التعويض
إذا لم يكـن التنفيذ العيني للعقد ممـكناً،
أولم يبدي المدين استعداده للتنفيذ العينـي، وطلب الدائن التعويض فيحكم القاضي في
هذه الحالة بالتعويض[1]
كجزاء مترتب على قيام المسؤولية العقدية.
وتتمثل أركان المسؤولية العقدية في الخطأ العقدي
الذي هو عدم تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي سواء كان عن قصدٍ أو إهمال، وكذلك الضرر
الذي لحق الدائن والذي يقع عليه عبء إثباته، وأخيراً يجب توافر علاقة السببية بين
الخطأ والضرر بأن يكون الخطأ العقدي هو السبب المباشر في وقوع الضرر.[2]
إن التعويض هو الأثر الذي يترتب على تحقيق
المسؤولية، ومتى تحقق ذلك كان للمضرور رفع دعوى المسؤولية العقدية تجاه الشخص
المسؤول للمطالبة بالتعويض وتستند دعوى المسؤولية العقدية على إخلال المتعاقد
المسؤول بمصلحة مشروعة للمتعاقد المضرور.
ولا يجوز للقاضي أن يحكم بأزيد مما طالب به المضرور وإن كان يصح أن يحكم بأقل منه.[3]
إن الغرض من التعويض هو حماية المضرور من
الضرر الذي أصابه، إذ تندرج قاعدة التعويض عن الضرر تحت ثبوت العوض بالإتلافات،
وسواء كان هذا الإتلاف للنفس أو المال، وقد صرح الفقهاء أيضاً بأن إتلاف البضع-
الوطء- موجب للضمان أي التعويض، فمن فوت على امرأة منفعة بضعها بنكاح فاسد أو وطء
شبهة فيجب عليه مهر مثلها.[4]
وباعتبار أن وعاء الشروط هو العقد، فإن الشروط
في عقد الزواج تخضع لأحكام القواعد العامة في التعويض إلا ما استثني منها بأحكام
خاصة. وتطبيقاً لذلك فإنه يكون للمرأة التي تضررت من جراء مخالفة شرطها في عقد
الزواج كفقدانها لمنصب عملها بسبب إخلال الزوج بالشرط الذي وافق عليه والذي يسمح
للزوجة بمزاولة عملها. أن تلجأ إلى القضاء وتطالب بالتعويض عن الضرر اللاحق بها من
جراء ذلك، وتأسس دعواها على أساس أحكام المسؤولية العقدية.
وسنشير فيما يلي إلى أهم هذه الأحكام بما
يفيدنا في موضوع بحثنا، وذلك بالتطرق إلى شروط الضرر الموجب للتعويض في فرعٍ أول،
على أن نخصص الفرع الثاني لدراسة أنواع التعويض. أما الفرع الثالث فنتناول فيه
كيفية تقدير القاضي للتعويض.
الفرع الأول: شروط
الضرر الموجب للتعويض
إن الضرر هو الركن الثاني من أركان المسؤولية
العقدية، والذي ينجم عن إخلال العاقد ببنود وشروط العقد. وإذا انتفى الضرر فلا
مسؤولية ولا تعويض، هذا وقد نصت المادة 124 من القانون المدني الجزائري بأن:
" كل عملاً أياً كان يرتكبه المرء ويسبب ضرراً للغير يلزم من كان سبباً في
حدوثه بالتعويض ".
ويعرف الضرر بأنه ما يصيب المتعاقد في حق من
حقوقه من جراء إخلال المتعاقد الآخر بمصلحة مشروعة، وسواء كانت هذه المصلحة مادية
أو أدبية.[5]
ومن
خلال هذا التعريف يتبين لنا بأن الضرر ينقسم إلى قسمين: ضرر مادي وضر معنوي أو
أدبي، فالضرر المادي هو ما يصيب الشخص في جسمه أو ماله. أما الضرر الأدبي فهو ما
يلحق بالشخص في كرامته أو شرفه، وبصفة عامة في غير حقوقه المالية.
ويشترط
في الضرر حتى يكون موجباً للتعويض توافر الشروط التالية:
1- المساس بحق أو
مصلحة مشروعة للمضرور. أما إذا كانت غير مشروعة فلا مجال لتعويضها.
2- أن يكون الضرر
محققاً، بأن يكون حالاً وليس مفترضاً أو محتملاً.
3- أن يكون الضرر
شخصياً.[6]
4- ألا يكون قد سبق
تعويضه، إذ لا يجوز للمضرور أن يحصل على أكثر من تعويض لإصلاح ضررٍ واحد، وإلا كان
ضرره سبباً في إثرائه على حساب المتعاقد المسؤول.[7]
الفرع الثاني: أنواع
التعويض
يجب
على القاضي أن يعين طريقة التعويض تبعاً لظروف النزاع الذي يثار أمامه، فقد يكون
التعويض عيناً عن طريق إعادة الحال إلى ما كان عليه بشرط أن يكون ذلك ممكناً.
ولكن الغالب أن يكون التعويض نقداً؛ أي عبارة
عن مبلغ من النقود يعطى دفعة واحدة، ويصح أن يكون مقسطاً، كما يصح أن يكون إيراداً
مرتباً.
ويقع التعويض العيني كثيراً في الالتزامات التعاقدية،
وهو أفضل طـرق التعـويض؛ لأنه يؤدي إلى إصلاح الضرر إصلاحاً تاماً. ويكون القاضي
ملزماً بالتعويض العيني إذا كان ممكناً وطلبه الدائن.[8]
وبناءاً
على هذا فإذا اشترط الزوج على زوجته في عقد الزواج أو في عقدٍ رسمي لاحق ألا تمارس
عملاً وظيفياً أو مهنياً إلا بإذنه أو ألا تسافر وحدها، فإن هذه الشروط تكون ملزمة
ويجب على الزوجة الوفاء بها. أمـا إذا أخلت الزوجـة بهذه الشروط فإنـها تتحمل
مسؤولية ذلك وحـدها، ويمكن أن يحكم عليها بالتعويض[9]؛ الذي
يمكن أن يكون عيناً بإيقافها عن ممارسة وظيفتها، أو منعها من السفر لوحدها.
وفي المقابل لذلك فإذا اشترطت الزوجة على زوجها
السماح لها بمزاولة عملها وأخل الزوج بذلك، فيكون للزوجة أن تطلب التعويض النقدي
من أجل جبر الضرر اللاحق بها من جراء مخالفة الزوج للشرط المتفق عليه.
الفرع الثالث: تقدير
التعويض
يقدر
التعويض كأصل عام على أساس مقدار الضرر الذي لحق بالمدعي، ويشمل ذلك ما لحق
المضرور من خسارة وما فاته من كسب. ويقتصر التعويض في المسؤولية العقدية على الضرر
المتوقع باستثناء حالتي الغش والخطأ الجسيم.[10]
كما ينشأ الالتزام بالتعويض في ذمة المدين من
وقت وقوع الضرر. ويقدر القاضي التعويض بناءاً على الضرر الذي لحق بالمضرور وقت
صدور الحكم القضائي، كما يجوز للقاضي أن يحـكم بالتعويض الإجمالي عن الأضرار التي
أصـابت المضـرور، ولكن بشرط أن يحدد عناصر الضرر ومدى أحقية التعويض عنها.[11]
وبالنسبة للضرر الأدبي أو المعنوي فيعود
للقاضي تقدير مدى هذا الضرر، وإن كان يصعب تحديد التعويض عن الضرر المعنوي بالنقود،
لأن الشرف والمكانة الاجتماعية لا يقدران بالمال، وإنما يأتي التعويض عنهما كوسيلة
إرضاء وتطييب لخاطر الشخص المضرور.[12]
وأخيراً نخلص من خلال دراستنا لهذه القواعد
العامة التي تحكم التعويض عن الضرر، أنه بإمكان الزوج المشترط والمتضرر من جراء
عدم وفاء الزوج الآخر بالشرط المتفق عليه في عقد الزواج اللجوء إلى القضاء
للمطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر، ومتى ثبت للقاضي تحقق الضرر وتوافر شروطه، حكم
بالتعويض على الزوج المخالف للشرط التعاقدي بين الزوجين.
[1]- لم تكن فكرة التعويض في العصور القديمة قائمة كما نعرفها اليوم،
بل كانت فكرة الانتقام والأخذ بالثأر هي التي تسود المجتمعات القديمة، ثم تطورت
فكرة الانتقام وأصبحت تقتصر على رد الاعتداء بمثله، إلى أن انتهى القانون الروماني
إلى تحريم فكرة الانتقام وتدخل في تقدير التعويض، بينما عرف فقهاء الشريعة الإسلامية فكرة التعويض بـ
اصطلاح ( الضمان) للدلالة على التعويض
المـالي. علي علي سليمان دراسات في المسؤولية المدنية في القانون المدني الجزائري،
ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثانية، الجزائر، 1989، ص192، ص193.
[2]- عبد القادر الفار، مصادر الالتزام، دار الثقافة للنشر والتوزيع،
الأردن، 2004، ص140، ص141؛ مصطفى العوجي، القانون المدني الجزء الثاني،( المسؤولية
المدنية)، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الثانية، 2004، ص141.
[3]- توفيق حسن فرج، المرجع السابق، ص400.
[5]- بلحاج العربي، أبحاث ومذكرات في القانون والفقه الإسلامي، المرجع
السابق، ص68.
[6]- بلحاج العربي، المرجع السابق، ص79.
[7]- علي علي سليمان، المرجع السابق، ص256.
[8]- محمد صبري السعدي،النظرية العامة للالتزامات، القسم الأول، (مصادر الالتزام)، دار
الكتاب الحديث، 2003، ص185.
[9]- عبد العزيز سعد، المرجع السابق، ص173.
[10]- وفي هذا الصدد تنص المادة 182 من القانون المدني الجزائري على
أنه : " إذا لم يكن التعويض مقدراً في العقد، أو في القانون فالقاضي هو الذي
يقدره، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب بشرط أن يكون هذا
نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخر في الوفاء به، ويعتبر الضرر نتيجة
طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول.
غير
أنه إذا كان الالتزام مصدره العقد، فلا يلتزم المدين الذي لم يرتكب غشاً أو خطأ جسيماً إلا بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد ".
[11]- أحمد شوقي، المرجع السابق، ص353.
[12]- مصطفى العوجي، المرجع السابق، ص64.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق