ما هي الأحكام الجوهرية المقررة في الباب الخاص بجهات التحقيق ؟

0
ما هي الأحكام الجوهرية المقررة في الباب الخاص بجهات التحقيق ؟
يصعب حصر هذه الأحكام بسبب تعددها ، حيث تشمل الطلب الافتتاحي لإجراء التحقيق ، الإدعاء المدني ، الانتقال و التفتيش و القبض ، سماع الشهود ، استجواب المتهم و سماع المدعي المدني و المواجهة ، الأوامر القسرية و تنفيذها ، الحبس المؤقت و الإفراج المؤقت ، الإنابة القضائية ، الخبرة ، أوامر الإحالة ، استئناف أوامر قاضي التحقيق ، إعادة التحقيق لظهور أدلة جديدة .
متى يترتب على مخالفة الأحكام المذكورة إخلال بحقوق الدفاع أو أي خصم في الدعوى؟
هذه المسألة موضوعية يرجع تقديرها للقضاة .
مما لا شك فيه في ضوء المادة ( 157/2 من ق.إ.ج ) الحالية التي أغفلت النص على البطلان الذي يترتب على استجواب المتهم في حالة عدم مراعاة أحكام المادة ( 105 من ق.إ.ج ) أن عدم مراعاة الأحكام المقررة في المادة ( 105 ) المتعلقة باستجواب المتهم يترتب عليه إخلال بحقوق الدفاع .
القضاء الفرنسي يزخر بمثل هذه الحالات ونظرا لتطابق التشريعين في هذا الخصوص يمكن الاعتماد على ما قضى به في فرنسا للدلالة على هذه الحالات ، هكذا وبالرجوع إلى اجتهاد القضاء الفرنسي نجد في بعض الحالات التي قضي فيها بالبطلان وهي :
- عدم اختصاص قاضي التحقيق .
- طلب افتتاحي لإجراء التحقيق غير مضي .
- عدم بيان تكييف الوقائع و المواد القانونية المعاقب عليها في طلب افتتاحي لإجراء التحقيق .
- سماع متهم بعد أدائه اليمين .
- محضر استجواب المتهم غير ممضي من قبل قاضي التحقيق .
- محضر مواجهة غير ممضي من قبل قاضي التحقيق .
- عدم قيام الخبير بأداء اليمين قبل مباشرة الخبرة .
- إنابة قضائية غير ممضاة من قبل قاضي التحقيق .
- إنابة قضائية غير مؤرخة . ([1])
و بالمقابل قضي بعدم قيام البطلان في الحالات الآتية :
* عدم مراعاة أحكام المادة ( 197 ) من ( ق.إ.ج الفرنسي ) و تقابلها المادة ( 182 ) من ( ق.إ.ج الجزائري ) بشأن تبليغ المتهم تاريخ الجلسة أمام غرفة الاتهام إذا ما ثبت أنه حقا تم تبليغ محاميه بتاريخ الجلسة و حضر إليها ، و قدم أمام غرفة الاتهام ملاحظات شفوية لصالح المتهم .
* عدم مراعاة أحكام المادة ( 163 ) من ( ق.إ.ج الفرنسي ) و تقابلها المادة ( 150 ) من ( ق.إ.ج الجزائري ) التي توجب عرض الأحراز المختومة ، التي لم تكن قد فتحت وجردت ، قبل إرسالها للخبير .
* عدم مراعاة أحكام المادة ( 122 ) من ( ق.إ.ج الفرنسي ) التي تم تعديلها و تقابلها المادة ( 117/2 ) من ( ق.إ.ج الجزائري ) التي توجب تبليغ الأمر بالإيداع للمتهم .
* عدم مراعاة أحكام المادة ( 81/6 ) من ( ق.إ.ج الفرنسي ) و تقابلها المادة ( 68/8 ) من ( ق.إ.ج الجزائري ) التي توجب إجراءات التحقيق عن شخصية المتهم في مواد الجنايات .

ممارسة البطلان :
من له الحق في طلب البطلان ؟ و ما هي الجهة المختصة بالتصريح بالبطلان ؟ وما هي شروط التصريح بالبطلان ؟ .

الأطراف التي يجوز لها إثارة البطلان :
لكل من المتهم و المدعي المدني الحق في طلب بطلان الإجراءات ، و لوكيل الجمهورية و قاضي التحقيق كذلك نفس الحق ( المادة 158 من ق.إ.ج ) بل و يجوز لغرفة الاتهام أن تبطل الإجراءات من تلقاء نفسها ( المادة 191 من ق.إ.ج ) .
غير أنه لا يجوز في كل الأحوال للمتهم و المدعي المدني رفع طلب البطلان مباشرة إلى غرفة الاتهام ، و كل ما في وسعها هو الالتماس من قاضي التحقيق أو حتى من وكيل الجمهورية رفع الأمر إلى غرفة الاتهام ، غير أنهما لا يملكان أية وسيلة للطعن في جمود قاضي التحقيق أو في الأمر القاضي برفض الطلب ، و في هذا الاتجاه قضي في فرنسا بنقض قرار غرفة الاتهام فاصلا في استئناف المتهم في أمر قاضي التحقيق القاضي برفض البطلان .
و مع ذلك يجب التذكير بأحكام المادة ( 191 ) من ( ق.إ.ج ) التي تنص على أن غرفة الاتهام تنظر في صحة الإجراءات المرفوعة إليها بمناسبة استئناف أحد أوامر قاضي التحقيق ، و إذا اكتشفت سببا من أسباب البطلان قضت بالبطلان ، و هذا ما يسمح لغرفة الاتهام الاطلاع على طلب المتهم أو المدعي المدني ببطلان الإجراء .
و في حالة عدم الردّ عليه أو الردّ بالرفض ، علما أن ملف التحقيق يحول كاملا إلى غرفة الاتهام عند استئناف أحد أوامر قاضي التحقيق .
يميز قانون الإجراءات الجزائية من حيث طبيعة البطلان بين البطلان من النظام الخاص و البطلان من النظام العام ، و تختلف هذه الطبيعة باختلاف الطرف الذي يثير البطلان ، و يكون البطلان مبدئيا من النظام الخاص تجاه المتهم و المدعي المدني ، ويكون من النظام العام إزاء وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق .

البطلان لصالح الخصوم أو البطلان النسبي :
تعد حالات البطلان المنصوص عليها صراحة في القانون و التي أشارت إليها المادة ( 157/1 ) من ( ق.إ.ج ) ( مخالفة للمادة 100 المتعلقة باستجواب المتهمين عند الحضور الأول ، و المادة 105 المتعلقة بسماع المدعي المدني ) حالات بطلان من النظام الخاص إزاء المتهم و الطرف المدني ، بحيث يجوز للخصم الذي لم تراع في حقه أن يتنازل عن التمسك بالبطلان و يصحح بذلك الإجراء .
غير أنه يتعين أن يكون التنازل في هذه الحالة صريحا و في حضور المحامي أو بعد استدعائه قانونا ( المادة 157/2 ) من ( ق.إ.ج ) و تعد كذلك من النظام الخاص جاه الخصوم حالات البطلان الجوهري المشار إليها بالبطلان المقرر لمصلحته وحده ، على أن يكون هذا التنازل صريحا أيضا ( المادة 159/3 ) من ( ق.إ.ج ) .
أما إذا كان البطلان مقررا في مصلحة حسن سير العدالة كعدم جواز تحليف المتهم قبل سماعه فلا يجوز لصاحب الشأن التنازل عن التمسك به .

البطلان للصالح العام أو البطلان المطلق :
و بالمقابل إزاء وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق من النظام العام ، سواء كان البطلان منصوص عليه صراحة في القانون طبقا لنص المادة ( 157/1 ) من ( ق.إ.ج ) أو جوهريا طبقا لنص المادة ( 159/2 ) من ( ق.إ.ج ) و من ثم يجوز لهما إثارة البطلان و رفع الأمر إلى غرفة الاتهام لإبطال الإجراء و لو في غياب أي طلب من أطراف الدعوى ( المادة 158 من ق.إ.ج) .
و من جهة أخرى يجوز لغرفة الاتهام أن تصرح ببطلان الإجراءات من تلقاء نفسها إذا اكتشفت حالة من حالات البطلان بمناسبة النظر في صحة إجراءات الدعوى إثر استئناف أحد الأطراف في أمر من أوامر قاضي التحقيق ، حتى و إن لم يقدم لها طلب في هذا الشأن ( المادة 191 من ق.إ.ج ) .

الجهة المختصة بالفصل في طلب البطلان :
القاعدة أن غرفة الاتهام هي الجهة الوحيدة المختصة بالفصل في طلبات البطلان والحكم به مادام التحقيق القضائي ساريا و طالما أن القانون أجاز لوكيل الجمهورية وقاضي التحقيق دون سواهما تقديم طلب البطلان إلى غرفة الاتهام فإنه لا يجوز للمتهم والمدعي رفع المسألة مباشرة إلى غرفة الاتهام . ([2])
و إذا كان باب غرفة الاتهام موصدا أمام المتهم و المدعي المدني لطلب بطلان الإجراءات أثناء التحقيق فإن المادة ( 161 ) من ( ق.إ.ج ) تجيز لهما بصفة استثنائية وكذا لوكيل الجمهورية تقديم طلب البطلان أمام جهات الحكم عدا محكمة الجنايات وفق الشروط الآتي بيانها :
* أن يكون البطلان المتمسك به من الحالات المنصوص عليها في المادتين ( 157 و159 من ق.إ.ج ) المشار إليهما سالفا ، أو ما قد ينجم عن عدم مراعاة أحكام الفقرة الأولى من المادة ( 168 من ق.إ.ج ) التي تقضي بوجوب تبليغ الأوامر القضائية في ظرف ( 24 ساعة ) إلى محامي المتهم و المدعي المدني برسالة موصى عليها .
* أن يثار البطلان أمام محكمة أو مجلس قضائي لدى النظر في مخالفة أو جنحة ، حيث لا يجوز إثارته أمام محكمة الجنايات .
* أن لا يكون الملف قد أحيل من غرفة الاتهام باعتبار أن قرار غرفة الاتهام يصحح الإجراءات .
* أن يقدم طلب البطلان قبل أي دفاع في الموضوع و إلا كان غير مقبول .
و تجدر الإشارة إلى أنه من حق الأطراف التنازل عن التمسك بالبطلان أمام جهات الحكم ( المادة 161/3 من ق.إ.ج ) متى كان البطلان مقررا لمصلحة أي منهم .
و من جهة أخرى يجوز لجهات الحكم أن تثير من تلقاء نفسها حالات البطلان المنصوص عليها في المادتين ( 157 و 159 ) من ( ق.إ.ج ) و كذا الفقرة الأولى من المادة ( 168 ) من ( ق.إ.ج ) .
و يفسر عدم جواز تقديم طلب البطلان إلى محكمة الجنايات بسببين :
* أولهما كون المادة ( 201 ) من ( ق.إ.ج ) تنص على أن قرارات الإحالة تغطي ما قد يشوب التحقيق القضائي من عيوب .
* و ثانيهما كون المشرع أجاز للمتهم و للنائب العام و كذا للمدعي المدني في حالة طعن النائب العام ، الطعن بطريق النقض في قرار الإحالة إلى محكمة الجنايات في حالة خرق قواعد جوهرية في الإجراءات .

آثار البطلان :
ما هو نفاذ طلب البطلان ؟ وما هو مدى البطلان ؟ وما هي الآثار المترتبة عليه ؟ هذه الأسئلة كلها سنحاول الإجابة عليها فيما يأتي .
نفاذ طلب البطلان :
يميز المشرع الجزائري من حيث نفاذ طلب البطلان بين حالتين :
* الحالة المنصوص عليها في المادة ( 157 ) من ( ق.إ.ج ) التي يبنى فيها الطلب على حالات البطلان المقررة بنص صريح ، و يتعلق الأمر بعدم مراعاة أحكام المادتين ( 100 و 105 ) من ( ق.إ.ج ) .
* و الحالة المنصوص عليها في المادة ( 159 ) من ( ق.إ.ج ) التي يبنى فيها الطلب على مخالفة الأحكام الجوهرية المقررة في الباب الخاص بالتحقيق .
ففي الحالة الأولى ، أي البطلان المؤسس على عدم مراعاة أحكام المادتين ( 100 و 105 ) يكفي قيام السبب للتصريح بالبطلان .
في حين لا يكفي في الحالة الثانية قيام سبب البطلان ، بل يجب أن يترتب على هذا السبب إخلال بحقوق الدفاع أو حقوق أي خصم في الدعوى .

مدى البطلان :
يميز القانون كذلك من حيث مدى البطلان بين حالات البطلان المنصوص عليها في المادة ( 157 ) من ( ق.إ.ج ) أي عدم مراعاة أحكام المادتين ( 100 و 105 ) من  ( ق.إ.ج ) و بين حالات البطلان المنصوص عليها في المادة ( 159 ) من ( ق.إ.ج ) أي مخالفة الأحكام الجوهرية المقررة في الباب الخاص بالتحقيق .
ففي الفرض الأول حدّد المشرع بنفسه مدى البطلان بنص المادة 151/1 من ق.إ.ج على أن البطلان – في حالة عدم مراعاة أحكام المادتين ( 100 و 105 من ق.إ.ج ) – لا يقتصر على الإجراء المشوب بالبطلان ، بل ينصرف أيضا إلى ما يتلوه من إجراءات .
في حين آثر المشرع في الفرض الثاني ، أي حالات البطلان المنصوص عليها في المادة ( 159 ) من ( ق.إ.ج ) ترك أمر تحديد مدى البطلان لغرفة الاتهام ، فلها وحدها أن تقرر ما إذا كان البطلان ينحصر في الإجراءات المطعون فيها أو يمتد كليا أو جزئيا للإجراءات اللاحقة لها ( المادة 159/2 من ق.إ.ج ) .
النتائج المترتبة على البطلان :
تختلف هذه النتائج باختلاف مدى البطلان :
* فإذا كان البطلان على الإجراء المطعون فيه يسحب هذا الإجراء من ملف التحقيق ويودع لدى كتابة ضبط المجلس ( المادة 160/1 من ق.إ.ج ) و في هذه الحالة يحضر على جميع الأطراف و كذا على القضاة و المحامين تحت طائلة المتابعات التأديبية الرجوع إلى الإجراء محل البطلان لاستنباط عناصر أو أدلة اتهام ضد الأطراف في المرافعات ( المادة 160/2 من ق.إ.ج ) أي بمعنى آخر يعد الإجراء الباطل كأن لم يكن بالنسبة للجميع ، بما في ذلك القضاة و المحامين .
* أما في حالة ما إذا امتد البطلان للإجراءات التي تتلو الإجراء الباطل تكون أمام غرفة الاتهام ثلاثة خيارات :
- فإما أن تكلف نفس قاضي التحقيق بمواصلة التحقيق .
- و إما أن تعين قاضي تحقيق آخر لمواصلة التحقيق .
- و إما أن تتصدى و تقوم بالتحقيق بنفسها ( المادة 191 من ق.إ.ج ) و في هذه الحالة يمكنها أن تعين أحد أعضائها للقيام بإجراء التحقيقات التكميلية أو ندب أحد قضاة التحقيق لهذا الغرض ( المادة 190 من ق.إ.ج ) .




(1) أحسن بوسقيعة ، مرجع سابق ، ص 176 – 177 .
(1) أحسن بوسقيعة ، مرجع سابق ، ص 179 – 180 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه