أسباب عدم المشروعية أو أوجه الإلغاء في الثانون الجزائري

0
e   : أسباب عدم المشروعية أو أوجه الإلغاء
بعد أن يقوم القاضي للممارسة رقابته على شروط قبول دعوى الإلغاء في المنازعات المطروحة أمامه ويستبعد بذلك كل دفع بعدم القبول فإنه يمد رقابته بعد ذلك على موضوع النزاع وهو المتعلق بمدى مشروعيته القرار المطعون فيه والقاضي يستند في هذه المراقبة على ما يدعيه الطاعن من أوجه عدم المشروعية التي قد تلحق القرار الإداري، ومن ثم فإن الأساس الذي تقوم عليه مرحلة الفصل في موضوع الدعوى هو دراسة أوجه الطعن وهي العيوب التي تصيب القرار الإداري وتؤدي إلى إلغائه.
ويكون القرار غير مشروع إذا كان مشوبا بعيب من العيوب أو بسبب من الأسباب التي تأدي إلى بطلانه، وعيوب القرار الإداري عددية ومتنوعة، وللقضاء الإداري الفرنسي دور كبير في تحديد معالمها، ويعتبر عيب الاختصاص من أولى العيوب التي ظهرت في اجتهادات القضاء الإداري الفرنسي، حيث أن مجلس الدولة لا يقبل الطعن بسبب تجاوز السلطة إلا بالنسبة للقرارات التي تصدر من جهة غير مختصة بإصدارها، ثم ظهر بعد ذلك عيب الشكل والإجراءات، فأخذ مجلس الدولة يلغي القرارات الإدارية التي تكون تجاهلت الإدارة في إصدارها الشكل الذي يقرره القانون أو الإجراءات التي يرسمها، ثم ظهر بعد ذلك عيب الانحراف في استعمال السلطة (الغاية)، ثم أخذ بعد ذلك بعيب مخالفة القانون (المحل) وحديثا أخذ مجلس الدولة يعيب السبب كسبب من أسباب إلغاء القرارات الإدارية.
وقد حل المشرع المغربي، قبل صدور قانون المحاكم الإدارية، حدو المشرع الفرنسي إذ أن قانون المجلس الأعلى لم يحدد أسباب الإلغاء، وترك للقاضي سلطة تحديد معنى الشطط وحالاته، وقد تولت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى هذه المهمة مستهدية في ذلك ما جرى عليه القضاء الإداري الفرنسي.
إلا أنه مع صدور قانون المحاكم الإدارية فإن المشرع قد تولى بنفسه تحديد الحالات التي تعتبر تجاوزا للسلطة والتي تؤدي إلى إلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية، حيث نصت المادة 20 من القانون المذكور على أن كل قرار إداري صدر عن جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو الانحراف في السلطة أو للانعدام التعليل أو لمخالفة القانون يشكل تجاوزا في استعمال السلطة ويحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية المختصة[1].
وما يجدر ذكره، أن عيوب القرار الإداري التي تجعله قابلا للإلغاء تتداخل مع بعضها البعض في كثير من الأحيان، ولكن طبيعة الدراسة العلمية تتطلب أن نفصل بينها لكي نبحث في كل واحد منها على حدة، كما أنه من ناحية أخرى، يكفي أن يصاب القرار الإداري بأحد هذه العيوب لكي يطعن فيه بالإلغاء وحتى يقضي بإلغائه
وتقوم الجهات القضائية المختصة بمراقبة مشروعية القرار الإداري في مختلف عناصره، غير أن رقابته في اختصاص الإدارة المقيد تكون أوسع إطارا من رقابته في حالة السلطة التقديرية، إذ في حالة الاختصاص المقيد يبحث القاضي في توفر كافة الوقائع والشروط التي استلزمها القانون كسبب لصدور القرار على نحو معين، فإذا وجد أن القرار لم يصدر كما فرضه القانون حكم ببطلانه لعيب في محله أو لمخالفته القانون بالمعنى الضيق أما في حالة السلطة التقديرية التي لا يحدد فيها القانون محل القرار فإن هذا المحل لا يكون باطلا إلا إذا كان في حد ذاته مخالفا للقانون ويقتصر دور القاضي الإداري على مراقبة سبب القرار من حيث ثبوت مبررات اتخاذه وصحة تكييفها من الناحية القانونية، وذلك لتحقق من مشروعية محل القرار.
والأصل أن الإدارة هي التي تقدر مدى فائدة أو ملائمة ما تتخذه من قرارات في نطاق ما هو مشروع، غير أن القضاء الإداري في رقابته على محل القرار الإداري تجاوز ذلك إلى مراقبة استخدام الإدارة لسلطتها التقديرية فيما يسمى برقابة الملائمة ولكن على أساس أن تكون تلك الملائمة على شروط المشروعية كما سنبين ذلك من خلال الآتي بيانه.
لكن ما هو الجانب المقيد والجانب التقديري من تلك السلطات حتى يتبين حدود رقابة القضاء على الجانبين ؟
إذا استعرضنا هذه العناصر سنجد عنصر الاختصاص وعنصر الشكل وعنصر الغاية لا محل للسلطة التقديرية فيها، لأن الإدارة تكون ملزمة باحترام قواعد الاختصاص وبإتباع القواعد الشكلية وتحقيق الغاية التي حددها المشرع بحيث يكون عملها معدوما إذا ما خرجت عن القواعد السابقة[2] فلا مجال لتقدير في هذه العناصر. أما العنصران الآخران وهما عيب السبب وعيب المحل فإنهما يضمان في جانب منهما اختصاصا مقيدا وفي جانب آخر اختصاص تقدرينا. وبما أن الجانب المقيد يخضع لرقابة القضاء بناء على مبدأ المشروعية وأن الجانب التقديري لا يخضع لمراقبة القضاء –كما سنرى ذلك- فالمطلوب هو بيان الكيفية التي اعتمدها القضاء في التمييز بين الجانبين وقصر رقابته على جانب المشروعية دون جانب الملائمة في القرارات الإدارية[3].
إن تحليل هذه الأمور يتطلب تقسيم الموضوع إلى نقطتين : النقطة الأولى سنتناول فيها حدود رقابة القضاء على المجال المقيد في القرارات الإدارية أما النقطة الثانية فسنتطرق فيها إلى رقابة القضاء على مجالين التقديري والمقيد في القرارات الإدارية.
Ãأولا : رقابة القضاء على المجال المقيد في القرارات الإدارية
إن عناصر القرار الإداري التي تحتوي فقط على الجانب لسلطات الإدارة هي عنصر الاختصاص، عنصر الشكل وعنصر الغاية : بحيث إذا اعترى تلك العناصر أي عيب من العيوب فإن القرار يصبح مشوبا بعيب عدم المشروعية وبالتالي يكون قابلا للإلغاء.
1)   رقابة القضاء على عيب الاختصاص في القرار الإداري :
أ‌-      تعريف عيب عدم الاختصاص وأهميته :
يقصد بعيب الاختصاص خرق القواعد التي تحدد الجهة المختصة بالقيام بتصرفات معينة، بمعنى أنه إذا قام المشرع بتحديد اختصاص ما أوكل به إلى فرد معين أو إلى هيئة بذاتها دون مشاركة، أو أوكل به إلى عدة موظفين أو هيئات ليمارسه كل على حدة، أو اشترط لممارسة اختصاص ما مشاركة عدة أفراد أو هيئات وتعاونها معا، بحيث لا يكون العمل الإداري صحيحا إلا بموافقتهم جميعا وإذ صدر العمل أو التصرف الإداري من جهة مخالفة للجهة التي حددها المشرع للقيام بذلك العمل فإن تصرفها يعتبر صادرا ممن لا يملك هذا الحق لأنها غير مختصة به ويكون قابلا للإلغاء لتوفر عيب الاختصاص[4].
وتظهر أهمية عدم الاختصاص في كونه أول عيب اعتمده القضاء لقبول دعوى الإلغاء، ولعل من ضروب التكرار والقول بأنه العيب الذي انبثق منه بقية العيوب، وبأن دعوى الإلغاء في بدايتها حملت اسم دعوى عدم الإختصاص وتجاوز حد السلطة[5].
وعيب الاختصاص لا يزال العيب الوحيد الذي يتعلق بالنظام العام، بحيث يستطيع القاضي أن يتصدى له من تلقاء نفسه حتى ولو لم يثره طالب الإلغاء، كما أن الإدارة لا تستطيع أن تتفق مع الأفراد على مخالفة قواعد الاختصاص، لأن هذه القواعد مقررة للصالح العام وليس لمصلحة الإدارة، كما أن العيب الذي يلحق القرارات الإدارية بعدم الاختصاص يجعلها قرارات باطلة لا يمكن تصحيحها بإجراء لاحق من حق السلطة المختصة[6].
ب‌-  صور عيب الاختصاص :
لعيب الاختصاص صورتان بينهما الفقه والقضاء الإداريان، فالصورة الأولى هي التي يكون فيها عيب الاختصاص جسيما، ويسمى اغتصاب السلطة، أما الصورة الثانية فيكون فيها عيب الاختصاص بسيطا.
Ÿ        عيب الاختصاص الجسيم : ويتحقق عندما يصدر القرار من فرد عادي ليس له الصفة القانونية أو من موظف لا صلة له بإصدار القرارات الإدارية، أو من سلطة إدارية في موضع من الاختصاص إحدى السلطتين التشريعية أو القضائية ويترتب على ذلك أن القرار لا يعتبر باطلا فحسب، بل معدوما وفاقدا لصفته الإدارية، فلا يتحصن بفوات الأوان – ميعاد الطعن – وتدخل إجراءات تنفيذه ضمن أعمال التعدي، وهذا ما جاء في قرار المجلس الأعلى رقم 84/60 بتاريخ 21 ماي 1960[7] إذا اعتبر قرار رجل السلطة المحلية (قائد) بإغلاق محل التنازع حول استغلاله بين الشركاء فيه قرارا يتجاهل مبدأ الفصل بين اختصاص السلطتين القضائية والإدارية ويشكل اعتداء على اختصاص السلطة القضائية.
Ÿ        عيب الاختصاص البسيط : ويكون عندما يتعلق الأمر بمخالفة قواعد الاختصاص في نطاق الوظيفة الإدارية، وهذا العيب أقل خطورة وأكثر حدوثا من العيب السابق ذكره وينقسم إلى أنواع مختلفة، فهناك عدم الاختصاص الموضوعي وعدم الاختصاص الزمني ثم عدم الاختصاص المكاني.
2)   رقابة القضاء على عيب الشكل في القرار الإداري :
أ- ماهية عيب الشكل :
الأصل في القرارات الإدارية، أن رجل الإدارة المختصة غير مقيد بشكل معين في إصدارها، وعلى ذلك فقد يرد القرار كتابة كما يرد شفاهة، غير أن المشرع قد يفرض على الإدارة إفراغ إرادتها في شكل معين ووفق إجراءات معينة، فإذا خالفت الإدارة هذا الشكل أو تلك الإجراءات يكون قرارها غير مشروع ومعيبا بعيب الشكل. وعلى هذا الأساس يمكن تعريف عيب الشكل بأنه عدم احترام القواعد الإجرائية أو الشكلية المحددة لإصدار القرارات الإدارية المنصوص عليها في القوانين المختلفة[8].
وقواعد الشكل والإجراءات في إصدار القرارات الإدارية على جانب كبير من الأهمية، فهي مقررة لحماية المصلحة العامة ومصلحة الأفراد على السواء، وذلك بتجنيب الإدارة المواطن الزلل والتسرع، ومنحها فرصة معقولة للتروي ودراسة وجهات النظر المختلفة، فليست قواعد الشكل والإجراءات أمور ثانوية واختيارية إن شاءت أهملتها، ولكنها ضمانات أصلية للأفراد ضد تعسف الإدارة فهي تمثل ضمانات حقيقية توازن سلطات الإدارة[9].

ب- حالات عيب الشكل :
يقصد بهذه الحالات العيوب الجوهرية التي تصيب المظهر الخارجي للقرار وتؤدي إلى بطلانه.
ü    الحالة الأولى : الكتابة
الأصل أن يأخذ القرار الإداري شكلا كتابيا، إلا أنها لا تعتبر شكلية جوهرية يترتب البطلان على الإخلال بها. وقد اعترف القضاء والفقه بوجود القرار الشفوي بشرط إثباته وبشرط أن يكون المشرع اشترط أن يكون القرار مكتوبا صراحة أو ضمنا.
وفي هذا الاتجاه استقر قرار المجلس الأعلى، على قبول الطعن بالإلغاء في القرارات الشفوية، فقد ألغت الغرفة الإدارية في قضية لحسن بن عبد المالك السوسي القرار الشفوي الذي صدر عن قائد مدينة الخميسات القاضي بإغلاق مقهى لعيب عدم الاختصاص والانحراف في استعمال السلطة[10].
ü    الحالة الثانية : التوقيع على القرار وذكر تاريخ إصداره :
بحيث يجب أن يذيل القرار بتوقيع مصدره أو مصدرية إن تعددوا، وغياب التوقيع ينفي وجود القرار، وكذلك إغفال ذكر تاريخ إصداره لا يعد في حد ذاته عيب شكل جوهري يترتب عليه البطلان، بل يعد من الأخطاء المادية أو بتعبير آخر قد يعد عيب شكل ثانوي، ولا يؤثر أيضا على صحة القرار كون التاريخ الموضوع عليه لاحق للتوقيع، وهذا بطبيعة الحال لا يقلل من أهمية التاريخ لأنه في حالة الطعن في مشروعية القرار تلك المشروعية وفقا للنظام القانوني السائد وقت اتخاذ القرار علاوة على أن القانون قد يفرض اتخاذ القرار في فترة زمنية معينة، كما قد يدعي صاحب الشأن بأن يبين التوقيع وكتابة التاريخ جد ظرف قانوني أو واقعي يستدعي تغيير القرار.

ü    الحالة الثالثة : الخطأ في الإحالة أو إغفالها :
بحيث إذا تم إغفال النص التشريعي الذي يستند عليه القرار أو الخطأ فيه يعتبر من الأخطاء المادية أو بتعبير آخر من عيوب الشكل الثانوية التي لا تؤثر على مشروعية القرار، يستثني من هذه الحالة كون النص التشريعي هو السبب الذي أوحى بالقرار[11].
ü    الحالة الرابعة : تسبيب القرار الإداري :
يقصد به الإفصاح عن الأسباب القانونية والواقعية التي يجد فيها القرار أساسه القانوني وعلته السببية، والتسبيب وفق هذا التعريف يتعلق بركن الشكل وهو أحد عناصر الجانب الشكلي للقرار وهذا ما يميزه عن السبب الذي يمثل في حد ذاته ركنا مستقلا من أركان القرار الإداري.
والأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها أي تضمينها الأسباب التي قامت عليها، غير أن القانون قد يشترط ذلك في بعض القرارات وفي هذه الحالة يجب على الإدارة ذكر سبب القرار، وإذا أغفلت هذا الإجراء كان قرارها معيبا من حيث الشكل، مثل ما جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل 66 من قانون الوظيفة العمومية لسنة 1958 « ويقع الإنذار والتوبيخ لمقرر تصدره السلطة التي لها حق التأديب...».



[1]- د. محمد الوزاني، مرجع سابق، ص: 118.
[2]- إلا أن هذه القاعدة تحتوي على استثناء يخضع لتبريرات معينة كما هو الشأن في نظرية الموظف الفعلي أو الواقعي على سبيل المثال.
[3]- دة. مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص : 559.
[4]- نفس المرجع، ص : 560.
[5]- د. فهد بن محمد بن عبد العزيز الدغيثر، مرجع سابق ص: 190.
[6] - د. محمد الوزاني مرجع سابق ص : 120.
[7] - في ملف إداري عدد 2790 (منشورات المجلس الأعلى في ذاكراه الأربعين لسنة 1970، المادة الإدارية) ص: 31.
[8] - د. محمد سليمان الطماوي، مرجع سابق ص: 733.
[9] - د. محمد الوزاني، مرجع سابق ص: 126.
[10] - المجلس الأعلى 21 ماي 1960 لحسن عبد المالك السوسي، مجموعة قرارات المجلس الأعلى الغرفة الإدارية 1966/ 70 ص: 147.
[11] -  د. فهد بن محمد بن عبد العزيز، مرجع سابق ص: 212.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه