل ؟

فأما القانون المدني فقد أعتمد مفهوم الأب الصالح كمعيار موضوعي للرجل العادي ذي الحيطة والحذر ، علما أن القضاء يسوي بين الخطأ المدني والجزائي ، كما نوضحه لاحقا

وأما القانون الجزائي فقد ترك الأمر للقاضي الذي عليه مقارنة تصرف الفاعل بتصرف رجل عاد في نفس الوضع وجد فيه.
         
         كما أن القضاء أعطى تعريفات مختلفة للخطأ ومن بين تلك التعريفات هو أنه كل فعل أو ترك إرادي تترتب عليه نتائج لم يردها الفاعل مباشرة ولابطريق غير مباشر ، ولكنه كان في وسعه تجنبها ويترتب على هذا التعريف ثلاثة أمور :
ـ 02ـ

01 ـ أن السلوك الإجرامي في الخطأ كما يكون في الفعل الإيجابي ، يكون  بالفعل السلبي وذلك حين يكون على الجاني إلتزام ولكنه أمتنع عن أدائه  بإرادته.
02 ـ أن السلوك الإجرامي في الخطأ تترتب عليه نتائج ضارة لم يردها الجاني ولم يقصد إليها  باي صورة من صور القصد الجنائي أو العمدي

03 ـ أن هذه النتائج الضارة التي نتجت عن الخطأ كان في إمكان الجاني تجنبها ، مما يعبر على صورة الخطأ غير العمدي التي نص عليها القانون أي أن حدوث تلك النتائج كان بسبب تقصير من الجاني.
              وأما الفقهاء المسلمون فيربطون الخطأ بصورتين ،  خطأ في الفعل أو خطأ في القصد والخطأ في الفعل كمن يطلق النار على حيوان فيخطئه ويصيب إنسانا وأما الخطأ في القصد   فكما يحدث في الحرب حيث يطلق النار على العدو ثم يتبين أنه لم يكن كذلك ،فمتى توفرت إحدى الصورتين أنتفى القصد الجنائي وعومل الجاني معاملة المخطىء ونشير في أخر هذا التقديم لدراسة الخطأ غير العمدي ، إلى أن العمد هو الأصل في إرتكاب الجرائم والخطأ إستثناء ، لأن الجريمة سلوك شاذ قلما يحدث لوحدة وإنما يرتبط حدوثه عادة بإتجاه الإرادة إليه ومن لم تكن له إرداة أثمة فإنه لايقع في السلوك الشاذ المجرم الإ بصورة من صور الخطأ التي نص عليها القانون.

المطلــب  الثانـــي   :  صـــــور  الخطـــــأ

نصت المادة ( 288) من قانون العوبات الجزائري على خمسة صور للخطأ ، حيث ورد فيهاكل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك  برعونته أو عدم إحتياطه أو عدم إنتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته الأنظمة يعاقب بالحبس من ستة اشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية من 1000دج إلى 20000دج وليست هذه الصور خاصة بالقتل بل تشمل الجرح أيضا كما في المادة 289 ، كما أن هناك موادا أخرى تضمنت بعض صور الخطأ كالمادتين 157 ـ 159 اللتين تضمنتا الحديث عن الإهمال ، كما تضمنت الفقرة الثانية من المادة 442 جميع صور الخطأ تماما مثل المادة 288
 كما تضمنت المادة 457 صورتي عدم الإحتياط والرعونة وسوف نفصل القول في كل صورة على حدى :

01 ـ الرعونـــــــــة : تعني في اللغة الحمق والإسترخاء ومن ثم فهي تشير إلى الطيش والخفة ونقص المهارة والخبرة في عمل مادي أو فكري التي تتطلبها بعض الأعمال ومثال على ذلك  في الرعونة في العمل المادي أن يقوم شخص بتحريك آلة وهو يجهل كيفية إستعمالها فتؤدي إلى جريمة  ومثالها ما يتسبب فيه المهندسون والأطباء عند الشروع في أعمالهم مما يؤدي إلى أخطاء جسيمة يترتب عليها إصابات متفاوتة ، فحكم الطبيب المولد مثلا يسأل عن جريمة القتل الخطأ إذا هو نسي ربط الحبل السري وترك الطفل بغير عناية بعد مولده ، أو أن يقدم طبيب دواء لمريض لايتناسب مع مرضه فيموت إثر تعاطيه هذا الدواء ، هنا تكمن الرعونة في العمل  الفكري.
ـ 03 ـ

02 ـ عدم الإحتيـــــاط : تشمل هذه العبارة كل أخطاء الفاعل التي بمقدوره أن يتفاداها لو أحتاط لذلك ، فهو يدرك المخاطر التي قد تترتب وتنتج عن فعله ولكنه  يستخف بالأمر ويقدم على فعله ، كأن يقود سيارة بسرعة بالقرب من مدرسة مع علمه وتوقعه لخروج التلاميذ فجأة بين لحظة وأخرى ولكنه غلب على إعتقاده عدم خروجهم في هذا الوقت فصدم طفلا ، وكالمرضعة التي تنام مع رضيعها فتتسبب في قتله بنومها عليه والإحتياط في  الأصل هو التصرف مع توقع الأسوء.
03ـ  الإهمــال وعدم لإنتبـــــاه :  هو إغفال الشخص بإتخاذ الإحتياط الواجب أخذه غالبا ما يحدث  بأعمال سلبية كالإمتناع أو الترك ، فالشخص المكلف بالعناية بالطفل أو المريض فيهمل في العناية به حتى يموت والمالك الذي يتسبب في فعل أو جرح إنسان بإهماله وضع  إشارة تحذير وتنبيه على الحفرة التي حفرها أمام منزله في مكان عام يمر به الناس ويمكن القول على وجه العموم جميع الأحوال التي يهمل فيها شخص إتخاذ الإحتياطيات اللازمة  لحماية الأشخاص الذين يمرون أو يتواجدون بالقرب  من ألات أو أدوات يمكن أن يستبب فيها ضرر للغير. ومثال على ذلك الشحص الذي يطلق سراح حيوان متوحش فيؤذي الناس.

04 ـ عـــدم مراعــاة الأنظمــــة : هذه صورة من صور الخطأ التي نص عليها القانون ورتب المسؤولية عما يقع بسببها من النتائج الضارة ولولم يثبت على من أرتكبه اي نوع  أخر من الخطأ ، وبناء عليه حكم بأنه إذا أطلق شخص عيارا ناريا من داخل منزله فتسبب في إصابة فتاة فلا يقبل دفاعه بأنه لم يكن في  إستطاعته أن يبصرها لوجوده حائط وسياق كان بإمكانه أن يراها أم لا ، لأن الشخص بمجرد مخالفته لللوائح والأنظمة يعد في حكم المخطىء إذا وقعت منه حادثة وهو مرتكب لهذه المخالفة

               وحكم بأنه إذا سلم صاحب سيارة قيادة سيارته إلى شخص يعلم هو أنه غير مرخص له في القيادة، فصدم هذا الشخص إنسانا فقتله كان صاحب السيارة مسؤولا هو أيضا عن هذه الحادثة ، لأنه إذا سلم قيادة  سيارته لذلك الشخص غير المرخص له في القيادة يكون قد خالف لائحة السيارات فيتحمل مسؤولية ما وقع من الحوادث بسبب عدم مراعاة الأنظمة ومن هذا القبيل أيضا أن يتسبب قائد سيارة في قتل شخص أو إصابته بزيادة السرعة أو بالسير في وسط الطريق أو بسماحه بركوب اشخاص  زيادة عن العدد المقرر مما يتسبب عنه سقوط السيارة في ترعة وقتل شخص أو إصابته ، إذ يجب أن نذكر أن مخالفة القانون والأنظمة لايترتب  عليها مساءلة المخالف عن النتيجة التي وقعت الإ إذا كانت هذه النتيجة سببها المخالفة التي حصلت فرابطة السبية شرط لازم يجب مراعاته ، بمعنى انه لوتدخل عامل أخر يصح  أن تلقى عليه تبعية النتيجة فلا يكون المخالف مسؤولا عنها وبعبارة ثانية يجب ألا يتصور وقوع الحادثة بذاتها الإ بواسطة المخالفة التي إرتكبها الجاني.
              ويجب على القاضي أن يبين الخطأ في المسائل الجنائية عندما يصدر حكمه والإ كان معينا ولايكفي في إثبات الخطأ القول أن رعونة الجاني أو عدم إحتياطه أو مخالفته للأنظمة هي السبب في إصابته ووفاة المجني عليه، بل يجب أن يوضح لنا الحكم الرعونة وعدم الإحتياط التي خالفها المحكوم عليه ، إذ لايترتب أي عقاب على ألفاظ عامة مبهمة ونتى ثبت  الخطأ في الحكم فإنه لايخضع لرقابة محكمة النقض عليه فيها ما لم يكن إستنتاجه مخالفا لتعريف الخطأ وصوره.
ـ 04 ـ
05 ـ النتيــــجة المعاقب  عليها :  يشترط لتطبيق المادتان 288 و 289 من قانون العقوبات الجزائري أن يحدث قتل أو جرح يلحق بالمجني عليه وإذا لم تتحقق هذه النتيجة فلا قيام للمسؤولية الجنائية مهما توافر من خطأ الجاني ومهما كان هذا الخطأجسيما.

06 ـ رابـــــطة السببيــة  : تكلمنا عن علاقة السببية بصفة عامة في الفترات السابقة وطبيعة هذه العلاقة واحدة وثابتة لاتتغير في الجرائم العمدية عنها في الغير عمدية من حيث أن تستلزم إمكان تسبيب النتيجة إلى خطأ الجاني ومساءلته عنها طالما أنها كانت تتفق والمجرى العادي والمألوف للأمور، وعدم مساءلة الجاني إذا ما تداخلت عوامل شاذة غير عادية أو مألوفة في توقعها ، فلايكفي في  الإدانة في القتل والإصابة الخطأ أن يثبت وقوع ضرر وحصول خطأ  بل يجب أيضا أن يكون بين هذين العنصرين رابطة السببية ، وتكلمنا فيما سبق عن مساهمة أكثر من شخص في إحداث النتيجة وإعتبارهم مسؤولون جميعهم بوصفهم فاعلين أصليين لأن تعدد الأخطاء هنا يوجب مساءلة كل منهم ايا كان مقدار الخطأ المنسوب إليه ويستوي أن يكون سببا مباشرا أم غير مباشر في حصوله ، مادام أنه قد أمكن تحديد الفاعلين المتسييين في النتيجة المعاقب عليها ، فسائق السيارة الذي ينفذ أمر ورجاء راكبها بالسير بسرعة بهما ليصل إلى  موعده في الوقت المحدد ، فيتسبب عن تلك السرعة موت رجل ، فقائد السيارة هو فاعل القتل الخطأ أما الراكب فهو الشريك له.
                   ورابط السببية عنصر من عناصر جريمة القتل الخطأ والإصابة الخطأ ، يجب إثباتها وبيانها في الحكم القاضي بإدانة المتهم وإذا حكم بإنتفاء وإنقطاع رابطة السببية وبراءة المتهم يجب أن يبين في الحكم كيف يمكن تصور وقوع الحادث بدون الخطأ الذي أرتكبه المتهم.
وفيمايلي نستعرض  إستقلال صور الخطأ عن بعضها البعــــض
01)                     إن كلا من الرعونة وعدم الإحتياط وعدم مراعاة الأنظمة مستقل عن الأخر ، حيث يمكن توافر الرعونة رغم أن كل اللوائح المنظمة لنشاط معين تثبت مراعاتها.
02)                      إن كلا من الرعونة  أو عدم الإحتياط كاف . ومن ثم لايتطلبان عدم مراعاة الأنطمــة.

03)                     إن عدم مراعاة الأنظمة تؤخذ بعين الإعتبار رغم عدم تشكيلها في حد ذاتها لجريمة جنائية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه