ضمانات و حماية الحريات العامة:
تمهيد: نظام الحكم المثالي يقوم على أربع دعائم و هي
على التوالي:
الحريات العامة، المساواة، الشورى (أو
الديمقراطية) و العدالة، و أحيانا قد تتلازم فكرة الحريات الفردية مع المساواة.
و من الصعب جدا تطبيق هذه المعالم بحذافيرها و
إن وجدت فقد تقوى الواحدة عن الأخرى، و لذا فلقد كان محقا الأستاذ دوفرجي ( douverger)
حينما وصف أنظمة دول العالم الثالث – أو
النامية – بقوله:" يعد وصفها
أمرا عسيرا لأنها غير واضحة تمام و تطورها السريع يجعلها غير ثابتة بل متحركة الى
حد كبير… و إننا نجد تلك الدول
تتجه الى الآخذ بأنظمة مختلفة، منها ما هو وسيط بين السلطة المطلقة و الحرية، أي
أنها مع ذلك حرة الى حد ما".
إنطلاقا من هذا الوصف نحاول التطرق للضمانات
الدستورية، المنصوص عليها في الدستور 23 فبراير 1989 المعدل بدستور 28 نوفمبر
1996م.
الضمانة الأولى: مبدأ الفصل بين السلطات: الوظيفة السياسية للدولة هي تحقيق القانون مهما
كانت النشاطات التي تمارسها الدولة و المتفق عليه أن الوظائف التقليدية للدولة هي:
1)- الوظيفة التشريعية: و تتمثل في سن
القوانين العامة و المجردة لضبط و تحديد سلوك الأفراد في المجتمع حكاما و
محكومين.
2)- الوظيفة التنفيذية: و تتمثل في
تطبيق القوانين من خلال إدارة و تسيير المرافق العامة للدولة لتقديم الخدمات
اللازمة للمواطنين.
3)- الوظيفة القضائية: و تنحصر مهمتها في حل
المنازعات الناشئة بين الأفراد و الهيئات و طبقا للنصوص القانونية السائدة.
*- و تختلف النظم السياسية في أداء هذه الوظائف
بين تركيز السلطة بيد شخص أو هيئة واحدة " مبدأ تركيز السلطة"، و إما
توزيع السلطات بين هيئات ثلاث.
و المعمول به حاليا هو الأخذ بمبدأ الفاصل بين
السلطات، بسبب المبررات التالية:
أ)- منع الإستبداد و صيانة الحريات العامة، لأن
تركيز السلطة في يد هيئة أو شخص
يؤدي الى إساءة إستعمالها وطغيان القائمين عليها مما يهدد بالقضاء على حقوق
الأفراد و حرياتهم.
ب)- الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات يكفل إحترام
القوانين و تطبيقها سليما، من خلال تحقق الرقابة المتبادلة بين الهيئات المختلفة
من جهة و لتطبيق مبدأ التخصص من جهة أخرى، أما في حالة تجميع الوظائف الثلاث في يد
واحدة، فمن الممكن أن ينزع عن القانون حياده و عموميته.
ج)- إن توزيع السلطات بين الهيئات المختلفة
يؤدي الى حسن سير العمل نتيجة لتحقيق مبدأ التخصص و تقسيم العمل بين الهيئات
المذكورة.
الضمانة الثانية: مبدأ الشرعية (أو سيادة القانون): يقصد به خضوع جميع تصرفات الأفراد للقانون
بمعناه العام و المجرد.
و قد يتحقق هذا المبدأ من خلال " مبدأ سمو
الدستور" بإعتباره التشريع الأعلى في الدولة و قد يعتبر الدستور الجزائري من
أرقى الدساتير في باب الحقوق و الحريات " إن الدستور فوق الجميع، و هو القانون
الأساسي الذي يضمن الحقوق و الحريات الفردية و الجماعية، و يحمي مبدأ إختيار
الشعب، و يضفي الشرعية على ممارس السلطات و يكفل الحماية القانونية، و رقابة السلطات
العمومية في مجتمع تسوده الشرعية، و يتحقق فيه تفتح الإنسان بكل أبعاده".
و قد ينتج من خلال تطبيق هذا المبدأ مدلولات من
ذلك:
1)- إن كل قانون أو قرار، يجب أن يكون موضوع
إحترام من باقي السلطات أو السلطة التي أصدرته ما لم يلغى أو يعدل بالوسائل
القانونية المعتمدة من ذلك التساوي في الإجراءات كقول المشرع الجزائري في المادة
60 من الدستور الحالي:" يجب على كل شخص أن يحترم الدستور و قوانين الجمهورية،
فلا يعذر أحد بجهل القانون، كما لا يجب أن تلغى قاعدة قانونية، بتلكس أو برقية أو
لائحة تنظيمية".
2)- القيود التي تفرضها الدولة على بعض الحريات
و النشاطات، لا يمكن إقرارها إلا من خلال المجالس النيابية المنتخبة، و إن وجد
قانون يقيد الحقوق يجب إقراره في مجلس نيابي، و قد يصطلح عليه باللائحة التكميلية.
3)- لا يمكن لأية سلطة أو هيئة أن تصدر قرارا
فرديا لحالة معينة، إلا في حدود القواعد العامة المقررة في دولة أي مساواة جميع
المواطنين، دون أن يتسبب إختلاف الصل و الجنس، أو اللغة، أو الرأي تمييزا في
المعاملة.
الضمانة الثالثة: الرقابة القضائية و
إستقلالها: الإقرار بمبدأ سيادة القانون غير كافي و لكن يجب تنظيم جزاء على مخالفة
أحكام هذا المبدأ و ذلك بوجود هيئة قضائية تتوفر فيها ضمانات الإستقلال و النزاهة
و الكفاءة فالسلطة القضائية مختصة بتفسير القانون و تطبيقه على المنازعات التي
تعرض عليه، و بالتالي دوره قد يبرز من خلال تفسير أو إضافة
الجديد للقانون الناقص أو الغامض محل نزاع.
و أحيانا رغم وجود نصوص دستورية تقر إستقلالية
القضاء هناك بعض العقبات تحول دول التطبيق الفعلي لهذه النصوص مثال:
*- وجود تأثيرات تؤثر سلبا على السير العادي
للقضاء.
*- التكوين الصوري الهش لسلك القضاء.
*- البطئ في بعض الإصلاحات القضائية.
و لكن رغم هذه النقائص ذكر المشرع الجزائري
العديد من الضمانات المتعارف عليها في الأنظمة المقارنة لحماية الرقابة القضائية و
إستقلالها و هي على التوالي:
- طريقة التعيين: المجلس الأعلى للقضاء هو الذي يعين القضاة و
نقلهم و سير سلمهم الوظيفي، كما يسهر
على إحترام القانون الأساسي للقضاء، و على رقابة إنضباط القضاة تحت رئاسة الرئيس
الأول للمحكمة العليا و رئيس الجمهورية الذي يترأس المجلس الأعلى للقضاء.
- ضمان عدم القابلية للعزل: و هي ضمان لحياد
القضاء و الإستقلالية في عمله.
- ترك معظم الشؤول التنفيذية لرجال القضاء
للمجلس الأعلى للقضاء.
- التحريم القطعي للتدخلات التي يمكن أن يتعرض
لها القاضي و تجريمها.
- المرتب و المركز: فرضت على القضاة بعض
المرتبات المجزية شهريا، حتى يتفرغ لعمله و يكون بعيدا عن مواطن الشبهة و في مأمن
تام لصيانة نفسه و عرضه من
المساومات.