القيود الواردة على حرية الاشتراط في
عقد الزواج
إن الأخذ بمبدأ حرية الاشتراط في عقد الزواج
ليس على إطلاقه، إذ أن الشروط التي تشترط في العقد قد تتبع رغبات وأهواء
المتعاقدين التي لا تقف عند حـد معين وقد يؤدي الغلو فيها إلى الخروج عن قواعد
الشريعة الإسلامية، ولهذا فقد حدد الشارع لهذه الشروط الحدود التي يجب ألا
يتجاوزها المتعاقدان وإلا كانت باطلة .
ولكن فقهاء الشريعة الإسلامية قد اختلفوا في
استنباط هذه الحدود، فلم يتفقوا حول تحديد ضوابط التمييز بين الشروط المشروعة
والشروط غير المشروعة، وتعددت بذلك مذاهبهم وآراءهم واختلفت سعة وضيقا، فكان
أضيقها مجالاً مذهب الظاهرية وأوسعها مجالاً مذهب الحنابلة، واحتل المالكية
والشافعية موقعاً وسطاً بين موقفي فقهاء كل من الظاهرية والحنابلة.
إن
القيد الأساسي على حرية الاشتراط في عقد الزواج في الفقه الإسلامي هو عدم مخالفـة الدليل الشرعي، ولكـن الفقهاء مختلفون في
الأخـذ
بكل هذه الأدلة الشـرعية، فنصوص القران والسنة لم تبين لنا الحد الفاصل بين الشروط
المشروعة والشروط غير المشروعة، ولهذا يجب البحث في بقية مصادر التشريع الإسلامي.
بينما نجد القوانين الوضعية تجعل من النظام
العام القيد الأساسي على حرية الاشتراط، ولا يخفى بأن هذا المفهوم يقبل التوسع
والتضييق بسبب مرونة ونسبية النظام العام.[1] ثم أن
قانون الأسرة الجزائري وفي مادته 19 اكتفى بالنص على أن القيد الأساسي الوارد على
حرية الزوجين في وضع الشروط هو عدم مخالفة أحكام هذا القانون.
وسنتعرض إلى دراسة أهم القيود الواردة على
حرية الاشتراط في عقد الزواج في الفروع الآتية:
الفرع الأول: مراعاة قواعد النظام العام
والآداب العامة
يعتبر قيد النظام العام والآداب العامة
من أهم القيود الواردة على حرية الاشتراط في عقد الزواج، وهذا لأن أغلب مواضيع
الأحوال الشخصية من النظام العام[2]، فلا يجوز للزوجين تعديلها باتفاقات فيما بينهم.
وعلى هذا الأساس يقع باطلاً كل شرط بين
الزوجين يقضي
بالتنازل عن أبوتهما لابنهما، أو الاتفاق على تعديل ما للزوج من حقوق على زوجته في
الطاعة والأمانة الزوجية بالتنازل عنها مثلاًً، ويقع باطلاً أيضاً كل شرطٍ يقضي
بتعديل ما للزوجة من حقوق على زوجها كشرط نفي المهر أو عدم الإنفاق عليها.[3]
ولكن الإشكال الذي يواجهنا هنا هو صعوبة
تحديد مفهوم ثابت للنظام العام، ومع ذلك يمكن القول بأن النظام العام على وجه
الإجمال هو عبارة عن مجموعة القوانين التي يقصد بها تحقيق مصلحة عامة للمجتمع سواء
كانت هذه المصلحة سياسية وهذا هو مجال القوانين الدستورية والإدارية، أو كانت هذه
المصلحة اجتماعية وهو ما تراعيه قوانين الأحوال الشخصية[4]، أو كانت
هذه المصلحة اقتصادية.
وعلى هذا الأساس فليس للزوجين الاتفاق على
مخالفة أحكام وقواعد النظام العام حتى ولو كانت هذه الاتفاقات تحقق لهم مصالح
شخصية، وتبرير ذلك يكون بتغليب المصلحة العامة للمجتمع على المصلحة الخاصة.[5]
أما المقصود بمراعاة
الآداب العامة هو
احترام الأصول الأساسية للأخلاق في مجتمع معين وعصر معين، بحيث يُفرض على الجميع
احترام الحد الأدنى من القواعد
الخلقية التي تعتبر لازمة
لحماية المجتمع من الانحلال الخلقي، غير أن هذه الفكرة تبقى نسبية إلى حدٍ ما.
وذلك لاختلاف المعيار الذي نحدد به ما هو من الآداب العامة أو ليس كذلك من مجتمع
لآخر بل ونجده يختلف حتى في نفس المجتمع من عصرٍ لآخر.
غير أن هذه الميزة التي يتمتع بها النظام
العام تعتبر الوسيلة الوحيدة لتحقيق التوافق بين النظام القانوني لمجتمع ما
والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والخلقية، بشرط ألا يكون هذا على حساب قيم
ومبادئ المجتمع[6]،
فالمفاهيم الخلقية تعتبر المحدد الأساسي لمفهوم الآداب العامة كما جرى على ذلك
التطبيق العملي.[7]
وانطلاقاً مما سبق، فإنه لا يجوز
للزوجين تضمين عقود الزواج شروط وبنود تمس بالآداب العامة، فعلى سبيل المثال يقع
باطلاً اشتراط الزوجة على زوجها السماح لها بالعمل في المـلاهي الليلية كبائعة
خمور، أو أن تعمل كراقصة أو عارضـة للأزياء[8]، وذلك
لتعارض هذه الشروط مع الآداب العامة التي تحكم المجتمعات العربيـة، في حين قد
تعتبر هذه الشروط مشروعة في المجتمعات الغربية.
وبمقارنة فكرة النظام العام والآداب العامة
في القانون الوضعي كقيد وارد على حرية الاشتراط وما يقابل هذه الفكرة في الشريعة
الإسلامية، ونعني بذلك عدم مخالفة الشروط للدليل الشرعي، نجد أنهما يختلفان في كون
النظام الشرعي العام في الشريعة الإسلامية ثابت على مر الزمن ولا يجوز تغييره ولا
تبديله، بخلاف فكرة النظام العام حسب القانون الوضعي فإنها تخضع للتغيير.[9] فضلاً عن
أن نطاق المحرم في الشريعة الإسلامية أوسع مجالاً من نطاق التحريم في القانون
الوضعي، فالفقه الإسلامي يعالج القضايا الدينية والدنيوية، بينما يقتصر القانون
الوضعي على معالجة الأمور الدنيوية فقط.[10]
ولم يجعل الفقه الإسلامي من المعيار الذاتي
المتمثل في المصلحة الفردية للمتعاقد أساساً لترتيب آثار العقود والشروط، بل
الأساس المعتمد في ذلك هو المعيار الموضوعي الـذي يغلب مصلحة
المجتمع ويحمي النظام الشرعي العام والآداب العامة، ولتحقيق ذلك لابد من الخضوع
لأوامر الشارع ونواهيه.
وتبعاً لذلك فإنه لا يجـوز للزوجين الاتفاق
على ألا يرتب عقد الزواج آثاره الشـرعية، والحكمة في ذلك أنه لو ترك الشارع الناس
وشأنهم في ترتيب ما يحلو لهم من آثار وشروط في العقود، وخاصة في عقد الزواج لخرجوا
عن حدود الله وطغى الظلم والفساد في الأرض، بسبب الأنانية الطاغية على الإنسان
التي تجعله يسعى إلى تحقيق مصالحه على الطرف الآخر، فكان من اللازم تقييد إرادة
المتعاقدين بعدم مخالفة قواعد النظام الشرعي العام.[11]
الفرع الثاني: عدم
مخالفة أحكام قانون الأسرة
لقد ورد هذا القيد الثاني في نص المادة 19 من
قانون الأسرة الجزائري التي تضمنت أحكاماً عامة غير محددة، بل وفي منتهى التعميم
والشمولية، إذ نجد المشرع الجزائري قد أباح للزوجين كقاعدة عامة أن يشترطا كل
الشروط التي يريانها ضرورية، ثم أورد على هذه القاعدة العامة استثناءا يقيد العموم
السابق؛ وهذا يعني أن قانون الأسرة قد أباح للزوجين حرية الاشتراط، غير أن هذه
الإباحة مقيدة بعدم مخالفة ما ورد من أحكام وقواعد في قانون الأسرة.[12]
غير أن تحديد ماهية الأحكام التي تضمنها قانون
الأسرة الجزائري، والتي يتعين على الزوجين عدم مخالفتها عند وضع الشروط الإرادية
في عقد الزواج تكتنفه بعض الصعوبات. فعلى سبيل المثال قد يبدو للبعض أن هناك تعارض
بين إباحة المشرع مثلاً لشرط عدم تعدد الزوجات وما تقضي به المادة 8 بإباحة
التعدد.
إنه بالنسبة لمحاولة حصر أحكام قانون الأسرة
التي لا يجوز للزوجين تعديلها باشتراط شروط زائدة على أصل العقد، قد يبدو للوهلة
الأولى عسيراً بعض الشيء، إلا أنه يمكن القول بأن المقصود بهذه الأحكام كل الآثار
الأصلية لعقد الزواج التي هي من مقتضى العقد. وهذا ما يتضح جلياً من خلال نص
المادة 32 من قانون الأسرة بنصها على بطلان الزواج الذي أشتمل على شرط يتنافى
ومقتضيات العقد.
وتتمثل أهم هذه الأحكام فيما يلي:
1- حل الاستمتاع بين
الزوجين (المادة04)
2- استحقاق الزوجة
الصداق (المادة 14)
3- استحقاق الزوجة
للنفقة (المادة 74)
4- حسن المعاشرة بين
الزوجين (المادة 36)
5- التوارث بين
الزوجين ( المادة 126)
6- ثبوت نسب الأولاد
( المادة 41)
وبالنسبة للإشكال الثاني المتمثل في تضمين
عقد الزواج بعض الشروط التي قد تخالف
أحكام قانون الأسرة،
كاشتراط الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها وحول ما إذا كان هذا الاشتراط يعد في مضمونه
تحريماً لشيء محلل شرعاً؟
فيرى الدكتور عبد العزيز سعد بأن هذا الشرط
يعتبر باطلاً لتنافيه مع نص المادة 08 التي تسمح بتعدد الزوجات، لذلك فإن الزوج لا
يلزم بالوفاء بأي شرط ورد في العقد وكان مخالفاً لأحكام قانون الأسرة، ولا يجوز
مطالبته بالوفاء بذلك أمام القضاء وليس للزوجة أن تطلب التطليق اعتمادا على عدم
الوفاء بهذا الشرط.[13]
وتزداد أهمية طرح هذا الإشكال في ظل التعديل
الأخير لقانون الأسرة حيث خصت المادة 19 بالذكر شرط عدم تعدد الزوجات إلى جانب شرط
عمل المرأة بإعتبارهما شرطين ضرورين لتأثيرهما الهام على حياة الأسرة. وبهذا يكون
المشرع الجزائري قد حسم مسألة هذين الشرطين تشريعياً، وتم بذلك رفع الحرج عن
القاضي والمتقاضين.[14]
غير أنه وبهذا التخصيص لشرط عدم تعدد الزوجات
في المادة 19 يصبح التعارض والتناقض بين نص المادتين 19 و8 أكثر وضوحاً وبروزاً من
السابق على الأقل من ناحية صياغة هاتين المادتين.
وفي اعتقادنا أنه كان في وسع المشرع
الجزائري تفادي وقوع هذا التعارض في صياغة نص كل من المادتين لو نص على هذا الشرط
في المادة 8 كقيد من القيود الواردة على تعدد الزوجات، كما هو عليه الحال
بالنسبة للمشرع المغربي حيث نص في المـادة 40 من مدونة الأسرة على أنه: "
يمنع التعـدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجـات، كمـا يمنع في حـالة وجـود شرط من
الزوجة بعـدم التــزوج عليهـا "، فالموضع الصحيح لإدراج شرط عدم تعدد الزوجات
في قانون الأسرة الجزائري يكون هو نص المادة 8 وليس نص المادة 19.
ومن ناحيـة أخرى فإن صيغة التعبير التي
أوردها المشرع الجزائري بخصوص شرط عدم تعدد الزوجات في نص المادة 19 تعتبر غير
سليمة، لأنها تتجه بذهن القارئ نحو تحريم مبدأ التعدد أصلاً، والتعبير السليم حسب
رأينا يكون باستبدال عبـارة "... ولاسيما شرط عدم تعدد الزوجات...
" بعبارة "... ولا سيما شرط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها...".
والجديـر بالذكر أن الشريعة الإسلامية لم
تقيد تعدد الزوجات إلا بشرط العدل، أما جعله بيد القاضي وموافقته ومطالبة الرجل
بإبداء المبرر الشرعي واقتناع القاضي بذلك
هي شروط ما أنزل الله بها من سلطان، كما أن إعطاء ولاية غير مشروعة للقاضي
على الرجل من شأنه أن يعمق ويوسع مساحات الزواج العرفي والعلاقات غير المشروعة.[15]
إن ما يجب فهمه بالنسبة لتعدد الزوجات[16] أن
الشريعة الإسلامية تأبى أن يكون الغرض من التعدد المباهاة أو التذوق أو الإهانة،
فالتعدد رخصة لا يلجأ إليها إلا عند الضرورة ووجود مسوغاتها.[17]
وانطلاقا من هذا فلا حرج في وضـع قيود على
تعدد الزوجات وإحاطته بإجراءات اجتهادية من وضع المشرع، إذا كان الغرض منها هو
حماية التعدد وتنظيمـه وتحقيـق العدل فيه،
وحمـاية المرأة من تعسف الزوج وضمـان حقوق الزوجـة.[18]
وبالرجوع إلى الشريعة الإسلامية وتحديداً الفقه الحنبلي نجده
يبيح للزوجة أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها، أو ألا يخرجها من منزل أبيها...
وغيرها من الشروط التي لا توافق مقتضى عقد الزواج ولا تنافيه، ولم يرد بها أمر أو
نهي من الشارع ويكون في اشتراطها تحقيق غرض مشروع لمن اشترطها. فالحنابلة يرون
بإلزامية الوفاء بمثل هذه الشروط، ويمنحون لمن تضرر من جراء عدم الوفاء بها حق فسخ
عقد الزواج.[19]
بينما نجد كل من فقهاء الشافعية والمالكية
والحنفية يعتبرون بأن كل شرط خالف الشرع أو يزيد على مقتضى العقد من غير ورود نص
في الشرع بإقراره، شرط فاسد لا يؤثر على العقد بحيث يفسد الشرط وحده ويبقى العقد
صحيحاً، كاشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها أو ألا يخرجها من بلدها.[20]
وهكذا نجد أن الفقه الإسلامي على خلاف حول شرط
الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها، وواضح أيضاً مما سبق أن المشرع الجزائري قد
استوحى تنظيمه لهذا الشرط من الفقه الحنبلي الذي يعتبر أكبر المذاهب توسعاً في
تصحيح الشروط.
إن تبني المشرع الجزائري لرأي الحنابلة فيما
يخص اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها له ما يبرره، فما كان للزوجة أن تلجأ
إلى ذلك إلا منعاً لمفسدة، وما سميت الضرة بهذا الاسم لدى العرب إلا لاشتقاق اسمها
من الضرر.[21]
كما أن في اشتراط الزوجة لمثل هذا الشرط تحقيق لمصلحة جدية للمرأة ورغبة أكيدة
لديها في الاستئثار بزوجها.[22]
ونخلص مما سبق ذكره إلى أنه لا تعارض بين
شرط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها ومبدأ تعدد الزوجات، فتنازل الزوج عن حقه في
التعدد لا يبطل المبدأ من أصله، بل يبقى التعدد في أصله مباح دون أن ينفي ذلك
إعطاء الحق للزوجة في أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها كلما كان في ذلك تحقيق
لمصلحة جدية للزوجة.
الفرع الثالث: جدية المصلحة
تعرف المصلحة في الشريعة الإسلامية بأنها
جلب المنفعة ودفع المضرة والمفسدة.[23]
والمصلحة المعتبرة في شريعة الإسلام هي كل مصلحة تؤدي إلى الحفاظ على الدين والنفس
والمال والعقل والنسل، وفي هذا يقول الإمام الغزالي: " إن جلب المنفعة ودفع
المضرة مقاصد الخلق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكن نعني بالمصلحة المحافظة
على مقصود الشرع. ومقصود الشرع من الخلق خمسة ، وهو أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم
وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكـل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسـة فهو مصلحة، وكل ما
يفوت هذه الأصول الخمسـة فهو مفسدة ودفعها مصلحة ".[24]
والمقصود بجدية المصلحة كقيد وارد على حرية
الاشتراط في عقد الزواج هو أن يكون الهدف من الاشتراط تحقيق مصلحة مقصودة لكلا
الزوجين أو أحدهما، بشرط ألا يتنافى ذلك مع مقاصد عقد الزواج، فإذا كان الشرط
موافقاً لغايات ومقاصد العقد ومحققاً لمصلحة مقصودة فيجب الوفاء به. أما إذا كان الشرط
منافياً للغاية الأساسية التي شرع العقد من أجلها فيبطل الشرط.[25]
وتقدير جدية المصلحة وأهميتها مرجعه إلى
الموازنة بينها وبين الأضرار التي تنتج عنها، أو عن عدم تقريرها، بحيث إذا بلغت
المصلحة حداً من الأهمية يربو أو يزيد في قيمته على الضرر الذي يترتب على عدم قيام
الحقوق أو استعمالها كانت المصلحة جدية.[26] لأن
الحقوق لا تعد غايات في حد ذاتها وإنما هي وسائل لتحقيق غايات ومصالح مشروعة
يحميها القانون. فإذا لم يكن لصاحب الحق مصلحة من وراء استعماله، أو كانت المصلحة
المقصودة ضئيلة بحيث لا تبرر ما ينجم عن التصرف من أضرار اعتبر ذلك تعسفاًً في
استعمال الحق[27]،
فلو أن الزوجة اشترطت على زوجها ألا يتزوج عليها، فهذا الشرط يحقق غـاية مقصودة
للزوجة فـي الاستئثار بزوجها، ولكن إذا أضحت تلك الغاية غير ذات جدوى بسبب أن
الشرط الذي اشترطته الزوجة على زوجها يلحق الـضرر بالزوج ويفوت عليـه مصلحة
حقيقية، فإن مثل هذا الشرط يبطل لأن الغاية شرع والشرط تصرف، ولا يجوز للتصرف أن
يلغي الشرع فما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط.[28]
وعلى ذلك فإذا كانت الزوجة ولود وتقوم بجميع
واجباتها الزوجية، فإنه ليس للزوج مخالفة شرطها بألا يتزوج عليها، بل يجب عليه
الوفاء بهذا الشرط لأنه يحقق مصلحة مقصودة للزوجة.
أما إذا كانت الزوجة عاجزة عن القيام بحقوق
الزوج أو كانت غير قادرة على الإنجاب بسبب العقم، فهنا تظهر للزوج مصلحة جديدة من
أجلها شرع عقد الزواج وهي حفظ النسل، وبناءًا على هذا فلا يكون الزوج ملزماً
بالوفاء بالشرط السابق، ولا يكون للزوجة حق فسخ الزواج، إذ لا يمكن اعتبار الزوج
مخلاً بشرطه في هذه الحـالة، وهذا لظهور مصلحة أخرى حقيقية يجب على الزوجين السعي
نحو تحقيقها.[29]
[1]- علي محيي الدين، المرجع السابق ، ص 59.
[2]- إلياس ناصيف، موسوعة العقود المدنية والتجارية، الجزء الأول، لا
توجد دار النشر، الطبعة الثانية، 1997، ص43.
[3]- عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، المرجع السابق، ص78، ص79.
[4]- والجدير بالذكر هنا، أن نص المادة 3 مكرر من التعديل الأخير لقانون
الأسرة الجزائري أوجب على النيابة العامة أن تتدخل كطرف أصلي في جميع القضايا
الرامية إلى تطبيق أحكام هذا القانون. والحقيقة أن هذا التعديل له ما يبرره ، غير
أن ما يعاب على هذا التعديل أنه فتح الباب واسعاً
أمام النيابة العامة، حيث كان من المفروض أن يربط تدخلها بمعيار النظام
العام والآداب العامة، تخفيفاً للعبء هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن بعض مسائل
الأحوال الشخصية لا تتطلب إشراك النيابة العامة. حمليل صالح، قراءة في بعض
التعديلات الجديدة لقانون الأسرة الجزائري، مجلة الحقيقة، جامعة أدرار، 2005،
العدد 06، ص233.
[5]- زكي الدين شعبان، المرجع السابق، ص96، ص97.
[6]- عبد المنعم فرج الصده، نظرية العقد في قوانين البلاد العربية،
دار النهضة العربية، بيروت، 1974،ص338، ص339.
[7]- جاك غستان، ترجمة منصور القاضي، تكوين العقد، المؤسسة الجامعية
للدراسات والنشر، 2000، ص128.
[8]- محمود محمد حمودة، محمد
مطلق عساف، فقه الأحوال الشخصية، مؤسسة الوراق، الأردن ، 2000، ص53.
[9]- عبد الناصر بن موسى، اقتران العقد بشرط تقييدي في القانون المدني
وقانون الأحوال الشخصية في المملكة الهاشمية الأردنية، البلقاء للبحوث
والدراسات، الأردن، 1995، العدد 01، ص138.
[10]- علي محيي الدين، المرجع السابق، ص1216.
[11]- صاحب عبيد الفتلاوي، تحول العقد، مكتبة دار الثقافة للنشر
والتوزيع، الأردن، 1997، ص63.
[12]- عبد العزيز سعد، الزواج والطلاق في قانون الأسرة الجزائري، دار
هومه للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة، الجزائر، 1996، ص169.
[13]- عبد العزيز سعد، المرجع السابق، ص172.
[14]- بن داود عبد القادر، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد، دار
الهلال للخدمات الإعلامية، 2004، ص102، ص103.
[15]- فاروق أبو سراج الذهب، مواقف وآراء المجتمع الجزائري من مشروع
التعديلات، مجلة البصيرة للبحوث والدراسات الإنسانية، الجزائر 2004، العدد 08،
ص116، ص117.
[16]- وتجدر الملاحظة هنا إلى أن الإسلام لم يكن أول من شرع تعدد
الزوجات، بل كان من العادات القديمة التي عرفها الإنسان في عصوره الأولى، وكان
أمراً معهوداً لدى الأمم السابقة، فلما جاء الإسلام أقره ونظمه، وإذا رجعنا إلى
عهد الفراعنة نجد بأنهم كانوا من أنصـار التعدد وكان بعض ملوكهم يتزوجون كما
يشاؤون، لا يتقيدون بقيود ولا حدود، ولا تمنعهم دياناتهم من ذلك، وكذلك كان اليهود
يتزوجون بغير حساب ودون أية ضوابط. تغاريد بيضون، المرأة والحياة الاجتماعية في
الإسلام، دار النهضة العربية، بيروت، 1985، ص86.
[17]- محمد الصالح الصديق، نظام الأسرة في الإسلام، دار هومه، 1999، ص
137.
[18]- كمال لدرع، نظرة في قانون الأسرة الجزائري، مجلة المعيار، جامعة
الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة، 2001، العدد01 ص201.
[19]- بدران أبو العينين بدران، الفقه المقارن للأحوال الشخصية، الجزء
الأول (الزواج والطلاق)، دار النهضة العربية، بيروت، بدون سنة ص51.
[20]- كوثر كامل علي، المرجع السابق، ص72.
[22]- وحيد الدين سوار، المرجع السابق، ص587.
[23]- محمد تقية، مصادر التشريع الإسلامي، الديوان الوطني للأشغال
التربوية، الجزائر، 1994، ص149.
[24]- محمد أبو زهرة، أصول
الفقه، دار الفكر العربي، بدون سنة، ص293.
[25]- سعيد فكرة، الشرط عند الأصوليين، رسالة دكتوراة، جامعة الأمير
عبد القادر للعلوم الإسلامية، معهد الشريعة، قسنطينة، السنة الجامعية 1996/1997،
ص633.
[26]- شوقي محمد، ضوابط المصلحة والموازنة بينها، مجلة دراسات قانونية،
الجزائر، 2003، العدد08، ص14، ص15.
[27]- العربي مجيدي، نظرية التعسف في استعمال الحق وأثرها في أحكام فقه
الأسرة، مذكرة ماجستير، جامعة الجزائر، كلية أصول الدين، السنة الجامعية
2001/2002، ص105.
[28]- سعيد فكرة، المرجع السابق، ص 633
[29]- سعيد فكرة، نفس المرجع ، ص634.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق