حكم التبني في القانون الجزائري

0

حكم التبني في القانون الجزائري
التبني هو عقد ينشئ بين شخصين علاقات صورية و مدنية محضة لأبوّة و بنوّة مفترضة(1) أي أنه إستلحاق شخص ولدا معروف النسب لغيره أو مجهول النسب كاللّقيط و يصرّح أنّه يتّخذه ولدا له مع كونه ليس ولدا له في الحقيقة و قد كان سائدا في الجاهلية حيث كانوا يجعلونه كالإبن الحقيقي و لقد قضى عليه الإسلام بقوله تعالى: "و ما جعل أدعيائكم أبنائكم ذلكم قولكم بأفواهكم و الله يقول الحق و هو يهدى السبيل، أدعوهم لأبائهم هو أقسط عند الله..." [الأحزاب الآية 4-5 ]. و قد أمر الله تعالى رسوله عليه الصلاة و السلام بأن يتزوّج من زينب بنت جحش و هي مطلقة زيد الذي تبنّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال الله تعالى: "فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إن قضوا منها وطرا" و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "من إدّعى إلى غير أبيه فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا" رواه البخاري. و بإبطال الإسلام لعادة التبني، ردّ علاقة النسب إلى أسبابها الحقيقية(2).

و لقد إتّفقت أغلب القوانين العربية على تحريم التبني إلا أن المشرع التونسي قد خرج عن هذا الإجماع و ذهب إلى ما ذهبت إليه القوانين الغربية مثل فرنسا(3) في إجازة التبني و ذلك بمقتضى القانون رقم 27 لسنة 1998 المنشور في الجريدة الرسمية للجمهورية التونسية عدد 19 في الفصلين الثامن و الثالث عشر.

أما القانون الجزائري فإنه يمنع التبني من خلال نص المادة 46 من قانون الأسرة التي تنص: "يمنع التبني شرعا و قانونا" و هذا ما أكّدته المحكمة العليا وفقا للقرار رقم: 103232 المؤرخ في: 02/05/1995 "من المقرر قانونا أن التبني ممنوع شرعا و قانونا و ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج و أمكن الإتصال و لم ينفه بالطرق المشروعة، و حيث إنحصر طلب الطاعنين –الحاليّين- في إبطال التبني الذي أقامه المرحوم (ط.ن) فإن قضاة الموضوع عندما ناقشوا الدعوى و  كأنها  تتعلق  بنفي  النسب و طبّقوا قاعدة  (الولد للفراش) فإنهم قد أساءوا التكيّيف"(4).


و في نفس الإتّجاه صدر قرار آخر جاء فيه "من المقرر أنه يمنع التبني شرعا و قانونا .... و متى تبين في قضية الحال أن المطعون ضده لم يكن إبنا شرعيا للمتبني، فإن للمدّعية الحق في إخراجه من الميراث ...."(1).

و يتبيّن من خلال ذلك أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يدّعي مواطن جزائري نسب مولود إليه بطريق التبني و يقوم بتسجيله على لقبه في مصالح الحالة المدنية مباشرة أمام ضابط الحالة المدنية و لا بموجب حكم قضائي و كل تصرّف مخالف لذلك يمكن أن يعاقب فاعله بإتهامه بالتزوير و معاقبته بمقتضى قانون العقوبات(2). و إذا كان الشارع قد حرّم التبني لما فيه من المفاسد، فلم يغلق باب الإحسان و جعل للشخص إذا وجد طفلا يائسا محروما أن يتولاه برعايته و يأخذه ليربيه و ينفق عليه و قد أقّر القانون نظاما بديلا للتبني يقوم على الكفالة القانونية أين يلتزم الكافل بتقديم العناية و الرعاية للقاصر مع توفير الشروط المادية و المعنوية التي يتمتع بها الولد الشرعي و نص المشرع الجزائري على الكفالة في المواد من 116 إلى غاية 125 من قانون الأسرة. و الكفالة هي إلتزام على وجه التّبرع بالعناية بولد قاصر من نفقة و تربية و عناية  قيام الأب بإبنه و تتم بعقد أمام المحكمة أو أمام الموثق مع إحتفاظ الولد بنسبه الأصلي إذا كان معلوم النسب و إن كان مجهول النسب تطبّق عليه المادة 64 من قانون الحالة المدنيّة(3). إلّا أن الإشكال الذي يطرح في موضوع الكفالة هو ما ورد في المرسوم التنفيذي رقم 92/24 المؤرخ في: 13 يناير 1992 المتمم للمرسوم 71-157 المؤرخ في: 03 يونيو 1971 المتعلق بتغيير اللقب، حيث خوّل المشرع للكافل مكنة تغير لقب الصبي حسب المادة 1/2 : "كما يمكن أن يتقدم الشخص الذي كفل قانونا في إطار الكفالة ولدا قاصرا مجهول النسب من الأب أن يتقدم بطلب تغيير اللقب بإسم هذا الولد و لفائدته و ذلك يقصد مطابقة لقب الولد المكفول بلقب الوصي، و عندما تكون أم الولد القاصر معلومة و على قيد الحياة فينبغي أن ترفق موافقتها المقدمة في شكل عقد شرعي بالطلب".

إن ما يمكن قوله أن هذا المرسوم أحدث ضجة كبيرة عند صدوره سواء من رجال الدين أو من رجال القانون لإعتباره مخالفا للشريعة الإسلامية و ما أقرّه قانون الأسرة في مسألة التبني. إلّا أنه يمكن  إيجاد  الحل  الشرعي لتطبيق

هذا المرسوم تماشيا مع أحكام الشريعة الإسلامية و ذلك بأنه بدلا من أن يلحق نسب مجهول النسب إلى نسب الكافل كما ورد  في  المرسوم  بإمكان  رئيس المحكمة  الذي يعرض عليه  طلب تغيير اللقب أن يصدر أمرا يتضمن

 

تعديل اللقب مع الأمر بتقييده في سجلات الحالة المدنية بإضافة عبارة "مولى"(1) على هامش شهادة ميلاد المكفول ليكتب فلان مولى فلان وبهذا نضع حدا لعدم تطابق المرسوم السابق مع أحكام الشريعة الإسلامية و قانون الأسرة صيانة لحقوق الأطفال مجهولي النسب حتى يكون لهم مركز قوي في المجتمع. فإذا كان المشرع لا يثبت نسب الولد المتبنى، فما هو الشأن بالنسبة للّقيط؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه