الطبيعة القانونية للحصانة البرلمانية

0
الطبيعة القانونية للحصانة البرلمانية

الحصانة البرلمانية سواء في ذلك الحصانة ضد المسئولية البرلمانية أم الحصانة ضد الإجراءات الجنائية ليست في حقيقة الأمر امتيازاً شخصياً لعضو البرلمان وإنما هي مقررة في جميع الأحوال لصالح البرلمان الممثل الحقيقي للأمة ضمانا لاستقلاله في عمله وحماية لأعضائه .

ويثور التساؤل عما إذا كان إقرار مثل هذه الحصانة دستوريا يعني أن الأعمال أو الأفعال التي يقترفها عضو البرلمان والتي يحظرها قانون العقوبات تصبح أعمالا أو أفعالا مشروعه ؟

الحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الجنائية مستبعدة من هذا التساؤل ، لأن الهدف منهما إرجاء اتخاذ الإجراءات الجنائية ضد العضو حتى يتم الإذن بها من قبل المجلس التابع له . إذ يصبح هذا العضو بعد صدور ذلك الإذن شخصاً عادياً يخضع لكافة أحكام التشريع الجنائي فيما اقترفه من فعل أو عمل .

فالحصانة ليس لها علاقة بالفعل أو العمل المقترف وإنما فقط بالإجراءات الجنائية الواجب اتخاذها في مثل هذه الحالة ، أو بمعنى أدق بوقت اتخاذ هذه الإجراءات ، فالحصانة التي نحن بصددها لا تخرج نائباً عن سلطة القانون ولا تؤدي إلى حفظ الدعوى بالنسبة إليه ولا ترمي إلى براءته فكل ما في الأمر أنها تعمل على تأجيل النظر في الدعوى ضده أثناء الانعقاد .

وعليه فإن التساؤل السابق ينصب فقط على الحصانة ضد المسئولية البرلمانية بحيث يتعين تحديد طبيعة هذه الحصانة ؟ وبيان التكييف القانوني لها ؟
وتعددت آراء الفقهاء في هذا المجال إلا أن الرأي السائد هو أن هذه الحصانة لم تقرر لمصلحة العضو الشخصية وإنما لصفته الوظيفية وعلى ذلك يمكن القول أن هذه الحصانة ما هي إلا امتياز دستوري يمنح لعضو البرلمان كي يباشر وظيفته النيابية على أكمل وجه أو أنها سبب قانوني خاص قرره المشرع الدستوري لمنع عقاب هذا العضو عما يبديه من قول أو رأي طالما أن ذلك يتم في إطار وحدود وظيفته البرلمانية ، والمشرع حين قرر الإعفاء من العقاب وازن بين مصلحتين مصلحة العمل النيابي وتمثيل الأمة تمثيلاً صادقا ومصلحة من أضر من جراء ما صدر عن عضو البرلمان من قول أو رأي ثم رجح وهو أمر طبيعي المصلحة الأولى على الثانية باعتبار أنها الأكثر أهمية .

فإذا ارتكب العضو داخل المجلس أو داخل إحدى لجانه جريمة من الجرائم التي تقع بالقول كجرائم السب والقذف بصفة خاصة فهذه الجرائم تنحسر عنها صفة عدم المشروعية ليصبح الفعل مشروعاً بينما هو في قانون العقوبات يظل فعلاً غير مشروع . 

وحصانة أعضاء البرلمان سواء كانت حصانة ضد المسئولية البرلمانية أو حصانة ضد الإجراءات الجنائية قاعدة أساسية في كل نظام سياسي ، مرتبطة في حقيقتها بالصالح العام أو بالنظام العام ويترتب على أن الحصانة البرلمانية من النظام العام مجموعة من النتائج أهمها ما يلي : 
1- لا يملك عضو البرلمان التنازل عن حصانته بأي حال من الأحوال .
2- إذا رفعت الدعوى إلى القضاء قبل رفع الحصانة وجب على المحكمة الحكم بعدم قبولها لبطلان إجراءاتها وتقضي المحكمة بذلك من تلقاء نفسها إن لم يدفع العضو بها .
3- الإجراءات الجنائية التي تتخذ ضد العضو دون إذن المجلس أو رئيسه باستثناء حالة التلبس بالجريمة تكون باطلة .
4- يمكن الدفع بالبطلان في أي حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف أو النقض .

قد يتساءل البعض هل الحصانة البرلمانية تمثل إخلالا بمبدأ المساواة بين الأفراد، وفي هذا الصدد ذهب جانب من الفقه إلى القول بأن الامتياز الذي يتمتع به أعضاء الهيئة التشريعية والمتمثل في الإعفاء من العقاب عن بعض الأفعال التي تصدر منهم أثناء تأديتهم لوظائفهم يمثل اعتداءً صارخاً على مبدأ المساواة لأن هناك مجالس نيابية أخرى كمجالس المديريات ليس لأعضائها أن يتمتعوا بمثل الحصانة التي يتمتع بها أعضاء البرلمان ، وجانب آخر من الفقهاء قالوا بأن الحصانة البرلمانية ليست حصناً لحرية القول وإنما هي حصن للإجرام على أساس أن الحصانة البرلمانية في النظم الوضعية قد تؤدي إلى منع العقاب وغالبا ما تكون لحماية النائب رغم كونه مجرماً آثماً استطال على الناس بفضل وظيفته النيابية .
لكن الرأي الراجح أن الحصانة البرلمانية لا تمثل إخلالاً بمبدأ المساواة لأن تطبيق المساواة تكون بين كل طائفة من الأفراد المتساوون في ظروفهم وأحوالهم الوظيفية كالمساواة بين أعضاء البرلمان ذاتهم وفيما بينهم لأنهم جميعاً يؤدون ذات الوظيفة النيابية وتسودهم بالتالي أوضاع وظروف متشابهة و متساوية ، أما إذا قيل بضرورة المساواة بين أعضاء البرلمان الممثلين للأمة من ناحية وبين عامة الشعب من ناحية أخرى .فالحصانة لم تقرر لأعضاء البرلمان إلا لما يحيط بالدور الذي يباشرونه والمتمثل في الدفاع عن مصالح الأمة ورقابة الحكومة رقابة جادة وفعالة من أخطار أن تعوقهم عن مباشرة هذا الدور بالكيفية التي يجب أن يتم بها ولهذه تعتبر الحصانة البرلمانية تعتبر إجراء استثنائي اقتضته ضرورة جعل السلطة التشريعية بمنأى عن اعتداءات السلطات الأخرى . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه