الأدلة ذات الحجية غير القاطعة tفي الاثبات الجزائي في القانون الجزائري

0

 المبحث الأول

الأدلة ذات الحجية غير القاطعة

 

الأدلة ذات الحجية غيرا لقاطعة هي كل دليل حدد المشرع حجيته بنص القانون ، ولم يترك المجال فيه للقاضي لإعمال سلطته التقديرية بشأنه إلا أنه يتميز من مجمل أدلة الإثبات بأنه قابل لإثبات عكسه لذا كانت حجيته غير قاطعة وهذه الأدلة تنحصر في  الكتابة والإقرار .                                               والدليل الكتابي  هو طريقة يبين  بها المتقاضي حقيقة اتفاق ما أو واقعة قانونية تكون هي مصدر حقه الذي يدعي به أمام القضاء(1) وانه وان كان المبدأ هو الإثبات بالكتابة فذلك ليس خروجا عن مبدأ الرضائية * باعتباره وسيلة لإثبات الحق لا شرطا لوجوده ، فإذ لم يثبت الاتفاق بدليل كتابي  أو كان الدليل باطلا ،  فهذا لا يمنع من وجود الحق الذي يمكن إثباته بوسائل أخرى * والأدلة الكتابية تنقسم إلى  سندات رسمية و عرفية و كتابات خاصة و هذه التقسيمات تنبئ عن  وجود تفاوت بين الأدلة من حيث القوة و الحجية التي رصدها لها المشرع ، و ذلك ما سنقوم بتبيانه في المطلب الأول و نقوم بعدها بتبيان سلطة القاضي في وجوب تقدير الدليل الكتابي و شروط قبول الاستدلال به و نبين الاستثناءات التي ترد على وجوب دليل كتابي كامل و سلطة القاضي في تقدير كل حالة من هذه الحالات.

والإقرار القضائي هو كل تصريح يدلي به الخصوم أمام القضاء عن صحة واقعة معينة أو إثباتا لوجد    علاقة قانونية هذا ما سنبينه في المطلب الثاني.

 


1- الدكتور يحي بكوش : أدلة الإثبات في القانون المدني الجزائري والفقه الإسلامي-المؤسسة الوطنية للكتاب –الجزائر طبعة 2. ص71.

* حسب المادة 351 من القانون المدني.

* ولا تستثني من هذه القاعدة إلا العقود الشكلية التي لا وجود للحق دون إفراغه في شكل رسمي مثال المادة 120من القانون التجاري.

 

 

المطلب الأول

الدليـــــــــــــل الكتابــــــــــــــــي

الفرع الأول : قوة الدليل الكتابي في الإثبات :

           إن الدليل الكتابي و إن كانت له حجية مطلقة في الإثبات إلا أن هذه الحجية تختلف بحسب أنواع الدليل فقد تبلغ حدها الأقصى في السندات الرسمية و العرفية و تتراوح بين قيمة السند العرفي من جهة ودليل استئناس من جهة أخرى  في الكتابات الخاصة و ذلك ما سنقوم بدراسته .

أولا : قوة السندات الرسمية : 

         تنص المادة 324 من القانون المدني " العقد الرسمي عقد يثبت فيه موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم لديه أو ما تلقاه  من ذوي الشأن وذلك طبقا للأشكال القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه " فاختلال أي شرط من شروط المادة المذكورة أعلاه تجعل  الورقة الرسمية باطلة وبمفهوم المخالفة أنه بمجرد توافر الشروط الثلاثة المتقدمة في المحرر تكتسب بذلك الصفة الرسمية

وتصبح للورقة القوة الذاتية في الإثبات لذا كل من قدم ورقة رسمية للقضاء تتوافر على الشروط السابقة لا يطلب منه إثبات صحتها بل إن كل من أنكر حجيتها عليه أن يطعن فيها(1) ولا يقبل أي طعن إلا بالتزوير فالورقة الرسمية تعتبر حجة لا يمكن إبعادها ما لم يثبت تزويرها فإذ لم يتم ذلك فلا يمكن إثبات العكس ولو كان هناك مانع أدبي (2) .

         و ما يمكن استخلاصه أن السندات الرسمية من الأدلة التي منحها القانون الحجية المطلقة في الإثبات ما لم يطعن فيها بالتزوير المادة 324 من القانون المدني الفقرة 4-5-6.            

         وبذلك فان الخصم الذي يتمسك بورقة رسمية لتأييد حقه لا يلزم بإثبات صحتها إذ كانت تبدو عليها علامات الرسمية مثل خاتم الإدارة وتوقيع الموظف وما شبه ذلك(3 ) لان ذلك يوحي بالثقة في مصدرها  والسؤال الذي يطرح في هذا المجال :

هل لصورة الورقة الرسمية الحجية ذاتها للورقة الرسمية أم لا ؟

          إن الإجابة على هذا السؤال يجرنا للمادة 325-326 من القانون المدني و من خلالهما نميزبين الحالتين الآتي بيانهما :

 


1. الدكتور محمد زهدور : الوجيز في طرق الإثبات المدنية في التشريع الجزائري  طبعة 1991 ص27

2. قرار صادر عن المحكمة العليا غرفة القانون الخاص بتاريخ 17/03/1982 من ملف رقم 23156 .

3. الدكتور يحي بكوش : المرجع السابق الصفحة 130

 

 

 

- حالة وجود الورقة الرسمية: I

        انه حتى تكون للصورة حجية الورقة الرسمية ذاتها فان القانون يشترط توافر أمرين أساسين تبنى عليهما قرينة قانونية * إحداهما أن يكون أصل الورقة الرسمية موجودا " أي محفوظ " وذلك لإمكانية

الرجوع إليه عند الحاجة ، والثانية أن تكون هذه الصورة رسمية لا عادية وتكون حجة ما لم يقع فيها نزاع بين الخصوم ، وإذا  وقع تنازع فيها وجب مطابقتها للأصل (1) فتعين على المحكمة آنذاك إصدار قرار يضم الأصل إلى الملف ( ملف الدعوى )،  وبذلك تتمكن المحكمة من مضاهاة الصور عليها فإذا

ثبت التطابق بينهما ثبتت الحجية وإلا استبعدت الصورة و بقي  الأصل في الدعوى (2)  

 

- في حالة غياب أصل الورقة الرسمية :II

         وتشمل هذه الحالة كل الصور التي ينعدم فيها الأصل نتيجة تلفه أو حرقه وحسب المادة 326 من القانون المدني في هذا الصدد يمكننا التفرقة بين الحالات التالية :

1- أذا كانت الصورة الرسمية منقولة مباشرة عن الأصل الضائع تعتبر صورة رسمية أصلية ولها  حجية  الأصل المفقود،  ذلك ما دامت ذات شكل خارجي لا يسمح بالشك فيها وإلا فقدت حجيتها (3).

2. إذا نقلت الصورة الرسمية من صورة رسمية أخرى  وكانت للصورة المفقودة حجية الورقة الأصلية وهنا يجوز لكل من الطرفين أن يطلب مقابلة الصورة المنقولة للصورة المنقولة منها .                   

3.إذا نقلت الصورة من صورة غير منقولة مباشرة من الصورة الأصلية ،  أي أنها بالنسبة للأصل صورة ثالثة وهي لا تتمتع بقرينة مطابقتها للصورة الأصلية ولا حجة لها و لا يعتد بها إلا على سبيل الاستئناس (4)

           ويبقى السؤال المطروح هنا: هل  كل ما تضمنته الورقة الرسمية من بيانات لها الحجية المطلقة في الإثبات؟  وكذا قابليتها للطعن فيها بالتزوير ؟

 

 

                  

* تعتبر قرنية قانونية على متطابقة الصورة للأصل غير أنها قرنية قابلة لإثبات العكس ( بسيطة ).

1. الدكتور يحى بكوش : المرجع السابق لصفحة 121 – 122

2. الدكتور عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في القانون المدني الجديد الجزء 2 دار احياء التراث العربي بيروت لبنان ص 164-916

3. الدكتور عبد الرزاق السنهوري : المرجع السابق الصفحة 166 – 167 – 168    

4.الدكتور أحمد  نشأت : رسالة الإثبات الجزء الثاني الصفحة :68

 

 

                                                  

إن البيانات التي تضمنتها السندات الرسمية نوعان :

         النوع الأول : هو كل ما قام به الموظف العام أو الشخص المكلف بخدمة أو الضابط العمومي بذاته وفي حدود  سلطته أو وقعت من ذوي الشأن في حضورهم وتحت مشاهدتهم فتلك البيانات صحيحة ولها الحجية الكاملة والمطلقة حتى الطعن فيها  بالتزوير وذلك ما قضت به المحكمة العليا بقولها إن الورقة الرسمية هي حجة في الإثبات ولا يمكن استبعادها ما لم يثبت تزويره "قرار بتاريخ 18/07/1982 ملف رقم 23156"  انظر الملحق  

         النوع الثاني:  وهو كل بيان يخرج عن النطاق السابق بحيث تكون البيانات الهامشية لا علاقة لها بصلب موضوع العقد ، فهي بيانات صحيحة  حتى ثبوت عكسها بأي دليل و بأية وسيلة من وسائل الإثبات المختلفة * وللإشارة إن قاضي الموضوع وحده من له تقديرها إذا كانت البيانات من صلب

العقد أم لا (1) والقاضي في نفس السياق له تفسير العقد أو السند الرسمي وذلك لا يعتبر مساسا بالحجية المرصودة للسند الرسمي في أي شكل من أشكاله  ويبقى دائما للمحكمة إسقاط قيمة السند الرسمي في        الإثبات أو إنقاصها من تلقاء نفسها أو بعد القيام بالتحقيق بشأنها ولصا حب الحق أيضا التنازل عنها

إذا كانت الورقة الرسمية حجة بما فيها على أطرافها إلا حتى إسقاطها والتنازل عليها فتبقى  بذلك حجة على الغير بكل مادون فيها من بيانات(2).

ثانيا : قوة السندات العرفية

       بالرغم من إن المشرع لم يعرَف السندات  العرفية  إلا انه يمكن منحها  تعريفا كالتالي : " هي سندات معدة  للإثبات يتولى تحريرها وتوقيعها أشخاص عاديون بدون تدخل من الموظف العام " (3)

 و حسب هذا التعريف يشترط  في المحرر العرفي شرطان أساسيان وهما التوقيع والكتابة وانه مادامت الورقة العرفية ليست حجة في ذاتها بوجود دليل يدل على صدورها ممن آلت  إليه فيقع بذلك إثباتها على من يحتج بها وذلك بطلب إجراء مضاهاة الخطوط والتوقيعات وذلك عملا بالمادة 76 من      

قانون الإجراءات المدنية  فان ثبت صدور المحرر ممن وقعه ثبتت حجيته على من أنكره وتعين على

 

 


*أنظر المادة 14 من القانون 88/27 تبدو أنها جعلت الطعن بالتزوير في كل بيان و الأصل أن يكون ذلك إلا في الوقائع المادية من عمل الموظف العام

1. الدكتور يحي بكوش :  المرجع السابق الصفحة 115إلى 117

2. المادة 30 . 43 . 156 من قانون الإجراءات المدنية

3. الدكتور عبد الوهاب العشماوي : إجراءات الإثبات في المواد المدنية و التجارية . دار الفكر العربي الصفحة 46

الدكتور أحمد  نشأت : رسالة الإثبات الجزء الثاني الصفحة :68

 

 

       القاضي أن يقضي بها ، و الورقة العرفية يمكن إثبات عكسها بالكتابة و الإقرار و اليمين و البينة

 و القرائن القضائية إذا استخدمت في الإثبات على أنه لا يجوز إثبات التصرف القانوني الذي تزيد قيمته عن مائة ألف دج ، حسب المادة  333 من القانون المدني المعدلة بنص المادة 48 من القانون رقم 05/10 المؤرخ في 20 يونيو 2005 بشهادة الشهود ، وذلك حسب الاجتهاد القضائي الذي قضى بان الورقة العرفية ليست حجة في مضمونها في حالة ما احتج عليها طرف من المتعاقدين (1).

         وعلى من يتمسك بها أن يثبت الوقائع التي نصت عليها المحكمة  كما جاء في إحدى قرارات المحكمة العليا "  أن الورقة العرفية لم تكن لها قوة الإثبات إلا إذا كان معترفا بالتوقيع عليها من الطرف الذي يحتج عليه بها أو بعدما ثبت ذلك على اثر التحقيق عن طريق القضاء وفي حالة إنكار التوقيع على الورقة العرفية يتعين على الطرف الذي يتمسك بها أن يثبت حقيقتها (2).                                                  وانه وان كان للورقة العرفية حجة بين الأطراف المتعاقدة بالنسبة للتاريخ فانه لا يمكن أن يحتج بالتاريخ بالنسبة للغير إلا إذا اكتسب درجة من اليقين تجعله أكيدا أو غير قابل للجدل ولقد جاء في المادة 328 من القانون المدني أن" لا يكون العقد العرفي حجة على الغير في تاريخه إلا منذ أن يكون له تاريخ ثابت  و يكون تاريخ العقد  ثابتا ابتداء :

. من  يوم تسجيله  

. من يوم ثبوت مضمونه في عقد آخر حرره موظف عام

. من يوم التأشير عليه على يد ضابط عام مختص .

. من يوم وفاة أحد الذين لهم على العقد خط  و إمضاء

غير أنه يجوز للقاضي تبعا للظروف ، رفض تطبيق هذه الأحكام فيما يتعلق بالمخالصة"

فلقد جاء في إحدى قرارات المحكمة العليا  ما يلي "  العقد العرفي – حجية تاريخه على الغير – من يوم تسجيله – القضاء بخلاف ذلك – نقض قرار مؤرخ في 25/03/1992 ملف رقم 81688 غير منشور(3).

 


1.قرار  صادر في 03/04/1968 نشرة القضاة 1968 الجزء الثاني الصفحة 37 .

2. قرار صادر عن غرفة القانون الخاص بتاريخ 23/02/1966 مجلة وزارة العدل 1967الصفحة 363

3.الأستاذ عمر بن سعيد : الاجتهاد القضائي وفقا لأحكام القانون المدني ، دار الهدى عين مليلة الجزائر الصفحة 188.

 

 

 

 

ثالثا : قوة الكتابات الخاصة

            لقد نص المشرع على هذه الكتابات في الباب السادس من القانون المدني تحت عنوان إثبات الالتزام في فصله الأول الإثبات بالكتابة من المادة 329 إلى المادة 332 منه و الأصل  في هذه الكتابات أنها لم تعد مسبقا لإثبات بل هي أوراق ودفاتر ومذكرات يحررها الناس بأنفسهم نتيجة معاملات يومية  وهذه الكتابات يمكن تقديمها أمام القضاء لتدعيم  اقتناع القاضي ولو بصفة جزئية لاعتبارها أوراق حررت في غير وقت النزاع عن الغالب وتشمل بعض المعلومات عن النزاع وبذلك لا يسمح للقاضي أن يتخلص منها نتيجة حاسمة ونهائية في تقرير القضية ، وللإشارة فان اغلب هذه الأوراق غير موقع عليها من أطرافها.                                                                                                                 

         وقبل التطرق لدراسة هذه الأوراق لابد من الإشارة أنها وان كانت أقل درجة من الكتابات الرسمية إلا أنها تتفاوت فيما بينها من حيث القوة و الضعف في تكوين الاقتناع مما وجب علينا دراسة كل واحدة على حدا.

.الرسائل : I

         الرسالة هي كل كتابة مخصصة لربط علاقة بين شخصين أو أكثر لغرض من الأغراض ، وهي ملك للمرسل إليه بمجرد وصولها إليه (1) وتعتبر الرسالة اليوم سيما بعد التطور والتقدم الصناعي والعلمي وسيلة إثبات ذات أهمية بالغة حيث نصت المادة  329 من القانون المدني في فقرتها الأولى على انه " تكون للرسائل الموقع عليها قيمة الأوراق العرفية من حيث الإثبات ...." .                               

          وما يمكن استخلاصه من خلال هذه المادة أن المشرع لم يترك قيمة الرسائل في الإثبات لتقدير القاضي بل عمد إلى إقرار حجيتها والتسوية بينها وبين المحرر العرفي مادامت قد توافرت على شروط السند العرفي من توقيع وكتابات خاصة بطبيعة  الحال والقاضي عند تفسير عبارات الرسالة يطبق  في ذلك القواعد العامة المقررة لتفسير عبارات العقود (2).

        والأمر نفسه في القانون الفرنسي الذي اعتبر الرسالة دليلا كاملا وذلك من خلال  ظروف معينة وحسب تقدير القاضي لذلك وقد تكون فقط مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد دليل على سبيل الاستئناس بعد أن

كان القانون المدني الفرنسي لسنة 1804 لا يتعرض لقوة الرسالة كدليل من أدلة الإثبات (3).             

 


1.الدكتور عبد الرزاق السنهوري : المرجع السابق صفحة 246 .

2. الدكتور عباس العبودي : شرح أحكام قانون الإثبات المدني . دار الثقافة للنشر و التوزيع 1999صفحة 167 .

3. الدكتور رزق الله أنطاكي : أصول المحاكمات في المواد المدنية و التجارية دمشق 1962 الصفحة 504.

 

 

 

         وهو الأمر نفسه لدى المشرع المصري والسوري اللذان لم يتركا قوة الرسالة أمرا خاضعا لسلطة القاضي .

        وبذلك نخلص إلى أن الرسالة الموقعة تكون حجة بما فيها من الشخص الذي وقعها ووجب على القاضي اعتبار ما ورد بها صحيحة وبذلك لها الحجية الكاملة ولا تنقص هذه الحجية بتقدير من القاضي لأنه لا مجال لأعمال سلطته التقديرية مع صريح نص المادة 329 من القانون المدني فهي بذلك  تعتبر بمثابة المحرر العرفي الكافي لإثبات الحق المدعى به ، ويمكن اعتبارها في الوقت ذاته قرينة يضاف لها اليمين المتممة للحصول على الحجة الكاملة وكما يمكن اعتبارها بداية ثبوت بالكتابة (1) .                  

       والقاضي الذي يريد أن يستبعد  الرسالة لا يكون ولا يتأتى له ذلك الحق إلا إذا كانت الرسالة لا تخدم موضوع النزاع وهنا يكون مجال سلطة القاضي التقديرية بالإجابة عن السؤال هل الرسالة تخدم  الموضوع ؟ وهل هي متعلقة بالنزاع ؟أم غير متعلقة به؟ وبالتالي تستبعد من الملف أو تضم إليه .         

       ويكون أيضا هنالك مجال آخر لإعمال السلطة التقديرية للقاضي فيما يخص الرسالة بحيث يقدر هل الرسالة متضمنة أسرار المرسل بحيث  ينتفي مع ذلك حق المرسل إليه من تقديمها للقضاء إلا بموافقة المرسل إذا تضمنت أسرارا أم لا .

      وكذا الغير الذي تحصل على الرسالة بسوء نية وبوسائل غير مشروعة فللقاضي السلطة التقديرية في تحديد سوء النية أيضا (2) .

      وللإشارة انه لا رقابة من طرف المحكمة العليا على ذلك بل للقاضي السلطة التقديرية الكاملة فإذا ما اقتنع تماما بما ورد في الرسالة المدلى بها فيقضي بمقتضاها كما انه قد يرى فيها جزء من حق المدعى به فيقضي بتكملة نصاب الإثبات بتوجيه اليمين المتممة لمن يستفيد من الرسالة  .                                                                                                                    

 

 

 

 

 

 


1- الدكتور يحي بكوش  : المرجع السابق الصفحة 161.

2- الدكتور سليمان مرقس :  أصول الإثبات و إجراءاته في المواد المدنية دار الكتاب الحديث .القاهرة 1991 الجزء الأول صفحة 330 .

 

- البرقيات  II

         تنص المادة 329 الفقرة الثانية من القانون المدني على انه" تكون للبرقيات هذه القيمة أيضا ( قيمة المحرر العرفي )إذا كان أصلها المودع في مكتب التصدير موقعا عليه من مرسلها وتعتبر البرقية مطابقة لأصلها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك وإذا تلق أصل البرقية فلا تعتبر نسخها إلا لمجرد الاستئناس "

و منه فالبرقية هي رسالة مختصرة يوجهها شخص لآخر بواسطة دائرة البريد التي تحتفظ بأصلها وتعطي من وجهت إليه صورة عنها ،  فمن خلال هذا التعريف و المادة 329 الفقرة الثانية من القانون المدني يتضح انه لابد من إثبات مطابقة البرقية لأصلها المحفوظ في مصلحة التلغراف وأن يكون الأصل موقعا ممن نسبت إليه البرقية عند ذلك  يمكننا القول بأن  البرقية ذات قيمة وحجية ويمكن للقاضي الأخذ بها والاستدلال بها على اعتبارها ورقة عرفية ، إلا أن البرقية بعد أن يعدم أصلها بانقضاء المدة المحددة لحفظها * لا يصبح  للصورة أية قيمة قانونية في الإثبات وغاية الأمر أن يستدل بها في هذه الحالة على سبيل الاستئناس واعتبارها قرينة قضائية وذلك في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بالقرائن (1) ويعتبر  تاريخ البرقية تاريخا ثابتا لا سلطة في تقديره على اعتبار أن أصل البرقية  يختم بختم مكتب الإرسال وإضافة إلى تقدير جميع البرقيات الصادرة في يوم واحد في دفتر يسمى وصول البرقيات (2) و لا بد من

الإشارة أن الأصل الموقع عليه قد يفقد من دائرة البريد أو يتلف لا قيمة عندها للبرقية على اعتبار أن قوتها ممتدة من الأصل وإذا وجد الأصل ولكنه غير موقع عليه من المرسل فلا تكون لصورة البرقية قوة الإثبات إلا إذا كان الأصل مكتوبا بخط يد المرسل فتصبح عندئذ كمبدأ بداية الثبوت بالكتابة .               

- الدفاتر التجارية III

        وهي تلك الدفاتر التي يعدها التجار لتسجيل أصولهم وخصومهم وإما أن تكون دفاتر اختيارية أو إلزامية يشترطها القانون لممارسة التجارة مثل الدفاتر اليومية ودفاتر الجرد (3).

       ويشترط القانون في هذه الدفاتر أن تمسك حسب التاريخ ودون ترك بياض أو تغير فيها ولابد من ترقيم صفحاته والتوقيع عليه من القاضي .

      إن هذه الدفاتر لا يمكن أن يحتج بها أمام القضاء إلا إذا كانت منتظمة ومطابقة للشروط المقررة قانونا حسب المادة 14 من القانون التجاري .

 

 

*. مدة الحفظ للبرقيات الداخلية  03 أشهر والبرقيات الخارجية 10 أشهر من الشهر التالي بوصولها.

1. الدكتور سليمان مرقس :  المرجع السابق الصفحة 431-432

2. الدكتور عباس  العبودي :  المرجع السابق الصفحة 169

3. حسب نص المادة 09 و10 من الأمر 75/59 المؤرخ في 26/12/1975 المعدل و المتمم المتضمن القانون التجاري .

 

       ولقد عالج المشرع حجية الدفاتر التجارية في الإثبات في كل من المادة 330 من القانون المدني

والمادة 13 من القانون التجاري  وذلك كما يلي :

المادة 330 من القانون المدني " دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار، غير أن هذه الدفاتر عندما تتضمن بيانات متعلقة بتوريدات قام بها التجار يجوز للقاضي توجيه اليمين المتممة إلى أحد الطرفين فيما يكون إثباته بالبينة (1) وتكون دفاتر التجار حجة عن هؤلاء التجار ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد استخلاص دليل لنفسه أن يجزأ ما ورد فيها أو يستبعد منها ما هو مناقض لدعواه ".

المادة 13من  القانون التجاري تنص على أنه  " يجوز للقاضي قبول الدفاتر التجارية المنتظمة كإثبات بين التجار بالنسبة للأعمال التجارية "  و يظهر من خلال هذين النصين  أن الدفاتر التجارية قد يحتج بها في النزاع التجاري  بين تاجرين وقد يحتج بها في نزاع مدني بين تاجر وغير تاجر ، فإذا احتج بها تاجران وكان موضوع النزاع عملا تجاريا جاز هذا الاحتجاج بشرط أن تكون منتظمة مما يسمح للقاضي التأكد من صحة البيانات الواردة بها (2).                                                                             

وللقاضي السلطة التقديرية الواسعة عند فحص هذه الدفاتر التجارية فيستطيع الاستناد عليها ويقضي        أنها صحيحة أو يرفضها لأنه لا قيمة لها في الإثبات (3).

        أهم ما يمكن ملاحظته في حجية الدفاتر التجارية أنه لا يجوز لمن يستخلص منها دليلا لنفسه أو يجزئها  ويستبعد ما ليس في مصلحته أو لا يخدمه في دعواه ، فالقاضي له السلطة التقديرية الواسعة حين تقديم الدفاتر التجارية بالأخذ بكل ما فيها حسب تقديره وحسب تحكمه في وقائع الدعوى بشرط ألا يأخذ شيء ويترك شيء يناقضه أو ينافيه في ذات الدفاتر التجارية (4).                                       

 

 

 


1- لقد استبدل مصطلح البينة بشهادة الشهود في التعديل الجديد للقانون المدني رقم 05-10 في المادة 48 منه .

2 -انظر القضية المؤرخة في 08 مايو 1988 المجلة القضائية العدد 02-1992 الصفحة 85 .

3- أحمد محرز: القانون التجاري الجزائري الجزء الأول الصفحة 146.

4- مثال يسجل في الدفتر أنه استدان من فلان مبلغ ووفاه بقسط يقدر 50 % والآخر بعد مدة 03 أشهر على شكل أقساط ليس عليه أخذ ما يخدمه وهو التسديد بنسبة 50% فقط ولا يأخذ التزامه بالرد خلال 03 أشهر للمتبقي من المبلغ الذي مر عليه عند رفع الدعوى 06 أشهر.

         

 

 

 

      والتاجر لا يستند لدفاتره التجارية في النزاع القائم بينه وبين غير التجار وذلك ما جاءت به صريح المادة 330 من القانون المدني " ... دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار ..." ذلك كأصل إلا أن هنالك استثناء يجوز بمقتضاه أن يستند التاجر بدفاتره التجارية على غير التجار إذ كان الأمر يتعلق بتوريدات أي بضائع  وردها التاجر لمدينه غير التاجر وكانت قيمتها لا  تتجاوز مائة ألف دينار جزائري وهذا فيه خروج عن مبادئ الإثبات التي تقضي بعدم إمكانية المرء أن يصطنع دليلا لنفسه ولا يجوز إجبار شخص على أن يقدم دليلا ضد نفسه .                                                                           

        إن القاضي في هذه الحالة له سلطة تقديرية في الأخذ بالدفاتر التجارية ولو كانت غير منتظمة وليس هناك ما يلزم القاضي بالأخذ بهذا الاستثناء و بذا له تحكيم السلطة التقديرية في هذا المجال مع وجوب توجيه يمين متممة لأحد الخصمين عند الأخذ به.

الفرع الثاني : سلطة القاضي في تقدير الدليل الكتابي

         حسبما سبق تبيانه هناك من الأدلة الكتابية ما هو معد للإثبات ومنها ما هو غير معد للإثبات  فالمعد منها للإثبات كالورقة الرسمية والمحرر العرفي يعتبر حجة كاملة متى استوفى السند والمحرر الشروط الواجبة فيه حسب نصوص القانون المدني ولم يطعن في صحته .

و الغير معدة للإثبات  التي تكون غالبا غير موقعة من أصحابها فيعطيها القانون قوة في الإثبات تختلف الواحدة منها عن الأخرى فتارة تكون أدلة كاملة  أو  تكون ناقصة وتارة تعتبر قرينة بسيطة وتارة مبدأ بداية ثبوت بالكتابة .

  و انه باختلاف حجية الدليل الكتابي من السند الرسمي إلى العرفي و الكتابات الخاصة ذلك يجعل سلطة القاضي في تقدير كل دليل من هذه الأدلة تختلف .فتضيق و تتسع حسب قوة و ضعف الدليل من حيث حجتيه ، و سنبين فيما يلي أن الدليل الكتابي لا مجال فيه بصورة عامة لإعمال سلطة القاضي التقديرية فيه بتوافر شروط معينة و بذا نعود إلى قاعدة الأصل في الإثبات الكتابة و ننتهي إلى الإستثناءات الواردة على هذا المبدأ و تتمثل في أوجه محصورة من طرف المشرع و مقيدة بشروط .

أولا : وجوب الإثبات بالكتابة

           تنص المادة : 333 من القانون المدني المعدلة بالمادة 48 قانون 05/10  المؤرخ في

 20 يونيو2005 التي تنص على انه " في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته عن 100.000 دج  أو كان غير محدد القيمة فلا يجوز الإثبات بالشهود في وجوده أو نقصانه ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك .

ويقدر الالتزام باعتبار قيمته وقت صدور التصرف القانوني ويجوز الإثبات بالشهود إذا كانت زيادة الالتزام على 100.000 دج لم تأتي إلا من ضم الملحقات إلى الأصل .      

 

       وإذا اشتملت الدعوى على طلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة جاز الإثبات بالشهود في كل طلب لا تزيد قيمته عن 100.000 دج ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد عن هذه القيمة ولو كان منشؤها علاقات بين الخصوم أنفسهم أو تصرفات قانونية من طبيعة واحدة وكذلك الحكم في كل وفاء لا تزيد قيمته عن 100.000 دج " (1).                                                                           

         من الملاحظ بعد قراءة هذه المادة أن القاضي يوجب في الدعوى المطروحة أمامه التدليل عليها واثبات ما يدور حوله  النزاع  بالكتابة لكن ذلك لا يكون إلا بتوافر ثلاثة  شروط سنحاول فيما يلي معرفة مدى تقديرها من طرف القاضي المعروض عليه النزاع .

.أن يكون محل الإثبات تصرفا قانونيا لا واقعة مادية :I

          أن أول ما يقوم به القاضي عند تطبيق المادة السابقة ، تقدير محل العمل المطلوب إثباته أن كانت واقعة مادية أم تصرف قانوني (2) فالأصل في ذلك أن الوقائع القانونية تنقسم إلى تصرفات قانونية ووقائع مادية وان قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة لا تسري إلا على التصرفات القانونية أما الوقائع المادية فهي بحسب طبيعتها لا يتيسر إثباتها بالكتابة ولذلك كان الأصل فيها إثباتها بكل طرق الإثبات بما فيها الشهادة (3) والتصرف القانوني يدخل ضمنه  جميع الاتفاقات والعقود أيا كان الأثر الذي يترتب عليه

كالبيع والقرض والإيراد والمقاولة والوكالة والعارية والوديعة .                                                  

         ولا يهم أكان غرض هذه العقود التعديل أو النقل أو حتى إنشاء التزام وكذلك بصرف النظر عن التصرف القانوني أكان صادرا عن إرادة منفردة أو بتطابق الإرادتين ولقد جاء في هذا المجال على لسان الدكتور نبيل إسماعيل عمر" أنه على القاضي عند تقديره أن يبحث ما إذا كان التصرف منعقدا بإرادة ضمنية أو إرادتان  ضمنيتان ذلك أن إثبات الإرادة الضمنية لا يشترط فيها الكتابة لأن الإثبات في هذه الحالة يرد مباشرة على وقائع مادية يراد استنباط الإرادة منها وبالتالي يمكن إثباته بكافة الطرق ومثال ذلك تجديد عقد الإيجار تجديدا ضمنيا .                                                                         

 

 

 


1- إن حقيقة التعبير الذي ورد في المادة333 من القانون المدني المعدل بالقانون رقم 05/10 الذي يقضي بوجوب الإثبات بالكتابة فيما يزيد عن 100.000دج ورد بصفة سلبية بحيث أنها منعت الإثبات بشهادة الشهود إذا قيمة التصرف القانوني تزيد عن قيمة 100.000دج .

2- الدكتور عبد الرزاق السنهوري المرجع السابق الصفحة 341 .

3- الدكتور عباس العبودي  : المرجع السابق الصفحة 294 .

 

      

.أن يكون محل التصرف المراد إثباته مدنيا و ليس تجاريا II

          ويقصد بتقدير القاضي لطبيعة التصرف أن يقدر هل هو تصرف مدني أم تصرف تجاري أم تصرف مختلط إذ أن القاعدة العامة تقضي بأن الاعتماد على الإثبات بشهادة الشهود لا تجوز إذا كان التصرف القانوني تفوق قيمته النقدية 100.000دج أو كانت غير محددة القيمة (1)  بمفهوم المخالفة القاضي إذا قدر أن التصرف تجاري أو مدني بناء عليه يستطيع طلب الدليل الكتابي أو مجرد شهادة الشهود تفي بالغرض فكلما خرج التصرف عن نطاق الأعمال التجارية التي تتميز بطابع السرعة والثقة والائتمان وجب إثباته بالكتابة وان تجاوزت قيمة التصرف مائة ألف دج  .                                               والأصل أنه لا إشكال  عندما يكون الفصل بين الأعمال المدنية والتجارية قائما فذلك مما سهل على القاضي عملية تقديره للعمل بوجود معايير تحكمه  في ذلك لكن الصعوبة تنشئ  عندما يكون العمل مختلط أي تجاري لأحد الأطراف ومدني بالنسبة للطرف الآخر ولقد جاء في مؤلف الدكتور حلو أبو الحلو" أنه إذا كان موضوع النزاع بهذا الشكل  وتجاوز التصرف 100.000دج فلابد من إثباته بالكتابة حسب قواعد القانون المدني " .

و جاء في قرار للمحكمة العليا المؤرخ في 07/07/1992 ملف رقم 84034 المجلة القضائية لسنة 1993 العدد 03 الصفحة 164 انه "لإثبات دين يفوق  ألف دينار جزائري غير تجاري دون دليل الحكم به خرق للقانون من المقرر قانونا أنه في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته عن ألف دينار أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز البينة في إثبات وجوده أو انقضائه ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك فان القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون .                                                                 

. أن يكون قيمة محل الالتزام مائة ألف دينار جزائري III

          إن للقاضي  سلطة تقديرية تامة في تقدير محل الالتزام وان لمحل الالتزام أهميته في هذا المجال سيما انه يجعل دليل الإثبات في الدعوى وجوبا كالكتابة  أو جوازي يمكن  إثباته بأي دليل آخر غير الكتابة .                                                                                                                      

إن المادة 333 من القانون المدني جاءت صريحة في هذا المجال و هذا بنصها على انه " ويقدر قيمة هذا الالتزام وقت صدور التصرف ".



 


1- الدكتور الغوثي بن ملحة : قواعد و طرق الإثبات و مباشرتها في النظام القانوني الجزائري الطبعة الأولى الديوان الوطني للأشغال التربوية 2001 صفحة 70.

 

 

 

      

         فإذا كانت قيمة التصرف وقت صدوره تجاوزت  مائة ألف دينار جزائري وجب إثباته بالكتابة . ولو انخفضت قيمة التصرف في وقت رفع الدعوى إلى أكثر من مائة ألف دينار جزائري لأنه لا يمكن التنبؤ بما عسى أن يحصل من ارتفاع قيمة الأشياء التي يتعاقد عليها الأشخاص.

        وانه إذا كانت قيمة التصرف القانوني مبلغا من النقود فان تقدير قيمته لا تثير أية مشكلة حيث يقدر القاضي قيمته بمقدار عددي ، أما إذا كانت قيمة التصرف القانوني نقدا أجنبيا فيقدر القاضي قيمته بسعر العملة الوطنية وقت صدور التصرف " وإذا كان موضوع صدور الالتزام من غير النقود فالمدعي يقدر قيمة التصرف ، ولكن تقديره هذا يبقى خاضعا للسلطة التقديرية للقاضي سواء بنفسه أو بواسطة خبير.

      وكمثال على ذلك القرار الصادر في 04/10/2005 بين القرض الشعبي الجزائري وكالة الجلفة ضد بشيري سالم ومن معه الذي قضى " في الشكل قبول الاستئناف وفي الموضوع وقبل الفصل فيه قضى المجلس تمهيديا بتعيين الخبير بشار مراد المقيم بحي المسجد الجديد بناية رقم 296/4 بالجلفة للقيام بالمهام التالية :                                                                                                             

1. استدعاء الطرفين والاستماع إلى أقوالهما والاطلاع على وثائقهما.

2.إجراء محاسبة بين الطرفين وتحديد مبلغ الدين المستحق للمستأنف .قرار عن الغرفة المدنية بمجلس قضاء الجلفة ( مكان التدريب الميداني) .

        أما إذا كان موضوع الالتزام غير محدد القيمة اعتبرت قيمة التصرف مجاوزة لمائة ألف دينار جزائري حتى ولو قدره المدعي في دعواه بأقل من هذه القيمة ويجب إثباته بالدليل الكتابي ومن جهة أخرى يراعي القضاء  في تقديره لقيمة هذا الالتزام المراد إثباته الأحوال التي يزيد فيها نصاب الإثبات بالشهادة وذلك في الحالات التي تعود فيها هذه الزيادة إلى إضافة الفوائد أو المصروفات والملحقات إلى الأصل.                                                                                                                      

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثانيا : استثناءات وجوب الدليل الكتابي

 . سلطة القاضي في تقدير ما يخالف أو يجاوز الدليل الكتابي        I

         القاعدة انه لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود ولو لم تزد قيمة التصرف عن مائة ألف دينار جزائري فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه عقد رسمي ذلك حسب المادة 334 من القانون المدني وما جاءت به اجتهادات المحكمة العليا في إحدى قراراتها " إثبات شراء عقار بعقد رسمي – إدخاله ضمن تركة – بناء على شهادة الشهود مخالفة للقانون ، من المقرر قانونا أنه لا يجوز الإثبات بالبينة ولم تزد القيمة على ألف دج فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه مضمونه عقد رسمي ومن ثم فان القضاء بخلاف هذا المبدأ يعد مخالفا للقانون .." (1).                                                                         

    "من المقرر قانونا أنه لا يجوز الإثبات بالبينة فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه مضمون العقد الرسمي ، ومن ثم فان القضاء بما  يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون " (2) .                                

        ومن خلال ما سبق يتبين أن المقصود بهذه القاعدة انه يمنع اللجوء إلى شهادة الشهود أو القرائن لإثبات ما يخالف ما جاء في العقد المكتوب لأنه من غير المنطقي أن يشترط القانون إقامة الدليل الكتابي بالنسبة لتصرفات معينة ثم يسمح بعد ذلك بنقض ما ورد فيه بطريق البينة أو القرائن ذلك لان الكتابة صادرة  عن إرادة المتعاقدين كما أنها تتميز بالموضوعية بصفة أكثر دقة .                                             وبما أن اقتناع القاضي ضروري دائما لتقرير وجود الدليل ذاته واستخلاص مضمونه فان القاضي يتولى تقدير كل شرط من شروط هذه القاعدة وهي أن تكون هناك كتابة رسمية وان يرد ما يخالف هذه الكتابة أو يجاوزها وان يكون الإثبات مقصورا على المتعاقدين وحدهما فيتولى القاضي تقدير ضرورة وجود الكتابة الرسمية التي أعدت  للإثبات فلا ترد هذه القاعدة على الأوراق العرفية ولا على الدفاتر التجارية ولا على الأوراق المنزلية لأنها كتابات غير رسمية  .                                                   

       ثم يتولى القاضي تقدير المراد إثبات مخالفته أو مجاوزته المكتوب لأنه لا يمتنع الإثبات بشهادة الشهود طبقا لهذه القاعدة إلا إذا كان موضوع هذا الإثبات أمر يخالف أو يجاوز ما يثبت بالكتابة أي إذا كان امرأ يعتبر تكذيبا أو تعديلا للمكتوب أو إضافة إليه .                                                           

 

 

 


1. قرار مؤرخ في 16/06/1986 ملف رقم 41632 المجلة القضائية لسنة 1992 العدد 03 الصفحة 61 .

2. قرار مؤرخ في 27/12/1989 ملف رقم 63320 المجلة القضائية لسنة 1993 العدد 03 الصفحة 21.

 

 

 

       و في الأخير يقدر القاضي مدى تحقق الشرط الثالث وهو أن يكون مقصورا على العلاقات فيما بين المتعاقدين ذلك لأن القيد الخارج عن نطاق العقد يجوز له الإثبات بالشهادة والقرائن فيما يخالف أو يجاوز الكتابة الرسمية مادام التصرف بالنسبة إليه مجرد واقعة مادية يجوز إثبات ما يخالفها بجمع الأدلة الممكنة و كمثال على ذلك ما جاء بقرارالمحكمة العليا الصادربتاريخ :6/12/1966

" حق الغير في إثبات ما يخالف الثابت كتابة بكافة الطرق  ، والغير لا يتقيد هنا بشرط الكتابة في إثبات ما يخالف العقد المكتوب " (1) .                        

 . سلطة القاضي في تقدير مبدأ الثبوت بالكتابة II

          تنص المادة 335 من القانون المدني " يجوز الإثبات بالشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ الثبوت بالكتابة ، و كل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شانها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ".                                                             

         يتضح من خلال هذا النص انه يجوز للخصم الذي لم يتمكن من تهيئة الدليل الكتابي في الوقت المناسب لسبب ما ، جاز لهذا الخصم أن يقدم " مبدأ الثبوت بالكتابة " وللإشارة فإن  كلمة مبدأ الثبوت بالكتابة نفي لوجود الكتابة وهي الخطوة الأولى في سبيل الإثبات أو دليل غير كامل أي لا يرقى أن يكون دليلا كتابيا متوافر على جميع الشروط.                                                                                 

وانه حتى نكون بصدد مبدأ ثبوت بالكتابة يجب توافر ثلاثة شروط وهي :              

1. وجود ورقة  مكتوبة.

2. صدور هذه الورقة من الخصم .

3. أن تجعل هذه الورقة وجود التصرف القانوني قريب الاحتمال .

 

 

 

 

 

 

 

1. الدكتور أحمد نشأت:طرق الإثبات في المواد المدنية و التجارية و الأحوال الشخصية –دار الفكر العربي – الطبعة 1994 الصفحة 226/227 .

 

      

       و السؤال الذي يطرح عندما يتمسك أحد الخصوم بورقة ما ويعتبرها مبدأ الثبوت بالكتابة هو هل يستجيب له القاضي ؟ أو يرفض إثبات ذلك بالشهادة ؟ وهل تقع سلطة القاضي التقديرية على كل شرط من شروط هذه القاعدة السابقة الذكر ؟                                                                                  

       إن سلطة المحكمة العليا في رقابتها على قضاة الموضوع في صدد مبدأ الثبوت بالكتابة تنحصر فيما يلي :

أ. تحقق المحكمة العليا من أن قضاة الموضوع لم يخطئوا في تطبيق القانون في اعتبار أن ورقة ما تعد مبدأ الثبوت بالكتابة أو لا تعد كذلك ، وعلى ذلك فان الكتابات التي تصلح أن تكون دليلا من هذا النوع كثيرة ومتنوعة ويمكن أن نذكر منها على سبيل المثال ،الأوراق الرسمية والأوراق العرفية وغيرها من الأوراق التي جعل لها القانون قوة في الإثبات مثل دفاتر التجار والسجلات والأوراق المنزلية والرسائل أو المذكرات الخاصة أو الأقوال التي وردت في محضر التحقيق .                                                

      فكل هذه الأوراق تعتبر مبدأ  ثبوت بالكتابة إذا لم تكن دليلا كاملا لموضوع الدعوى وإن مبدأ الثبوت بالكتابة لا يستخلص من ورقة واحدة بل يجوز استخلاصه من عدة أوراق ولو كانت كل واحدة منها لا تكفي بمفردها لاستخلاص ذلك ،كما يجب أن تكون الورقة التي تعتبر مبدأ الثبوت بالكتابة مقدمة في الدعوى أو على الأقل معترف بوجودها ممن تنسب إليه فإذا لم تكن كذلك فلا يستطيع من يتمسك بها أن يثبت وجودها بالشهادة (1) .                                                                                             

       ولقد قضي بأنه لا يتطلب القانون بيانات معينة في الورقة لاعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة ويكفي أن تكون صادرة من الخصم أو يحتج بها عليه وان تجعل التصرف المدعى به قريبا للاحتمال .

      وقضي كذلك بأن تقديم الخصم للورقة كدليل في الدعوى حق للمحكمة من تلقاء نفسها في اعتبار مبدأ الثبوت بالكتابة ولو لم يتمسك من قدمها بذلك (2).

ب. تتحقق محكمة النقض بان قضاة الموضوع لم يخطئوا في تطبيق القانون في اعتبار ان هذه الورقة صادرة من الخصم ذلك أن هذا الشرط يعد ركنا جوهريا في مبدأ الثبوت بالكتابة ويعتبر بمثابة إقرار غير قضائي (3) .                                                                                                               

 

 

 


1. الدكتور عبد الودود يحي : المرجع السابق الصفحة 36/37.

2. الدكتور أنور طلبة : المرجع السابق الصفحة 229.

3. الدكتور يحي بكوش: المرجع السابق صفحة 225 /226 .

 

        والورقة  تكون صادرة من الخصم إذا كانت موقعة منه أو ممن يمثله أو بخط من يمثله إلا أن هناك بعض الأوراق التي يمكن أن تعتبر صادرة من الشخص رغم أنها ليست موقعة منه أو ممن يمثله وليست بخطه ولا خط من يمثله و من هذا النوع الأوراق الرسمية كمحاضر التحقيق ومحاضر الحسابات.        

ج. سلطة قاضي الموضوع في تقدير ما إذا كانت الورقة تجعل الإثبات قريب الاحتمال  أو لا تجعله كذلك ويقصد بذلك آن تكون الورقة المقدمة كمبدأ ثبوت بالكتابة من شأنها أن تجعل الورقة المراد إثباتها محتملة بل يجب أن تجعلها  مرجحة الحصول لا ممكنة الحصول فحسب (1)أي يكون المكتوب في هذه الورقة قريب الاحتمال في نسبته إلى الخصم وانه لا رقابة على القاضي حين تقدير الورقة التي يراد اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة فهو اجتهاد يستقل به قاضي الموضوع .                                             

     ولكن الذي لابد من لفت الانتباه إليه أنه مادامت هذه الورقة طرحت في النزاع لابد من تسبيب القاضي الأخذ أو عدم الأخذ بها وان كل إهمال من القاضي في الرد على الورقة التي تعتبر بداية ثبوت بالكتابة فان ذلك يعتبر قصورا في التسبيب يستوجب معه نقض الحكم، وذلك على اعتبار أنه دفع جوهري والدفع الجوهري يرتب عند عدم الرد عليه نقض الحكم.                                                           

و يبقى بالرغم من أنه دفع جوهري إلا آن القاضي غير ملزم أن يستجيب إلى طلب الخصم في أن يقبل الإثبات به بل تبقى له السلطة التقديرية في رفضه الطلب  حتى مع توافر جميع الشروط أو الاستجابة إليه و لكي تعتبر الورقة مبدأ  الثبوت بالكتابة فلها أن تكمل وتعزز هذا الاقتناع بالبينة أو بالقرائن .             

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



 


1.الدكتور عبد الرزاق السنهوري : المرجع السابق صفحة 435.

       

 

. سلطة القاضي في تقدير المانع من الحصول على الدليل الكتابي III

        تنص المادة : 330 من القانون المدني على ما يلي " يجوز الإثبات بالشهادة فيما كان يجب إثباته بالكتابة

. إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على الدليل الكتابي .

. إذا فقد الدائن سنده الكتابي لسبب أجنبي خارج عن إرادته " والأصل ان هناك أمور تثبت بالكتابة إلا ان ظروفا ما من شانها أن تمنع الحصول على ذلك فيجوز عندئذ الإثبات بالشهادة فيما كان أصلا لا بد من إثباته بالكتابة ، لذا إذا كنا أمام  تصرف قانوني مدني وقيمته أكثر من مائة ألف دينار جزائري لكن كانت هناك استحالة مادية أو أدبية تمنع من إثباته بالكتابة هنا تقوم الشهادة مقام الدليل الكتابي وليس تكميلا له كما في الحالات السابقة (1) .                                                                                           

      والمانع * من الحصول على الدليل الكتابي هو كل ما ينشئ عنه استحالة الحصول على الكتابة وقت التعاقد استحالة بينة عارضة أي مقصورة على شخص المتعاقد وراجعة إلى الظروف الخاصة التي تم فيها التعاقد والمانع إما أن يكون ماديا أو أدبيا والقاضي من يقدر وجود المانع من عدمه ولا رقابة عليه في ذلك .

1. تقدير قاضي الموضوع للمانع المادي :

       المانع المادي يقصد به انعدام الوسائل المادية للمتعاقد لتهيئة الدليل الكتابي على التصرف القانوني الذي قام به مثل" الاتفاق المبرم بين شخصين قبل إقلاع الطائرة أو الباخرة أو التصرف الذي يبرم وقت ظروف طارئة فجائية كالحريق والفيضانات ..." .

      والقاضي هو الذي يقدر في الدعوى المعروضة عليه العوائق المادية التي من شأنها أن تمنع الخصم من الحصول على دليل كتابي لإثبات تصرف قانوني مدني كان من الواجب إثباته   بالكتابة والقاضي عليه أن يورد في حكمه الواقعة التي  قدرها على أنها مانع مادي ويبين لماذا أضفى عليها هذا الاعتبار .

      وانه متى تبين للقاضي عدم جدية الادعاء بالمانع المادي فلابد من تسبيب ذلك في حكمه (2) وله في المقابل السماح للخصم الذي رفض طلبه الإثبات بالشهادة في هذا التصرف القانوني المدني الذي يزيد عن مائة ألف دينار جزائري.

1- قرار المحكمة العليا رقم 62268 الصادر بتاريخ 15/07/1990 المجلة القضائية العدد الثالث لسنة 1991 الصفحة 106.

* المانع هو كل ما يحول دون الحصول على دليل كتابي

.2. في هذا الصدد يذكر الدكتور يحي بكوش في المرجع السابق ،أن المحكمة العليا حاليا تستطيع ممارسة الرقابة على انعدام الأساس القانوني بالنسبة للأحكام التي تلتجئ إلى تطبيق نظرية الاستحالة على القضايا المعروضة عليها بصفة آلية من دون أن تقوم بذكر الوقائع و عليه لا بد من تسبيب الأحكام في هذه المسالة صفحة 236.

 

2 .  سلطة القاضي في تقدير المانع المعنوي:

         إن المانع هنا يرجع إلى ظروف نفسية كانت تربط بين الطرفين وقت التعاقد ولم تكن تسمح من الناحية الأدبية لأحدهما أن يطلب كتابة التعاقد مع الآخر.

         وعرف على انه الهاجس النفسي الذي يمنع المتعاقد من طلب دليل كتابي من المتعاقد معه كصلة القرابة الأب بالابن أو علاقة الطبيب بالزبون، المحامي بموكله وقاضي الموضوع وحده من له الحق في تقدير ذلك ولا رقابة عليه من المحكمة العليا ، كما جاء على لسان الأستاذ محمد زهدور.                     

         وللإشارة فان المشرع الفرنسي لم ينص على المانع الأدبي وترك المجال واسعا للقضاء وللاجتهاد بحيث قررا قواعده وأعطياه تفسيرا واسعا.

     وعلى القاضي دائما في نفس المجال أن يبين في حكمه الظروف التي اعتبرها مانعة و إذا كان هذا الاعتبار معقولا و انتهى الحكم صحيحا الى قيام مانع أدبي دون الحصول على دليل كتابي فان الإثبات بالبينة والقرائن يكون جائز قانونا وللقاضي رفض طلب ما يدعيه الخصم من التمسك بالمانع الأدبي إذا تبين له من ظروف النزاع عدم جدية الادعاء بهذا المانع وعلى القاضي دائما تسبيب الرفض .             

3. تقدير السبب الأجنبي المانع من الحصول على الكتابة

        نص المشرع الجزائري على هذه الحالة بنص المادة 336 الفقرة الثانية وفي هذه الحالة يكون الدائن سبق له أن حصل على دليل كتابي وقت إنشاء التصرف القانوني الذي أبرمه مع خصمه ولكن فقده لسبب أجنبي لا دخل له فيه.

         وانه لأجل قبول شهادة الشهود وفي إثبات ما يجاوز مائة ألف دينار جزائري وفي إثبات الحالات الخاصة التي يوجب القانون الكتابة إثباتها أي كانت قيمة التصرف وحتى في إثبات التصرفات الشكلية لابد من أجل ذلك توافر الشروط التالية :                                                                               

أ. إثبات وجود سند كتابي كان متحصلا عليه وكان مستوفيا لكل الشروط الواجبة ويثبت ذلك بكل الطرق باعتبارها واقعة مادية .

ب. إثبات فقدان السند لسبب أجنبي : أو يثبت ذلك أيضا بكل طرق الإثبات باعتبارها واقعة مادية، ويبقى دائما قاضي الموضوع هو الذي يقدر إذا كان هذا السبب أجنبي ام لا ولا يخضع القاضي في ذلك لرقابة المحكمة العليا .

 

 

 

 

 

المطلب الثاني


الإقــــــــرار القضائــــــــــي

الفرع الأول : حجيته

          لقد عالجت المادة 341 من القانون المدني مسألة الإقرار القضائي بقولها "  الإقرار هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه وذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بها الواقعة".

         ولقد عرف الإقرار بشأنه " اعتراف شخص بادعاء يوجه اليه شخص آخر " (1) ومن خلال ذلك يمكن القول أن الإقرار القضائي هي شهادة من المقر على نفسه لمصلحة خصمه بصحة واقعة قانونية وهو بهذا المعنى نزول عن جانب المقر عن حقه في المطالبة بإثبات ما يدعيه خصمه لذا قيل أن الإقرار من الأدلة المعفية من الإثبات .                                                                                          

وما دام الإقرار القضائي هو اعتراف خصم في الدعوى أثناء نظرها وأمام المحكمة التي تنظرها بصحة واقعة قانونية متعلقة بها ، وعليه فإن للإقرار أركان تتمثل في :  

1.  صدور الإقرار من الخصم في الدعوى  سواء بنفسه أو عن طريق وكيله .

2.  - صدور الإقرار أمام القضاء  وهو الركن  الذي يميز بين  الإقرار القضائي وغير القضائي  والمقصود بصدور الإقرار في مجلس القضاء أو الهيئة المختصة بنظر النزاع سواء كانت محكمة تتبع جهة القضاء العادي أو الإداري أو محكم .

ولكن يراعى في ذلك أن تكون تلك الجهة مختصة نوعيا ووظيفيا وإلا اعتبر إقرار غير قضائي مثل

الإقرار الصادر أمام النيابة العامة أو أية جهة إدارية أخرى ليست لها سلطة الفصل في النزاع بإقرار قضائي.  

3. صدور الإقرار أثناء السير في  الدعوى المتعلقة بموضوعه ولا فرق أن يصدر الإقرار في أي مرحلة من مراحل سير الخصومة لصدوره في العريضة الافتتاحية أو أثناء المرافعة أو خلال استجواب المحكمة ….الخ (2).و أنه بالرجوع إلى نص المادة 342 من القانون المدني القائلة " الإقرار حجة قاطعة على المقر و لا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا قام على وقائع متعددة و كان وجود واقعة يستلزم حتما وجود الوقائع الأخرى " و عليه  تبين أن الإقرار في  القانون المدني له الحجية المطلقة في الإثبات وبذا قاضي الموضوع لا يملك أي اختصاص في تقدير حجيته (3).                                                            

 

 


1. الدكتور عبد الرزاق السنهوري ، المرجع السابق ، الصفحة 473.

2.الإقرار الصادر في دعوى أخرى و لو بين نفس الخصمين ليس بالإقرار القضائي .

3.قرار المحكمة العليا رقم : 40402 الصادر بتاريخ 17/06/1987المجلة القضائية عدد 04 سنة 1990 الصفحة130.

 

 

 الفرع الثاني: سلطة القاضي في تقدير الإقرار القضائي

           إذا كان الإقرار حجة قاطعة على المقر حسب المادة السابقة الذكر فذلك يجعل الواقعة المقر بها في غير حاجة إلى الإثبات ولا يطالب الخصم بتقديم دليل آخر وإنما يتوجب على القاضي أن يحكم بمقتضى هذا الإقرار .

            كما آن حجية الإقرار ثابتة أيضا في القرآن والسنة والإجماع ويترتب على اعتبار الإقرار حجة قاطعة أنه لا يجوز الرجوع فيه ،  أي لا يجوز للمقر أن  يرجع أو يعدل إقراره أو يأخذ من الإقرار ما يفيده ويترك منه ما يضره غير  انه يجوز الرجوع فيه لغلط أو تدليس أو إكراه أو نقص في الأهلية .

وهذا ما أشارت إليه المادة : 1334 من القانون المدني الفرنسي " إن الغلط في القانون لا يصح أساسا لإبطال الإقرار أما الغلط في الوقائع فانه يمكن إبطال الإقرار بسببه " .

            أما المشرع الجزائري فلم يتطرق لمسألة الرجوع عن الإقرار بسبب الغلط ولكنه أجاز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد أن يطلب إبطاله المادة 81 من القانون المدني والرجوع عن الإقرار غير ممكن مادام صدر عن إرادة سليمة للمقر وخالية من العيوب ولا يتعارض مع عدم جواز الرجوع في الإقرار أن يطعن المقر بان إقراره وقع نتيجة غلط أو تدليس أو إكراه أو انه صدر منه وهو ناقص الأهلية .                                                                                                              

          وانه لما كان الإقرار تصريحا قانونيا باعتباره نزولا من المقر عن حقه في المطالبة بإثبات الواقعة التي يدعيها خصمه فان آثاره تقتصر على المقر وورثته فقط ولا يتعدى لغيرهما ليحتج عليهم به

        فالإقرار الصادر من احد الشركاء لينصرف لباقي الورثة وكذا إقرار احد المدينين المتضامنين بالدين لا يسرى في حق الباقين .

       وبذلك نخلص إلى انه إذا كان قضاة الموضوع لا يملكون سلطة تقدير حجية الإقرار فان لهم أن يقدروا قيمة الإقرار الواقع أمامهم فيحددوا معناه ومحتواه بدون أن تسلط عليهم رقابة في ذلك طالما أنهم لم يحرفوا الوثائق التي يستخلص منها ذلك الإقرار وعليه فان من حق القضاة تقدير محتوى التصريحات التي يدلي بها أمام رجال الدرك من طرف أحد الخصوم ، وان قاعدة عدم تجزئة  الإقرار تعتبر مسألة قانونية خاضعة لرقابة .المحكمة العليا ولذلك إذا قام قضاة الموضوع بتجزئة إقرار يمنع القانون تجزئته أو لم يجزئوا إقرار تصح تجزئته فهم يسألون عن ذلك  استنادا لما لقاضي الموضوع من سلطة تقديرية في تبيان كفاية الدليل أو عدم كفايته فله رفض الطلب إذا وجد  في أوراق الدعوى ما يغني  عن اللجوء إلى طريق الاستجواب أو كانت الوقائع المراد الاستجواب عليها ثابتة ثبوتا تاما ولا يوجد أي ظرف يسمح بالتشكيك فيها ، وهو لا يكون بذلك قد اخل بدفاع الخصم مادام قد بين سبب هذا الرفض وسببه تسبيبا كافيا                                                                                                                   

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه