الجزاء المترتب على عدم الوفاء بالشرط في الزواج

0
الجزاء المترتب على عدم الوفاء بالشرط  
     يتمثل الجزاء المترتب على عدم الوفاء بالشرط في الدفع بعدم التنفيذ، وهذا الجزاء خاص بالشروط المؤثرة في المهر؛ حيث يجوز للزوجـة أن تحبس نفسها عن زوجهـا، وتستعمل ذلك كوسيلة ضغط منها لاستيفاء معجل مهرها.
    وإذا لم يفلح الدفع بعدم التنفيذ في إلزام الزوج بالوفاء، فيكون للمشترط اللجوء إلى طلب الفسخ أمام القضاء، وأخيراً طلب التعويض إذا ثبت الضرر، وسنتطرق في المطالب التالية إلى كل هذه الجزاءات المختلفة.
المطلب الأول: الدفع بعدم التنفيذ
     يختلف الدفع بعدم التنفيذ عن الفسخ في كونه ينحصر أثره في وقف تنفيذ الالتزامات المستمدة من العقد الملزم للجانبين، وعلى ذلك فإن الدفع بعدم التنفيذ لا يؤدي إلى انقضاء الالتزامات التعاقدية.[1]
    ولقد قسمنا هذا المطلب إلى ثلاثة فروع، نتطرق في الفرع الأول إلى دراسة  شروط الدفع بعدم التنفيذ، ونتناول في الفرع الثاني الأساس الذي يقوم عليه الدفع بعدم التنفيذ، وأخيراً خصصنا الفرع الثالث لدراسة حق الزوجة في حبس نفسها لاستيفاء معجل مهرها.
الفرع الأول: شروط الدفع بعدم التنفيذ
     لكي يرتب الدفع بعدم التنفيذ أثرة المتمثل في تعطيل نفاذ العقد دون فسخه، مع بقاء العقد قائماً وواجب النفاذ، يجب توافر الشروط الآتية:
1-أن يكون هناك عقد ملزم للجانبين
2- أن يكون الالتزام المحبوس التزاما يتأخر تنفيذه عن الالتزام المقابل، حتى يستطيع المتعاقد الأول أن يوقف تنفيذ التزامه دون أن يتحلل منه، وإنما يستعمل ذلك كوسيـلة

 ضغط ليستوفي حقه في ذمة المتعاقد الآخر.[2]
الفرع الثاني: الأساس الذي يقوم عليه الدفع بعدم التنفيذ
     إن عقد الزواج عقد معاوضة، ولكنـه يختلف عن باقي عقود المعاوضات الماليـة، فهو ينطوي على مبادلة البضع بالمهر، وعلى هذا الأساس فإن ارتباط الالتزامين المتقابلين في عقد المعاوضة هو الأساس الذي يقوم عليه الدفع بعدم التنفيذ في الفقه الإسلامي؛ أي أن عدم تنفيذ أحد الالتزامين يترتب عليه وقف تنفيذ الالتزام المقابل، بخلاف الفسخ الذي هو أشد خطورة من الدفع بعدم التنفيذ.
   إن أساس فكرة المعاوضة في الفقه الإسلامي هو تحقيق المساواة في هذه العقود بين العاقدين، واحتراما لهذا المبدأ فلا يجبر أحد العاقدين على تنفيذ التزامه طالما أن المتعاقد الآخر لم يقم بتنفيذ الالتزام المقابل.[3] وعلى هذا يكون من حق الزوجة أن ترفض الذهاب إلى مسكن الزوجية إذا لم يدفع لها الزوج صداقها أو جزءاً منه.[4]

الفرع الثالث: حبس الزوجة نفسها عن زوجها لاستيفاء معجل مهرها         
      إذا كان حق الحبس في الفقـه الإسلامي مبـدأ ثابتاً في عقود المعاوضات المالية، فإنه يجد تطبيقاً له في عقد الزواج، فلو أن الزوجـة اشترطت على زوجها تعجيل صـداقها، ولكن الزوج لم يحترم هذا الاتفاق؛ فقد احتاط الفقه الإسلامي لحفظ حق الزوجة في مهرها، وأجاز لها حق حبس نفسها عن زوجها حتى تستوفي المعجل من المهر[5]؛ وهذا يعني أنه بإمكان الزوجة أن تمنع الزوج من الدخول بها حتى يعطيها ما اشترطت تعجيله من المهر، مع ثبوت هذا الحق لها حتى لو كانت قد انتقلت إلى بيت زوجها.
    والغرض من إعطاء الزوجة هذا الحق هو حث الزوج ودفعه للوفاء بحق الزوجة  ولها في سبيل تحقيق ذلك أن تمتنع أيضاً عن أن تلتزم بما كانت ستلتزم به لو دخل بها الزوج. وليس للزوج أن يمنع زوجته من السفر أو زيارة أهلها قبل إيفاء المهر، وهذا لأن طاعة الزوجة لزوجها لا تقوم إلا إذا توافرت أركان الطاعة وهي المسكن الشرعي وأمانة الزوج على نفس ومال الزوجة، وإيفاء الزوج معجل صداق الزوجة، أما إذا انتفى ركن من هذه الأركان يسقط عن الزوجة واجب الطاعة.[6]
    ولقد أقرت الشريعة الإسلامية بحق الزوجة في النفقة حتى في مدة حبس الزوجة نفسها عن زوجها، وليس بوسع الزوج أن يتذرع بسقوط حقها في النفقة بداعي نشوزها، فهي لا تعد ناشزاً طالما لم يفي لها بما اشترطته من تعجيل مهرها.[7]  
    ويعلل الفقهاء حق الحبس باستيفاء المستحق وهو المهر، فطالما لم تستوفي الزوجة مهرها، فليس للزوج استيفاء حقه منها في منافع البضع. ومتى أوفاها مهرها كاملاً كان له الحق في منعها من الخروج من بيته، وله أن يحبسها لاستيفاء حقه منها وهو منفعة البضع.
     كما أجاز الفقهاء للزوجة حق حبس نفسها لاستيفاء الجزء المتبقي من المهر المعجل حتى ولو كان جزءاً قليلاً، وهذا يعتبر تطبيقاً لحق من حقوق الحابس، فحق الحبس ينظر إليه على أنه كتلة واحدة غير قابلة للتجزئة، لأن الشيء المحبوس يقابل كل أجزاء الحق المقابل. [8]          
    أما إذا كـان المهر مؤجـلاً فإنه يؤدي إلى سقوط حق الزوجة في حبس نفسـها ويعلل الحنابلة ذلك بأن رضاها بتأجيل المهر لا يترتب عليه تأخير حق الزوج ويجب عليها تسليم نفسها، وعلى العكس من ذلك يرى بعض الشافعية بأن رضا الزوجة بتأجيل قبض المهر لا يسقط حقها في الحبس، وهذا رأي ضعيف لأن رضا الزوجة بتأجيل المهر يترتب عليه سقوط حقها في الحبس قياساً على سقوط حق البائع في الحبس إذا بادر بدفع المبيع إلى المشتري قبل قبض الثمن.
    واختلف الفقهاء حول حق المرأة في حبس نفسها بعد أن يطأها الزوج، فذهب كل من فقهاء المالكية والشافعية وبعض الحنابلة إلى القول بسقوط حقها في الحبس، بينما يرى الإمام أبو حنيفة بأنه يبقى من حق الزوجة الاستمرار في حبس نفسها، حتى ولو كانت قد سلمت نفسها مادامت لم تستوفي كامل مهرها. أما إذا وطأها الزوج مكرهة فلا يترتب على ذلك سقوط حقها في الحبس؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يبطل على غيره حقاً من حقوقه. [9]
المطلب الثاني: الفسخ      
    يعرف الفسخ في نظرية الالتزام بأنه: " حق المتعاقد في إنهاء عقد ملزم للجانبين لإخلال العاقد الآخر بالتزامه[10]. فـالفسخ يفترض قيام عقد صحيح تتوافر فيه الأركـان
 والشروط، ولكن أحد المتعاقدين لا يقوم بتنفيذ التزاماته التعاقدية.[11] فلو أن الزوجة هي التي اشترطت على الزوج شرطاً لمصـلحتها، لكن الزوج أخل بهذا الشرط، فيكون للزوجة طلب فسخ العقد لإخلال الزوج بالتزامه العقدي،[12] ولها عليه سائر حقوق الزوجية من نفقة في زمن العدة ومؤجل الصداق إن وجد.
   وبالمثل لذلك فإذا كان الزوج هو الذي اشترط على الزوجة شرطاً لمصلحته، وأخلت به الزوجة، فيكون للزوج حق فسخ العقد ويعفى من دفع مهرها المؤجل ومن نفقة عدتها.[13]
    ولقد اختلف الفقه حول الأساس القانوني الذي يقوم عليه الفسخ، فذهب جانب من الفقهاء إلى أن الفسخ قائم على وجود شرطٍ فاسخ ضمني، يفهم منه اتجاه نية المتعاقدين إلى فسخ العقد الملزم للجانبين في حالة عدم الوفاء بالشرط. وذهب اتجاه فقهي آخر إلى اعتبار أن الفسخ مبني على أساس نظرية السبب التي توجب على المتعاقد الآخر تنفيذ التزامه المقابل، وقد انتقد هذا الاتجاه بأن الجزاء المترتب على تخلف السبب هو البطلان وليس الفسخ، فضلاً عن وجوب توافر السبب عند إبرام العقد باعتباره أحد أركان العقد الأساسية.
    والراجح من هذين الاتجاهين هو أن الفسخ قائم على أساس الترابط بين الالتزامات المتقابلة في العقد الملزم للجانبين؛ ولتحقيق هذا الترابط ينبغي تنفيذ العقد واحترام بنوده بغرض تحقيق التوازن في العلاقة التعاقدية.[14]
    ولكن الإشكال الذي يثار بصدد الحديث عن الفسخ كجزاء لعدم الوفاء بالشرط يتمحور حول ما إذا كان يتعين على الزوج المشترط - الذي له حق الفسخ- أن يلجأ إلى القضاء لاستصدار حكم الفسخ، أم أنه لا يحتاج إلى ذلك؟ وإذا وقع نزاع بين الزوجين بصدد الوفاء بالشرط فهل يكون للقاضي الاجتهاد في ثبوت الفسخ؟ أم يكتفي بمجرد الحكم به والإعلان عنه؟
     يرى الإمام ابن تيمية أن الفسخ كجزاء لعدم الوفاء بالشرط لا يحتاج إلى حكم القاضي، ولكن إذا وقع نزاع بين الزوجين حول هذا الشرط وَرُفِعَ الأمر به إلى القاضي، فعندئذ يخضع لسلطته التقديرية فإما أن يرى إثباته أو إبطاله.[15]
    ولكن الرأي الراجح في هذه المسالة هو أنه لابد من رفع دعوى الفسخ إلى القضاء لفسخ النكاح لعدم الوفاء بالشرط، حتى ولو لم يكن هناك نزاع قائم بين الزوجين حول مشروعية الشرط. ثم أن مسألة تحديد الشروط المشروعة وغير المشروعة مسألة خلافية بين الفقهاء، ولا شك أن حكم القاضي هو الذي يرفع الخلاف في مثل هذه الأمور، ثم أنه لا يجوز للزوجة التي اشترطت على زوجها شرط معين ولم يوفي به أن تكون هي الخصم والحكم في هذا النزاع، بل لابد أن ترفع أمرها إلى القضاء وتثبت ما ادعته؛ لأن القاضي أقدر من غيره على تحديد مشروعية الشرط أوعدم مشروعيته.[16]
    ويجمل بنا أن نشير بخصوص هذه المسألة إلى موقف الدكتور محمد أبو زهرة المتمثل في اعتراضه على ما ذهب إليه مؤتمر تنظيم الأسرة من أن للمرأة حق فسخ عقد الزواج من غير الالتجاء إلى القضاء، وهذا لأن تخلف الشرط أو عدم تخلفه يحتاج إلى نظرة ومعرفة لسبب التخلف، ولا يكون ذلك إلا من اختصاص القضاء، هذا فضلاً عن أن كل أسباب الفسخ التي يقرها الشارع تحتاج إلى صدور حكم بالقضاء، ولهذا فلا يكون للزوج المشترط في حالة تخلف الشرط إلا حق تقديم طلب الفسخ.
   وطالب أيضاً بتقييد الحق في طلب الفسخ إلى ما قبل الدخول، وتحديد مجاله في كل اشتراط يخص حالة الزوج المالية والاجتماعية، لأنه قبل الدخول تكون هناك فرصة للتحري.[17]
    والحقيقة أن تحديد الحق في طلب الفسخ بالفترة السابقة على الدخول، قد يقلل من أهمية الوفاء بالشروط في عقد الزواج، خصوصاً وأن حق الاشتراط ليس مقصوراً على الشرط المقترن بالعقد، بل يمتد إلى الفترة اللاحقة على إبرام عقد الزواج أو ما  يعرف بالشرط اللاحق، فالشروط تتجدد وتتغير تبعاً للتغيرات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية. وقد يدفع ذلك بالزوجين إلى الاتفاق على شروط جديدة في عقد رسمي لاحق. كما أنه لا يمكن تحديد مجالات معينة يسمح للزوجين بالاشتراط فيها دون غيرها، فحرية الاشتراط مطلقة ما لم يرد الدليل الشرعي على المنع والحظر كما قال بذلك الحنابلة.
    وبالرجوع إلى قانون الأسرة الجزائري نجد نص المادة 53 يمنح للزوجة الحق في طلب التطليق لعدم وفاء الزوج بالشرط. وبهذا فقد أضاف التعديل الأخير لقانون الأسرة سبباً آخر من أسباب التطليق التي يجوز للمرأة أن تستند إليها في طلب التفريق القضائي؛ وهذا يعني أنه يتعين على المرأة اللجوء إلى القضاء من أجل طلب التطليق بسبب مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج.      
     هذا ويفترق الفسخ لعدم الوفاء بالشرط باعتباره فسخاً للعقد عن التفريق بين الزوجين بالطلاق في عدة أمور نشير إلى أهمها في الفرع الأول من هذا المطلب، على أن نخصص الفرع الثاني لدراسة مسقطات حق الزوجة في الفسخ.



[1]- أحمد شوقي، المرجع السابق، ص240.
[2]- عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، المرجع السابق، ص241.
[3]- عبد الرزاق السنهوري، نفس المرجع، ص243.
[4]- Ghaouti benmelha, le Droit Algérien De La Famille, Office Des Publications Universitaires, Algérie, 1993, p129.                                                                                                                                                                
[5]- أبي الفرج عبد الرحمان، القواعد في الفقه الإسلامي، دار المعرفة، لبنان، بدون سنة، ص301.
[6]- عبد الجليل أحمد علي، أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية، مكتبة الإشعاع، الإسكندرية، 2001، ص54،ص55.
[7]- عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص239
[8]- رشدي شحاتة، المرجع السابق، ص430، ص437.
[9]- رشدي شحاتة، المرجع السابق ، ص434، ص435، ص436.
[10]- أحمد شوقي، المرجع السابق، ص241؛ ياسين محمد الجبوري، المرجع السابق، ص463.
[11]- توفيق حسن فرج، النظرية العامة للالتزام، الدار الجامعية، 1988، ص233.
[12]- عبد العزيز سعد، المرجع السابق، ص172.
[13]- محمود السرطاوي، المرجع السابق، ص126.
[14]- أحمد شوقي، المرجع السابق، ص242، ص243.
[15]- ابن تيمية، المرجع السابق، ص167، ص168.
[16]- علي محمد قاسم، المرجع السابق، ص167، ص168.
[17]- محمد أبو زهرة، تنظيم الأسرة وتنظيم النسل، دار الفكر العربي، القاهرة، 1988، ص87، ص88.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه