السلطة والمسؤوليه في الفكر المسيحي

0
السلطة والمسؤوليه في الفكر المسيحي

قامت المسيحية على الفصل بين الدين والدولة، ضمن المأثور عن السيد المسيح عليه السلام قوله: اعط مالقيصر لقيصر وما لله لله. ([1])  ومن ثم كان المسيحي خاضعاً النوعين من السلطة، السلطة الدينية والسلطة الدنيوية. وكانت اطاعة السلطة الدنيوية تمثل للمواطن المسيحي واجباً وفضيلة.
ففي رسالة وجهها بولس الرسول الى اهل روما ورد (( لتخضع كل نفس للسلطات العليا، فما السلطان الا لله، والسلطات القائمة على الارض انما هي من امره، فمن يعص السلطات الشرعية فانما يعصي الرب ومن يعصها حلت عليه اللعنة، فالحكام ما وجدوا لمحاربة العمل الصالح بل لمحاربة الشر.... والحاكم ليس الا رسول الله للناس ليعملوا الخير... وان السلطان ظل الله يرعى كل شيء بامره فاعطه ماله )). ([2])
وعلى ذلك نجد ان طاعة السلطة مبدأ راسخ في الفكر المسيحي الا ان تقديس السلطة لم يستمر كذلك طويلاً.


مسؤولية الحكام في الفكر المسيحي
ذهب جانب من الفقهاء ورجال الدين الاوائل الى القول بان المسيحية تؤكد مبدأ الحق الالهي بالحكم، ومن ثم فان الحاكم يجب ان يطاع حتى لو كان فاسداً لان فساد الحاكم انما هو عقوبة على اثم اقترفه رعاياه وطاعته على فساده واجبه. وقد تزعم هذا الاتجاه القديس بولس ومعه عدد كبير من رجال الدين. ([3]) وبسبب شيوع هذه الاراء في العهد الاول للمسيحية، لم يعمد المسيحيون الى اصلاح المجتمع الروماني الذي نشأوا فيه وارتضوا جميع ما وجدو من نظم لا يستطيعوا تغييرها.([4])
فالامبراطور والموظفون التابعون له يملكون سلطة الامر والنهي حتى ولو لم تكن تلك الاوامر قانونية أو مشروعة ولاتجوز مقاومتهم رغم تعسفهم فلا مسؤولية عليهم.
وفي ذلك يقول (( مارتن لوثر )): ليس ثمة أفعال افضل من طاعة من هم رؤساؤنا وخدمتهم، ولهذا السبب ايضاً فإن العصيان خطيئة أكبر من القتل والدنس والسرقة. ([5])
لكن الامر لم يستمر على هذا النحو كثيراً فظهر اتجاه أخر تزعمه الفقيه ورجل الدين (( جون نوكس )) يذهب الى ان من واجب المسيحي ان يصحح ويقمع أي خروج من الملك على كلمة الرب وشرفه ومجده. ويقول في ذلك: ان الاغلبية من الناس يرددون الان- يجب ان نطيع ملوكنا سواء كانوا صالحين ام طالحين ذلك ان الرب أمر بهذا- ولكن سيكون رهيبا الانتقام الذي يحل بامثال هؤلاء الذين يجدفون باسم الرب المقدس وسنته، وذلك ان القول بان الله امر بطاعة الملوك عندما يفتقدون التقوى والصلاح لايقل تجديفاً عن القول بان الله بسنته هو المبدع والمحافظ على كل جور.([6])
لاشك ان هذا القول يؤسس لشرعية مقاومة السلطان الظالم ومسؤوليته عن افعاله غير المشروعة، بل ان هذه المقاومة اصبحت واجباً دينياً واخلاقياً يلتزم به المواطن المسيحي، فالحكم يكون مطاعاً ما كان قائماً بواجباته وعادلاً مع رعيته فاذا انحرف عن ذلك، كان الافراد في حل من طاعته واصبح واجباً عليهم ان يخلعون.




([1]) – انجيل متى – الاصحاح 25 .
([2]) رسالة بولس الرسول الى اهل روما ، الاصحاح 13 .
([3]) – جورج سباين . تطور الفكر السياسي – دار المعارف – مصر الكتاب الثالث – ص 495 .
([4]) د. عبد الحميد متولي – الشريعة الاسلامية كمصدر اساس للدستور – منشأة المعارف 1975 ص 194 .
([5]) جورج سباين – المصدر السابق – ص 502 .
([6]) جورج سباين – المصدر السابق – 512 . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه