مفهوم ومسوغات الحصانة البرلمانية

0
مفهوم ومسوغات الحصانة البرلمانية

لقد كان لمصطلح ( حصانة ) في القانون الروماني مفهوما أو معنى ضيق ومحدد إذ كان يقصد به آنذاك الإعفاء الضريبي والذي كان يمنح لبعض المواطنين الذين كانوا يؤدون للدولة خدمات مميزة .
ثم اتخذ هذا المصطلح في القانون القديم - القانون الذي كان سائدا قبل الثورة الفرنسية - معنى أكثر اتساعاً حيث قصد به إعفاء بعض الأفراد من التزامات معينة مفروضة عليهم أي من التزامات كان من الواجب عليهم أداؤها فيما لو لم تقرر لهم حصانة في شأنها. 

ثم بدأ مصطلح حصانة يظهر بعد ذلك في بعض المواثيق الدستورية كضمانة هامة وأساسية لحماية استقلال أعضاء البرلمان أثناء مباشرة عملهم النيابي وإن كانت هذه المواثيق لم تشر صراحة إلى مصطلح حصانة برلمانية وإنما تضمنت فقط مضمون أو جوهر هذا المصطلح وذلك بالنص على إعفاء أعضاء البرلمان من المسئولية السياسية عما يصدر منهم من أقوال وأفكار أثناء أداء أعمالهم البرلمانية ، وإعفائهم من مواجهة بعض الإجراءات الجنائية التي تؤثر على استمرارية العمل ، وقد تضمنت الدساتير الحديثة نصوصا تكفل منح أعضاء البرلمان بعض الضمانات حتى يتمكنوا من مباشرة عملهم النيابي ، ومن هذه الضمانات عدم مسئولية العضو عما يبدي من أفكار وآراء أثناء مباشرة الوظيفة النيابية وهي ما تعرف بالحصانة ضد المسئولية البرلمانية ، ومن ذلك ما تضمنته الفقرة التاسعة من المادة الأولى من الوثيقة الدستورية المعروفة باسم قانون الحقوق الصادرة في إنجلترا (1688) وكذلك في كافة الوثائق الدستورية الفرنسية حتى الدستور الحالي الصادر عام (1958) وأيضا في مختلف الدساتير المصرية المتعاقبة حتى الدستور الحالي لعام 1971م وذلك باستثناء دستور عام 1958م .

والحصانة ضد المسئولية البرلمانية لا تشمل أقوال العضو داخل البرلمان فقط بل تشمل أقواله داخل اللجان وتقاريره التي يكتسبها ، وكذلك أقواله التي يبديها خارج المجلس بمناسبة قيامه بعمل برلماني .
لذلك تمثل الحصانة ضد المسئولية البرلمانية ضمانة حقيقية تهدف إلى منح عضو البرلمان الثقة التي تمكنه من أن يقول كل ما من شأنه إثراء العمل البرلماني وإعلاء الفكر الديمقراطي ومن ثم أعلى قدر من الطمأنينة على وضعه ومستقبله ، فلو حوسب عضو البرلمان كما يحاسب الشخص العادي على تصرفاته وأحاديثه وأفكاره لكان ذلك إرهاقاً كبيراً ولآثر السكوت والصمت . 

ولو أننا حاسبناه على جرائم السب والقذف وجعلناه يوما يمثل أمام محكمة الجنح وفي اليوم التالي أمام محكمة الجنايات فإنه لن يستطيع القيام بواجبات وظيفته على الوجه الأكمل .

وهكذا نستطيع القول بأن الحصانة ضد المسئولية البرلمانية " امتياز دستوري مقرر لأعضاء البرلمان بصفاتهم لا بأشخاصهم سواء كانوا منتخبين أم معينين يتيح لهم أثناء قيامهم بواجباتهم البرلمانية حرية الرأي والتعبير دون أي مسئولية جنائية أو مدنية تترتب على ذلك " فالحصانة على هذا النحو تعد بحق مبدأ من أقدس المبادئ الدستورية .

كما تقدم من أهم الضمانات التي كفلتها الدساتير لأعضاء البرلمان أيضا عدم جواز اتخاذ أي إجراء جنائي ضد أي منهم في غير حالة التلبس بالجريمة إلا بإذن مسبق من المجلس النيابي الذي يتبعه .

وكما هو واضح ليس الهدف من هذه الحصانة حماية الأعضاء من نتائج الجرائم التي يرتكبونها ، وإنما فقط أخذ موافقة المجلس على اتخاذ الإجراءات القانونية قبل الشروع فيها ، فهذه الحصانة تستهدف إفساح المجال أمام العضو حتى يؤدي وظيفته النيابية دون خوف أو وجل ، فالقبض على العضو قد يحول بينه وبين المشاركة في إحدى جلسات المجلس الهامة . 

والحصانة البرلمانية على هذا النحو يقصد بها أنها ضمانة دستورية بعدم اتخاذ أي من الإجراءات الجنائية في غير حالة التلبس بالجرائم ضد أعضاء البرلمان أثناء انعقاده بغير إذن من المجلس التابع له ذلك العضو ، ولذلك فقد استثنيت من نطاق أعمال تلك الضمانة حالة التلبس بالجريمة حيث تتوافر مع هذه الحالة جدية الإجراءات بما لا يكون معه ثمة حاجة إلى اشتراط أخذ إذن المجلس أو رئيسه .







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه