تعريف
المحرر الرسمي أو العمومي وشروط صحته.
تعريـف:
إن الفقه لم يلتزم بتحديد تعريف خاص
بالمحرر الرسمي أو العمومي فقط بل أعطى تعريفا شاملا للمحرر بصفة عامة على عكس
القضاء الذي خصص لكل محرر هويته الخاصة به و سنتطرق لكل منهما و نحاول التقريب
بينهما في تعريف موحد إن أمكن الأمر بإيجاد أوجه التشابه و التقارب بينهما.
أما بالنسبة للفقه فيرى بأنه:"كل مكتوب
ينتقل به الفكر من شخص إلى آخر تأسيسا على أن المشروع أراد أن يضفي الحماية على
المحرر بإعتباره في الغالب دليل إثبات لمعاملات الأفراد و مصالحهم، وتماشيا مع هذه
الحكمــة لا توجد قيــود خاصة أو شروط معينة بالنسبة إلى المحــرر الذي يستوي أن
يكون عرفيـــــا أو رسميــــا".(1)
و
يرى أيضا بأنه:"كل مكتوب يفصح عن شخص من صدر عنه،و يتضمن سرد الواقعة أو
تعبيرا عن إرادة من شأنه إنشاء مركز قانوني أو تعديل أو إنهاءه أو إثباته سواء
أعدد المحرر لذلك أساسا منذ إصداره أو ترتب عليه هذا الأثر لأي سبب آخر".(2)
أما
بالنسبة للقضاء فإنه يرى:"بأن المحرر يتمتع بقوة الإثبات و رتب عليه
القانون أثر، فإن لم يكن التعبير قد جرى في محرر فإن جريمة التزوير تكون منتفية لانعدام
المحل".(3)
و بوجه عام يمكن تعريف المحرر الرسمي أو العمومي
بأنه: "كل محرر يصدر عن موظف عام أو ما يشبهه في الإختصاص بمقتضى وضيفته
بتحريره و إعطائه الصيغة الرسمية،أو يتدخل في تحريره أو التأشير عليه وفــق ما
تقتضيه القوانين واللوائح التنظيمية التي تصدر إليه من جهته الرئيسية".(1)
وبوجه خاص هو: "كل الأعمال
التي يحررها الضابط العمومي ومن هذا القبيل محررات الموثقين و المحضرين و محافظي
البيع العلني".(2)
و
يحتوي المحرر على ثلاث جوانب و هي:
شكل المحـــرر:
إن المقرر في القانون إن المحرر لا يكتسب
صفته ولا يصلح أن يكون محلا لجريمة التزويـر إلا إذا أفرغ في شكل كتابـي الذي
يعتبر أحد عناصر المحرر، ولا يهم إذا كانت الكتابة بخط اليد أو بآلة كتابة أو
بطريق الحفر، ولا أهمية للغة التي يتم بها التغيير في المحرر طالما كانت مفهومة.
ولا أهمية للمادة المستعملة في الكتابة فقد تكون بالحبر السائل أو الجاف أو الرصاص
أو الكربون وقد تكون من الورق أو البلاستك أو الخشب أو القماش أو الجلد، كما لا
يلزم أن تدون الكتابــة بواسطة المزور نفسه إذ يستوي أن يقع هذا التدوين منه أو من
شخص آخـر، ومن أمثلة التزويـر الذي ينصب عليه تغيير الحقيقة ولو كان من دونه شخص
آخر غير المزور نفسه هو ما يتم إملاؤه بواسطة الهـاتف، فالمزور في هذا الغرض هو من
أملى البيانات المغايرة للحقيقة آمرا بتدوينها و نسبتها إلى شخص آخر.
مصدر المحرر:
يلزم
أيضا في المحرر الذي يصلح لأن يكون محلا لجريمة التزوير أن يكون متضمنا توقيعا أو
ختما لشخص ما أو لجهة معينة، فإذا إستحال تحديد مصدر المحرر أو تعذر ذلك، انتفت عن
الكتابة فكرة المحرر الذي يصلح محلا لجريمة التزوير.
أما إذا كان المحرر معروف المصدر و
متضمنا التوقيع فلا تهم وسيلة هذا التوقيع فقد يكون بكتابة الإسم واضحا وقد يكون
بتأشيرة أو بوضع الحروف الأولى للإسم، و إذا كان المحرر يتضمن في صلبه ما يـدل على
أنه صـادر من شخص
معيــن
دون أي توقيع فيصلح كذلك مستندا ولو كمبدأ ثبوت الكتابة على تحديد صدر عنه
المحرر. كما يكون بتوقيع أو بختم أو
بعبارة في صلب المحرر و يكون كذلك بأنه وسيلة تدل على مصدر المحرر كما في الدفاتر أو
السجلات الخاصة بأحد التجار مثلا.
مضمون المحرر:
إذا توافر الشكل الكتابي في المحرر فإنه يظل مفتقرا للمضمون فلا يمكن أن
توصف الورقة و لو كانت مكتوبة بأنها محرر بالنسبة لأحكام التزوير إلا إذا إكتمل
مضمونها،كذلك بأن تفيد معنى مترابطا له دلالة قانونية،و المراد بالمضمون هو أن
يسرد المحرر واقعة أو يعبر عن إرادة و المحرر المكتوب الذي لا يتضمن سوى إسم شخص
معين أو عنوانه أو توقيعه مجردا لا يصلح أن يكون محلا لجريمة التزوير ،مثلا
كالفنان الذي يرسم لوحة و يوقع عليها بتوقيع فنان مشهور عنه لأن هذه اللوحة خيالية
من المضمون الذي يجعلها محررا في مجال التزوير، لكن يجوز أن تقوم بها جريمة الغش
التجاري،ومن ناحية أخرى لا يقع التزوير إذا انصب فعل تغيير الحقيقة على أمر يتصل
بالمحرر أن يعد كتابة.
شروط صحتها:
ولكي تكون الورقة أو المحرر الرسمي صحيحا لابد
من توافر ثلاثة شروط وهي:
الشرط 1:
أن
يقوم بكتابة المحرر أو بتبليغه موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ومثال ذلك موثق أو
ضابط عمومي أو قاضي أو كاتب ضبط...الخ.
فصفة الشخص الذي يقوم بالتحرير يترك صبغة الرسمية على
المحرر، وإلا لما كان المحرر رسميا أو عموميا.(1)
الشرط 2:
أن
يكون هذا الموظف أو الشخص الذي يتولى كتابة هذا المحرر مختصا من حيث الموضوع وفي
حدود سلطته ومن حيث المكان في مجال إختصاصه،أي يكون الموظف ولاية قائمة وقت تحرير
الورقة الرسمية، فإذا كان عزل من وظيفته أو
أوقف عن عمله أو
نقل منه أو تخلى عنه بشكل من الأشكال فإن ولايته تزول.
وعليه لا يستطيع
القاضي أن يمنح عقد إستفادة من قطعة أرض عوضا عن رئيس البلدية أو الولاية، كما لا
يصح أن يحرر ضابط شرطة عقد زواج عوض ضابط الحالة المدنية، وكذلك الأمر يتعلق
بالمتقاعد أو المفصول أو المحول أو المستقيل عن منصبه.(1)
الشرط 3:
أن يكون التحرير حسب القواعد المقررة قانونا لأن
كل ورقة في تحريرها شروط مبينة في القوانين و اللوائح الخاصة بتلك المصلحة. و مثال
ذلك العقود الرسمية التي يحكمها قانون التوثيق.(2)
ونستخلص
مما سبق أنه لا يشترط حتى تستمد الورقة صفة رسمية أن تكون محررة على نموذج خاص، بل
العبرة بصدورها من موظف عام إلى مختص، فالرسمية تتحقق حتما متى كانت الورقة صادرة
أو منسوبة في صدورها إلى مختص بتحريرها سواء كان أساس الإختصاص قانونا أو مرسوما
أو لائحة أو تعليمات بناء على أمر رئيس مختص أم خاصة بمقتضيات العمل. وينصرف وصف
المحرر على المحرر الأصلي وعلى أية صورة منه توصف بأنها مطابقة للأصل