امر الرئيس الاعلى في النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية

0
امر الرئيس الاعلى في النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية

سعى المجتمع الدولى الى الحيلولة دون ان يفلت مرتكبى الجرائم الدولية من العقاب مستندين الى اوامر رؤسائهم على انها سببا لاباحة افعالهم، لما يؤدي اليه ذلك من القضاء على الحماية الدولية الجنائية التي يضفيها القانون الدولي الجنائي على حقوق الافراد ويشجع على ارتكاب الاعمال الوحشية بحقهم.
وفي هذا السياق نصت المادة 33 من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية على انه (1- في حالة ارتكاب أي شخص لجريمة من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، لا يعفى الشخص من المسؤولية الجنائية اذا كان ارتكابه لتلك الجريمة قد تم امتثالاً لامر حكومته أو رئيسا عسكرياً كان ام مدنياً عدا الحالات الاتية:
أ- اذا كان على الشخص التزام قانوني باطاعة أوامر الحكومة او الرئيس المعني
ب- اذا لم يكن الشخص على علم بان الامر غير مشروع.
ج- اذا لم تكن مشروعيه الامر ظاهرة.
2- لاغراض هذه المادة تكون عدم المشروعية ظاهرة في حالة اوامر ارتكاب جريمة الابادة أو الجرائم ضد الانسانية ).
ويبدو من هذا النص ان المشرع الدولي قد سلك مسلكاً مغايراً الى ما درج عليه القضاء الدولي الجنائي في محاكم نورمبرغ ويوغسلافيا على ما سنبينه لاحقاً.


المطلب الاول
تنفيذ الأمر مانعاً للمسؤولية

ذهب نص المادة (33) الى اعتبار تنفيذ اوامر الرؤساء مانعاً من موانع المسؤولية في الفقرة الاولى منه. وهنا خالف النص الوثائق الدولية المستقرة في القانون الدولي الجنائي والتي اعتبرت امر الرئيس الاعلى مخففاً للعقوبة وليس معفياً للعقاب. لاسيما ما اخذت به مبادىء محكمة نورمبرغ ومحاكمات يوغسلافيا وراوندا، ومشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الانسانية.
ويتبين من النص ان الفقرة الاولى منه قد اوردت ثلاث فرضيات اعتبرت كل منها سبباً مانعاً من مسائله مرتكب الجريمة الدولية وهي:

اولاً: اذا كان الجاني ملزماً قانوناً باطاعة اوامر الحكومة أو الرئيس المعني:

يتعلق هذا النص بالوظيفة العسكرية التي تلقى على المرؤوس واجباً قانونياً بتنفيذ الامر الصادر اليه دون مناقشته.
وقد بينا ان اعتبار تنفيذ امر الرئيس مانعاً من المسؤولية في القانون الدولي الجنائي سيؤدي الى نتائج سلبية وافلات الكثير من المجرمين من العقاب، لان الامر لا يعدو ان يضعنا في حلقه مفرغة لان كل رئيس هو في الحقيقة مرؤوس لرئيسه الاعلى واذا ما رجعنا بالمسؤولية على احد منهم سيدفع بانه ينفذ اوامر رئيسه وبدفع الاخير بذلك ايضاً، مما يصعب معه تحديد المسؤول الرئيس عن الفعل المكون للجريمة مما يشجع على التمادي في ارتكاب المجازر والاعمال الوحشية.
كما ان الفقه لم يجمع على اعتبار تنفيذ أوامر الرؤساء العسكريين مانعاً من موانع المسؤولية فقد ظهرت ثلاثة نظريات في هذا الخصوص هي.
أ‌-     نظرية الطاعة العمياء:
      وتذهب هذه النظرية الى ان العسكري يجب ان يطيع رئيسه طاعة عمياء، ولا يجوز له التردد في تنفيذ حتى ولو كان مخالفاً للقوانين واللوائح. ومن الفقهاء الذين اتجهو الى ذلك  Berthelmy الذي يرى ان امر الرئيس يغير من طبيعة الخطأ الذي يرتكبه المرؤوس فهو مطالب بالطاعة حين يصدر اليه امر الرئيس ولا يملك الا ان ينفذه، وبعد ذلك لايسأل عن نتائجه.([1]) ويذهب هذا الاتجاه الى ان امر الرئيس الاعلى يعد سبب اباحة ينفي عن فعل الموظف أو الجندي صفة الجريمة، مؤدى هذه النظرية أن العسكري عليه واجب طاعة رئيسه وأن الطاعة لهذا الأمر يجب أن تكون عمياء وبناء على ذلك فإنه يحرم تردد العسكري في تنفيذ الأمر مهما كانت عدم مشروعيته ويستند انصار هذا المذهب الى ضرورات النظام العسكري الذي يقوم على اساس الطاعة الكاملة التي يدين بها المرؤوسين الى رؤسائهم ولا يجرؤون على مخالفتها والا تعرضوا الى المسائلة فالمرؤوس حسب هذا القول خاضعين الى حالة من الاكراه لا يمكن تجاهلها، ولايمكن للقانون الدولي الجنائي ان يغقل عنها. ([2])
كما ان هذا القول لا يؤدي – حسب انصاره – الى تقويض بنيان القانون الدولي لان المسؤولية الجنائية تضل قائمة على عاتق الرئيس الذي اصدر الامر غير المشروع. ([3])
وقد عزز انصار هذه النظرية آرائهم بتسويغات منها قرينة الرشاد أو المشروعية، ومفادها ان اوامر الرؤساء تحمل شهادة بالمشروعية بحكم مسؤولية الرؤساء عن تحقيق الصالح العام وخبرتهم الوافية التي تجعلهم اكثر اداركاً للعمل وحاجاته وتمكنهم من اصدار الاوامر السديده.([4])  غير ان هذه النظرية تجعل الموظف آلة تنفذ ولا تناقش ولا يخفى ما لذلك من اثر سلبي فقد ذهب منتقدي هذه النظرية الى انها تجرد المرؤوسين من صفاتهم الإنسانية وتشبههم بالآلات العمياء الصماء . كما أنها تسلب من المرؤوسين روح التفكير وتلغى الشجاعة الأدبية ومواجهة الرئيس . علاوة على أنها تهدر مبدأ الشرعية . كما انها تخلق اشتراكا جبرياً في الجريمة بين الرئيس والمرؤوس . ([5]) .
.
ب- نظرية المشروعية:
 ومؤدى هذه النظرية انه يحق للمرؤوس ان يراقب مشروعية الاوامر الصادرة اليه من رئيسه. على اعتبار ان العسكريين ليسوا ادوات عمياء. ([6])وتعرف هذه النظرية ايضا باسم نظرية الطاعة النسبية أو الطاعة العاقلة للمرؤوسين  فالواجب عليهم مراقبة الأوامر المتلقاه ويرى أنصار هذه النظرية أن العسكريين ليسوا آلات صماء بل هم محاربون وهم عقلاء مميزون يقومون بواجباتهم لتحقيق العدالة والحرية للجميع وبمقتضى هذه النظرية أن على العسكريين واجب عدم إطاعة الأوامر غير الشرعية  . غير ان هذه النظرية لم تسلم من النقد من حيث:

أ- إن هذا الاتجاه وإن كان يبدو للوهلة الأولى مرضيا وكافيا إلا أنه صعب التطبيق لأنه ليس من السهل أن يطلب من كل مرؤوس أن يقدر مشروعية الأمر المتلقى .
ب- إن هذه النظرية مدمرة لكل نظام في الجيش والجيش هو أداة حرب ودرع الأمان وكل قوته تكمن في الطاعة . فان الاخذ باطلاقها يؤدي الى اعاقة سير العمل في المرافق العامة لا سيما العسكرية منها والتي بسبب طبيعتها الخاصة لا يمكن ان تسمح للمرؤوسين ان يكونوا (( قضاة مشروعية )) يبحثون في مشروعية الاوامر الصادرة اليهم عن رؤسائهم، ويمتنعون عن تنفيذ الاوامر التي يعتقدون عدم مشروعيتها، وهم في الغالب اقل دراية في هذه الامور. ([7])

ج- إن إعطاء الموظف حق مراقبة مشروعية الأمر المتلقى سوف يؤدي في النهاية إلى إعطاء القرار النهائي لا إلى المحكمة العليا ولا إلى الوزير المختص إنما إلى الموظف الذي يقوم بالتنفيذ  ([8])

د- النظرية الوسط:
في محاولة للتوقيف بين النظريتين السابقتين ظهرت هذه النظرية لتكون حلاً وسطاً يحافظ على حسن سير العمل وانتظامه واطراده في ظل ما يمليه مبدأ المشروعية من احترام للقانونين والانظمة.
وتقوم هذه النظرية على اساس ان يطيع المرؤوس ما يتلقاه من اوامر مشروعه. اما اذا خرجت هذه الاوامر عن المشروعية بصورة ظاهرة أو كان تنفيذها يلحق بالمصلحة العامة ضرراً جسيماً فلا مجال لتنصل المرؤوس من مسؤولية عند التنفيذ، اذ عليه ان يمتنع عن الطاعة حتى لو اصر الرئيس على التنفيذ.([9])
فهذه النظرية تفرق بين الأوامر المشروعة والأوامر غير المشروعة فإذا كان الأمر الصادر غير مشروع وواضح عدم المشروعية ويشكل تنفيذه جريمة جنائية فإنه يجب التسليم بإعطاء المرؤوس المنفذ حق رفض طاعة مثل هذه الأوامر، أما إذا كان عدم المشروعية غامضا وغير واضح فإنه بافتراض حسن نية المرؤوس ينبغى عدم مؤاخذته .

ويؤيد الفقيه الفرنسي جارسون هذا الاتجاه (( وفق المبدأ، فإن العسكري عليه واجب الطاعة لرؤسائه ولا يوجد من يخالف هذه القاعدة إلا وقع في المحال أيا كانت الضرورة للنظام، وإذا كان الأمر واضحا عدم المشروعية، وإذا كان يكون جناية أو جنحة جسيمة، فيجب التسليم بأن، للمرؤوس أن يرفض طاعته، ويكون مذنبا إذا هو نفذ الأمر )) ([10]) .

موقف الفقه الدولي الجنائي

      يرى فقهاء القانون الدولي الجنائي انه لا يمكن اعتبار امر الرئيس الاعلى سبباً لاباحة فعل المرؤوس، فلا يمكن تطبيق نظام القانون الجنائي الداخلي على الصعيد الدولي. لاختلاف نطاق تطبيق القانونين فيجوز للقانون الدولي ان يعد فعل المرؤوس المستند الى امر رئيسه الاعلى عدواناً على المصالح التي يحميها، فيعتبره جريمة دون النظر الى ما يقرره القانون الجنائي الداخلي بهذا الشأن.
ويرى انصار هذا الاتجاه ان القول بان امر الرئيس سبب اباحة في القانون الدولي الجنائي ، سيؤدي الى نتائج غير مقبولة تتمثل في اهدار وجود القانون الدولي الجنائي وتسمح بمخالفتها، وكذلك الاعتداء على اهم الحقوق والمصالح التي تحميها، لمجرد كون الفعل قد ارتكب بناءً على امر الرئيس. ([11])
وكنا نتمنى على المحكمة الدولية الجنائية ان لا تخرج عن هذا الاتجاه، لاسيما وان العديد من التشريعات الوظيفية الوطنية تبنية وكذلك بعض التشريعات العسكرية.
فقد اكد المشرع الفرنسي في المادة ( 28) من القانون رقم 634 لسنة 1983م الخاص بالوظيفة العامة على ان يلتزم الموظف بالامتثال لجميع التعليمات الصادرة اليه من رئيسة، الا اذا كانت هذه التعليمات والاوامر غير مشروعية ومن شأنها ان تلحق ضرراً فادحاً بالمصلحة العامة.([12])
اما على صعيد القوانين العسكرية فقد اشار القانون العسكري البلجيكي الصادر في 16/6/1993م الى حق المرؤوسين في رفض الاوامر غير المشروعة. فقد جاء في المادة الخامسة منه ( 1- لا يمكن لمنفعه ما تجبى ولا لضرورة عسكرية أو سياسية او وطنية ان تبرر حتى وان يكن على سبيل الاقتصاص المخالفات المنصوص عليها في المواد...
2- لا يخلى مسؤولية المتهم كونه تصرف بناءً على امر من حكومته أو من احد رؤسائه، اذا تبين في ضوء الظروف المحيطة ان الامر الصادر قد يؤدي الى ارتكاب مخالفة جسيمة للاتفاقيات الدولية).
كما نصت لائحة الانضباط العام للقوات المسلحة الفرنسية لعام 1966م على ان ( من حق وواجب المرؤوس رفض بعض الاوامر )، واوجبت التحديدات الاحقة لهذا النص بموجب المرسومين الصادرين عام 1978م و 1982م على المرؤوسين عدم تنفيذ امر مخالف لقواعد القانون الدولي المطبق على النزاعات المسلحة في الاتفاقيات الدولية المصادقة أو الموافقة عليها. ([13])  


ثانياً:- اذا كان الجاني لا يعلم بان الامر غير مشروع.
      الحالة الثانية التي يمكن من خلالها الدفع بعدم مسؤولية المرؤوس عن تنفيذ امر رئيسة غير المشروع هي تنفيذ المرؤوس الامر غير المشروع وهو لا يعلم بعدم مشروعيته.
ففي هذه الحالة لا تنهض المسؤولية الجنائية على المرؤوس لانعدام القصد الجنائي المتمثل بعلم الفاعل بالصفة غير المشروعة لعمله المكون للجريمة الدولية والناتج من تنفيذه لاوامر رؤسائه، اما اذا كان المرؤوس عالماً بعدم مشروعية الامر ومع ذلك اقدم على تنفيذه فانه يسأل في هذه الحالة لانصراف ارادته الى ارتكاب فعل يعد جريمة مع علمه بذلك.
وفي هذا المجال يذهب جانب من الفقه الى القول ان الاعتقاد بمشروعية الفعل عند صدور امر من الرئيس بتنفيذه هو امر طبيعي، لان المرؤوس يفترض في رئيسه الدراية القانونية والخبرة بما تقتضي به احكامه، خاصة وان جانباً كبيراً من قواعد القانون الدولي لا زالت في صورة عرفية. وعلى ذلك يمكن ان يوصف الفعل نفسه بالمشروعية في نظر البعض في حين يعتبره فقهاء آخرون غير مشروع. ([14])
وعلى هذا الاسس يكون من المنطقي ان يعذر المرؤوس عندما يعتقد ان فعله مشروع وان يقبل منه الدفع بانتقاء القصد الجنائي لديه.
وقد يحصل ان يعلم المرؤوس ان فعله غير مشروع اصلاً، لكنه يعتقد ان هناك سبب اباحة يجرد فعله من صفته الجرمية ويدخله في نطاق الاباحة، فهل ينتفي قصده الجنائي في هذه الحالة ويشمله نص الفقرة الاولى من المادة (33) من نظام المحكمة الدولية الجنائية ؟
درج فقهاء القانون الجنائي على قاعدة مقتضاها بان الغلط في الاباحة لا يعدل أو يساوي الاباحة ذاتها لان اسباب الاباحة ذات طبيعة موضوعية يتعين ان تتحقق فعلاً وتكتمل لها شروطها حتى تنتج آثارها. ([15])
ومع ذلك فان الغلط في الاباحة ينفي القصد الجنائي، لانه ينفي العلم بعناصر الجريمة التي يقوم عليه القصد الجنائي ومن الممكن ان تتحقق المسؤولية غير العمدية عن الفعل. وقد نص المشرع الجنائي في بعض الدول ومنها العراق على نفي المسؤولية عن الفعل في بعض الحالات اذا كان اعتقاد الفاعل بتحقق الوقائع التي يقوم عليها سبب الاباحة مبنياً على اسباب معقولة. ومن هذه الحالات، اذا اعتقد الموظف أو المكلف بخدمة عامة وهو ينفذ امراً صادر اليه من رئيسه أن طاعته واجبة عليه وكان اعتقاده مبنياً على اسباب معقولة وانه لم يرتكبه الابعد اتخاذ الحيطة المناسبة. (م40 عقوبات)، كما أجاز المشرع مقاومة افراد السلطة العامة فيما اذ اضيف ان ينشأ عن فعله موت أو جراح بالغة وكان لهذا التخوف اسباب معقولة ( م 46 عقوبات ).
اما في نطاق القانون الدولي الجنائي فقد طبقت المحكمة العليا الالمانية هذه الفكرة، فبرأت قائد غواصة المانية اتهم باغراق سفينة – مستشفى – انجليزية دون انذار. وكان قد دفع بانه تلقى أمراً بذلك من قيادة الاسطول ولم يفعل غير تنفيذه، وقد قررت المحكمة ان المرؤوس اذا نفذ امر الرئيس فانه لا يعفى من العقاب اذا أدرك الصفة غير المشروعة لفعله، ثم اسست حكمها بالبراءة على اعتقاد المتهم، وكان لاعتقاده في نظرها الاسباب التي تبررها هو ان فعله هو معاملة بالمثل، من ثم فهو فعل مشروع في نظر القانون الدولي. ([16])
ويبدو ان المادة (32) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية اجازت في حدود معينة الاعتداء بالغلط في القانون باعتباره مانعاً من موانع المسؤولية، فقد ورد ( 1- لا يشكل الغلط في الوقائع سبباً لامتناع المسؤلية الجنائية الا اذا نجم عنه انتفاء الركن المعنوي المطلوب لارتكاب الجريمة.
2- لا يشكل الغلط في القانون من حيث ما اذا كان نوع معين من انواع السلوك يشكل جريمة تدخل في اختصاص المحكمة سبباً لامتناع المسؤولية الجنائية اذا نجم عن هذا الغلط انتفاء الركن المعنوي المطلوب لارتكاب تلك الجريمة، او كان الوضع على النحو المنصوص عليه في المادة 33 ).
وعلى ذلك فان عدم علم المرؤوس بعدم مشروعية الامر الرئاسي الصادر اليه أو اعتقاده اعتقاداً مبنياً على اسباب معقولة بان الامر مشروع، ينبفي عنه المسؤولة امام المحكمة الدولية الجنائية. ويمكن التثبت من هذا الاعتقاد من الظروف التي أحاطات بالمرؤوس اثناء تلقيه الامر وتنفيذه له، ويجب على المرؤوس ان يتحمل عبء اثبات ما يدعيه.

ثالثاً:- اذا لم تكن عدم مشروعية الامر ظاهرة.
الحالة الثالثة التي يمكن ان تنفي مسؤولية المرؤوس عن تنفيذ الامر الرئاسي غير المشروع امام المحكمة الدولية الجنائية هي ما اذا لم تكن عدم مشروعية الامر ظاهرة. فاذا كان الجاني لا يدرك ان الفعل غير مشروع. اما بسبب طبيعة الفعل عندما لايكون من السهولة تبين ما اذا كانت مشروعة من عدمه، أو بسبب الحالة الذهنية للمرؤوس التي قد لا تسعفه في ملاحظة الصفة غير المشروعة للامر الرئاسي الصادر اليه، فإن مسؤوليتة تنتفي عند تنفيذه للامر.
فوفقاً للقواعد العامة لتحقق الجريمة الدولية ينبغي ان تتجه نية الفاعل الى تحقيق الجريمة التي يريد تحقيقها عن طريق ارتكابه الافعال المؤدية اليها، وان يكون هذا الفعل صادراً عن ارادة قصدت الاضرار بالمصالح التي يحميها القانون الدولي الجنائي، وهو ما لم يحصل في هذه الحالة على فرض ان المرؤوس لم يكن يعلم بعدم مشروعية الامر بسبب عدم وضوح عدم مشروعيته لان عدم مشروعية الاوامر لم تكن ظاهرة.
 وهنا لابد من القول ان من المناسيب تعديل الفقرة 1 من المادة 33 بحذف الفرع (ج) منها، فلم تعد الجرائم الدولية واحكام القانون الدولي الانساني مجهولة من احد. خاصة وان المحكمة الدولية الجنائية قد ضيقت من اختصاصها عندما لم تقرر المسؤولية عن الجريمة الدولية الناتجة عن بعض صور الخطاء فقد ميزت في المادة (30) من نظامها الاساسي بين الخطأ الواعي والخطاء غير الواعي واقرت المسؤولية عن الجرائم التي ترتكب على الخطأ الواعي في حين استبعدت مساءلة الفاعل اذا ارتكبت هذه الجرائم بناءً على الخطأ غير الواعي تأسيساً على علة توافر الخطر في الخطاء الواعي وانعدامه أو ضآلته في الخطاء غير الواعي.([17])
فقد ورد في النص ( 1- مالم ينص على غير ذلك لا يسأل الشخص جنائياً عن ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة ولا يكون عرضه للعقاب على هذه الجريمة الا اذا تحققت الاركان المادية مع توافر القصد والعلم.
2- لاغراض هذه المادة يتوافر القصد لدى الشخص عندما:
أ- يقصد هذا الشخص، فيما يتعلق بسلوكه، ارتكاب هذا السلوك.
ب- يقصد هذا الشخص، فيما يتعلق بالنتيجة، التسبب في تلك النتيجة أو يدرك انها ستحدث في اطار المسار العادي للاحداث 3- لاغراض هذه المادة تعني لفظة (( العلم )) ان يكون الشخص مدركاً انه توجد ظروف أو ستحدث نتائج في المسار العادي للاحداث، وتفسر لفظنا (( يعلم )) او (( عن علم )) تبعاً لذلك ).
وفي الجزء التالي من الدراسة نتناول الجرائم الدولية وعدم مشروعية الاوامر الصادرة بارتكابها وموقف المحكمة الدولية الجنائية من ذلك .







([1]) د . محمد الشافعي ابو راس – القضاء الاداري – دار الكتب – 1981م ص 334 .
([2]) د. عبد الفتاح بيومي حجازي – المصدر السابق – ص 172 .
([3]) – د. ابراهيم زهير الدراجي – جريمة العدوان ومدى المسؤولية القانونية الدولية عنها – جامعة عين شمس – 2002م – ص 832 .
([4]) د . محمود حامد الجمل – الموظف العام فقهاً وقضاءً – 1969م – ص 151 .
([5]) الدكتور مرسى سويلم- اداء الواجب كسبب من اسباب الاباحة .ص 447 .اشار اليه حسين عيسى  مال الله –المصدر السابق –ص 390
([6]) د . عبد الله علي عبو سلطان – المصدر السابق – ص 169 .
) 4(  Fougere ( Louis) la function publique , institute International dessciences administratives , Bruzelles 1966 . p3/0 .
([7])  للمزيد ينظر د. مازن ليلو راضي – طاعة الرؤساء وحدودها – المصدر السابق – ص 107 .
([8]) حسين عيسى  مال الله –المصدر السابق –ص 390

) 3( Article (28) Loi No 634 du 13 Juill et 1983 Cod administrati f dalloz , 1987-pb18.
([10]) أداء الواجب كسبب للإباحة الدكتور السيد مرسي سويلم 205 .اشار اليه حسين عيسى  مال الله –المصدر السابق –ص 391

([11]) د. عبد الفتاح بيومي حجازي – المصدر السابق – ص 172 .
) 4(  Article (28) Loi No 634 du 13 Juill et 1983 Cod administrati f dalloz , 1987-pb18.

([13]) العميد حسين عيسى مال الله – مسؤولية القادة والروساء والدفع باطاعة الاوامر العليا – كتاب القانون الدولي الانساني  - المصدر السابق – ص 390
   - د. حسام علي عبد الخالق الشيخة – المسؤولية والعقاب على جرائم الحرب – دار الجامعة للطباعة والنشر – 2004م – ص 37 وما بعدها.
([14]) د . محمود نجيب حسني – دروس في القانون الجنائي الدولي – ص 111 . اشار اليه د. عبد الفتاح بيومي حجازي – المصدر السابق – ص 177 .

([15]) د . ماهر عبد شويش – المصدر السابق – ص 326 .
([16]) د . عبد الفتاح بيومي حجازي – المصدر السابق – ص 178 .

([17]) د. ضاري محمود خليل و د. باسيل يوسف – المصدر السابق – ص 163 .
    - الخطأ قد يكون واعياً كما قد لا يكون كذلك ، والخطأ الواعي ويسمى ايضاً الخطأ مع التوقع ويحصل عندما يريد الفاعل والفعل الذي يؤدي الى الجريمة ولا يريد تحقيق النتيجة ومع ذلك يتوقع حدوث النتيجة كأثر لفعله ومع ذلك يقدم على الفعل مخاطراً بحصولها فتحدث هذه النتيجة كأثر لفعله . اما الخطأ غير الواعي ويسمى ايضاً الخطأ مع عدم التوقع فان الفاعل يريد الفعل ولا يريد النتيجة لكنه لم يتوقع اصلاً هذه النتيجة لكنها وقعت نتيجة فعله هذا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه