b
دعوى الإلغاء
بسبب تجاوز السلطة
تعتبر دعوى الإلغاء من أهم الدعاوي الإدارية وأكثرها قيمة من الناحية
النظرية والعملية، إذ من جهة تمثل ضمانة لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم وتعمل على
توجيه القائمين على الإدارة العامة للإلتزام حدود القانون وعدم الخروج عليه من جهة
أخرى.
وعليه سنتناول في هذا المبحث : تعريف دعوى الإلغاء، شروط قبولها، أسباب عدم
المشروعية، وأخيرا إجراءت رفعها وكيفية تنفيذ الأحكام.
e
المطلب الأول : ماهية دعوى الإلغاء
دعوى الإلغاء هي الدعوى التي يتقدم بها صاحبها إلى
القاضي طالبا إلغاء قرار إداري غير مشروع بحجة عدم مشروعيته، ويتضح من هذا التعريف
أن دعوى الإلغاء، طعن قضائي ضد قرار إداري لعيب في أحد أركانه، وذلك بهدف إلغائه
وإزالة أثاره، ويتعين على صاحب الشأن أن يستند في دعواه إلى أسباب قانونية تسوغ
دعواه، وذلك بخلاف التظلم الإداري الذي يشترط فيه الاستناد إلى هذه الأسباب.
وتعتبر دعوى الإلغاء الوسيلة الأساسية لتحقيق طمأنينة الأفراد بعلاقتهم بالإدارة.
إذ تتأكد بها سيادة القانون وعلو سلطانه على أعمالها بترتيب هذه الدعوى بطلان
قرارات الإدارة جراء مخالفتهما القانون[1].
وإذا كانت دعوى الإلغاء تعرف في فرنسا بدعوى تجاوز السلطة، فإنه في المغرب
وقبله صدور قانون المحاكم الإدارية كانت هذه الدعوى تعرف بدعوى الإلغاء بسبب الشطط
في استعمال السلطة، أما بعد صدور هذا القانون فإن المشرع استعاض عن الشطط بمصطلح
التجاوز فأصبحت دعوى الإلغاء تعرف بمقتضى المادة 8 من القانون المذكور بدعوى
الإلغاء بسبب تجاوز السلطة.
ولئن كانت دعوى الإلغاء وقبل إحداث المحاكم الإدارية، تدخل ضمن الاختصاصات
المحددة للمجلس الأعلى بمقتضى ظهير 27 شتنبر 1957 والتي كان ينظر فيها ابتدائيا
وانتهائيا، فإن هذه الدعوى قد أصبحت من اختصاص المحاكم الإدارية بدرجة أولى ويمكن
استئناف أحكامها أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى مع مراعاة الاستثناء الوارد
في المادة 9 من قانون المحاكم الإدارية 90-41 والذي يظل بمقتضاها المجلس الأعلى
مختص بالبث ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة
بالمقررات التنظيمية والفردية الصادر عن الوزير الأول وكذلك قرارات السلطات
الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية[2].
وتتميز دعوى الإلغاء بجملة من الخصائص، تجعل منها دعوى مستقلة ومتميزة عن
غيرها من الدعاوي القضائية الأخرى، ولقد حاول الفقهاء رد هذه الخصائص إلى الأمور
التالية :
õ دعوى الإلغاء
دعوى القانون العام بمعنى أنها توجه إلى أي قرار إداري دون حاجة إلى نص صريح في
القانون بذلك.
õ دعوى الإلغاء
دعوى المشروعية بحيث يتجه أغلب الفقه إلى اعتبارها دعوى المشروعية وعليه فإن رقابة
القاضي تقتصر على فحص المشروعية ولا تبعدها إلى مراقبة الملائمة.
õ دعوى الإلغاء
من الدعاوي العينية (الموضوعية) لأنها لا ترمي إلى حماية حق شخصي، بل ترمي إلى
الدفاع عن سيادة القانون وذلك بإلغاء كل قرار صادر عن الإدارة يخالف القانون.
e
المطلب الثاني : شروط قبول دعوى الإلغاء
استقر الفقه
والقضاء الإداريان الفرنسية والمغربي على أنه يجب لقبول دعوى الإلغاء شكلا توافر
شروط تتعلق بطبيعة العمل موضع الطعن، صفة الطعن، ميعاد الطعن، وأخيرا شروط الدعوى
الموازية، وفيما يلي سنلقي الضوء على هذه الشروط.
Ãأولا : الشروط
المتعلقة بطبيعة القرار المطعون فيه :
يشترط في العمل
الإداري موضع الطعن بالإلغاء أن يكون القرار إداريا نهائيا صادرا عن سلطة وطنية،
ومؤثرا في المركز القانوني للطاعن. ويترتب على ذلك عدم جواز الطعن بالإلغاء في
الأعمال التي لا تتوفر فيها هذه الشروط.
1) أن يكون القرار الإداري نهائيا
:
بمعنى أن يكون قابلا للتنفيذ بغير حاجة إلى تصديق أو أي
إجراء لاحق أي أن يكون تام الأركان.
وتبعا لذلك لا يجوز الطعن بالإلغاء في الأعمال التحضيرية للقرار الذي لم
يكتمل بعد ومن هذا القبيل ما ذهب إليه المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها بتاريخ
15/06/1995[3]،
من أن قرار المجلس التأديبي لا يعتبر مقرا ذا صبغة تنفيذية بل لا يعدو أن يكون
مجرد رأي استشاري يدخل ضمن الأعمال التحضيرية للقرار الإداري الذي يمكن اتخاذه من
طرف السلطة الإدارية التي لها حق التسمية والتأديب وتبعا لذلك قضت المحكمة بعدم
قبول الطعن. وأيضا لا يجوز الطعن في الإجراءات اللاحقة للقرار كإجراءات التنفيذ
لأنها لا تضيف جديدا. وهذا ما أكدته محكمة الرباط الإدارية في حكمها الصادر بتاريخ
9/2/1995 بقولها أن القرارات التي يتخذها وزير العدل تنفي أعمال المجلس الأعلى
للقضاء، بعد مصادفة الجناب الشريف عليها، تعد إجراءات تنفيذية محضة، ولا تعتبر
قرارات إدارة وبالتالي فإن المحكمة الإدارية غير مختصة في النظر فيها[4].
2) أن يكون القرار الإداري مؤثرا
في مركز الطاعن :
فلكي تقبل دعوى الإلغاء ضد القرار الإداري، ينبغي أن
يكون هذا القرار قد أثر في المركز القانوني للطاعن، أي ينبغي أن يكون قد ألحق ضررا
بمصالح الطاعن المادية أو الأدبية، وتطبيقا لذلك قررت الغرفة الإدارية بالمجلس
الأعلى أنه يكون مشوبا بعيب الشطط في استعمال السلطة ويحلق ضررا بصاحب المصلحة،
فالقرار الصادر عن الكاتب العام للحكومة بواسطة رسالة عامل يأمر جراحا للأسنان أن
يغلق تطبيقا لنظام المهنة إحدى عياداته قبل تاريخ معين[5].
واستنادا على ما سبق فإن القرارات الإدارية التي لا تولد أثار قانونية لا
يمكن الطعن فيها بالإلغاء، وتستبعد بالتالي من نطاق دعوى الإلغاء.
3) أن يكون القرار صادرا عن سلطة
إدارية وطنية :
إن القرارات التي تقبل الطعن بالإلغاء هي القرارات
الصادرة عن سلطات إدارية وطنية وليس من سلطة أو هيئة أجنبية، ويعتبر القرار
الإداري صادرا عن سلطة إدارية وطنية إذا كان مثلا متخذا باسم وسيادة المملكة
المغربية. فتصدق بذلك صفة القرارات الإدارية حتى على تلك المتخذة من طرف ممثلي
السلطات المغربية ولو كانوا خارج تراب المملكة في السفارات والقنصليات المغربية[6].
Ãثانيا :
الشروط الخاصة برافع الدعوى
نص المشرع في الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية لسنة
1974 صراحة على أنه "لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة
للإثبات حقوقه" بل إنه جعل توفرها من النظام العام، إذ أضاف قائلا "يثير
القاضي تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة..." فالأهلية هنا لا
تختلف عن مثيرتها في الدعاوي الأخرى[7].
أما شرط الصفة فقد قضى بإدماجه في شرط المصلحة[8]
في دعوى الإلغاء إذ يتوفر في صاحب المصلحة الذي يجب توفره في رافع دعوى الإلغاء.
لأنه من المبادئ القانونية المسلمة قاعدة تقوم حيث "لا مصلحة فلا دعوى"
بمعنى أنه لا يقبل طلب الإلغاء إلا من المتضرر من القرار الإداري المطعون فيه أو
الذي ألحق به ضررا حقيقيا.
والمصلحة المطلوب توفرها في هذا المجال هي أن يكون الطاعن في حالة قانونية
خاصة إزاء القرار المطعون فيه، والتي من شأنها أن تجعل القرار بالنسبة له مؤثرا
مباشرا ومعنى ذلك أن تكون المصلحة محتملة كما يشترط في تلك المصلحة استمرارها
لتاريخ صدور الحكم وإلا قضى القضاء بعدم قبول الدعوى[9]
وقد أدى القضاء الإداري على أن سكوت المجلس البلدي عن الجواب على طلب رخصة التجزئة
العقارية لا يعتبر رفضا وإنما يعتبر قبولا ضمنيا طبقا لمقتضيات الفصل الثامن من
ظهير 7/6/1996 بشأن التجزئات العقارية والمجموعة الحضرية لدى فليست للطاعنين أية
مصلحة في إقامة الدعوة الرامية إلى إلغاء القرار الضمني القاضي بالمرافقة على
إقامة التجزئة[10].
Ãثالثا :
الشروط المتعلقة بالمواعد والطعون
1) آجال رفع دعوى الإلغاء وبدء
سريانها :
حدد المشرع المغربي ميعاد رفع دعوى الإلغاء، في أجل
معين، وهو ستون يوما. بحيث نصت المادة 360 من قانون المسطرة المدنية على أنه
"...يجب أن تقدم طلبات إلغاء مقررات السلطات الإدارية للشطط في استعمال
السلطة داخل أجل ستين يوما من يوم نشر أو تبليغ المقرر المطعون فيه".
كما تنص المادة 23 من قانون المحاكم الإدارية على أنه "يجب أن تقدم
طلبات إلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة داخل أجل
ستين يوما يبتدئ من نشر أو تبليغ القرار المطلوب إلغاؤه إلى المعني بالأمر".
وهكذا يبتدأ ميعاد الستون يوما، من تاريخ نشر أو تبليغ القرار الإداري في
حالة عدم التظلم الإداري. أما إذا تم تقديم هذا الطعن. فإن الستين يوما، يبتدئ من
يوم صدور القرار الإداري الصريح أو الضمني المتعلق بالجواب على الطعن الإداري[11].
والحكمة من تحديد هذا الميعاد القصير نسبيا هي ما تقتضيه المصلحة العامة من
استقرار الأوضاع الإدارية من جهة وتأمين الحقوق المكتسبة من جهة أخرى.
2) وقف سريان ميعاد الطعن بالإلغاء
:
يوقف سريان
ميعاد الطعن بالإلغاء عند حدوث طارئ معين، ويواصل سريان ذلك الميعاد بزوال الظرف
الطارئ، وذلك من نفس النقطة التي توقف عندها وصف أهم أسباب وقت سريان أجل دعوى
الإلغاء، القوة القاهرة كحدوث فيضانات أو زلازل أو الإصابة بمرض شديد.
3) انقطاع سريان الميعاد :
ينقطع سريان ميعاد الطعن بالإلغاء بكل إجراء إداري أو
قضائي يلجأ إليه المتضرر ويترتب عليه إنهاء المدة السابقة وفتح ميعاد جديد يبدأ من
تاريخ انتهاء بسبب القطع، ويشمل أسباب القطع حالات مختلفة منها ما نص عليها
القانون صراحة، ومنها ما يرجع اجتهاد القضاء[12]،
ويمكن أن نذكر على سبيل المثال الأسباب التالية :
¯ تقديم طلب
المساعدة القضائية من شأنه أن يقطع سريان ميعاد رفع دعوى الإلغاء[13]
حتى يصدر القرار في طلب المساعدة سواء بالقبول أو الرفض.
¯ تأخر اكتشاف
المصلحة لتعذر إدراك هدف الإدارة في هذه الحالة لا يحاسب المتضرر على فوات ميعاد
الطعن في ذلك القرار المعيب.
Ãرابعا : شرط
انعدام الدعوى الموازية
ينص الفصل 360 في فقرته الأخيرة من قانون المسطرة
المدنية على أنه لا يقبل طلب الإلغاء الموجه ضد المقررات الإدارية إذا كان في
استطاعة من يعينهم الأمر المطالبة بحقوقهم لدى المحاكم العادية.
كما نصت على نفس المقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 23 من القانون المحدث
للمحاكم الإدارية لسنة 1993.
بمعنى أنه إذا كان أمام المدعي طريق قضائي آخر يمكنه
من الوصول إلى نفس النتائج التي ترتبها دعوى الإلغاء، فإنه ينبغي عليه أن يسلك ذلك
الطريق القضائي، وإلا كان مصير طعنه الرفض وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية بالمجلس
الأعلى في قرارها عدد 26/11/1989[16].
بقولها "وحيث أنه بإمكان الطاعن المطالبة بحقوقه أمام المحاكم الابتدائية وهي
ذات قضاء شامل للأمر الذي يجعل دعوى الإلغاء غير مقبولة لوجود دعوى موازية"[17].
[1]- د. فهد بن محمد بن عبد العزيز
الدغيثر، "رقابة القضاء على قرارات الإدارة" ولاية الإلغاء أمام ديوان
المظالم، دراسة مقارنة، طبعة 1992 دار النهضة العربية القاهرة.
[2]- د. محمد الوزاني، مرجع سابق، ص :
89.
[3]- تحت عدد 185 في الملف 26/95غ.
[4]- تحت عدد 39 في الملف رقم 85/
94غ.
[6]- دة. مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص
: 546.
[7]- وهي تتحدد بسن 20 سنة ميلادية في
كل شخص طبيعي ذاتي ما لم يحجر عليه لجنون أو سفله.
[8]- وشرط المصلحة لم ينص عليه المشرع
المغربي في قانون تنظيم المجلس الأعلى ولا في القانون المنظم للمحاكم الإدارية،
ولا في قانون المسطرة المدنية القديم الذي جاء في فصله (455) أنه "لا يجوز
الترافع أمام القضاء إلا لمن لهم الصفة والأهلية لمباشرة حقوقهم" ويلاحظ هنا
أن كلمة "المصلحة" لم تذكر في هذا الفصل فقد ذهب بعض القوانين إلى
"التأكيد بأن كلمة الصفة التي وردت في هذا الفصل ما هي إلا وصف المصلحة، أي
أن المقصود من المصلحة الشخصية التي يمكن أن يعبر عنها أيضا بالفائدة "مجلة
المحاماة العدد 13 أكتوبر 1978، ص : 9.
[9]- أنظر حكم المحكمة الإدارية
بالرباط بتاريخ 13/04/1995 تحت عدد 100 في ملف رقم 20/90. ت.
[11]- الفقرة الأولى والثانية من
المادة 360 من قانون المسطرة المدنية.
[12]- د. محمد الوزاني، مرجع سابق، ص :
113.
[13]- "قرار الغرفة الإدارية
بالمجلس الأعلى، عدد 469 بتاريخ 24/11/1978 في الملف الإداري عدد 60654 قضية إدريس
السلاوي ضد وزير السكنى والتعمير المجموعة 39.
[15]- المادة 25 من قانون المحاكم
الإدارية 90/41.
[16]- ي الملف الإداري عدد 7364/86،
انظر كذلك قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد 231 بتاريخ 29/12/1986 وحكمها
عدد 210 بتاريخ 27/11/1986.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق