العلاقة بين مجلس الشورى ومجلس الوزراء

1
العلاقة بين مجلس الشورى ومجلس الوزراء .
لتوضيح العلاقة بين مجلس الشورى ومجلس الوزراء في المملكة بشكل عام؛ نشير إلى ما ورد في المادة السابعة عشرة من نظام مجلس الشورى، حيث نصت على أن "ترفع قرارات مجلس الشورى إلى الملك ويقرر ما يحال منها إلى مجلس الوزراء. إذا اتفقت وجهات نظر مجلسي الوزراء والشورى تصدر القرارات بعد موافقة الملك عليها، وإذا تباينت وجهات النظر في المجلسين يعاد الموضوع إلى مجلس الشورى ليبدي ما يراه بشأنه ويرفعه إلى الملك لاتخاذ ما يراه".
هذه المادة معدلة([1])، حيث لم يكن لمجلس الشورى أن يرفع قراراته مباشرة إلى الملك، بل كان يرفعها إلى رئيس مجلس الوزراء الذي يحيلها إلى مجلس الوزراء للنظر فيها، فإن اتفقت وجهات نظر المجلسين صدرت بعد موافقة الملك عليها، وإن تباينت وجهات النظر فللملك إقرار ما يراه.
ولكن بعد التعديل، أمكن لمجلس الشورى أن يرفع قراراته إلى الملك بوصفه ممثلاً للمرجعية العليا في الدولة، وليس إليه بوصفه رئيساً لمجلس الوزراء، وهذا يعني أن مجلس الشورى أصبح ينفرد ببعض القرارات التي يقرها الملك، فالقرارات قد تصدر من مجلس الشورى دون أن تعرض على مجلس الوزراء إذا ما رأى الملك ذلك، لأن الملك هو صاحب الصلاحية وهو المرجع الأعلى للسلطة التنظيمية، وبالتالي هو يتمتع بسلطة تقديرية فيما يرى إحالته من قرارات مجلس الشورى إلى مجلس الوزراء أو إقرارها مباشرة دون الإحالة لمجلس الوزراء.
ويأتي تعديل هذه المادة من منطلق توسيع صلاحيات مجلس الشورى التنظيمية، وتقديراً لأهمية الدور الذي يمارسه المجلس في صنع القرارات، كما أنه يعطيه قوة واستقلالية، ويجعل اتصاله في أعماله بالملك مباشرة، كما أنه أصبح موازياً لمجلس الوزراء في هذه المرجعية.
ونأتي إلى الشق الثاني من هذه المادة، وهي فرضية أن الملك قد أحال قرار مجلس الشورى إلى مجلس الوزراء، فهنا إذا اتفقت وجهات نظر المجلسين صدر القرار بعد موافقة الملك عليه. أما إذا تباينت وجهات نظر المجلسين فإن الموضوع يعاد إلى مجلس الشورى ليبدي ما يراه بشأنه، وينظر مجلس الشورى في هذه المرحلة بما اقترح من تعديل عليه، فإما أن يأخذ بها أو أنه يصر على وجهة نظره السابقة، ويكون له حينها شرح وجهة نظره بمزيدٍ من المؤيدات ومن ثم يرفع الموضوع إلى الملك لاتخاذ ما يراه، وفي هذه المرحلة، يرى البعض([2]) أن النص ليس صريحاً في تحديد سلطة الملك تجاه القرارين، فهل يقصد به إقرار الملك لأي منهما، أم المقصود أن الملك يتخذ ما يراه سواء باعتماد أي من القرارين أو الإتيان بقرارٍ آخر في الموضوع مختلف عنهما؟ فإذا قصرت سلطة الملك على الاختيار بين القرارين فهذا يعني لزوم أي منهما، بحيث يعد قرار السلطة التنظيمية بأحد فرعيها ملزماً، وذلك استناداً على مبدأ عدم اتخاذ قرار خارج السلطة التنظيمية، أما إذا كانت سلطة الملك تتجاوز الاختيار من بين القرارين بحيث يكون له حق اتخاذ قرار آخر مختلف بشأن الموضوع، فهذا يأتي من مطلق اللفظ، الذي لا يقيد الملك بأحد القرارين.
مما سبق يتضح أن مجلس الشورى يأتي أولاً في اتخاذ القرار، وهذه المبادرة تعني أنه هو الذي يحدد الصورة النهائية للموضوع محل الدراسة، ويبقى دور مجلس الوزراء بعده في موافقته أو إبداء وجهة نظره المخالفة، فإذا كانت وجهة نظره مخالفة؛ فإن الموضوع يعود إلى رقابة مجلس الشورى، حيث ينظر في وجوه الاختلاف بين وجهات النظر، ومن ثم يرفع الموضوع إلى الملك على نحو ما بيناه. وهذا ما يجعل مظنة تبعية مجلس الشورى في قراره مستبعده، حيث أن الموضوع عند إحالته إلى المجلس لم يكن مقرراً بشأنه أي توجه حتى يقال بتقيد المجلس به، وعند التوجه إلى إدخال أي تعديل على ما أقره أو ظهور وجهة نظر مخالفة لما يراه فإن دوره يعود مرة أخرى بالنظر في الموضوع، فلا يجري قرار نهائي فيه إلا بعد أن يبدي مجلس الشورى ما يراه.
وما تقدم، إنما هو في مرحلة ما بعد اتخاذ القرار، أما مرحلة ما قبل اتخاذ المجلسين لقرارهما، فإن العلاقة بينهما لم ترسم بشكل محدد، اللهم إلا مجرد الإشارة في صدر المادة الخامسة عشرة من نظام مجلس الشورى التي ذكرت أن المجلس يختص بالسياسات التي يحيلها إليه رئيس مجلس الوزراء، فجهة الإحالة هي رئيس مجلس الوزراء، وليس الملك، فرئيس مجلس الوزراء هنا هو الذي يطلب اختيارياً معونة مجلس الشورى فيما يختص به مجلس الوزراء أصلاً.
أما الاختصاصات الأخرى التي سردت نصاً في الفقرات (أ ، ب،جـ، د) فإن الإحالة بشأنها لازمة نظاماً.
ومع عدم وجود ترتيبات محددة نظاماً لخط سير الموضوعات إلى مجلس الشورى، إلا أن الذي يستفاد من استقراء الأنظمة والتعليمات المتعلقة بكيفية دراسة الموضوعات التي يشترك المجلسان في دراستها أنه يتعين قبل إحالة أي موضوع إلى مجلس الشورى أن تستكمل جميع إجراءات دراسته من قبل الجهات التنفيذية المعنية، كما يجب أن تتم دراسته في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء في ضوء ملحوظات الوزراء أعضاء مجلس الوزراء، فإذا استكملت هذه الدراسة وقامت لجان مجلس الوزراء (اللجنة الفرعية ثم اللجنة العامة) بالإطلاع على الموضوع ودراساته([3])، ولم يتبق إلا اتخاذ قرار مجلس الوزراء بشأنه، فإنه حينئذٍ يحال إلى مجلس الشورى، والغرض من ذلك هو تقليل اختلاف وجهات النظر بين المجلسين إلى أقل حد ممكن، لأنه في هذه الحالة تكون قد اتضحت مرئيات جميع الجهات المعنية، الهيئة المتخصصة في مجلس الوزراء (هيئة الخبراء)، ولجان المجلس التحضيرية؛ مما يساعد مجلس الشورى على دراسة الموضوع بعد اطلاعه على توجهات جميع الجهات ذات العلاقة، مع حقه – علاوة على ذلك – في طلب مندوبي الجهات المعنية أو القطاعات الأهلية التي يعنيها الموضوع، أو يتعلق بمصالحها وشؤونها.
كما أنه من وجوه تنظيم العلاقة بين المجلسين تنظيم إسلوب اتخاذ القرارات في الموضوعات المشتركة بين المجلسين أثناء تمتع أعضاء مجلس الشورى بالإجازة العادية للمجلس، حيث نظم([4]) إسلوب دراسة ما يطرأ خلال هذه الإجازة من موضوعات مستعجلة تدخل في اختصاص المجلسين ولا تحتمل الانتظار أو التأجيل إلى حين انتهاء إجازة المجلس، حيث يتخذ مجلس الوزراء ما يجب بشأنه وفقاً لنظامه، على أن يحال ذلك إلى مجلس الشورى لإبداء الرأي فيه بعد انتهاء إجازة أعضائه. فمجلس الوزراء يستكمل دراسة الموضوع ويتخذ الإجراءات اللازمة بشأنه وفقاً لما يقضي به نظامه حتى ولو اقتضى الموضوع استصدار مرسوم ملكي بالموافقة عليه، وبعد انتهاء إجازة مجلس الشورى يحال الموضوع إلى مجلس الشورى لإبداء الرأي فيه، وهذا الدور للمجلس قد يثير التساؤل عن مداه بعد أن يكون الموضوع قد إتخذت بشأنه إجراءات نهائية، وترتبت عليه آثار نظامية، والذي يظهر من النص أن مجلس الشورى ينظر في الموضوع نظرة عامة شاملة من غير خوض في تفاصيله ودقائقه، وإنما ينظر في مدى ملاءمته من حيث الجملة، ومدى ملاءمة عناصره الأساسية وأحكامه الجوهرية، وإذا وجد فيها ما يستوجب الملاحظة أو التحفظ فإنه يبدي ما يراه، ويرفع الموضوع إلى الملك ليتخذ بشأنه الإجراء المناسب، بما في ذلك النظر في تعديل الأحكام محل ملاحظة المجلس، أو إزالة أسباب التحفظ، مع معالجة الآثار النظامية التي قد تكون ترتبت على تلك الأحكام محل الملاحظة أو التحفظ([5]).





([1]) عدلت هذه المادة بموجب الأمر الملكي ذي الرقم أ/198 والتاريخ 2/10/1424هـ.
([2]) د. محمد بن عبدالله المرزوقي. مرجع سابق، ص 346.
([3]) جميع ذلك، وفق قرارات لمجلس الوزراء منظمة لهذه الإجراءات.
([4]) الأمر الملكي ذو الرقم أ/97 والتاريخ 17/3/1418هـ.
([5]) د. محمد المرزوقي. مرجع سابق، ص 346 وما بعدها.

التعليقات

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه