جريمة الوشاية الكاذبة (البلاغ الكاذب) في القانون الجزائري

5
ماهية جريمة الوشاية الكاذبة (البلاغ الكاذب)

المطلب الأول: تعريف جريمة البلاغ الكاذب وأركانها

1- تعريف البلاغ الكاذب

تنص المادة 300 من قانون العقوبات الجزائري 06/23 المؤرخ في 20 ديسمبر على أنه "كل من أبلغ بأية طرية كانت رجال الضبط القضائي أو الشرطة الإدارية أو القضائية بوشاية كاذبة ضد فرد أو أكثر أو أبلغها إلى السلطات مخول لها إن تتابعها أو أن تقدمها إلى السلطة المختصة أو إلى رؤساء الموشي به أو إلى مخدوميه طبقا للتدرج الوظيفي أو إلى مستخدميه، إذا كانت الواقعة المبلغ عنها معاقبا بعقوبة جزائية أو تأديبية فيجوز إتخاد إجراءات المتابعة الجزائية بمقتضى هذه المادة عن جريمة الوشاية الكاذبة سواء بعد صدور الحكم أو بالإفراج أو بعد الأمر أو القرار بأن لاوجه للمتابعة أو بعد حفظ البلاغ من القاضي أو الموظف أو السلطة الأعلى أو المخدوم المختص بالتصرف الإجراءات التي كان يحتمل أن تتخذ من شأن هذا البلاغ.

ويستفاد من نص المادة السالفة الذكر أن الوشاية الكاذبة (البلاغ الكاذب) هو إخبار بواقعة غير صحيحة تستوجب عقاب من سند إليه موجه إلى أحد السلطات المختصة والمخول لها كرجال الضبط القضائي، شرطة إدارية أو قضائية، سلطة مختصة، رؤساء الموشي به أو مخدوميه طبقا للتدرج الوظيفي.

إذا كانت الواقعة المبلغ عنها معاقبا عليها جزائية أو تأديبية فيجوز اتخاذ إجراءات المتابعة الجزائية بمقتضى هذه المادة من جريمة الوشاية لكاذبة سواء بعد صدور الحكم بالبراءة أو بالإفراج أو بعد الأمر أو القرار بأن لا وجه للمتابعة أو بعد حفظ البلاغ من القاضي أو الموظف أو السلطة الأعلى أو المخدوم المختص بالتصرف في الإجراءات التي كان يحتمل أن تتخذ شأن هذا البلاغ.

والأصل في التبليغ أنه من حقوق الأفراد، لأنه يساعد على كشف الجرائم ويعاون ويساعد السلطات على تعقيب المجرمين. بل قد يكون التبليغ واجب في بعض الأحيان، كما يستفاد من نصوص قانون الإجراءات الجزائية، فلا عقاب على من أخبر بالصدق وعدم سوء القصد الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب لعقوبة فاعلة ولم تم الإخبار بصورة علنية، ولكن إذا تم الأخبار بأمر كاذب وبسوء قصد كان الفاعل مرتكبا الجريمة البلاغ الكاذب.

والأخبار Dénonciation هو إخطار السلطات العامة بنسبة واقع إلى شخص فهو من حيث جوهر نشاط من شأنه إتاحة علم السلطات العامة بواقعة، وبتحليل عناصر الإخبار يتضح أنه تعبير عن فكرة تستهدف جعل الغير بعلم بها ويعني ذلك أن الجاني تدور في ذهنه فكرة ويريدان بعلم بها غيره فيخرجها من طيات نفسه بالإفصاح عنها على نحو يتيح الغير هذا العلم ، فالسلوك الإجرامي الذي جرف لغة الفقهاء على التعبير عنه بالفعل أو ماديات الجريمة لا يشكل وحده الواقعة الإجرامية إلا إذا انضم إليه باقي العناصر التي يلزم اجتماعها لاكتمال النموذج القانوني للجريمة . 

إن جريمة الوشاية الكاذبة أو البلاغ الكاذب"Faux dénonciation" أو "Allégation fausse"، تفترض في مرتكبها الكذب والافتراء و Calomniesوالإيقاع بالمجني عليه وإيذائه في شرفه وسمعته وهذه الخصال بطبيعة الحال تتنافى مع الخلق القويم والسلوك المألوف عن نفس متدينة سلكت وسائل خسيسة لشفاء أحقاد شخصية، ومن ثم فلا ينبغي أن تختلف آراء في كونها من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة وتعد هذا الفعل (البلاغ الكاذب) في جميع صوره جريمة عمدية Intentionnel إذ لا يعرف القانون جريمة إبلاغ كاذب غير عمدية، ومعنى ذلك أن إرادة الجاني فيها تتصرف إلى تحقيق جميع أركان الواقعة مع العلم بتوافرها وبأن القانون يعاقب عليها، والإبلاغ بأمر يتوجب عقوبة فاعلة لأحد الحكام القضائيين أو الإداريين مع العلم بعدم صحة الوقائع المبلغ عنها، والقاعدة أن كل فعل عمدي يشكل تصرف إرادي وليس العكس، ويترتب عن ذلك أن الفعل الإداري يتطلب انصراف الإرادة إلى إحداث الضرر بالمجني عليه.

من هذا المنطلق ارتأينا أن نتطرق لذكر الفرق بين هذه الجريمة وبين الجرائم المشابهة لها بشكل مختصر قبل التطرق لأركانها وذلك لتوسيع فكرة ومفهوم البلاغ الكاذب (الوشاية الكاذبة).

البلاغ الكاذب والقذف:

يقصد بكلمة قذف إسناد أو إخبار عن واقعة معينة من شأنها تعوي المجني عليه العقوبات المقررة قانونا أو إيجاب احتقاره عند أهل وطنه بما ستتبعه من أثر سيئ إزاء المجني عليه.

وتختلف جريمة البلاغ الكاذب عن جريمة القذف اختلافا جوهريا من النواحي التالية:-

أ‌. من أهم شروط القذف توافر ركن العلانية بينما لا يشترط القانون في البلاغ الكاذب توافر هذه العلانية.

ب‌. تتم جريمة القذف ينشر الوقائع المسندة أو إذا عنها بإحدى طرق العلانية، أما البلاغ الكاذب فلا يتم إلا بإبلاغ السلطة المختصة المخولة، والقضائية والإدارية.

ت‌. القذف يعاقب عليه سواء أكانت الوقائع المسندة صحيحة أو كاذبة، بينما البلاغ الكاذب يتطلب لتحقق أركانه أن يحصل التبليغ عن أمر مكتوب.

ث‌. لابد في البلاغ الكاذب أن يحصل التبليغ عن أمر مستوجب لعقوبة فاعلة جنائيا أو تأديبيا بينما يكفي في إحدى صورتي القذف أن تكون الوقائع المسندة مستوجبة لاحتقار المجني عليه. 

البلاغ الكاذب والسب:

السب العلني هو إسناد عيب غير معين للمجني عليه، كان يقول شخص عن آخر أنه نصاب أو مرور، ولهذا فإن الفقه يعتبر كل قذف متضمنا في نفس الوقت سبا .

وما دام الأمر كذلك فإن الفروق التي ذكرناها في التفرقة بين البلاغ الكاذب والقذف من نفسها الفروق بينه وبين السب غاية ما هناك أن السب (بمعنى الشتم) يتحقق بكل ما يتضمن من خدش للشرف والاعتبار أي بكل ما يمس قيمة الإنسان عن نفسه أو يحط من كرامته وشخصيته عند غيره.

البلاغ الكاذب وإزعاج السلطات: 


إزعاج السلطات جريمة وثيقة الصلة بالبلاغ الكاذب لأن ركنها المادي هو إخبار السلطات بأمر كاذب والجوهر في هذا الفرق أنه لا يشترط في إزعاج السلطات أن يكون البلاغ للحكام القضائيين أو الإداريين أو السلطات التي حددتها المادة 300 من قانون العقوبات، وإنما قد يكون الى سلطة أخرى، هيئات عامة، أي شخص في أي موقف يقوم بخدمة عمومية أو يتمتع بنصيب من السلطة العامة، فلفظ السلطة في جريمة الإزعاج لفظ مطلق يشمل كافة سلطات الدولة من تنفيذية وتشريعية وقضائية وإدارية والبلاغ في جريمة الإزعاج قد لا يمسى فرد معين كأن يبلغ إنسان كذبا عن وجود حريق في مكان ما فتنتقل سيارات الإطفاء تم يتبين كذب البلاغ، أو يبلغ شخص عن وجود أسلحة في طائرة على وشك الإقلاع، أو يتصل شخص بشرطة النجدة ليبلغ بوجود أشخاص مجهولين يهددونه بالقتل تم يتبين عدم صحة ذلك وفي كل هذه الأمثلة لا يوجد دائما من هو مجني عليه *** من البلاغ .



البلاغ الكاذب وشهادة الزور:

شهادة الزور عي تعمد تغيير الحقيقة في مجلس القضاء فهي في نهاية الأمر أقوال كاذبة صادرة عن عمد من الجاني، ويشترط في توافر هذه الجريمة أن يكون الإدلاء بهذه الأقوال قد تم أمام جهة قضاء وإن يكون من شأنها أن تؤثر في الحكم ولو لم يتحقق ذلك بالفعل وإن تكون قد صدرت عن علم وإرادة الجاني لتضليل العدالة، أما في البلاغ الكاذب لا يشترط فيه إن يكون الإبلاغ أمام القضاء أو مؤثرا في الحكم.

البلاغ الكاذب واليمين الكاذبة:

لفظ اليمين في ذاته يتضمن معنى الدين والغرض من اليمين تذكير الحالف بالله وتحذيره من غضبه وانتقامه إذا هو قال غير الحق.

2- أركان جريمة البلاغ الكاذب (الوشاية الكاذبة)

يستفاد من نص المادة 300 من قانون العقوبات السالفة الذكر أن جريمة البلاغ الكاذب لا توجد إلا إذا توافرت أركان ثلاثة:-

1. بلاغ كاذب أو وشاية كاذبة عن أمر مستوجب لعقوبة فاعله.

2. أن تكون هذه الوشاية قد رفعت إلى رجال الضبط القضائي أو الشرطة الإدارية أو القضائية.

3. أن تكون هذه الوشاية قد رفعت بسوء قصد (القصد الجاني). 

وسوف نتناول شرح هذه الأركان على التفصيل الآتي:- 


1. الوشاية الكاذبة عن أمر مستوجب لعقوبة فاعله:

لقد استعمل المشرع الجزائري لفظ "أبلغ" ولم يشترط تقديم البلاغ أو الوشاية من شخص معي، كما لا يستلزم شكلا معينا في الوشاية فيصبح تقديم الوشاية في صورة شكوى من المجني عليه أو من موظف عام بمناسبة تأدية وظيفته، ولا يشترط القانون في جريمة التبليغ شفاهة كتابة أو بأية وسيلة من وسائل الاتصال، السلكية واللاسلكية كالتليفون مثلا، ولكن يشترط في جريمة البلاغ، الكاذب أن يقدم البلاغ بمحض إرادة المبلغ، أي أن يكون المبلغ قد أقدم على التبليغ وهو غير مطالب به وإلا فلا تقوم الجريمة فمثلا الشخص الذي يتهم بجريمة فيسندها أثناء التحقيق إلى شخص آخر غيره ليدافع عن نفسه وينفي عنه التهمة لا يعد مرتكبا لجريمة البلاغ الكاذب.

وكذلك من يدعى للشهادة أمام المحكمة أو أمام سلطة التحقيق المختصة أو أثناء التحقيق معه يتطرق في كلامه إلى اتهام شخص يعلم انه لم يتقدم إلى التبليغ من تلقاء نفسه فلا عقاب على هذا الشاهد.

ولكن يجب أن يكون البلاغ الكاذب مقدما ضد شخص أو أفراد معينين وإن كان لم يذكر في البلاغ اسم المبلغ ضده، بل يكفي أن يكون معينا تعينا يستدل منه على الشخص المقصود من البلاغ، فمثلا إذا كانت الواقعة أن المبلغ قد ابلغ مركز الشرطة عن وقوع جريمة قتل أدعى حصولها واتهم فيها شخصا وصفه وصفا لا يصح إلا هذا الشخص ولكنه لم يذكر اسمه بالكامل لغاية في نفسه وكان ذلك يقصد الإيقاع به، فإن جميع العناصر القانونية لجريمة البلاغ الكاذب تكون متوافرة في حقه، ويكفي لتكوين الجريمة أن يرشد المبلغ عن اسم المبلغ ضده أثناء الجنس.








2- الأمر المبلغ عنه:

يجب أن يكون الإخبار يأمر مستوجب لعقوبة فاعله، وهذا مستنتج من نص المادة 300 من (ق.ع) إذا قدم البلاغ إلى، الحكام الإداريين أو القضائيين أو الشرطة كأن يسند المبلغ عنه انه قد ارتكب جناية اغتصاب أو هتك عرض ثم يتضح إلا جريمة في الأمر ويكفي أن تكون الجريمة المبلغ عنها كذبا مستوحية العقاب ولو كان رفع الدعوى معلقا على شكوى أو إذن أو طلب كالتبليغ كذبا عن جريمة زنا أو سرقة بين الأصول والفروع والزواج ولكن لا تقوم جريمة البلاغ الكاذب لفقدان هذا العنصر إذا كان الظاهر من صيغة البلاغ إلا جريمة في الأمر المبلغ عنه أو أن هناك جريمة ولكنها لا تستحق العقاب ومثال ذلك أن يبلغ شخص عن آخر كذبا أنه يعاشر خادمته البالغ، أو أنه ارتكب سرقة انقضت الدعوى الجنائية عنها بالتقادم ولكن الإسناد يصح أن يكون جريمة قذف إذا حصل في علانية.

3- كذب الوشاية:

يجب أن تكون الوقائع التي تضمنتها الوشاية الكاذبة لا أساس لها من الصدق وذلك لأن التبليغ عن الجرائم حق للناس وواجب مفروض عليهم، فلا يعقل عقابهم على هذا التبليغ الذين يخدمون به السلطات الإدارية ورجال الأمن إلا إذا كانوا كاذبين أو تعمدوا الكذب فيه. ولا يشترط للعقاب أن تكون الوقائع المبلغ عنها مكدوبة كلها، بل إن جريمة البلاغ الكاذب تتم ولو كانت بعض الوقائع كاذبة متى توافرت الأركان الأخرى للجريمة.

ويعتبر هذا العنصر من أهم العناصر القانونية المكونة للركن المادي بجريمة الوشاية الكاذبة ذلك أن الواقعة المبلغ عنها إذا كانت صحيحة فلا عقاب ويكون الإبلاغ مباحا بل قد يكون واجبا كما رأينا أن الإبلاغ عن الجرائم واجب على الأفراد، أما إذا كانت الواقعة كاذبة ومختلفة فيخرج الفعل من دائرة المباح إلى دائرة التجريم وقد ذهب الفقه الفرنسي على أنه إذا كان الأمر المبلغ عنه صحيحا فلا عقاب حتى ولو كان المبلغ لم يقصد تبلاغه سوى النكاية والانتقام.
وإذا كانت الواقعة صحيحة فلا يقوم بالإبلاغ عنها جريمة ولو قدم المبلغ لتدعيمها دليلا غير صحيح ولا يغير من هذا الحكم أن يكون فحوى هذا الدليل واقعة فعدم الصحة يتطلبه القانون في الواقعة المستوجبة للعقاب التي أسندت إلى المجني عليه لا في الدليل عليها.

4- رفع البلاغ إلى السلطة الإدارية والقضائية أو الشرطة 

التعليقات

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه