العادة والإرادة في مادة الفلسفة للسنة الثالثة ثانوي

0

مقدمة طرح المشكلة:

لا شك أن الإنسان في تفاعله مع البيئة يسلك سلوكيات متنوعة ، منها ما هو مكتسب كعادة الكتابة ومنها ما هو فطري غريزي كالأكل والشرب وهي أمور لا نحتاج لتعلمها وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل ما مفهوم العادة وما أثرها على سلوكنا؟ وهل هي إلزام يشل إرادتنا؟ وإذا كانت الإرادة خروج عن العادة فهل يعني أن لا إمكانية للتقريب بينهما؟

І - كيف يمكن للعادة بكل ما تسببه من رتابة وآلية أن تكون وسيلة للتكيف؟

أولا: تعريف العادة والفرق بينها وبين الغريزة:

التشابه بين العادة والغريزة: يتشابهان في صفتان أساسيتين هما:

الثبات: الغريزة ثابت عند جميع أفراد النوع فلا تتغير عبر الازمنة بل هي نمطية.

الآلية: يقوم الرد بهما بشكل عفوي وتناقص في الوعي.

الاختلاف بينهما: العادة مكتسبة يمكن أن نفقدها، أما الغريزة فمرتبطة بيولوجيا بنا.

أ-مفهوم العادة: يعرفها إبراهيم مدكور في "المعجم الفلسفي" بما يلي: «..إنها قدرة مكتسبة على أداء عمل بطريقة آلية مع السرعة والدقة والاقتصادي الجهد، فتقلل العادة من الجهد النفسي والعمل الذهني، وتخالف الغريزة في أنها مكتسبة في حين أن الغريزة وراثية»

ب- مميزات العادة:

السرعة والدقة: يحصل اكتساب العادة بالقابلية للتعلم، لهدف سرعة انجاز الأعمال وفي نفس الوقت اتقانها.

الاقتصاد في الجهد: نتعلم العادة بشكل واعي وشعوري لهدف التقليل من الطاقة التي نصرفها الانجاز فعل ما.

ثانيا: كيف نكتسب العادة؟.

أ- عوامل تعلم العادة:

العادة سلوك مكتسب يلعب التعلم فيه الدور الأساسي، ورغم اختلاف النظريات حول عوامل تعلمها إلا أننا نستطيع إجمالها في هذه النقاط الأربعة:

01- التكرار: يعتبر أرسطو "العادة بنت التكرار"، فالتكرار يقوي السلوك التعودي ويسقط منه الافعال الزائدة أين نقوم بتقسيم العملية إلى أجزاء ثم نركب بينها، مع الانتقال من السهل إلى الصعب فلاعب الجمباز يتمرن على الحركات البسيطة أولا .

02- العامل العقلي: حضور العقل واستعمال الوظائف العليل للعقل(كالإدراك


والتخيل والذكاء) خاصة عند اكتساب عادات فكرية كالتعود على حل تمرين رياضي أو كتابة مقال فلسفي.

03- العامل النفسي: الرغبة الانتباه الاهتمام (الحافز النفسي من أهم عوامل تعلم العادة).

04- العامل الاجتماعي: إن الكثير من عاداتنا نكتسبها من المجتمع، كالتقاليد والقيم.

ب- أنواع العادات:

حركية: مثل قيادة السيارة أو الدراجة، الكتابة على الالة الراقنة والكومبيوتر، وكلها تتفاوت في التركيز والانتباه.

نفسية: كعادة الصبر والشجاعة كظم الغيظ.

اجتماعية: كالقيم وكثير من الفضائل أو الرذائل ما هي إلا عادات إجتماعية، وغالبا ما تكون إلزامية وقهرية كقوله تعالى: ﴿وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون.﴾(سورة الزخرف الآية: 23).

ثالثا: أهمية العادة في التكيف:

إن اتصاف العادة بالآلية جعل البعض يعتبرها متحجرة تفقد الإنسان إنسانيته، فكيف يمكن إثبات أن معظم العادات إيجابية؟ 

من إيجابياتها:

- الاقتصاد في الوقت والجهد النفسي (التركيز والانتباه) وفي الجهد العقل والعضلي وتسهيل العمل.

- إتقان العمل: تكسبنا الخبرة الدقة الرشاقة، كالبهلواني مثلا.

- وتعلمنا سلوكيات تقوي الشخصية كالصبر الكرم..الخ.

- بل حتى التخلص من العادات السيئة يتم يتعلم عادات إيجابية بديلة (قانون الكف العكسي).

  نستنتج أن العادة تساعد على التكيف نظرا لما توفره من اقتصاد في الجهد والوقت وإتقان للعمل، يقول مودسلي"لو لم تكن العادة تسهل لنا الأشياء لكان في قيامنا بارتداء ملابسنا وخلعها سيستغرق نهارا كاملا "

 فبرغم انتقادات الفلاسفة لها ووسمها بالتصلب(منع الأفكار الجديدة) والروتين الملل، حيث قال جون جاك روسو«خير عادة أن لا تتعلم عادة»، ذلك لأنها تضعف الإرادة والحس النقدي في الإنسان، يقول وليام جيمس "إنه لو عرف الشباب أنهم سيصبحون يوما من الأيام كتلة متحركة من العادات لانتبهوا لسلوكهم  وهم في أوج الحياة فالمرء ينسج أقداره بيديه وسواء كان ذلك خيرا أو شرا فإن خيطه المنسوج لن يحل "

إلا أن هذا الرأي يغفل الكثير من إيجابيات العادة في التكيف مع العالم الخارجي.

Π - لماذا تعتبر الإرادة بكل ما تحتويه من أهواء وانفعالات لا تحقق التكيف مع الواقع إلا بشكل جزئي ؟

 

أولا: الإرادة ميزة إنسانية:

أ- مفهوم الإرادة: تعتبر الإرادة من العمليات النفسية –العقلية التي تحسم الصراع والتردد القائم بين مجموعتين من الميول"فهي إذن القصد إلى الفعل أو الترك مع وعي الأسباب الدافعة إليها"،فالفعل الإرادي ينطوي على أحكام تقريرية ومن هنا تفهم الإرادة بمعنيين

المعنى العام:هي اختيار نشيط النابع من ذواتنا الحرة ي مواجهة الواقع والحياة.

المعنى الخاص: اتخاذ الإنسان لقرار على الإقدام لتنفيذ خيار واحد بين متعارضات.وغابا ما تكون الإرادة خروجا عن المألوف وعن الأنماط السلوكية الآلية التعودية مثل ما فعل الاسكندر.

ملاحظة: الإرادة خاصية إنسانية بامتياز يقدم كارل ماركس مثال يقارن فيه بين أمهر النحل والمهندس فالأول عامل غريزي أما الإنسان فيحركه الفعل الإرادي الحر.

ب- شروط الإرادة:

- تصور الهدف:أن يتصور الغاية التي يريد تحقيقها أو المثال الأعلى الذي يريد الوصول إليه.

- الإيمان بالنفس: الحياة مبنية على الإيمان والثقة في النفس.

- التخطيط والأخذ بالأسباب: على الفرد أن لا يتوقف عند التمني، بل ينظم أفكاره وينفذ الفعل.

ثانيا: كيف تحقق الإرادة التكيف؟

قبل الحديث عن دور الإرادة في عملية التكيف مع المواقف الجديدة لا بد من توضيح النقاط التالية:

مما يتركب الفعل الإرادي؟، أو ما هي آلية عمل الإرادة؟ (ميكانيزماتها).

نية الفعل: هناك صراع داخلي ينتهي إلى حل اختياري.

إرادة الفعل: هو إنجاز الفعل في الواقع (تجسيد النية تحققها).

أ- صفات الفعل الإرادي:

- الفعل الإرادي فعل جديد يتصف بجدته عكس الغريزة والعادة.

- الفعل الإرادي يعتمد على التأمل الوعي وهو فعل قصدي، فالمريد يدرك تماما الغاية من فعله فهو يرى في أنه ممكن التحقيق ومعقول.

- الفعل الإرادي فعل ذات: يتبدل بتبدل الأفراد، وتتحمل كل ذات مسؤوليته.

ب- مراحل الفعل لإرادي: يقسم الفعل الإرادي إلى أربع مراحل:

تصور الهدف: مثلا يتصور القائد العسكري الانتصار والتلميذ النجاح.

المداولة(المناقشة): قبل الإقدام يقلب الأمر على مختلف جوانبه بالأخذ والرد.

القرار: هو البت النهائي باتخاذ موقف وقرار ينهي التردد.

التنفيذ: إنه التحقيق الفعلي للقرار.

تعقيب: ليس هذا الترتيب إلا تنظيم منطقي فلا يمكن تجزيء الفعل تماما.

ثالثا: الإرادة كانفعال يعيق التكيف:

إن الإرادة ظاهرة معقدة متشابكة غالبا ما تمتزج بالانفعال.وتختلط بمفهوم الرغبة والتمني ولا تختلف عنهما إلا في درجة الشدة ومنه نتساءل ما الفرق بين الإرادة والرغبة والتمني؟

01- التمني ليس من الإرادة: يتوقف التمني عند حدود المطلب النفسي، فلا يتبعه جهد ولا فعل، فليس للتمني حدود ولا قيود فبإمكان الشخص تمني أي شيء.  

الرغبة قد تكون دافع أو مثبط للإرادة: الرغبة أشد من التمني ولكنها أقل من الإرادة والرغبة لا تتحقق إلا إذا تحولت إلى إرادة عمل، و قد تكون الرغبة دافع للإرادة.

كما قد تكون الرغبة مثبطة ومضادة للإرادة، كرغبة اللهو أمام إرادة الدراسة.

ومن ثمة فإن سيطرة الرغبات والأهواء والتمنيات قد تضعف المفعول الايجابي للإرادة.

ΠІ : إذا كانت الإرادة تختلف عن العادة، فهل هناك سبل للتقارب بينهما؟

أولا: الإرادة شرط لتكون العادة:  إن الإرادة هي المنبع الأصيل لوجود الفعل الاعتيادي وبداية أي فعل اعتيادي، وعلى ذلك فإن طلب العلم (التعلم) إذا لم يكن من ورائه إرادة اختل وانهار، بل كل عمل بلا إرادة يفشل لا محالة.

ثانيا: العادة تدعم الإرادة وتساعد على الفعل الإرادي: فاعتياد الإقدام والكرم يقوي الإرادة الصلبة على القرار، والمحن تقوي إرادة الصمود

فالجيوش الإسلامية التي اعتادت شدة الصحراء قوة عزيمتها في الفتح الإسلامي. ويمكن هنا لمس خاصيتين سندين تقدمهما العادة للإرادة.

أ- الخبرة المكتسبة بالعادة تدعم الإرادة: التلميذ المتمرس على الدراسة والأسئلة الصعبة لن يجد صعوبة في الامتحانات على اختيار السؤال والإجابة.

ب- العادات الاجتماعية منهل للإرادة: اكتسب غاليليو عادات كثيرة كحب الاكتشاف المثابرة واعتاد على البحث المضني وقول الحقيقة، ولقد واجه بإرادة الصلبة خصومه من الكنسيين الرافضين لفكرة دوران الأرض.

ومنه نستخلص:الإرادة هي العامل المحفز لتعلم السلوكيات الاعتيادية كما أن الإرادة لا تنمو ولا تتطور إلا بالممارسة والتمرين. ومادام الإنسان لا يولد بإرادة قوية لزم التمرس والاعتياد عليها.

خاتمة حل المشكلة: تساعد العادة والإرادة الإنسان على التكيف مع العالم الخارجي، كما أن العادة متصلة بالإرادة والعكس صحيح، فبمعزل عن التعارض الظاهري بينهما ندرك أن هناك علاقة تكامل وتعاون لا تنفصم بين وظيفتهما (علاقة وظيفية بينهما).

 

مخرج للإشكالية الأولى برمتها: تبدأ الإحاطة بحقيقة العالم الخارجي أولا وأساسا من معرفة الذات لأحوالها ووظائفها، وقطب الوظائف النفسية هو الإدراك، باعتباره قناة الاتصال الرئيسية التي تربط الذات  بالعالم الخارجي، وما الوظائف النفسية الأخرى سوى خادمة له.

هناك علاقة تفاعلية جدلية بين كل من الإحساس والإدراك، اللغة والفكر، الشعور واللاشعور، الذاكرة والتخيل والعادة والإرادة، و بين هذه الوظائف الذهنية العليا فيما بينها. إن الإنسان كائن حي في تفاعل نشيط بين وظائفه النفسية، ولا يتوقف عن التغير متكيف مع العالم الخارجي.                     

أسئلة التقويم: مقالة فردية:

* كيف يمكن البرهنة على أن العادة مهما كان لها من سلبيات فهي ضرورية لنا للتكيف؟ الاستقصاء  بالوضع.

مقالة جماعية:

إذا كانت العادة طبيعة ثانية فما الفرق بينها وبين الطبيعة الأولى؟ مقارنة

تطبيق في تحليل نص فلسفي.النـص1: العادة والتكرار بول غيوم ص 23.

02- النـص: الإرادة والاختيار الحر، رونيه ديكارت  ص 24.

إشكاليات مقترحة:

هل العادة عائق أمام تنمية الإرادة؟

ما العلاقة الممكنة بين العادة والإرادة؟             الاستقصاء الحر.

يمكن الاستعانة بالنص ص 67 العادة والإرادة

ما مدى توافق العادة والإرادة؟        الاستقصاء الحر.

هل ترى أن تشبث البعض بالعادات الاجتماعية، تكيف أم انحراف؟

يطلب منك أستاذ اللغة الفرنسية التعود على التكلم بها خارج الدرس، وبينما أنت تتمرن على ذلك يرد عليك زملائك أنك تتباه، فتأثر العادات الاجتماعية على إرادتك، ومع ذلك كيف يمكنك أثبات أن لا تعارض بين العادة والإرادة؟ الاستقصاء بالوضع.الاستعانة  بالنص .67 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه