مجلس الشورى و دوره الرقابي

0
مجلس الشورى  و دوره الرقابي:
من خلال النظر إلى اختصاصات مجلس الشورى وبعد التمعن بها، يظهر لنا الدور الرقابي الذي يمكن أن يمارسه المجلس على أعمال السلطة التنفيذية (الحكومة وأجهزتها) من خلال ممارسته لتلك الصلاحيات، بالإضافة إلى اللجنة المسند إليها دراسة العرائض أو اللجان الخاصة التي يكونها المجلس لدراسة موضوع معين، وكذلك الدور الذي يمكن أن يقوم به الوزير لشؤون مجلس الشورى في هذا المجال، وذلك على النحو الآتي:
الفرع الأول : فيما يختص بالخطاب الملكي، والسياسات العامة للدولة.
هذا الخطاب يأتي من المرجع الأعلى للسلطات في الدولة، الذي يستند إليه في وجوب تحقيق أوجه التعاون بين هذه السلطات.
فهو إذن يتيح للمجلس الاطلاع على السياسات العامة التي ستنهجهـا الدولـة
داخلياً وخارجياً، وكذا توجهاتها في التصدي لبعض المشكلات الداخلية والخارجية، خصوصاً وأن هذا الخطاب يأتي ممن يمثل السلطة الأصلية الوحيدة في الدولة وهي السلطة الملكية التي تنبثق منها جميع السلطات، وهذا يعني أن هذه السلطات أساساً هي تمارس وظائفها وفقاً لتفويض هذه السلطة الأصلية ووفقاً لتوزيع الوظائف بينها وبين الأجهزة الحكومية الأخرى في الدولة. الأمر الذي يحتم عليها الالتزام بوظائفها وفقاً للنظام الأساسي للحكم وأنظمتها، والعمل بموجب ما نص عليه الأمر الملكي، وهو التعاون فيما بينها في أداء وظائفها، وبما يمنع من استبداد كل منها.
ومجلس الشورى بوصفه أحد أعضاء السلطة التنظيمية المخولة بذلك، ذكرنا أنه لا يوجد ما يمنعه – نظاماً – من أن يرد ويعلق على الخطاب الملكي بما يتضمن رأيه في السياسات الواردة فيه، بل أن ذلك هو مبتغى ولي الأمر، الذي يثق بالرأي الايجابي الذي يقدمه المجلس في المجال التنظيمي والتوجهي، طالما كان الهدف العام هو المصلحة العامة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه من البديهي فيما بعد، أن يبدي المجلس رأيه في السياسات العامة التي تحال إليه من رئيس مجلس الوزراء وفقاً لما تنص عليه المادة الخامسة عشرة من نظامه، حيث يعد ذلك تنفيذاً لالتزاماته النظامية، وفرصة لإبداء ملحوظاته شبه الرقابية على ما يرد فيها.
الفرع الثاني : فيما يختص بالخطة العامة للتنمية الاقتصادية والإجتماعية، والتقارير السنوية.
إذا درس المجلس الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ثم أقرها أو أقترح ما يراه من تعديل بشأنها، يكون له بعد ذلك متابعة تنفيذها سنوياً عند استعراض البيانات السنوية للوزارات والأجهزة الحكومية، بل أنه يكون له ذلك عند دراسة الخطة السنوية لوزارة التخطيط نفسها.
وهذا يعد دوراً رقابياً تمهيدياً للمجلس، حيث يمارسه المجلس بشكل مجمل على الإيرادات العامة ووجوه صرفها وتوزيعها على الاحتياجات العامة، ويعد هذا صورة أولية لما يسمى بالرقابة السابقة.
وينطبق نفس الأمر لاحقاً، حيث يكون للمجلس أن يمارس رقابة لاحقة عن طريق مناقشته تقارير الإنجازات لجميع الوزارات والأجهزة الحكومية، وذلك من خلال الإطلاع على الأداء الحكومي سواء فيما يختص بالقوى البشرية وأداء الموظفين، أو فيما يختص بالصرف المالي والميزانيات.
وفي تأييد ذلك، يقول البعض([1]) بأن اختصاص مجلس الشورى بمناقشة تلك التقارير يقوم على اعتبارين:
الاعتبار الأول: أنها أداة التحقق من تنفيذ خطط التنمية التي أقرها مجلس الشورى.
الاعتبار الثاني: أنها أداة رقابية تراقب مستوى أداء الأجهزة الحكومية.
الفرع الثالث : فيما يختص باستدعاء المسؤولين الحكوميين.
بما أن لمجلس الشورى الحق في طلب حضور أي مسؤول حكومي، وتوجيه الاستيضاحات والأسئلة التي يرى المجلس أهمية توجيهها، فإن هذا أيضاً يعد من وجوه الرقابة التي يمارسها المجلس من خلال مناقشته ذلك المسؤول واستيضاحه.
على أن البعض([2]) يرى أن النص لم يرسم حدوداً لمهمات هذا الحضور سوى أن هذا المسؤول ليس له حق التصويت، وفيما عدا ذلك فتح النص المجال رحباً أمام المناقشة، وجعل للمسؤول حق الدخول في النقاش ما دام المجلس يناقش أموراً تتعلق باختصاصاته، ولكن تظل حدود نطاق النقاش غير واضحة أيضاً، من حيث كونها مقتصرة فقط على مجرد الاستيضاح من المسؤول والاكتفاء بإجابته وشرحه، أو أنها تتسع لتشمل الاستيضاح، والإجابة، ومناقشة الإجابة، وسماع الرد بما يشبه إسلوب المساءلة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن النظام – وكما سبق أن ذكرنا – أعطى المجلس الحق في طلب أي وثائق أو بيانات موجودة لدى الأجهزة الحكومية، وخصوصاً التي تكون خاصة بذلك الجهاز الحكومي ولا يتيسر الحصول عليها.




الفرع الرابع : فيما يختص باقتراح الأنظمة وتعديلها .
وفقاً للمادة الثالثة والعشرين من نظام مجلس الشورى، فإن المجلس يحق له أن يبادر في اقتراح أنظمة يرى ضرورة تنظيمها لشأن عام، أو اقتراح تعديل أنظمة نافذة يرى ضرورة تعديل بعض أحكامها.
هذا بالإضافة، لما يختص به المجلس من دراسة للأنظمة واللوائح أو تعديلاتها المحالة إليه من رئيس مجلس الوزراء وفقاً للنظام، وإبداء الرأي فيها.
فبالإضافة إلى ما تتضمنه هذه الأحكام من دور تنظيمي بحت للمجلس، إلا أنه يمكن أن نستخلص شيئاً من الدور الرقابي من خلال المراحل التمهيدية لرفع ذلك المقترح، وهي التي تأتي نتيجة ملحوظات على أداء حكومي معين، والرغبة في تنظيمه أو تعديل إجرائه وفق ما هو مقترح، أو إبداء الرأي بما يتجه إلى معالجة ذلك الخلل.
الفرع الخامس : فيما يختص بالمعاهدات، والاتفاقيات الدولية، والامتيازات.
المعاهدات والاتفاقيات الدولية قد تتضمن التزامات جديدة على الدولة وفق ما ذكرنا، ولذلك فإن مجلس الشورى هنا يمارس دوره من خلال النظر فيها قبل اعتمادها، فيكون له الموافقة عليها، أو عدم الموافقة أو التحفظ عليها أو على أي من بنودها، ويبين الأسباب.
والمجلس لا يتعمق في مضمون هذه الاتفاقيات ، فهي ليست محل دراسة فيه، وإنما للإطلاع عليها والإحاطة بها، فدور مجلس الشورى إذن دور رقابة ملائمة على مدى مناسبة الاتفاقية من عدمها أو وجود أحكام تستدعي التحفظ.
أما فيما يختص بمنح الامتيازات، فالحكومة إذا رأت منح حـق امتيـاز لأي
شخص طبيعي أو معنوي، فإن المجلس هنا يتولى دراسة ذلك الموضوع، والنظر في المصادقة عليه أو رفضه .



الفرع السادس : اللجان الخاصة .
تنص المادة التاسعة عشرة من نظام مجلس الشورى على أن "يكون مجلس الشورى من بين أعضائه اللجان المتخصصة ... وله أن يؤلف لجاناً خاصة من أعضائه لبحث أي مسألة مدرجة بجدول أعماله".
هذه اللجان الخاصة لا يقصد بها لجان المجلس المتخصصة الدائمة في المجلس، بل هي لجان خاصة يكونها المجلس بناء على اقتراح من رئيس المجلس أو عدد معين من الأعضاء، ويكون تكوينها بيد المجلس وحده وليست للرئيس، حيث يراعى في اختيار أعضاء هذه اللجان التخصص والخبرة في الموضوعات التي كونت اللجنة من أجلها، ويعين قرار تكوين اللجنة من تسند إليه رئاستها.
وقد نظمت اللائحة الداخلية للمجلس ذلك([3])، فقررت أن للمجلس أن يكون من بين أعضائه لجاناً خاصة لدراسة موضوع معين، ويجوز لكل لجنة أن تكون من بين أعضائها لجنة فرعية أو أكثر لدراسة موضوع معين.
ومثل هذه اللجان الخاصة قد تصنف على أنها من الوسائل الرقابية التي تعين المجلس عند ممارسته لاختصاصاته أو عند دراسته لأحد الموضوعات المحالة، وذلك على نحو ما بيناه عند دراستنا لتلك النظم، حيث توكل إليها جمع البيانات والاستماع إلى جميع المقترحات بشأن الموضوع المطروح.


الفرع السابع : العرائض والشكاوي.
 وهي المقدمة من المواطنين انطلاقاً من حق كل فرد في مخاطبة السلطات العامة في الدولة، وقد قررت تلك النظم على أن هذه الوسيلة تعد من وسائل رقابة السلطة التنظيمية على الأجهزة الحكومية، وإذا رأت اللجنة المختصة بفحص المقترحات والعرائض أن هناك مؤشرات عامة بالنسبة لموضوع معين، فإن لها أن تقدم الحلول العامة التي من شأنها أن تزيل أسباب الشكوى.
وفي المملكة، فإن مجلس الشورى بوصفه أحد أعضاء السلطة التنظيمية يستقبل مثل هذه العرائض والشكاوي المقدمة من المواطنين حول أمرٍ من الأمور انطلاقاً من حق هؤلاء الأفراد من مخاطبة السلطات العامة وفقاً للمادة الثالثة والأربعين من النظام الأساسي للحكم التي تنص على أن "مجلس الملك ومجلس ولي العهد، مفتوحان لكل مواطن، ولكل من له شكوى أو مظلمة، ومن حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة فيما يعرض له من الشؤون".
فمجلس الشورى نظم استقبال مثل هذه العرائض، حيث تدرس، ويبحث في مدى صحة ما يرد فيها من شكاوي وتظلمات. بل إن استقبال العرائض يعد أهم القنوات التي تدعم أعمال المجلس، فهي تتضمن آراء المواطنين ومقترحاتهم حول الأنظمة والمشروعات.
والواقع يشهد بأن المجلس يأخذ ببعض ما يرد من هذه العرائض سواء قدمت كتابة أو عن طريق (الإنترنت)، وذلك بما يخدم المصلحة العامة.







الفرع الثامن : الوزير لشؤون مجلس الشورى.
وهذا منصب مستحدث لما تتبين معالم محددة لاختصاصاته ومهامه بعد، إلا أن الوزير قد وضح بعض الاختصاصات التي تعد من مهام هذا المنصب ، ومنها: زيادة التنسيق والتعاون والتقارب بين مجلسي الوزراء والشورى؛ للوصول إلى قرارات صائبة، وكذلك تنسيق العلاقة بين المجلسين؛ لضمان حسن الأداء لأعمال السلطة التنظيمية، واطلاع مجلس الوزراء على قرارات مجلس الشورى ومقترحاته بشأن الأداء العام للدولة من خلال الموضوعات التي درسها مجلس الشورى، وكذلك معرفة ما تم بشأن القرارات الصادرة من مجلس الشورى بشأن أجهزة الدولة المختلفة، وإطلاع مجلس الشورى للاستفادة منها، بالإضافة إلى القيام بشرح المبادرات والبرامج والخطة العامة للدولة، وتسهيل دراسة تفهم مشروعات الأنظمة واللوائح، وجميع ما من شأنه الإسهام في زيادة التقارب في وجهة النظر بين المجلسين؛ بما يحقق المصلحة العامة سواء في المسائل الداخلية أو المسائل المتعلقة بالسياسات الخارجية([4]).





([1]) د. محمد بن عبدالله المرزوقي. مرجع سابق، ص261.
([2]) د. محمد المرزوقي. مرجع سابق ، ص 282.
([3]) المادة الثانية والعشرون من اللائحة الداخلية لمجلس الشورى.
([4]) حوار مع الوزير، مجلة الشورى، السنة السابعة، العدد السادس والسبعون، صفر 1427هـ، ص 44 – 45.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه