مستحقــــات الزوجـــــة المطلقـــــة

4

 مستحقــــات الزوجـــــة المطلقـــــة

لقد أثارت حقوق الزوجة المطلقة في ظل التطليق القضائي لمدونة الأحوال الشخصية الملغاة ، نقاشا فقهيا و قضائيا نتيجة الصعوبات القانونية و الواقعية التي كانت تحول دون الاستفادة منها ، حيث إن تنظيمها لم يكن يتلاءم مع الواقع الاجتماعي و الاقتصادي الذي تعيش فيه ، مما دفع العديـد من المنظمات النسائيـة و الجمعيات الحقوقية إلى رفع شعار تحسين وضعية المرأة بشكل عام ، و المطالبة بضرورة إنصاف الزوجة المطلقـة بتمكينها من كافة حقوقهـا الأساسية بشكـل خاص ، انطلاقا من تعديل و مراجعة النصوص القانونية المرتبطة بها ، و هو ما استجاب له المشرع المغربي في مدونة الأسرة .

فمستحقات الزوجة المطلقة مضمونة و منظمة بمقتضى المادة 97 التي تحيل على المادة 84 المحددة لمشتملاتها ، و المرتبطة بدورها من حيث تطبيقها بمواد أخرى من نفس المدونة ، لذلك فالقضاء يجد نفسه حيالها أمام لوحة متشابكة من الحقوق ، يتعين عليه الحرص ما أمكن على حسن قراءتها ، و هي تتمثل طبقا للمادة 84 أعلاه في مؤخر الصداق أو ما يصطلح عليه في الفقه الإسلامي بالكالئ ، إضافة إلى النفقة و السكنى أثناء العدة .

و نظرا لكون حق الزوجة المطلقة في الصداق المؤخر لا يطرح أمام القضاء الأسري أي إشكال قانوني أو واقعي ، مما يفسر عدم الالتفات إليه ، في معظم الأحكام القضائية التي أصدرها في الموضوع ،  فإننا سوف نقتصر في دراستنا لمستحقات الزوجة المطلقـة في دعـاوي الشقـاق على حقها في النفقـة و السكنى ( الفقرة الأولى ) و حقها في المتعة ( الفقرة الثانية ) .

الفقرة الأولى : حق الزوجة المطلقة في النفقة و السكنى أثناء العدة

إن النفقة تكليف مادي يجب على الزوج نحو زوجته بمستوى الكفاية ، حيث إن مناط التكليف بها الزوجية مطلقـا سواء كانت نفقة زواج أو نفقـة عدة الطلاق ، فقد اتفق الفقهاء في جميع المذاهب الإسلامية على وجوبها و إن اختلفوا في معايير تحديدها ، ذلك أنه إذا كان الأصل في الفقه الإسلامي أن النفقة تقدر بالاعتماد على الوضعية المالية للزوج انطلاقا من قوله تعالى : ) لينفق ذو سعة من سعته ( ، فان الاختلاف يكمن في مدى مراعاة حال الزوجة كذلك (1) .

و نظرا للطابع المعيشي لمشتملات نفقة الزوجة المطلقة ، و المتمثلة طبقـا للمادة 189 من مدونة الأسرة الغذاء و الكسـوة و العلاج و ما يعتبر من الضروريات (2) ، فقد أحاطها المشرع في هذه المـادة بالعديد من الضمانات الأساسيـة ، تتعلق بالمعايير و العناصر الواجب مراعاتها من طرف المحكمة عند تقريرها لها ، و هي التوسط ودخل الملزم بها ( الزوج ) و حال الزوجة و مستوى الأسعار و الأعراف و التقاليد السائدة في الوسط الذي تفرض فيه ، و ذلك تحقيقا للغاية من سنها و رعيا لمبدأ لا ضرر و لا ضرار .
فهذه العناصر تستأنس بها المحكمة أثناء تقديرها لنفقة الزوجة المطلقة بناء على ما خوله لها القانون من سلطة تقديرية في هذا الإطار ، و التي سبق للمجلس الأعلى أن خولها لقضاة الموضوع كما جاء ف قراره الآتي : » أن المطلوبة في النقض لما تركت أمر تحديد النفقة التي تطالب بها إلى المحكمة ، تكون قد طبقت القانون خاصة فصل المدونة 119 الذي لا يتعارض مع الفصلين 3 و 32 من ق.م.م ، و قضاة الموضوع لهم الصلاحية في تحديد قدر النفقة بعد أن تتوفر لهم العناصر الدافعة إلى اعتبار الأسعار و عادات أهل البلد و أهل الطرفين ، كما أنهم غير مجبرين بالأخذ بالقدر المطالب به ، إذ بوسعهم الحكم بأقل منه أو أكثر « (3) .

 بعد هذه التوطئة ، يجدر بنا التأكيد على أنه رغم كون النفقة تعتبر من مستحقات الزوجة المطلقة طبقا للمادة 84 من مدونة الأسرة ، فإنها تسقط عن كاهل الزوج بمجرد الحكم بالتطليق للشقاق من طرف المحكمة ، لان هذا النوع من الطلاق يقع بائنا حسب المادة 122 منها التي جاء فيها : » كل طلاق قضت به المحكمة فهو بائـن ، إلا في حالتي التطليق للايلاء و عدم الإنفاق « ، لذلك فهي لا تستحق أبه نفقة إلا إذا كانت حاملا لقوله تعالى : ) و إن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ( (2) و يقول بن جزي الفقيه المالكي الأندلسي : » المطلقة إذا كانـت

رجعية فلها النفقـة في العـدة ، وان كانت بائنة فليس لها نفقـة إلا إذا كانت حامـلا « (1) ، و هذا ما أكدته المادة 196 من المدونـة الجديدة بنصهـا على أن : » المطلقة طلاقا بائنا إذا كانت حاملا تستحق نفقتها إلى أن تضع حملها ، و إذا لم تكن حاملا يستمر حقها في السكنى فقط إلى أن تنتهي عدتها « ، بمعنى أن المطلقة غير الحامل في الطلاق البائن الذي يحكم به القضاء كما هو الشأن بالنسبة للتطليق بسبب الشقاق ، يبقى من حقها فقط الاستمرار في السكنى خلال فترة العدة ، ببقائها في بيت الزوجة أو للضرورة في مسكن ملائم لها و للوضعية المادية للزوج يهيئ لها لهذه  الغاية ، بحيث إذا تعذر ذلك حددت المحكمة تكاليف السكن في مبلغ يودعه الزوج كذلك ضمن المستحقات بكتابة الضبط ، أما النفقة فإنها تسقط عن كاهله ، حيث جاء في الحكم القضائي الصادر عن قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية بالحسيمة ما يلي : » ... و حيث أن التطليق للشقاق هو طلاق بائن ، و حيث أن الزوجة غير الحامل في الطلاق البائن يسقط حقها في النفقـة حسب مقتضيات المـادة 196 من مدونة الأسرة ، الأمر الذي يتعين معه رفض طلبها بخصوص هذا الشق ... « (2)  و يقول ابن رشد الحفيد بخصوص سكنى المبتوتـة و نفقتهـا ما يلي : » ... و اختلفوا – أي الفقهاء – في سكنى المبتوتة و نفقتها إذا لم تكن حاملا على ثلاثة أقوال : أحدهما أن لها السكنى و النفقة و هو قول الكوفيين ، و القول الثاني أنه لا سكنى لها و لا نفقة و هو قول أحمد و داود و أبي ثور و إسحاق و جماعة ، و الثالث أن لها السكنى و لا نفقة و هو قول مالك و الشافعي و جماعة ، و سبب اختلافهم هو اختلاف الرواية في حديث فاطمة بنت قيس و معارضة ظاهر الكتاب له ، فاستدل من يوجب لها نفقة و لا سكنى بما روي في حديث فاطمة بنت قيس أنها قالت : " طلقني زوجي ثلاثا على عهد رسول الله صلى الله  عليه و سلم فأتيت النبي صلى الله عليـه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما السكنى و النفقة لمن لزوجها عليها الرجعة " ، و هذا القول مروي عن علي و ابن عباس و جابر بن عبد الله ، و أما الذين أوجبوا لها السكنى دون النفقة فانهم احتجوا بما رواه مالك في موطئه من حديث فاطمة المذكور فيه : " فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ليس لك عليه نفقة " : و أمرها أن تعتد في بيت أم مكتوم و لم يذكر فيها إسقاط السكنى ، فيبقى على عمومه في قوله تعالى : ) اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ( و صاروا إلى وجوب النفقة لها لكون النفقة تابعة لوجوب الإسكان في الرجعة و في الحامل و في نفس الزوجية بالجملة ، فحيثما و جبت السكنى في الشرع و جبت النفقة ، وروي عن عمر أنه قال في حديث فاطمة هذا ، لا ندع كتاب نبينا و سنته لقول امرأة ، يريد قوله تعالى : ) اسكنوهن من حيث سكنتم من وحيكم ( ، و لان المعروف من سنته عليه السلام أنه واجب النفقة حيث تجب السكنى ، فذلك الأولى في هذه المسألة أن يقال لها الأمرين جميعا ... « (1) .

و بذلك يكون المشرع المغربي في مدونة الأسرة قد تبنى رأي الإمام مالك بخصوص استحقاق المطلقة طلاقا بائنا حق السكنى فقط دون حقها في النفقة خلال فترة العدة ، لكون الطلاق البائن ينهي الزوجية حالا بمجرد وقوعه ، عكس الطلاق الرجعي الذي تبقى فيه مستمرة إلى حين انتهاء عدة المطلقة مما يجعلها تستحق فيه النفقة و السكنى معا .

لكن إذا كان التوجه العام الذي تأخذ به جل أقسام قضاء الأسرة عدم استحقاق المطلقة بسبب الشقاق للنفقة ، كما تؤكد ذلك العديد من الأحكام القضائية الصادرة في الموضوع ، فان هناك من يحدوا عنه كما هو الشأن بالنسبة لقسم قضاء الأسرة التابع لابتدائية تاونات ، حيث يجعل النفقة أثناء العدة من ضمن المستحقات التي يحكم بها لفائدة الزوجة المطلقة في دعاوي الشقاق ، فمما جاء في الحكم القضائي الصادر عنه بتاريخ 05/10/2005 ما يلي : » ... حول النفقة أثناء العدة :
و حيث أن نفقة المطلقة تبقى في مال مطلقها فترة عدتها مع اعتبار حاله و قد ارتأت المحكمة تحديدها في مبلغ 9000 درهم ... « (1) .

الفقـــرة الثانيــــة : حــــق الزوجـــة المطلقــة في المتعــة
تعد المتعة من الحقوق الماليـة التي تحكم بها المحكمة لفائـدة الزوجة المطلقـة ، جبرا لخاطرها و تعويضا لها عما لحق بها من ضرر معنوي بسبب انحلال العلاقة الزوجية عن طريق الطلاق أو التطليق ، حيث تجد سندها الشرعي في قولـه تعالى : ) لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنيـن و للمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ( (2) ، و قوله تعالى : )  يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المومنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن و سرحوهن سراحا جميلا ( (3) ، ذلك أنه إذا كان المذهب المالكي بالخصوص يترك للزوج حرية منح المتعة لزوجته المطلقة حسب إرادته، إن شاء تطوع و إن شاء امتنـع على اعتبار أنها مندوبة و ليست واجبـة في حق كل مطلقـة ، إلا التي تطلق قبل الدخول و قد سمي لها صداقها لأن نصف الصداق الذي تستحقه يقوم مقام المتعة ، فإنها في مدونة الأسرة تكتسي طابعا إلزاميا ، باعتبارها من مشتملات مستحقات الزوجة المطلقة طبقا للمادة 84 من مدونة الأسرة ، حيث تراعي المحكمة في تقديرها عدة عناصر منها فترة الزواج و أسباب الطلاق وحـالالزوجة إضافة إلى الوضعية المالية للزوج (1) ، مع مراعاة مسؤولية الزوج المتسبب في الشقاق الذي أدى إلى تفكك الأسرة ، و ذلك تكريسا لطابعها التعويضي لفائدة الزوجة المطلقة ، حيث تنص المادة 84 أعلاه على أنه : » ... و المتعة التي يراعي في تقدرها فترة الزواج و الوضعية المالية للزوج ، و أسباب الطلاق ، و مدى تعسف الزوج في توقيعه ... « كما تنص كذلك المادة 97 من المدونة على أن المحكمة عند حكمها بالمستحقات تراعي مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدر ما يمكن أن تحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر ، لكن التساؤل الذي يطرح بإلحاح في هذا الصدد : كيف يمكن الحكم بالمتعة لفائدة الزوجة رغم ثبوت مسؤوليتها في الشقاق الذي أفضى إلى الحكم بالتطليق ؟ .

من الإشكاليات العملية التي أسفرت عنها التطليق القضائي لمدونة الأسرة بخصوص التطليق للشقاق ، أن الزوجة قد تتقدم بالدعوى و عند إجراء المحكمة لمحاولات الصلح بين طرفي النزاع ، يتبين لها أنها هي التي ساهمت بشكل مباشر فيما قد يترتب عنه من آثار تؤدي إلى تفكك الأسرة ، ومع ذلك تحكم لها بالمتعة رغم الأضرار المادية و المعنوية التي تصيب الزوج من جراء ذلك ، و إن كان القانون بالمقابل يخول له حق المطالبة بالتعويض ، مما يعكس التناقض الحاصل في مدونة الأسرة على هذا مستوى ، حيث كيف يمكن للشخص نفسه أن يكون دائنا و مدينا في نفس الدعوى ؟ لذلك يبقى الحل في اعتقادنا تحقيقا للعدل و الإنصاف جعل مبلغ المتعة بسيط جدا يكون له بعد رمزي أكثر منه تعويضي ، فقط حفاظا على طابعها الإلزامي الذي يدفع المحكمة إلى الحكم بها في إطار احترام القضاء لمبدأ سيادة القانون .

التعليقات

  1. سلام عليكم،
    جزاكم الله خيراً على هذه المعلومات القيمة. لدي سؤال في هذا الخصوص حول مستحقات الزوجة المحكوم بها على الزوج: هل يمكن تقسيط المبلغ المحكوم به أم لابد أن يدفع المبلغ كاملاً في مدة قصيرة. شكراً و سلام عليكم.

    ردحذف
  2. هل للزوجة الحق في ممتلكات اشتر يتها باسمي اثناء الزواج بعد الطلاق

    ردحذف
  3. ما هو سن توقيف النفقة الاب على اولاده بعد الطلاق في قانون العائلي

    ردحذف
  4. راااااااااااائع

    ردحذف

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه