تدرج القواعد القانونية المكتوبة في القانون الجزائري

0
تدرج القواعد القانونية المكتوبة
تمثل القواعد القانونية المكتوبة أو المسنونة من طرف السلطة المعهود إليها بسن القوانين، المصدر الأول للمشروعية في الدولة، والمستقر عليه فقها وقضاء أن ثمة ثلاثة أنواع من القواعد القانونية المكتوبة، وذلك بالنظر إلى السلطة التي قامت بسنها:
-         القواعد الدستورية: التي تضعها السلطة التأسيسية.
-         والقواعد التشريعية: التي تتولى السلطة التشريعية سنها.
-          والقواعد اللائحة: التي تتولى السلطة التنفيذية وضعها.
- ونظرا لاعتراف الدستور في المادة 132 منه بسمو المعاهدات على القانون ، فمعنى ذلك إدراج
القواعد الاتفاقية الدولية ضمن التنظيم القانوني للدولة.
   ومن ثم فمبدأ التدرج التشريعي([1]) – الذي يتضمنه مبدأ التدرج القانوني – يقصد منه : أن تأتي القواعد الدستورية في المقدمة بسبب سمو الدستور (الفرع الأول) ثم تأتي بعدها القواعد الاتفاقية الدولية بسبب  سمو المعاهدات المصادق عليها على القانون (الفرع الثاني) وبعدها  القواعد  التشريعية الصادرة عن السلطة التشريعية المختصة، والتي لا بد أن تأتي منسجمة مع القواعد الدستورية والقواعد الاتفاقية الدولية (الفرع الثالث) وتليها بعد ذلك القواعد اللائحية الصادرة عن السلطة التنفيذية، والتي يجب أن تأتي مطابقة للقواعد القانونية الأعلى منها كلها (الفرع الرابع).
الفرع الأول
القـــواعــد الدســتورية
تقوم دولة القانون على وجود نظام دستوري يحمي حقوق الإنسان وما ينبثق عنه من حقوق وحريات من جهة، ووجود ضمانات فعالة تكفل التكريس الفعلي لهذا النظام الدستوري، بحيث تخضع له السلطات العامة خضوع المحكومين له، ويأتي (مبدأ سمو الدستور)على رأس هذه الضمانات، إذ لا يتصور قيام دولة القانون دون هذا السمو. وهو ما تم تكريسه في ديباجة دستور 1996 التي جاء فيها: "إن الدستور فرق الجميع وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية ويحمي مبدأ حرية اختيار الشعب ويضفي الشرعية على ممارسة السلطات ...".
فيتأكد من ذلك سمو الدستور، وبالتالي تموضع القواعد الدستورية في قمة الهـرم القـانوني في الدولة، ولذلك فمن الضروري تحديد مدلول القواعد الدستورية (أولا) ومرتبتها بين القواعد القانونية طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية (ثانيا).
أولا: مدلـول القـواعـد الدستورية:
 يقصد بالقواعد الدستورية: مجموعة القواعد القانونية الواردة في الوثيقة الدستورية والتي تبين نظام الحكم في الدولة، وتحدد الحقوق والحريات العامة للأفراد، وتقرر الأسس والأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، ويستند هذا المفهوم على المعيار الشكلي الذي يرى أن القواعد الدستورية مصدرها الوحيد هو (الوثيقة الدستورية).
 ويعترض بعض الفقه على هذا المفهوم، ويرى أن القواعد الدستورية هي مجموعة القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم في الدولة وتحدد الحقوق والحريات العامة للأفراد، سواء وردت في الوثيقة الدستورية وهـو الأصل، أو وردت في وثائـق أخـرى يطـلق عليها أحيـانا إعلانـات الحقـوق أو المواثيق، كما قد يرد بعضها في مقدمات الدساتير ذاتها. فالقواعد الدستورية حسب هذه الاتجاه الذي يعتمد على المعيار المادي([2]) هي التي تنشئ وتنظم السلطات العامة جميعها، وتحدد نطاق اختصاص كل منها وكيفية ممارسة هذه الاختصاصات. ولكن هذا الرأي محل جدل فقهي وقضائي، بحيث يتجه الرأي الراجح إلى إخراج القواعد الواردة في إعلانات الحقوق أو المواثيق أو مقدمات الدساتير من (القواعد الدستورية) ويدرجها ضمن (المبادئ العامة للقانون) التي نـراها لاحقا باعتبارها مصدرا أخر للقانون، وهو المبادئ العامة للقانون والتي نراها لاحقا.
ثانيا: مرتبة القـواعـد الدستـورية:
   تمتاز القواعد الدستورية بالسمو والسيادة لاعتبارات عدة ([3])، وهي:
1- أنها تصدر عن المشرع الدستوري أي السلطة التأسيسية، وهي أعلى سلطة في الدولة بحيث لا تعلوها سلطة أخرى، وهو ما يجعلها غير مقيدة بأي قيد في وضعها للدستور، أي أنها سلطة غير مشروطة، إذ لا تتقيد بأية قواعد أخرى تعلوها بل هي السلطة العليا والسيدة، ، وهو ما يجعل التشريع الصادر عنها أي القواعد الدستورية سيدة، وهي المصدر الأساسي لكل قاعدة قانونية أخرى.
2- أن الدستور هو الذي يحدد فكرة القانون الرسمية في الدولة، وهو ما يجعله بمثابة الإطار القانوني العام لكل حياة الدولة،كما انه يعين الأشخاص والهيئات التي يكون لها حق التصرف باسم الدولة ، بشروطهم وصفاتهم لا بشخوصهم وأسمـائهم ، ثم يحدد الطريق الشرعي للوصول إلى السلطة، ووسائل وحدود ممارسة الاختصاصات الدستورية لكل هيئة.
3- كما أن جمود الدستور يؤكد هذا السمو، وهذا خلافا للدساتير المرنة، حيث لا تمتاز حينئذ بالسمو اللازم للقواعد الدستورية، ويعتبر الدستور الجزائري دستورا جامدا، ومثله جميع الدساتير العربية وكذلك الدستور الفرنسي والدستور الأمريكي .
4- وقد نص الدستور نفسه على هذا السمو صراحة، إذ جاء في ديباجة الدستور 1996 (إن الدستور فوق الجميع ، وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية، ويحمي مبدأ حرية اختيار الشعب، ويضفي الشرعية على ممارسة السلطات ويكفل الحماية القانونية ورقابة عمل السلطات العمومية في مجتمع تسوده الشرعية ويتحقق فيه تفتح الإنسان بكل أبعاده).
وجاء في المادة 182 من دستور 1996 انه "يصدر رئيس الجمهورية نص التعديل الدستوري الذي أقره الشعب، وينفذ كقانون أساسي للجمهورية".
 وترتيبا على ما سبق فإن الدستور هو السيد، وبالتالي تتموضع القواعد الواردة فيه في قمة الهرم القانوني للدولة، وهو ما يقود إلى نتيجة أساسية مفادها خضوع كل القواعد القانونية في الدولة للقواعد الدستورية، سواء من حيث الشكل أو من حيث الموضوع. وهذا السمو تم الاعتراف به وتكريسه من طرف القضاء المقارن في مختلف الدول، فمما قررته محكمة التمييز اللبنانية "وبما أن الدستور  الذي هو النظام الأساسي للبلاد ينطوي تحت مفهوم القانون العام لا القانون الخاص ويتعلق بالنظام العام بحيث يجب مراعاته دوما تحت طائلة البطلان كما لا يجوز مخالفة أحكامه حتى من طريق القوانين العادية إذا كانت غير دستورية" ([4]) وكذلك المحكمة الإدراية العليا –السورية التي قررت أنه نظرا "لما يتميز به الدستور من طبيعة خاصة تضفي عليه صفة القانون الأعلى وتسمه بالسيادة، فهو بهذه المثابة سيد القوانين جميعها بحسبانه كفيل الحريات وموئلها ومناط الحياة الدستورية ونظام عقدها..." ([5]) وهو ما كرسه أيضا القضاء في مختلف الدول، ورغم انه لا يوجد حكم أو قرار قضائي يكشف حقيقة موقف القضاء الجزائري من هذه المسألة لكن لا يسعه إلا أن يفعل ما سبقه إليه القضاء المقارن من اعتراف بسمو القواعد الدستورية وتكريس نتائجه.
الفرع الثاني
القـواعـد الاتفاقـيـة الدولـية
 لقد أخذت المعاهدة مبكرا مكانا مميزا في النظم الداخلية كأحد مصادر المشروعية فكان لها ذات قوة القانون بل سمت عليها حسب بعضها الآخر، و الحقيقة أن الدساتير لم تفعل أكثر من تقنين فكر القضاء و رؤيته لوضع المعاهدة في النظام القانوني الداخلي فقبل المشرع الدستوري كرس القضاء أن "المعاهدة ليست عقدا خاصا و لا قانونا و لكنها تتميز بقوة القانون" إذ جاء في حكم محكمة النقض الفرنسية الدائرة المدنية المؤرخ في 24/06 /1839 ([6]) :
 «  les traites passes entre les nations ne sont pas de simple actes administratifs et d’exécution… ils ont le caractère de loi »   
و هو ما تم تكريسه في دساتير العديد من الدول، إذ اعترفت للمعاهدات الدولية بقوة القانون أو جعلتها أسمى منه، و بالتالي أدرجتها ضمن مصادر و عناصر المشروعية. و في نفس الاتجاه قرر الدستور الجزائري هذا المبدأ إذ نصت المادة 132 من دستور 1996 على أن : "المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون".
 و تبعا لذلك يتوجب تحديد  مضمون القواعد الاتفاقية الدولية (أولا) و مرتبتها بين القواعد القانونية الأخرى طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية (ثانيا).
أولا: مدلول القواعد الاتفاقية الدولية: 
 طبقا لنص المادة 132 من الدستور، فإن هذا الأخير لم يعترف بالقانون الدولي بمختلف مصادره، إذ لم ينص إلا على المعاهدات الدولية، و أهمل باقي المصادر كالعرف الدولي و القضاء الدولي، وعلى ذلك فلا يمكن إدماج قواعد القانون الدولي ماعدا القواعد الواردة في المعاهدات ضمن القانون الداخلي الجزائري، على أن الدستور وضع شروطا حتى تجاور القواعد الاتفاقية الدولية عناصر النظام القانوني الداخلي كمصدر  للمشروعية فيه،و هو ما يفرض التعرض لمفهوم المعاهدة الدولية (I) و الإجراءات اللازمة لإدراجها ضمن النظام القانوني الجزائري (II).
I- مفهوم المعاهدة الدولية([7]): عرفت اتفاقية فيينا للمعاهدات المبرمة سنة 1969 في مادتها الثانية في فقرتها الأولى المعاهدة بكونها :"اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابتا و يخضع للقانون الدولي سوءا تم في وثيقة واحدة أو أكثر و أيا كانت التسمية التي تطلق عليها" و أضافت الفقرة الثانية لنفس المادة أن:" التعريفات الواردة بالفقرة الأولى لا تخل بأي تعريفات أو معاني أخرى تعطى لها في القانون الداخلي لأي دولة". فهل هناك تعريف خاص في القانون الجزائري للمعاهدات؟ و هل تندرج ضمن المعاهدات المقصودة في المادة 132 من الدستور المعاهدات المعقودة مع المنظمات الدولية؟ إن القانون الجزائري اعترف بالمفهوم الدولي للمعاهدات لكونه اعترف بها دون أن يقدم لها تعريفا خاصا به، و هو ما يفرض الاستناد إلى التعريف سالف الذكر، على أنه يجب أن يوسع مفهوم المعاهدة ليشمل أيضا الاتفاقيات المبرمة مع المنظمات الدولية باعتبارها أشخاصا دولية، و هو ما كرسته اتفاقية فيينا لسنة 1986 التي تتعلق بالاتفاقيات المبرمة بين غير الدول.
و على ذلك فيشترط لنكون بصدد معاهدة دولية أن تكـون مبـرمة بين أشخاص القانون الدولي دولا و منظمات دولية، فيندرج فيها الاتفـاقيات المعقودة بين الجـزائر و الاتحاد الأوربي، أو بين الجزائر و منظمة التجارة العالمية، باعتبار كلا من الاتحاد الأوربي و منظمة الغات أشخاصا دولية.
II-إدراج المعاهدة في القانون الداخلي: رغم التكريس الدستوري للمعاهدات باعتبارها أسمى من القانون فإن المشرع الدستوري لم يعتبرها قانونا و ذلك بالنظر بخصوصية وضعها و أدوات إنشائها المختلفة عن تلك التي تنشيء القانون، و تبعا لذلك اشترط الدستور إجراءات تدخل بها المعاهدة في النظام الداخلي إعلانا بأن قدومها هو بإذن السيادة الوطنية و ليس مفروضا مباشرة للقواعد الدولية([8])، فما هي هذه الإجراءات؟
طبقا للمادة 132 سالفة الذكر، يجب أن تكون المعاهدة -حتى تسمو على القانون- محل تصديق من طرف رئيس الجمهورية (1) و أضاف المجلس الدستوري الجزائري ضرورة نشر المعاهدة لتصبح جزء من التنظيم القانوني الوطني (2).
1-اتخاذ مرسوم التصديق على المعاهدة الدولية:  لقد فرض الدستور على رئيس الجمهورية احترام الإجراءات السابقة على إصدار مرسوم التصديق، وذلك قصد توزيع الاختصاص بين رئيس الجمهورية والبرلمان في مجال المصادقة عل المعاهدات الدولية، وفي ذلك دلالة عن تطبيق مبدأ فصل السلطات بمعناه المرن، لوجود تعاون بين السلطات في مجال المعاهدات الدولية، على أنه يجب التمييز بالنسبة لهذه الإجراءات بين حالتين:
الحالة الأولى: و تتعلق بالمعاهدات المنصوص عليها بالمادة 131 من الدستور، ففي هذه الحالة بعد أن يوقع رئيس الجمهورية على هذه المعاهدات يتوجب عليه عرضها على البرلمان بغرفتيه، و يشترط أن تصدر منه موافقة صريحة عليها، و معنى ذلك أنه يجب على رئيس الجمهورية قبل إصدار مرسوم المصادقة أن يحصل على قانون الموافقة من البرلمان، و بالنسبة لاتفاقيات السلم و الهدنة فيجب قبل عرضها على البرلمان أن يخطر المجلس الدستوري،  للفصل في مدى دستوريتها طبقا لنص المادة 97 من الدستور.
الحالة الثانية: و يتعلق الأمر بالمعاهدات الأخرى و التي يمكن لرئيس الجمهورية المصادقة عليها دون اتخاذ الإجراءات سالفة الذكر.
2-نشر المعاهدة المصادق عليها: لم يشر الدستور إلى إجراء النشر كشرط لسمو المعاهدة على القانون، وهو ما يثير التساؤل عن مدى إلزامية شرط النشر لنفاد المعاهدة واندراجها ضمن القانون الوطني الجزائري؟
  بالرجوع إلى المرسوم المؤرخ في 10/11/1990 الذي يحدد صلاحيات وزير الخارجية، نجد أن المادة 10 منه تنص على أنه: " يسعى وزير الخارجية إلى المصادقة على الاتفاقيات والاتفاقات والبروتوكولات واللوائح الدولية التي توقع عليها الجزائر أو التي تلتزم بها كما يسعى إلى نشرها" فهذا النص جعل وزير الخارجية يسعى لنشر المعاهدات، وهو المصطلح الذي يثير مشاكل تتعلق بطبيعة الالتزام الملقى على عاتق وزير الخارجية في هذا المجال، والملاحظ أن صياغة المادة توحي بأن الأمر لا يرقى إلى درجة الالتزام وإنمـا هو مجرد اختيار لا أكثر، خصوصا مع وجود فقرة "لا يشمل النشر كل المعاهدات التي أبرمتها الجزائر" كمـا أن مصطـلح (يسعى) لا يفـيد الإلزامية أو الجبر([9]). ولكن المجلس الدستوري تدخل من خلال قراره المؤرخ في 20 أوت 1990 ([10]) أي قبل صدور المرسوم المشار إليه أعلاه ليصرح: "ونظرا لكون أية اتفاقية بعد المصادقة عليها ونشرها تندرج في القانون الوطني وتكتسب حسب المادة 123 من الدستور – لسنة 1989 المقابلة للمادة 132 من دستور 1996- سلطة السمو على القوانين ويمكن كل مواطن جزائري أن يتذرع بها أمام الجهات القضائية" فنص على وجوب نشر المعاهدة المصادق عليها كشرط أولي لاندراجها ضمن القانون الجزائري،  وعلى ذلك فالمعاهدة لا تكتسب طابعها الإلزامي على الواجهة الداخلية ولا تطمح إلى التطبيق إلا بعد نشرها، ولكن في الميدان توجد عدة حالات تثير إشكاليات عدة، إذ وجد إما مرسوم التصديق فقط أو مرسوم النشر فقط دون نص المعاهدة في الجريدة الرسمية، وستكون النتيجة لو أعملنا الحل الذي ارتآه المجلس الدستوري هي استبعاد المعاهدة عن التطبيق ومنع الأفراد من الاستناد عليها للمطالبة بحقوقهم رغم علمهم بإبرامها من طرف الجـزائر. ونظرا لخطورة هذه التنيجة، يتوجب التمييز بين وضعين:
الوضع 01: عدم ظهور مرسوم التصديق ومرسوم النشر ونص المعاهدة في الجريدة الرسمية:
 في هذه الحالة لا يمكن إطلاقا للمتقاضي – رغم علمه بها- الاعتماد على المعاهدة أمام جهات القضاء وذلك لعدم توفر المعاهدة على كل الشروط التي تسمح بإدراجها ضمن القانون الجزائري .
الوضع 02: ظهور مرسوم النشر في الجريدة الرسمية دون نشر نص المعاهدة :
هنا نميز بين حالات:
الحالة 1: ظهور مرسوم التصديق فقـط في الجريدة الرسمية: فمعناه أن الشرط الخاص بالنشر لم يتم، وهو ما يثير التساؤل عن مدى نفاذ المعاهدة، ومن حيث المبدأ لا يمكن الاعتداد بالمعاهدة أمام القضاء الوطني ، إلا أن المحكمة العليا في غرفتها الجزائية في قرارها المؤرخ في 14/02/1967 ([11]) اعتمدت على المعاهدة للفصل في المنازعة المعروضة أمامها، ولم تبد اهتماما لشرط نشر المعاهدة.  وفي نفس الإطار فإن نفس الغرفة أصدرت قرارا لها بتاريخ 22/02/2000 ([12])كرست فيه موقفها السابق، فهي اعتمدت على معاهدة دولية دون إشارة إلى شرط النشر من أساسه وهو ما يفهم منه أنه الغرفة الجزائية للمحكمة العليا ترى كفاية شرط التصديق لاندراج المعاهدة في القانون الجزائري ونفاذها .
الحالة 02: حالة ظهور مرسوم النشر فقط في الجريدة الرسمية دون نص المعاهدة: وهذا يثبت على ألأقل أن إجراءات إدراج المعاهدة ضمن القانون الداخلي قد تمت فعلا، وأن عدم نشر نص المعاهدة لا يمكن أن يمنع الاستناد إليها أمام القضاء، ويملك القاضي هنا السلطة لتأجيل البت في المنازعة، وطلب إظهار نص المعاهدة من وزير الشؤون الخارجية .
والتحليل السابق يكشف عن إشكالية حقيقية فيما يتعلق بالنشر، ويتوجب على المشرع التدخل للنص صراحة على إلزامية النشر، كما هو حال الأنظمة المقارنة.([13])
وللملاحظة فإن الغرفة المدنية للمحكمة العليا خلافا للغرفة الجزائية درجت على الإشارة الصريحة لنشر نص المعاهدة في الجريدة الرسمية، ومن ذلك القرار المؤرخ في 05/09/2001 ([14]) الذي جاء فيه:
  "وبناء على المرسوم الرئاسي رقم 89/67 المؤرخ في 16 ماي 1989 المتعلق بانضمام الجزائر إلى الاتفاقية المنوه إليها أعلاه .
وبعد الإطلاع على أحكام المادة 11من الاتفاقية المذكورة أعلاه والمنشورة بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية عدد 11 المؤرخ في 26/02 سنة 1997 ..."
وهو ما أكدت عليه في قرارها المؤرخ في 11/12/2002 ([15]) .
ومهما يكن فبعد اتخاذ إجراءات إدراج المعاهدة في التنظيم القانوني الوطني تصبح مصدرا من مصادر  القانون، باعتبار أن القواعد التي تتضمنها المعاهدة هي قواعد قانونية ملزمة بذاتها، وهو ما يفرض التساؤل عن مكانتها بين القواعد القانونية الأخرى طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية؟
ثانيا: مرتبة القواعـد الاتفاقية الدوليـة:
 لم تترك المادة 132 من دستور 1996 مجالا للتردد حول مكانة القواعد الاتفاقية الدولية ، بنصها على مبدأ "سمو المعاهدات الدولية المصادق عليها وفق الشروط الدستورية على القانون" و هو المعنى الذي أكده  المجلس الدستوري في قراره سالف الذكر، إذ قرر أنه: "ونظرا لكون أية اتفاقية بعد المصادقة عليها و نشرها تندرج في القانون الوطني و تكتسب حسب المنادة 123 من الدستور-لسنة 1989 المقابلة للمادة 132 من دستور 1996 –سلطة السمو على القوانين".
ونفـس الشيء فعلـه القضاء الجـزائري، إذ كرست المحكمة العليـا بغـرفتيها المدنية و الجـزائية – طبقا  للقرارات المذكورة سلفا- مبدأ سمو المعـاهدة على القـانون باستبعـادها القانون المخالف لها، و الفصل في النزاع طبقا لما قررته المعاهدة، و معنى ذلك أن المعاهدة باستيفاء الإجراءات التي سبق ذكرها، تصبح مصدرا للمشروعية و الحقوق، و تـكون قواعـدها أسـمى من القواعد التشريعية و اللائحية، و لكنها أقل درجة من الدستور إذ لا يجوز لها مخالفته، و دليل ذلك هو خضوعها للرقابة على دستوريتها.([16]) غير أن المجلس الدستوري في قراره السابق الإشارة إليه، قام بمراقبة دستورية قانون الانتخابات لسنة 1989 ليس فقط بالنظر إلى الدستور، وإنما أيضا على ضوء المعاهدات الدولية التي أبرمتها الجزائر، و هي خطوة جريئة و مفاجئة في نفس الوقت، إذ خرج المجلس الدستوري عن دوره في مراقبة مدى دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، و ابتدع دورا جديدا يتمثل في مراقبة مدى مطابقة القوانين للمعاهدات، و قد اعتمد المجلس الدستوري على المادة 123 من دستور 1989  المقابلة للمادة 132 من دستور 1996 ليجعل المعاهدة نصا مرجعيا، و يقحمها فيما أسماه الفقه (الكتلة الدستورية) وبالتالي أصبحت هذه الأخيرة في نظر المجلس الدستوري تتكون من الدستور والمعاهدات التي صادقت عليها الجزائر.([17])
 و لكن هذا ليس معناه إعادة النظر في سمو الدستور، لكون المجلس الدستوري بموقفه ذلك لم يغير الترتيب المنصوص عليه في المادة 132 من الدستور، وإنما ابتدع تبريرا لبسط رقابته على مدى مطابقة القانون للمعاهدات الدولية، فمادام هو يختص بمراقبة الدستورية، فإنه يجب عليه للتمسك باختصاص المطابقة بين القانون و المعاهدات أن يمنح الصفة الدستورية لهذه الأخيرة.([18])أ تدرج القواعدج   
الفرع الثالث
القـواعـد التشـريعيـة
طبقا لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يمثل إحدى ضمانات وعناصر دولة القانون، فإن السلطة التشريعية تتولى بحكم تخصصها الدستوري بسن القواعد القانونية العامة، التي يتم بها رسم الخطوط العامة للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة، وتخصص الهيئة التشريعية في وضع القوانين – القواعد التشريعية- أمر طبيعي اقتضاه مبدأ السيادة الشعبية، باعتبار أن هذه الهيئة تضم ممثلين للإرادة الشعبية صاحبة السيادة في الدولة الديمقراطية.([19])  وهكذا، فإن القاعدة القانونية التي تقررها الهيئة التشريعية، على مقتضى الإجراءات الدستورية المقررة لذلك، تأخذ مكانها إلى جانب القواعد الدستـورية في سلم تدرج القواعد القـانونية في الدولة، وتقـوم مصـدرا ثانيا للمشروعية فيها، ولأجل ذلك من الضروري تحديد مدلول القواعد التشريعية (أولا) ومرتبتها بين القواعد القانونية طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية (ثانيا).
أولا: مدلـول القـواعـد التشـريعية:
 يقصد بالقواعد التشريعية: القوانين التي تسنها السلطة التشريعية في الدولة([20])، أي البرلمان بغرفتيه المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة هذا من حيث الأصل، ورئيس الجمهورية في إطار التشريع بأوامر([21])، وترتيبا على ذلك فإن تحديد مدلول القواعد التشريعية يفرض دراسة مجال القواعد التشريعية (I)  ودرجاتها (II ) .
 -Iمجال القواعد التشريعية: يتوجب على السلطة التشريعية وهي تسن القواعد القانونية، أن تقررها على مقتضى أحكام الدستور، فإذا تجاوزت فيما تسنه من قوانين حدود المبادئ الدستورية المقررة  في الدولة، عد ذلك انحرافا منها في أدائها لوظيفتها، واعتبر تشريعها غير دستوري، ومن القيود الدستورية على سلطة التشريع ،التحديد الحصري لمجال التشريع،  وذلك كما يلي:
1- تحديد المسائل التي يشرع فيها البرلمان: وهي المسائل الواردة في المادتين : 122 و123 من دستور 1996، وما خرج عن هذه المسائل يخرج عن مجال التشريع، ويندرج ضمن مجال التنظيم، إذ تنص المادة 125 من دستور 1996 على انه: "يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون".
2- اقتصار دور البرلمان على وضع المبادئ أو القواعد العامة:([22]) بالرجوع للنص الدستوري نجد أنه ألزم السلطة التشريعية بسن القواعد القانونية بطريقتين:
الأولى: وضع القانون بقواعده العامة والتفصيلية، كمثل مسألة القواعد المتعلقة بالتنظيم القضائي وإنشاء الهيئات القضائية، وقواعد قانون العقوبات، والإجراءات الجزئية، والنظام الجمركي ..الخ.
 والطريقة الثانية: وضع المبادئ العامة أو القواعد الأساسية فقط، ويترك المجال للسلطة التنفيذية لتكملها بمقتضى سلطتها التنظيمية، ومنها القواعد العامة المتعلقة بالبيئة وإطار المعيشة والتهيئة العمرانية، ففي هذا النوع الأخير نلاحظ أن الدستور ضيق مجال القواعد التشريعية، لصالح القواعد التنظيمية.
3- اقتصار دور البرلمان على التنظيم دون المنع: لقد كرس المؤسس الدستوري حقوقا وحريات للإنسان والمواطن، بحيث لا يمكن للسلطة التشريعية المساس بها، فلا تملك إلا سلطة تنظيمها دون تجاوز دلك إلى منعها، لكون المنع من اختصاص المؤسس الدستوري، ومثال ذلك ما تنص عليه المادة 32 من دستور 1996: "الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والموطن مضمونة" فلا يجوز المساس بها بالمنع وإنما يجوز تنظيمها، والمادة 36 من نفس الدستور: "لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي" وغير ذلك من الحقوق والحريات.
II- درجات القواعد التـشريعـية: يختص بسن القواعد التشريعية البرلمان بغرفتيه، وذلك بموجب قوانين عادية أو قوانين عضوية، كما يجوز لرئيس الجمهورية استثناء وضع هذه القواعد بموجب أوامر، فنكون أمام ثلاثة أنواع من القواعد التشريعية يتوجب تحديد مرتبة كل نوع منها في التدرج القانوني.
 إن المعيار الشكلي هو المعتمد في ذلك، وهو يجعل القانون بنوعيه العضوي والعادي أسمى من الأوامر التشريعية، بحكم أنها صادرة  عن السلطة المختصة أصلا بالتشريع، فتكون أسمى من القواعد الموضوعة من طرف جهة أخرى بحكم الاستثناء لا الوضع الطبيعي، وتكون للقوانين العضوية سموا على القوانين العادية نظرا للإجراءات الخاصة بالتصويت عليها وبالرقابة عليها قياسيا بالإجراءات المعتمدة بشأن القوانين العادية، وعلى ذلك فالقوانين العضوية أسمى من القوانين العادية، وهي بدورها تسمو على الأوامر التشريعية :
1-القانون العضوي: وهذا النوع ابتدعه دستور 1996وميزه عن القانون العادي في موضوعاته وإجراءاته،([23]) فالموضوعات التي تندرج ضمن القانون العضوي تتعلق بمسائل تقترب من المسائل الدستورية، كالحريات وتنظيم السلطات العامة، وهو ما دفع بالبعض للقول بكون القوانين العضوية تحتل مكانة وسط بين ما هو أساسي (الدستور) وعادي من القوانين، والإجراءات الخاصة بها تختلف عن الإجراءات الخاصة بالقوانين العادية، إذ تتم الموافقة عليها بالأغلبية المطلقة من طرف غرفتي البرلمان، وتخضع للرقابة الإلزامية لمدى مطابقتها للدستور قبل صدورها، خلافا للقوانين العادية التي تخضع للرقابة الاختيارية على دستوريتها.
2-القانون العادي: ويتحدد مجاله حصرا بالمسائل المذكورة بالمادة 122 من دستور 1996، ويوافق عليها البرلمان بالإجراءات العادية ،أي الأغلبية البسيطة، ولا تخضع لرقابة المطابقة الإلزامية، بل تخضع لرقابة الدستورية، والتي قدي تكون سابقة أولا حقه، ورقابة الدستورية محددة المسائل فيما رقابة المطابقة شاملة، وهي رقابة اختيارية.([24])
3- الأوامر التشريعية: أجـاز دستور 1996 لرئيس الجمهورية التشريع عن طـريق أوامر رئاسية،([25]) أثناء غيبة البرلمان، أو في الظروف الاستثنائية، واشترط عليه أن يعرض هذه الأوامر على البرلمان في أول دوره له، للموافقة عليها بالنسبة للأوامر الصادرة أثناء غيبة البرلمان، أي بين دورتيه أو أثناء شغوره، ولم يشترط ذلك بالنسبة للأوامر المتخذة في الظروف الاستثنائية، أو الأوامر التشريعية المتعلقة بقانون المالية، ونظرا لهذا التمييز يرى بعض الفقهاء أن الأوامر المتخذة أثناء غيبة البرلمان تبقى مجرد أعمال تنظيمية إدارية، والموافقة البرلمانية عليها هي التي تضفي عليها الطابع التشريعي، وخلافا لذلك يرى اتجاه آخر في الفقه، أن هذه الأوامر لها قيمة القانون ولو لم تعرض على موافقة البرلمان، فبمجرد صدورها ونشرها تصبح نافذة باعتبارها قوانين، إذ تصدر في المجال المخصص للتشريع، وأما الأوامر الصادرة في الظروف الاستثنائية، أو المتعلقة بقانون المالية، فلا جدال في كونها قوانين بمجرد صدورها ونشرها إذ لا تعرض على الموافقة البرلمانية.
ثانيا: مرتبة القواعـد التـشريعـية:
 يرى اتجاه في الفقه أن القواعد التشريعية تمتـاز بالسيادة والسمو([26])، لصدورها عن السلطة التشريعية، أي عن ممثلي الشعب، وبالتالي فلا يوجد ما يميز الدستور عن القانون الصادر عن البرلمان في المرتبة، أو في القوة، إذ لكل منهما صفة القاعدة القانونية الملزمة، ولكن من الناحية العملية تعتبر السيادة للقانون، مادام أنه صدر وفقا للإجراءات القـانونية عندما يتضمن أحكـاما تعـارض الدستور، بحيث ليس هناك من وسيلة لإزالة هذا التعارض. ولكن هذا الطرح منتقد فقها وقضاء وقانونا، ذلك أن سمو الدستور مبدأ مسلم به في مختلف الأنظمة القانونية، ويستتبع ذلك أن القانون يأتي في المرتبة التالية بعد الدستور، ولا يعتبر منتجا لآثاره إلا إذا جاء موافقا للدستور شكلا وموضوعا، ويترتب على ذلك أيضا أن تكون القـواعد الاتفـاقية الدولية أسمى من القـواعد التشريعية، وذلك إعمالا للنص الدستوري الذي كرس سمو المعاهدات المصادق عليها على القانون.
 والخلاصة أن القواعد التشريعية الصادرة عن البرلمان تترتب بعد القواعد الدستورية والقواعد الاتفاقية الدولية، طبقا لمبدأ سمو الدستور ومبدأ سمو المعاهدات على القانون، فيما تأتي تلك القواعد قبل القواعد اللائحية، طبقا لمبدأ المشروعية الذي يجعل القواعد التشريعية ملزمة للسلطة التنفيذية .
الفرع الرابع
القـواعـد اللائحيــة
تعتبر اللوائح عنصرا من عناصر المشروعية، باعتبارها أحد مصادر القواعد القانونية في نظامنا القانوني، وفقا للدستور الذي يعترف بحق السلطة التنفيذية في وضعها،  وبالتالي فإن القواعد اللائحية تعتبر قواعد قانونية واجبة التطبيق، وتندرج ضمن النظام القانوني للدولة، وهو ما يفرض التساؤل عن مدلول القواعد اللائحية (أولا) ومرتبتها بين القواعد القانونية طبقا لمبدأ تدرج القوانين (ثانيا).


أولا: مدلول القواعـد اللائحيـة:
يقصد بالقواعد اللائحية([27]) تلك القواعد التي تجد مصدرها في النصوص الصادرة عن السلطة التنفيذية، في شكل مراسيم أو قرارات أو تعليمات أو منشورات أو مقررات، ويسميها الفقه (اللوائح) باعتبارها قرارات إدارية تتضمن قواعد عامة ومجردة وغير شخصية، تصدرها السلطة التنفيذية باعتبارها تمارس السلطة العامة، ولذلك فإن اللوائح تعد عملا تشريعيا، لكون القواعد القانونية التي تتضمنها هي قواعد عامة مجردة شأنها في ذلك شأن أي قاعدة قانونية أخرى، وهو ما يجعلها أحد عناصر البناء القانوني في الدولة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن اللوائح تعد عملا إداريا طبقا للمعيار العضوي المعتمد فقها وقضاء([28]). وعلى ذلك فالقرارات الفردية والأعمال المادية للإدارة تخرج عن مضمون اللوائح التي تمثل قواعد عامة مجردة و ملزمة لجميع الأشخاص المخاطبين بها([29])، تماما مثل القواعد التشريعية، وتوجد ثلاثة أنواع للوائح، فهناك اللوائح التنظيمية (I) وهناك اللوائح التنفيذية (II) ولوائح الضبط (III).
Iـ اللوائح التنظيمية: مكن المؤسس الدستوري رئيس الجمهورية من الإنفراد بمباشرة الاختصاص التنظيمي، وهو ما جاءت به المادة 125/1 من دستور 1996، والتي تقرر أنه: "يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون"، فالسلطة التنظيمية الممنوحة لرئيس الجمهورية لها صبغة تشريعية و اختلفت عن السلطة التشريعية التي يملكها استثناء، و يباشر ها بمقتضى أوامر تشريعية، إذ تندرج هذه الأخيرة في إطار المجال المخصص للبرلمان، فيما يخرج اختصاصه التنظيمي عن ذلك المجال و يباشـره رئيس الجمهورية معتمدا على السند الـدستوري وحده، وهو ما يجعل ما يصدره رئيس الجمهورية في هـذا الإطـار ليس في وسع البرلمان تعديله أو إلغاءه، لعدم اندراجه في مجال القانون المخصص للبرلمان.
II-اللوائـح التنـفيـذية: إن المادة 125/2 من دستور 1996 منحت لرئيس الحكومة السلطة للتدخل في الإنتاج التشريعي للبرلمان باعتباره الواقف على تنفيذ القوانين طبقا للمـادة 85 من دستور 1996،  ولذلك فرئيس الحكومة يختص بإصدار مراسيم تنفيذية لكي يحدد بمقتضاها الشروط والضوابط لتطبيق القوانين الواردة في صياغة غير قابلة للتنفيذ، فيتطلب إكمالها بمراسيم أو قرارات إدارية، وعلى ذلك فاللوائح التنفيذية هي تلك اللوائح التي تتضمن الأحكام التفصيلية أو التكميلية اللازمة لتيسير تنفيذ القوانين ([30])، وهي بهذا المعنى اختصاص طبيعي للسلطة التنفيذية بحكم وظيفتها المتمثلة في تطبيق وتنفيذ القانون .
III– لوائح الضبـط الإداري: ويقصد بها تلك اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية بقصد المحافظة على النظام العام بعناصره المختلفة، فهي قواعد قانونية تضعها السلطة التنفيذية للمحافظة على الأمن العام والسكنية العامة والصحة العامة والآداب العامة، دون أن تستند في ذلك إلى قانون فتجئ لتنفيذه  بل هي لوائح مستقلة([31])،غرضها صيانة النظام العام كلوائح تنظم المرور، ومراقبة الأغذية، وغيرها، وتصدر هذه اللوائح من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكـومة أو من الـوزراء أو المديرين أو الولاة أو رؤساء البلديات كل في مجال اختصاصه.
ثانيا: مرتبـة القـواعـد اللائحيـة:
 إن اللوائح احد عناصر المشروعية، مما يوجب إدراجها في التنظيم القانوني للدولة، كما تمثل من زاوية أخرى أعمالا إدارية تخضع لمبدأ المشروعية وحدوده وقيوده، وخصوصا ما يترتب على تدرج القواعد القانونية من نتائج، سواء صدرت هذه اللوائح في الظروف العادية (I) أم في الظروف الاستثنائية (II).
I – مرتبة اللوائح في الظروف العادية: رغم اتصاف القواعد اللائحية بميزات القاعدة القانونية، إلا أنها تعد وفقا للمعيار العضوي أعمالا إدارية، فلا تتساوى مع القواعد التشريعية، فهذه الأخيرة أقوى منها، لكونها تسري على السلطات الإدارية ذاتها طبقا لمبدأ المشروعية في الظروف العادية، التي تقتضي خضوع السلطة اللائحية للقواعد القانونية الأسمى منها، سواء كانت دستورية أو اتفـاقية دولية أو تشريعية، وهذا الطرح مسلم به في الفقه والقضاء، إلا بالنسبة للوائح التنظيمية الصادرة عن رئيس الجمهورية، فإن البعض حاول وضعها في نفس المرتبة الإلزامية مع القواعد التشريعية الصادرة عن البرلمان، لكون تلك اللوائح مستقلة عن القانون، ولا يمكن للبرلمان وضع قواعد في المجال المخصص لها ولا تعديلها ولا إلغاءها، لكنه طرح منتقد، إذ لا علاقة بين استقلالية رئيس الجمهورية في وضعها  عن القانون وبين مرتبتها الإلزامية، وعلى ذلك فاللوائح الصادرة في الظروف العادية مهما كان نوعها تقع في مرتبة أدنى من القواعد التشريعية ([32]).
II-مرتبة اللوائح في الظروف الاستثنائية: يترتب على وقوع الظروف الاستثنائية قيام حالة الضرورة التي تبيح للسلطة التنفيذية أن تتخذ الإجراءات الإستثنائية اللازمة لمواجهة هذه الظروف، ويطلق الفقه عليها (أعمال الضرورة) هذه التي يندرج ضمنها (لوائح الضرورة) تأسيسا على صدورها إبان قيام حالة الضرورة، وتتبلور آثار نظرية الضرورة في ارتفاع القوة القانونية لتدابير الضرورة، بما فيها لوائح الضرورة التي تصبح لها قوة القانون في تدرج القواعد القانونية، ويترتب على ذلك انه يجوز  للسلطات الإدارية مخالفة القانون في إصدارها، بل لها إمكانية إلغاء أحكام القانون أو تعديلها لكونها في جوهرها أعمالا تشريعية، وتتمتع بقوة القانون في الظروف الاستثنائية([33]).  
 على انه ليس معنى ذلك أن السلطة التنفيذية تتحرر من كل قيد أثناء الظروف الاستثنائية، بل أخضعها الدستور إلى بعض الضوابط التي لا يمكن الخروج عنها استنادا لهذه الظروف، وتلك الضوابط يسميها الفقه (المشروعية الاستثنائية) التي تصدر في نطاقها اللوائح الاستثنائية([34]).



[1] - François Terré, Introduction générale au droit,  2e édition, 1994 Dalloz  p  141 est .
-   إبراهيم عبد العزيز شيحا، الوسيط في مبادئ وأحكام القانون الإداري، الدار الجامعية، 1997 ، ص 77 وما بعدها . و محمد رأس العين، الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع الفرعي، الندوة الوطنية الثانية للقضاء بنادي الصنوبر أيام 23/24/25 فبراير 1991  ص 166 . و  حسين صغير، النظرية العامة للقانون ببعديها الغربي والشرعي، ص 111 وما بعدها .
[2] -  انظر: محمد عبد الله العربي بك، كفالة حقوق الأفراد والحريات العامة، في الدساتير، مجلة مجلس الدولة المصري  السنة الثانية يناير 1951.  و فوزي  أوصديق،  الوافي في شرح القانون الدستوري الجزائري، الجزء الثاني، النظيرة العامة للدساتير، ديوان المطبوعات الجامعية،  ط 3 2003 ص 31  و سليمان الطماوي، السلطات الثلاث في الدساتير العربية، المعاصرة وفي الفكر السياسي الإسلامي،  توزيع دار الفكر العربي، ط5 1986 ، ص 57 وما يليها .
[3]- سامي جمال الدين، المرجع السابق ص 38 . و خليل جريج، الرقابة القضائية على أعمال التشريع- معهد البحوث والدراسات العربية – 1971 .، ص 90 وما بعدها.
[4] - محكمة التمييز اللبنانية، قرار في 16/02/1956 رقم 125 نقلا عن خليل جريج، المرجع السابق  ص62 .

[5] - المحكمة الإدارية العليا السورية، قرار في 26/04/1960 ، نقلا عن خليل جريج، نفسه،  ص 62 و 63 .
[6] - cass. Ch , cas, 24 juin 1839 – Napier et autres : S 1839 , I . 579
نقلا عن محمد فؤاد عبد الباسط،  مدى اختصاص القاضي الإداري بتفسير المعاهدات الدولية، دار الفكر الجامعي ص 07 في الهامش .
[7] - انظر: محمد سامي عبد الحميد،  أصول القانون الدولي العام،ج 02 ،القاعدة الدولية، توزيع دار الكتاب الحديث،  ط 4 1979 ص 07 وما بعدها .و صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام ماهيته مصادره ، توزيع دار الفكر العربي ، ط 1985 ص 202 وما بعدها . و صلاح الدين احمد حمدي، دراسات في القانون الدولي العام، منشورات ELGA ، ط1، 2002 ، ص 95 وما بعدها . ومحمد فؤاد عبد الباسط، المرجع السابق، ص 05 وما بعدها.
[8] - محمد عبد الباسط، المرجع السابق، ص 06 وما بعدها . و  جبار عبد المجيد،  تأملات حول قرار المجلس الدستوري الأول فيما يتعلق ببعض القضايا المرتبطة بالعاهدات الدولية، مجلة العلوم القانونية السياسية الاقتصادية الجزائر، عدد 01 /1996 ، ص 164 و 165 .

[9] -  جبار عبد المجيد، تأملات،  المرجع السابق،   ص  148 - 149. 
[10] - المجلس الدستوري،  قرار رقم1،  ق.ق، مد مؤرخ في 20 غشت سنة 1989 يتعلق بقانون الانتخابات، الجريدة الرسمية رقم 36- 20، غشت 1989، ص 1049 (ملحق 1).   
[11] - المحكمة العليا، الغرفة الجزائية، 14 فبراير 1967، حولية العدالة، 1966 (1)، 1967، ص 332، نقلا عن جبار عبد المجيد، المرجع السابق، ص 145.    
[12] -المحكمة العليا، الغرفة الجزائية، ملف رقم 167921 قرار بتاريخ: 22/02/2000، قضية (م. ع) و من معه ضد (ن، ع) المجلة القضائية العدد 2/ 2000 ، ص 206 و ما بعدها (' الملحق 2).  
[13] -جبار عبد المجيد، المرجع السابق،  ص 144-146.
[14] -المحكمة العليا، الغرفة المدنية، ملف رقم 254633 قرار بتاريخ 05/09/2001، قرارا غير منشور سلم في إطار حصص التطبيق في مادة علاقة القاضي الداخلي بالقانون الدولي للسنة الثابتة بالمدرسة العليا للقضاء للسنة 2004-2005 (ملحق 3).
[15] -المحكمة العليا، الغرفة المدنية، ملف رقم 88587، قرار بتاريخ: 11/12/2002، قضية (ي ي) ضد (خ ب) ، مجلة المحكمة العليا، عدد 05 سنة 2004 ص  201 و ما بعدها (ملحق 4).
[16] - و مما يدل على عدم سمو المعاهدة على الدستور أنه لا توجد سوى دولة واحدة تأخذ بمبدأ سمو المعاهدة على الدستور و هي هولندا، أنظر محمد فؤاد عبد الباسط، المرجع السابق ص: 11. 
[17] - جبار عبد المجيد، تأملات، المرجع السابق، ص 151 و ما بعدها.  
[18] - و  هو ما يعني أنه تخلص من قيود نظرية الحاجز التشريعي، انظر:           T.1، générale   Droit administratif، René chapus    - Montchrestien ,1987,p 34                                          ،3e édition          
[19] - تنص المادة 98 من الدستور، لسنة 1996: "يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين و هما المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة و له السيادة في إعداد القانون و التصويت عليه".
[20] - سامي جمال الدين، المرجع السابق، ص 42. وسليمان مرقس، المرجع السابق، ص 175. و طعيمة الجرف، المرجع السابق، ص 97
[21] - حسين صغير، المرجع السابق، ص 117. و موسى بو دهان، الفصل بين السلطات في النظام الجزائري مجلة النائب السنة 01 2003 عدد02، مجلة فصلية يصدرها المجلس الشعبي الوطني الجزائري، ص 33 و ما بعدها.
[22] - عبد اللة بوقفة، نفسه، ص 329 و ما بعدها. و أوصيف سعيد، تدهور المعيار التشريعي في النظام القانوني الجزائري، بحث لنيل شهادة الماجستير فرع الإدارة و المالية، جامعة الجزائر، 2001-2002، ص 75 و ما بعدها. 
[23] - انظر المجلس الدستوري ، رأي رقم 01 / ر ق ع /04 مِؤرخ في 05/02/2004 يتعلق بمراقبة مطابقة القانون العضوي المعدل والمتمم للأمر رقم 97/07 المؤرخ في 06/03/1997 والمتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات الدستور (ملحق 06) . وانظر:عبد الله، بوقفة، المرجع السابق، ص 192 و ما بعدها. و Francis Hamon et Michel Troper , Droit constitutionnel, Op.Cit, P 49
.
[24]- Francis Hamon et Michel Troper , Droit constitutionnel, Op.Cit, P 51
[25] - عبد الله بوقفة، المرجع السابق، ص 251 و ما بعدها.
[26] - خليل جريج، المرجع السابق، ص 64 و ما بعدها.
[27] - إسحاق إبراهيم منصور، نظريات القانون و الحق، الطبعة الثانية، ص 150 و ما بعدها. وحسين صغير، المرجع السابق، ص 117. وسليمان مرقس، الوافي، المرجع السابق، ص 177.
[28] - سامي جمال الدين المرجع السابق، ص 50. و سليمان مرقس، نفسه، ص 178. 
[29] - إسحاق إبراهيم منصور، نفسه، ص 54. و سامي جمال الدين، نفسه، ص 56. 
[30] - عبد الله بوقفة، المرجع السابق، ص 321 و ما بعدها. حسين الصغير، المرجع السابق، ص 118.
[31] - محمود سعد الدين الشريف، النظرية العامة للضبط الإداري، مجلة مجلس الدولة المصري  السنة 11، 1962، ص 82 و ما بعدها.
[32] -. سامي جمال الدين، المرجع السابق، ص 68. و حسيني بوديار، الوجيز في القانون الدستوري، دار العلوم ، ص 25.
[33] -. سامي جمال الدين، نفسه، ص  68 و ما بعدها.
[34] -. سامي جمال الدين، نفسه، ص 89 و ما بعدها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه