المهــام القضائيـــة لقاضــــي الأحـــداث في القانون الجزائري

0

المهــام القضائيـــة لقاضــــي الأحـــداث:

    تتمثل المهــام القضائية لقاضي الأحداث في الإجراءات التي   يباشرها فيما يخص الأحداث الجانحين ، و المتعلقة بمرحلتي التحقيق و المحاكمة  و هذه المــهام تختلف من حيث الأسبــاب

 و الأهداف عن المهام المنوطة بقاضي الأحداث عندما يباشر عـــمله حماية للأحداث في خطر معنــــــوي .

فالمهام القضائية لها علاقة مباشرة بالجريمة و العقاب ، و إن ظهر الدور الإصلاحي و التربــوي لقاضي الأحداث بشأنها ، فإنه لا يكون بذات الأهمية التي يوليها هذا الأخير فيما يخص الأحداث في خطر معنوي ، فدوره في الحالة الأخيرة تربوي وقائي ، تحسبا من وقوع الحدث في دائــرة الانحراف و الإجرام ، لذلك سنحاول أن نتناول في هذا المبحث مختلف المهام التي يقوم بها قاضي الأحداث فيما يخص الأحداث الجانحين و المتمثلة في التحقيـــــق (1) و المحاكمــــة.

المطلــــــب الأول:

التحقيـــــــــــق.

   التحقيق في قضايا الأحداث الجانحين وجوبي ، إذ أن وكيل الجمهورية عند وصول الملــف المتعلق بالحدث إليه ، لا يجوز له إحالته مباشرة على المحاكمة سواء عن طريق الاستدعاء المباشـر

 أو التلبس باستثناء مادة المخالفات ، و ذلك عمـــلا بالمادتيــن 59 و 446 ق.إ.ج.

كما أن المشرع الجزائري ، وزع صلاحية التحقيق  بين قاضي التحقيق الخاص بالبالغــــين

 و قاضـي الأحــــداث ، وهو ما أشارت إليـــه المـــــادة 452 من ق.إ.ج.

حيث يختص قاضي التحقيق الخاص بالبالغين بالتحقيق في الجرائم التي يرتكبها الأحــــداث



 


(1) "إن التحقيق وجوبي في التشريع الفرنسي في الجرائم المرتكبة من قبل الأحداث لا سيما الجنح و الجنايات و الهدف هو الوصول لمعرفة شخصية الحدث الجانح ، و من ثمة اتخاذ التدبير الملائم له "

انظر في ذلك:

Jaun claude soyer, OP .cit , P 418.

- 28-

 

قاضـي الأحـداث

 


فـــــي حالتيـــــن:

- إذا كانت الجريمة المرتكبة من الحدث جناية ، و كان معه متهمون بالغون حسب المــــادة 452/ف1 مــن ق.إ.ج.

- إذا كانت الجريمة المرتكبة من الحدث جنحة متشعبة ، فهنا يجوز للنيابة العامة بصفة استثنائية أن تعهد لقاضي التحقيق بإجراء تحقيق نزولا على طلب قاضي الأحداث ، و بموجب طلبات مسببة المــــادة 452/ف4 من ق.إ.ج.

و يختص قاضي الأحداث بالتحقيق في الجنح المرتكبة من الأحداث و كذا الجنح الـتي يرتكبها الحدث مع البالغين سواء كانوا فاعلين أصليين أو شركاء ، إذ يقوم وكيل الجمهوريــة بإنشاء ملف خاص بالحدث ثم يحيله إلى قاضي الأحداث ، هذا الأخير الذي يجب علمه القيــام بإجراء تحقيق سابق بمجرد وصول الملف إليه ، و هــذا حســب المــــادة 452/ف 2 و  مــــن ق.إ .ج. (1)و على غرار المشرع الجزائري فإن المشرع الفرنسي ميز بين الجنايات و الجنح – نفى الجنايات – أوجب التحقيق فيها من قاضي التحقيق ، أما الجنح فهو أمر جوازي للنيابة العامة ، إما بإحالـة الملف إلى قاضي التحقيق  أو قاضـــي الأحــــداث (2).

و باعتبار أن التحقيق في قضايا الأحداث له طابع متميز و يختلف عن التحقيق في قضايا البالغين ، فإن المشرع خصه بإجراءات معينة و حدد قواعد تحكمه ، فمنح بذلك سلطات واسعة للقاضي المحقق فيها ، في اتخاذ التدابير المؤقتة للحماية و الملاحظة و ذلك من أجل السير الحسن للتحقيـق

لذا سنحاول تقسيم هذا المطلب إلى فرعين نتطرق في الأول إلى سير إجراءات التحقيق ، وفـي الثاني نعالج فيه مختلف الأوامر و التدابير المؤقتة التي يمكن للقاضي المحقق (3) اتخاذها بشأن الحدث.

الفــــــرع  الأول

سيــــر إجــــــراءات التحقيــــــق.

يتصل قاضي الأحداث بملف التحقيق الخاص بالحدث الجانح عن طريق الطلب الافتتاحي المحرر



 


(1)- علالي بن زيان ، المرجع السابق ، ص 7

(2)- Jaen claude soyer, OP .cit , P 418

(3)- نفي بالقاضي المحقق كل من قاضي التحقيق و قاضي الأحداث

- 29-

 

قـاضي الأحداث

 


من طرف السيد وكيل الجمهورية طبقا للمادتين 448و 67 ق.إ.ج ، و الذي يتـخذ بشأنه ما يتخذه  قاضي التحقيق من أوامر سواء عند بداية التحقيق أو خلال سير التحقيق أو عند الانتهاء

من التحقيق  ، علما أن المشرع منح صلاحيات واسعة للقاضي المحقق في قضايا الأحداث الجانحين خلاف ما هو مخول لقاضي التحقيق الخاص بالبالغين ، و هدف ذلك هو الوصول إلى الحقيقــة

و كذا التعرف على شخصية الحدث  حيث يمكن له القيام بتحقيق رسمي أو غير رسمــي ، و أن يصدر  أي أمر لذلك مع مراعاة قواعد القانون العام ، كما يقوم بإجراءات بحث اجتماعي عـن الحدث الجانح يتضمن كل المعلومات عن حالته المادية و الأدبية لأسرته و كـذا سوابقــــه و دراستـه و عن الظروف التي عاش فيها ، و هذا حســـب المــادة 453 من ق.إ.ج.

و يجوز له أن يعهد بإجراء البحث الاجتماعي المنصوص عليه في  المادة 453 من ق.إ.ج السالفة

    أو  (Soemo)الذكر إلى المصالح الاجتماعية كمصلحة الملاحظة و التربية في   الوسط المفتوح

إلى شخص يحوز شهادة خدمة اجتماعية يكون مؤهـــل لهذا العمل طبقـــا للمـــادة

  454 من  ق.إ.ج. (1).

مع الإشارة إلى أنه بالرغم من الصلاحيات الممنوحة للقاضي المحـقق في مسائل الأحداث ، إلا أنه مقيد بقيود طبقا للمادة 454 من ق.إ.ج تتمثــل فـــــي:

- ضرورة إخطار والدي الحدث أو وصيه  أو من يتولى حضانتــه بإجـراءات المتابعـــة.

- لا يمكن له ســــماع الحدث أو استجوابه إلا بحضور وليه أو محام للدفاع عنه ، وفي حالة عدم اختيار الحدث أو وليه للمحامي ، فعلى القاضي المحقق مع الحدث تعيين له محامي وجوبا بصفة تلقائية.

 هذه القيود تعد بمثابة إجراءات أولية لا بد من احترامها  و عند استكمالها ، يشــرع في سماع الحدث بعد التحقق من هويته و سنه  و إحاطته علما بكل واقعة من الوقائع المنسوبة إليه ، و يقوم الكاتب بتسجيل أقواله و عند الانتهاء من هذه العملية ، تسجل أقوال الولي المتعلـــقة بسيرة الحدث و عن وضعيته الدراسية و في الأخير يوقع على المحضر كل من القاضي المحقق و الكاتب و الولي .



 


(1) -يستخلص من المادة 453 من ق.إ.ج أعلاه أن مصالح الأمن غير مختصة بالبحوث الاجتماعية و أن البحث الاجتماعي إجراء إجباري في كل قضايا الأحداث ، مع جواز استبعاده من القاضي المحقق لكن بأمر مسبب.

- 30-

 

قـاضي الأحداث

 


و في حالة حضور الضحية ، فإنه يحرر محضر سماع لها و تكون بحضور ولـيها إذا كانت حدثا .

ثم بعد ذلك يتم اســـتجواب الحدث في الموضوع ، و الذي يعد وسيلة من وسائل التحقيق ،

و يكون عن طريق أسئلة على الحدث و إجابة هذا الأخير عليها .

إضافة إلى أن القاضي المحقق يجوز له سماع الشهود و إجراء مواجهة بينهم و بين الحدث المتهم عند الاقتضاء (1).

و بعد الانتهاء من السماع الأول للحـدث ، أجاز القانون لقاضي الأحداث أو قاضي التحقيق ، اتخاذ إجراء مؤقت في حقه إلى غاية محاكمــته كالوضع تحت نظام الحرية المحروسة  أو التسليم أو الإفراج و ذلك حسب المادة 455 من ق.إ.ج. و إذا تبين له عدم ارتكاب أو ارتكاب الحدث للجريمة المتابع من أجلها ، أصدر جملة من الأوامر ينهي بها التحقيق و هي المسائل التي سنتناولها في الفرع الآتي:

الفــــــرع الثــــــاني

الأوامـــر و التدابيـــــر المؤقتـــــة .

     أشرنا سلفا إلى أن المشرع الجزائري خول لقاضي الأحداث خلال التحقيق مع الحدث الجانح نفس الصلاحيات المخولة لقاضي التحقيق مع البالغين ، بحيث بإمكانه إصـدار جميع الأوامر  التي يتطلبها التحقيق من بدايته إلى نهايته ،  كالأوامر القسرية  من إيداع ، قبض ، إحـــضار طبقا للمواد (110 ، 117 ، 119 ق.إ.ج) و أوامر التصرف كالإحالة  إرسال مستنــدات  طبقا للمواد 464، 460 من   ق.إ.ج أو أمر بأن لا وجه للمتابعة طبقا للمواد 458و 464 ق.إ.ج.

كما نص المشرع على تطبيق أحكام المواد من 170 إلى 173 ق.إ.ج المتـعلقة باستئناف أوامر التحقيق التي يصدرها قاضي الأحداث بشأن الحدث الجانح و ذلك في المادة 466  من ق.إ.ج .

     بعد الانتهاء من التحقيق ، فإن القاضي المحقق إذا تبين له أن الوقائع المنسوبة إلى الحدث ، لا تشكل أي وصف جزائي أو أنه لا توجد ضده  دلائل كافية ، أصدر أمرا بأن لا وجه للمتابعة في

 



 


(1)-انظر المادة 100 و ما يليها من الأمر 66-155 ، المرجع السابق.

 

- 31-

 

 

قـاضي الأحداث

 


المخالفات ، و هو ما نصت عليه المادة 459 ق.إ.ج  ، و إذا توصل إلى أنها جناية ، أصدر أمرا بإحالته على قسم الأحداث الموجود بمحكمة مقر المجـلس طبقا للمـــادة 451 ق.إ.ج (1).

و مادام المشرع نص في المادة 466 ق.إ.ج. عـلى تطبيق أحكام المواد من 170 إلى 173 على الأوامر التي يصدرها قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق ، وعلى هذا الأساس وجب على القاضي المحقق مع الأحداث الجانحين تبليغ السيد وكيل الجمهورية بالأوامر التي يصـدرها في نفس اليوم الذي صدرت فيه ، و هو حق للنيابة العامة يترجم سلطتها في مراقبة سـير التحقيق القضائي و الإشراف عليه ، و ذلك بهدف تطبيق القانون .

و كذا تبليغها إلى الحدث المتهم ، و إلى المدعي المدني و ذلك في ظرف 24 سـاعة طبقا للمادة

168 ق.إ.ج  .

     و بالتالي يحق لوكيل الجمهورية استئناف جميع أوامر القاضي المحقق مع الأحداث ، أمام غرفة الاتهام و ذلك في ظرف ثلاثة (03 ) أيام من صدورها (المادة 170 ق.إ.ج.)

    كما يحق للنائب العام ذلك شريطة تبليغ استئنافه إلى الخصوم خلال الـ 20 يوما التي تـلي صدور الأمر ، و استئنافه لا يوقف تنفيذ الأمر المتعلق بالإفراج ، خلافا لما هو مقرر بالنــسبة لاستئناف السيد وكيل الجمهورية طبقا للمادة 171 ق.غ.ج. (2).

     أما بخصوص الحدث المتهم أو وكيله القانوني ، فله الحق في استئناف الأوامر المنصوص عليها في المواد 74، 127 ، 125 من ق.إ.ج. ، و كذا الأوامر التي يصدرها المحقق بشأن اختصـاصه بنظر الدعوى ، و ذلك إما من تلقاء نفسه أو بناء على دفع أحد الخصوم بعدم الاختصاص ، أمام غرفة ا لاتهام بالمجلس القضائي في ثلاثة أيام من تبليغه (3).

      و بالنسبة للمدعي المدني أو وكيله ، فيجوز له استئناف جميع الأوامر الماسة بحقوقه المدنية ،

كالأمر برفض إجراء تحقيق أو الأمر بأن لا وجه للمتابعة أو الأمر بعدم  الاختصاص (4 .

و يرفع استئنافه خلال (03) ثلاثة أيام من تاريخ تبليغه بالأمر المعني طبقا للمادة 173ق.إ.ج في فقرتها الأخيرة.



 


(1)،(2) - علالي بن زيان ، المرجع السابق ، ص 09.

(3)- انظر في ذلك المادة 172 من الأمر 66-155 ، المرجع السابق.

(4)- مرشد المتعامل مع القضاء ، وزارة العدل ، مارس 1997 ، ص 120.

 

- 32-

قـاضي الأحـداث

إلى جانب الأوامر السالفة الذكر ، التي يمكن لقاضي الأحداث أو التحقيق إصدارها و هو بصدد التحقيق مع الحدث أو الانتهاء منه ، أجاز له القانون أن يتخذ بشـأنه تدبيرا أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في المادة 455 ق.إ.ج و المتمثلة في  أنه:

       - يجوز له تسليم الحدث المجرم مؤقتا إلى :

* والديه أو وصيه أو الشخص الذي يتولى حضانته أو إلى شخص جدير بالثقة.

* مركز إيواء ، و ذلك على النحو الذي رأينا في الفصل الأول من بحثنا هذا.

* قسم إيواء بمنظمة مخصصة لهذا الغرض ، سواء أكانت عامة أو خاصة .

* إلى مصلحة الخدمات الاجتماعية المنوط بها معاونة الطفولة أو بمؤسسة اسشفائية (ملجأ).

* مؤسسة أو منظمة تهذيبية أو للتكوين المهني أو للعلاج تابعة للدولة أو لإدارة عامة مؤهلة لهذا الغرض أو مؤسسة خاصة معتمدة .

* الوضع المؤقت في مركز ملاحظة معتمد ، و ذلك إذا كانت حالة الحدث الجانح الجسمانية و النفسانية تستدعي فحصا معمقا.

و في هذا الخصوص  إذا اتخذ تدبير أو أكثر في حق الحدث الجانح من القاضي المحقق ، فإنه يجوز للحدث أو نائبه القانوني استئنافه أمام  غرفة الأحداث بالمجلس القضـائي في أجل عشرة أيام ،

 و هو ما نصت عليه المادة 466 ق.إ.ج.

و فيما يتعلق بوضع الحدث الجانح رهن الحبس المؤقت في مؤسسة عقابية فإنه لا يجوز إلا استثناء  و ذلك إذا كان ضروريا و استحــال أي إجراء آخر ، وفي هذه الحالة يحجز الحدث في جناح خاص و إن لم يوجد ففي مكان خاص و يخضـع لنظام العزلة في الليل و هذا طبقا للمادة 456 ق.إ.ج. (1).

و الملاحظ هنا ، أنه بالرغم من توسيع صلاحيات القاضي المحقق في قضايا الأحداث ، إلا أن المشرع ضيق من سلطته في اللجوء إلى حبس الحدث مؤقتا (2).



 


(1)-  انظر المادة 123 من الأمر 66-155 – المرجع السابق .

(2) -نلاحظ أن المشرع استعمل لفظ " وضع " و لم يستعمل لفظ " إيداع" في المادة 456 المذكورة أعلاه – و هو ما يطرح إشكال أمام قضاة الأحداث ، علما أن المحبوس مؤقتا يدخل المؤسسة العقابية بموجب " أمر إيداع " و ليس"أمر بالوضع" – مما يجعل الأمر نفسه بالنسبة للحدث، حيث لا يدخل المؤسسة العقابية مؤقتا إلا بموجب " أمر إيداع شأنه شأن البالغ ، و ذلك حتى يتسنى لمدير المؤسسة العقابية استقباله فيها .

 

- 33-

قـاضي الأحـداث

 


عند استكمال جميع إجراءات التحقيق مع الحدث الجانح ، أصدر القاضي بشأنه أمرا من الأوامر السالف ذكرها إما بالإحالة حسـب المواد 464 ، 459 ، 460، 465 ق.إ.ج ، أو بألا وجه للمتابعة طبقا للمواد 458، 464ق.إ.ج أو تدبير أو أكثر من الـتدابير المنصوص عليها في المادة 455 ق.إ.ج و يقوم الكاتب بترقيم أوراق الملف ، ويرسله إلى السيد وكيل الجمهورية ، و هذا الأخير عليه تقديم طلباته خلال عشرة أيام  على الأكثر و هو ما نصت عليه المادة 457 ق.إ.ج.

و لا يسعنا في ختام هذا المطلب ، إلا القول أنه على القاضي المحقق في قــضايا الأحداث ، أن يضفي نوعا من المرونة على إجراءات التحقيق ، فيلجأ إلى تطــبيق التدابير المؤقتة المنوه عنها في المادة 455 ق.إ.ج كقاعدة عامة ، و أن لا يلجأ إلى التدابير الزجرية  كالوضع المؤقت أو إيداع الحدث مؤقتا في مؤسسة عقابية إلا استثناءا ، و ذلك بهدف الوصول في النـــهاية إلى العلاج المناسب و الذي تقتضيه شخصيته.

وعليه سنحاول في الشطر الثاني من هذا المبحث ، التطرق إلى إجراءات محاكـــمة الأحداث الجانحين و ذلك في فرعين:

المطلـــــب الثانــــي:

محاكمــــة الأحـــداث الجانحيــــن

    إن معظم تشريعات الدول كما أسلفنا أفردت محاكم خاصة لمحاكمة الأحداث ، و هذا تفاديا للمحاكمات المثيرة و الجلسات الصاخبة و الإجراءات المعقدة ، و اعتماد إجراءات مبــسطة

 و جلسات هادئة غير علنية ، يغلب عليها الطابع  الرعائي و الإنساني و الوقائي الهدف منها هو الوصول لمعرفة شخصية الحدث المنحرف ، و العوامل و الأسباب التي أدت إلى انحرافه ، و من ثمة تقرير العلاج المناسب له (1)، و في هذا الخصوص قال الدكتور علي محمد جعفر أســتاذ بكلية الحقوق في الجامعة اللبنانية و جامعة بيروت العربية أن :" الأحداث المنحرفون هم ضحايا ظروف عائلية و اجتماعية دفعتهم إلى سلوك طريق الانحراف في مرحلة لم تكتمل قواهـم العقلية ، لتقدير الأمور على وجهها الصحيح و بالتالي تقدير مخاطر تصرفاتهم و ما يمـكن أن يترتب عليها مـن نتائج إضافة إلى قلة خبرتهم في الحياة التي تجعلهم عرضة للسقوط أمام  أية صعوبات قد يصادفونها أو يتعرضون لها ، و إذا كان انحراف الأحداث يرجع إلى البيئـة الفاسدة و إلى ظروف عارضة في



 


(1)- مجلة الدراسات القانونية اللبنانية ، المرجع السابق ، ص 157.

- 34-

قـاضي الأحـداث

 


الغالب ، و لا يرجع إلى نزاعات إجرامية متأصلة في نفوسهم ، فإنه يتعين على الأجهزة المختصـة أن تتولى حمايتهم ، و أن تشملهم بالعناية الكافية لضعف إدراكهم فلا يقيدهم في مجال المعامـلات المدنية  بما تقيد به الكبار ، و لا تفرض عليهم في المجال الجزائي العقوبات الزاجرة و الرادعة ، بل الإجراءات المؤدية إلى إصلاحهم و تأهيلهم ، فمن هذه الاعتبارات شرعت الإجراءات المتعـلقة بمحاكمة الأحداث ، و أعطى قضـاء الأحداث بعدا اجتماعيا ووقائيا ، و أصبح كجهاز مستقل يضم  عناصر متخصصة في العلوم الإنسانية و النفسية و غيرها ، و أنه لا يصـدر حكمه إلا من منطق تحقيق اجتماعي يعينه على اختيار التدبير الملائم و المناسب ، و الذي يشرف عليه في وضعه التنفيذي و كذا تعديله مع كل حالة على حدى " (1).

لذلك ، فإن الأمر نفسه بالنسبة للمشرع الجزائري ، حيث سلك نفس المسار الذي سلكته غالبية تشريعات دول العالم ،و أحدث قسم خاص بالأحداث على مستوى المحاكم ، وخصـص الكتاب الثالث من قانون الإجراءات الجزائية من المادة 442 إلى 494 منه بقواعـــد خاصة بالمجرمين الأحداث ، بالإضافة إلى الأمر 72-03   المتعلق بحماية الطفولة و المراهــقة ، و أحدث بذلك مؤسسات و مصالح مكلفة بحماية الطفولة و المراهقة بموجب الأمر 75-64 .

و الغاية من كل هذا هي إصلاح الحدث الجانح و الحيلولة دون وقوع الآخرين في مهاوي الانحراف و الإجرام ، و هي المهمة المنوطة بقاضي الأحداث بالدرجة الأولى.

لذا سنقتصر في هذا المطلب على إجراءات محاكمة الأحداث الجانحين و الذي سنقســمه إلى شطرين ، نخصص الأول إلى سير إجراءات المحاكمة ، وفي الثاني إلى التدابير النهائية و العقوبات التي يمكن اتخاذها بشأن الحدث الجانح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه