نتائـج سـمو القـواعـد الدسـتورية في القانون الجزائري

0
نتائـج سـمو القـواعـد الدسـتورية
 إذا تقرر سمو القواعد الدستـورية على كل القواعد القـانونية السارية المفعول في الدولة، فمؤدى ذلك، هو خضوع كل القواعد القانونية لأحكام القواعد الدستورية، سواء من حيث الشكل أو من حيث الموضوع، ومعنى ذلك أن مبدأ سمو القواعد الدستورية هو مبدأ عام يتوجب على جميع السلطات العامة في الدولة احترامه، والنزول عند مقتضياته([1]). وقد جاء في ديباجة دستور 1996: "أن الدستور فوق الجميع وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية، ويحمي مبدأ حرية اختيار الشعب، ويضفي الشرعية على ممارسة السلطات، ويكفل الحماية القانونية ورقابة عمل السلطات العمومية في مجتمع تسوده الشرعية ويتحقق فيه تفتح الإنسان بكل أبعاده" وعلى ذلك فكل سلطة عامة ملزمة بالخضوع لقواعد الدستور سواء كانت سلطة تشريعية (الفرع الأول) أو سلطة تنفيذية (الفرع الثاني ) أو سلطة قضائية (الفرع الثالث ) .
الفرع الأول
خضوع السـلطة التـشريعية للقـواعـد الدسـتورية
ما دام أن القواعد الدستورية والمبادئ العامة للقانون بما فيها مبادئ الشريعة الإسلامية التي تأتي في مقدمتها باعتبارها ذات طابع دستوري، تأتي في مرتبة أسمى من القواعد القانونية الأخرى بما فيها القواعد التشريعية الصادرة عن السلطة التشريعية، فما هي نتائج هذا الترتيب ؟
إن المرتبة تلك تقود إلى نتيجة أساسية مفادها خضوع السلطة التشريعية عند سنها القواعد القانونية لأحكام القواعد الدستورية والمبادئ العامة للقانون ذات الطابع الدستوري، أي أن تكون كل أعمالها ضمن الحدود المقررة في الدستور فتخضع له شكلا (أولا) وموضوعا (ثانيا) .
 أولا: الخـضوع الشـكلي للقـواعـد الدسـتوريـة :
  ومعناه أن يصدر التشريع عن السلطة التشريعية في نطاق اختصاصها (I) وعلى مقتضى الإجراءات المقررة في الدستور لإصدار ره (II)
I- احترام قواعد الاختصاص: ذلك أن الدستور حدد المجال الذي تختص السلطة التشريعية بالتشريع في نطاقه([2])، فلا يجوز لها سن قوانين خارجه، إذ يعد ذلك مخالفة لمبدأ الفصل بين السلطات، وخروجا عن مجال اختصاصها وبالتالي يجئ قانونها مخالفا للدستور، فتنص المادة 122 من الدستور: " يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور وكذلك في المجالات الآتية ..." وحددت المادة ثلاثون مجالا يختص البرلمان بالتشريع فيها بموجب قوانين عادية، وأضافت المادة 123 :"إضافة للمجالات المخصصة للقوانين العضوية بموجب الدستور يشرع البرلمان بقوانين عضوية في المجالات الآتية ..."وحددت المادة سبعة مجالات للقوانين العضوية ، ثم قررت المادة 125من الدستور أن المسائل التي تخرج عن المجال المخصص للقانون والمحجوز للسلطة التشريعية يندرج ضمن الاختصاص التنظيمي الممنوح لرئيس الجمهورية، وإضافة إلى ذلك فإن البرلمان لا يندرج في اختصاصه التشريعي إلا وضع القواعد العامة والمبادئ الأساسية فحسب ، فلا يمتد اختصاصه لوضع القواعد التفصيلية، وذلك لكون الدستور أحيانا يمنحه الاختصاص بوضع المبادئ الأساسية فقط، ويبقي المجال لوضع باقي القواعد التفصيلية للسلطة التنفيذية بمقتضى سلطتها اللائحية (التنظيمية)، ومنها الاختصاص بوضع القواعد العامة المتعلقة بالبيئة وإطار المعيشة والتهيئة العمرانية والنظام العام للغابات والأراضي الرعوية طبقا لنص المادة 122 من الدستور، ففي مثل هذه الحالات يتوقف دور البرلمان على وضع القواعد العامة والمبادئ الأساسية فقط، ضف إلى ذلك أن هناك حقوقا وحريات لا يمكن للسلطة التشريعية ولا لغيرها المساس بها، إذ لها سلطة تنظيمها فحسب، ولا يمكنها منعها، إذ المنع من اختصاص المؤسس الدستوري وحده، ولو صدر تشريعا عن البرلمان يمنع واحدا من تلك الحقوق والحريات، فإنه يكون مشوبا بعيب عدم الاختصاص وبالتالي غير دستوري، وعلى ذلك فاختصاص السلطة التشريعية يتحدد بمجال حصري لا يجوز تجاوزه، لأن في ذلك اعتداء على اختصاص السلطة التأسيسية (المجال المحجوز للدستور )أو عل اختصاص السلطة التنفيذية ( المجال المخصص للتنظيم).
 ومن زاوية أخرى، فإن السلطة التشريعية لا يمكنها تفويض اختصاصها بالتشـريع، ذلك أنها لا تمارس حقا شخصيا، ولكنها تمارس اختصاصات دستوريـة باعتبارهـا مفـوضة مـن طرف الشعب، ومؤدى ذلك أنه لا يجوز لها أن تفوض هذا الاختصاص، وتقوم في وجه تفويض الاختصاص التشريعي استحالة دستورية سببها أن هذا التفويض يقع خلافا لما صرح به الدستور، الذي منح سلطة التشريع لجهة محددة، فإذا قامت تلك الجهة بتفويض اختصاصها لجهة أخرى، فإنها بذلك قد عدلت الدستور فيما يتعلق بتوزيع الاختصاصات المقررة فيه بإرادتها المنفردة، وبالإجراءات العادية، وفي ذلك مخالفة للقواعد المتعلقة بتعديل الدستور. وعلى ذلك فإنه لا يجوز للبرلمان تفويض اختصاصه الذي منحه إياه الدستور لغيره طالما لم يبح له الدستور ذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا يحتج للرد على هذا الرأي بما أجازه الدستور لرئيس الجمهورية من التشريع بأوامر في حالات معينة، إذ يعد ذلك تفويضا دستوريا استثنائيا لا يجوز  أن يفوض ولا أن يقاس عليه([3]).
II- احترام الشكل والإجراءات الدستورية: من المستقر عليه فقها وقضاء أن احترام السلطة التشريعية للشكل والإجراءات المقررة دستوريا لإصدار القوانين يمثل الشرط الأساسي لوجود القانون، بحيث إذا خرجت السلطة التشريعية عن مقتضى الإجراءات الدستورية عند قانونها غير موجود، وغير واجب النفاذ والتطبيق، فحتى يكون التشريع دستوريا يجب أن يكون قد استوفى الشكل الذي أوجبه الدستور واهم مسائل الشكل في التشريع هي الإجراءات الـتي يجـب إتبـاعها لاستصدار التشريع من البرلمان، وهذه الإجراءات تجد أسسها مدونة في الدستور، وتفصيلاتها مبسوطة في النظامين الداخليين للمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وتتعلق الإجراءات الدستورية بزمان ومكان وكيفية فحص مشروع القانون والتصويت عليه والأغلبية اللازمة لإقراره ونظام اجتماع المجلسين ونصاب صحة الاجتماع، ونحو ذلك. والغالب أن الإجراءات الواردة في الدستور جوهرية، يترتب على مخالفتها بطلان التشريع، فيما تتنوع الإجراءات الواردة في النظامين الداخليين إلى إجراءات جوهرية، وأخرى غير جوهرية، فتكون تنظيمية فحسب، ولا يترتب على مخالفتها  بطلان التشريع.

ثانيا: الخضـوع الموضـوعي للقواعـد الدسـتورية:
ويقصد به([4]) أن تظل السلطة التشريعية أثناء ممارستها وظيفة التشريع وفيه لثقة الشعب، من خلال احترامها لإرادته التي ضمنها في الدستور، باعتبار أن الشعب هو مصدر السلطة التأسيسية، فيتوجب على السلطة التشريعية أن تلتزم باحترام القيود الموضوعية الواردة بالدستور(I) وأن تعمل من خلال ما تضعه من تشريعات على تحقيق المصلحة العامة (II)
I-التزام السلطة التشريعية بالقيود الدستورية: تنص المادة 98 من الدستور عل أن: "البرلمان له السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه" وبالتالي فله الحرية في التـدخل لسن التشـريع وقتما يشاء، وأن يضمنه من المسائل ما يشاء، ويقتبس الأحكام التي يدرجها في تشريعه من أي مصـدر شاء، وهذا الطرح يعد مقتضى طبيعيا لكون السلطة التشريعية معبرة عن إرادة الشعب، وهو صاحب السلطة الحرة والسيدة، فيكون لممثليه ذات السيادة في وضع التشريعات، غير أنه يلاحظ أن الدستور أورد قيودا على اختصاص البرلمان بالتشريع، ويتعين على البرلمان احترامها نزولا عند مبدأ تدرج القواعد القانونية، ومن هذه القيود الموضوعية:
1-قيود متعلقة بالحريات والحقوق العامة: فلا يجوز له نقضها أو إلغاؤها أو الانتقاص منها، ومن ذلك ما تنص عليه المادة :29 من دستور 1996: " كل المواطنين سواسية أمام القانون ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد أو العرق أو الجنس أو الرأي أو أي شرط أو ظرف آخر شخصي أو اجتماعي " فحق المساواة حق عام مطلق لا يجوز تحديده، وإذا صدر تشريع يحدد من هذا الحق بأن يجعـل لطـائفة من المواطنين امتيـازا على غيـرها من الطوائف مما يخـل بحق المساواة، أو أعفى طائفة منهم من بعض الواجبات والتكاليف كان غير دستوري،والمادة 45 منه: "كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته مع كل الضمانات التي يتطلبها القانون "  فإذا وضع البرلمان تشريعا يقيم التجريم على قرائن فإنه يعد مخالفا لقرينة البراءة التي لا ترتفع إلا بحكم جنائي نهائي تصدره هيئة قضائية عادية في محاكمة عادلة احترمت فيها الضمانات القانونية، عد ذلك التشـريع مخـالفا للدستور، كحالة التشريع الجمركي الذي أقام الإدانة على قرائن مما يعد مخالفـا لهـذا النص الدستوري،  وقد عرضت نصوصا مشابهة للنصوص الجمركية الجزائرية على المحكمة الدستورية العليا المصرية فحكمت بعدم دستورية تلك النصوص التي أقامت الإدانة على قرائن قانونية، و هكذا الشأن مع كل الحقوق و الحريات الفردية و الجماعية المكرسة دستوريا.
2- قيود غير متعلقة بالحقوق والحريات([5]): وردت كذلك نصوصا دستورية كثيرة تتعلق بمجالات عدة، و منها ما نص عليه نص  المادة 02 من دستور 1996: "الإسلام دين الدولة" فلو صدر تشريع يجعل دين الدولة غير الإسلام أو جاء التشريع مخالفا للنصوص القطعية في الإسلام، عد ذلك التشريع باطلا لمخالفته للدستور، ونص المادة 14 منه: "المجلس المنتخب  يراقب عمل السلطات العمومية" فلو جاء تشـريع يحصن السـلطات العمـومـية من رقابة المجلس المنتخب عد غير دستوري، ونص المادة 142: " ينظر القضاء في الطعن في قرارات السلطات الإدارية" فلو صدر تشـريعا يقيد السلطة القضائية في هذا المجال أو يحصن القرارات الإدارية أو نوعا منها من رقـابة القضاء، كـان باطلا لمخـالفته الدستور، فالتشريع الصادر عن البرلمان، لا يجوز أن يتعدى على هذه المبادئ أو القيود الموضوعية.
3-إلزامية تدخل البرلمان لتنظيم بعض الموضوعات: الأصل أن المشرع حر في اختيار الوقت الملائم للتدخل في تنظيم الموضوعات والمسائل التي ينبغي التدخل بشأنها، حتى و لو كانت هذه الموضوعات مما تدخل في النطاق المحتجز له، لأن احتجاز بعض الموضوعات للقانون لا يتطلب بالضرورة تدخل البرلمان لتنظيمها، غير أن ثمة موضوعات يظهر من النص الدستوري بشأنها أن المشرع ليس له حرية التدخل أو عدمه، وهي الموضوعات التي لم يتدخل الدستور لاحتجازها للبرلمان فقط،  بل تطلب علاوة على ذلك أن يتدخل القانون لكفالـتها أو لضمانها، و مثال ذلك ما ورد بالمادة 23 من الدسـتور: "عدم تحيز الإدارة يضمنه القانون" فهذا النص يفرض على المشرع التدخل لضمان عدم تحيز الإدارة، و المادة 32: "الحريات الأساسية و حقوق الإنسان و المواطن مضمونة" و المادة 33: " الدفاع الفردي أو عن طريق الجمعية عن الحقـوق الأسـاسية للإنسـان و عـن الحريات الفردية و الجماعية مضمون"  ففي هذه النصوص الدستورية و غيرها حرص الدستور على كفالة ما يشير إليه من ضمانات و أسس و قواعد تتصل بضمان هذا  الحق أو تلك الحرية، و بالتالي يقع على السلطة التشريعية التزاما بالتدخل لكفالة تلك الحقوق أو الحريات.
II-التزام السلطة التشريعية بتحقيق المصلحة العامة: يجب على السلطة التشريعية أن تخضع لروح الدستور، وذلك بأن تظل أثناء ممارستها وظيفة التشريع متحسسة لتطلعات الأمة، ساعية لتحقيق المصلحة العامة بعيدا عن الأهواء السياسية، و الميولات الحزبية الضيقة، بمعنى أنه يجب على السلطة التشريعية أن تضع نصب عينيها ضرورة استخدام اختصاصاتها لتحقيق الأهداف المبتغاة من منحها إياها،  فالسلطة التشريعية ليست مقيدة فحسب بالأساليب، و لكن أيضا عبد الرزاق السنهوري بالأهداف التي ترمي إليها، و هو ركن الغاية أو الهدف في العمل التشريعي حسب الأستاذ الذي كان وراء إنشاء نظرية :"الانحراف في استعمال السلطة التشريعية"([6]) .و قد جاء في دستور 1996 عديد النصوص التي تفرض على السلطة التشريعية أن تعمل من أجل تحقيق المصلحة العامة، و بالتالي استبعاد بعض العوامل الذاتية و الشخصية في التشريع، و منها نص المادة 08:" يختار الشعب لنفسه مؤسسات غايتها ما يأتي:
 - المحافظة على الاستقلال الوطني و دعمه.
 - المحافظة على الهوية، و الوحدة و الوطنية، و دعمهما.
   - حماية الحريات الأساسية للمواطن، و الازدهار الاجتماعي و الثقافي للأمة.
   - القضاء على استغلال الإنسان للإنسان.
  - حماية الاقتصاد الوطني من أي شكل من أشكال التلاعب أو الاختلاس، أو الاستحواذ، أو     المصادرة غير المشروعة" ونص المادة 100:" واجب البرلمان في إطار اختصاصاته الدستورية، أن يبقى وفيا لثقة الشعب و يظل يتحسس تطلعاته" وبالتالي فيجب أن يكون التشريع موافقا لروح المجتمع، و أن يسـعى لتحقيق المصـلحة العـامة، و إلا اعتبـر ذلك بحق مخالفـة التشريع للدستور، و انحرافا في استعمال السلطة التشريعية، فإذا قصد البرلمان من وراء التشريع الذي يضعه غير هذه الغايات، فإن ذلك يعد منه انحرافا في استعمال السلطة التشريعية، و يعتبر التشريع غير دستوري.
الفرع الثاني
خضوع السلطة التنفيذية للقـواعـد الدستورية
لقد تضمن الدستور  قواعد خاصة بتنظيم السلطة التنفيذية، واختصاصاتها، التي من بينها، المساهمة في سن القواعد القانونية، سواء منها التشريعية أو اللائحية وذلك في نصوص مواده 70 إلى 97، وبالنظر للمرتبة التي سبق تقريرها للقواعد القانونية الصادرة عن السلطة التنفيذية، التي لا تصل إلى مرتبة القواعد الدستورية، في كل الأحوال عادية كانت أم استثنائية، فإن ذلك معناه هو خضوع السلطة التنفيذية وهي تضع القواعد التشريعية أواللائحية للدستور شكلا وموضوعا ([7])، وهذا الخضوع يظهر في شكلين فقد يكون خضوعا مباشرا (أولا) أو غير مباشر(ثانيا).
أولا : خضوع السلطة التنفيذية غير المباشر للقواعد الدستورية :
 إن السلطة التنفيذية عليها التزام التدخل لوضع القواعد اللائحية التنفيذية اللازمة لكفالة تنفيذ القوانين، وفي هذا الإطار لا يمكنها أن تتولى عملا تشريعيا، وإلا تكون قد تجاوزت الأحكام الدستورية، وترتيبا على ذلك، فإن خضوعها للدستور، يظهر من خلال خضوعها للتشريع الذي تقوم على تنفيذه، فلا تملك سوى وضع القواعد اللازمة لتنفيذه، وبالتالي لا تملك إضافه قواعد تشريعية ولا تعديل تلك المكلفة بتنفيذها، كما لا تملك الاعتراض على تنفيذها. وقد طبقت المحكمة العليا هذه القاعدة في قرارها المؤرخ في 09/10/2002 ([8]) الذي جاء فيه :  "حيث أن المادة 85 من المرسوم المتضمن إنشاء السجل  العقاري يلزم المدعي بإشهار عريضة افتتاح الدعوى بالمحافظة العقارية و إلا كانت باطلة
حيث أن إجراء شهر العريضة االافتتاحية للدعوى قد استحدثه مرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 الذي يتعلق بتأسيس السجل العقاري ولم ينص عليه كل من قانون الإجراءات المدنية والقانون المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري.
   وبذلك يكون المرسوم المنوه إليه قد استحدث شرطا جديدا لصحة العريضة الافتتاحية لم يرد لا في قانون الإجراءات المدنية ولا القانون المتضمن إعداد مسح الأراضي العام ومن ثمة يوجد التعارض بين القانون والمرسوم المشار إليه " وقد رتبت المحكمة العليا على هذه النتيجة أن واجب القضاء هو إعمال التشريع الأعلى وطرح التشريع الأدنى، وهو استنتاج سليم قانونا، ولكن كان يمكنها أيضا التعرض لطبيعة المرسوم التنفيذي الذي أضاف شرطا بما يعد تعديلا للقاعدة التشريعة التي جاء بقواعد  تنظم كيفية تنفيذها، فتكون هذه الإضافة غير دستورية، وبالتالي يكون المرسوم التنفيذي باطلا بالنسبة لهذه المسألة، ويتعين استبعاده لا لتعارضه مع القانون فحسب، بل لتجاوزه الحدود الدستورية أيضا.
وخلاصة ذلك، أن السلطة التـنفيذية تخضع للدستور عن طريق خضوعها للتشريع الذي تقوم على تنفيذه، فتضع القواعد اللائحية اللازمة لتنفيذه دونما إضافة قواعد تشريعية ولا تعديل لتلك المكلفة بتنفيذها، ولا الاعتراض على تنفيذها، تحت طائلة مخالفة الدستور. وهو ما عبر عنه الأستاذ  ([9])((Albert socque : «  le caractère subsidiaire de respect de la constitution par rapport ou respect de la loi » 
وهو ما يطلق عليه فقـه القانـون العام : نظرية الحاجز التشريعيLa théorie de la loi écran[10])  التي بموجبها لا تخضع الهيئة التشريعية للدستور إلا عن طريق خضوعها للتشريع الذي تقوم على تنفيذه، وبالتالي يترتب على مخالفتها إياه عيب عدم المشروعة لا عيب عدم الدستورية .
ثانيا: خضوع السلطة التنفيذية المباشر للقواعد الدستورية :
 يرى البعض أن خضوع السلطة التنفيذية للدستور يتم في الأصل بطريق غير مباشر كما سبق بيانه، غير أن هذا الرأي محل نظر، إذ قد يكون خضوع السلطة التنفيذية للدستور خضوعا مباشرا دون وساطة المشرع ، فتكون العلاقة بين القواعد اللائحية والقواعد الدستورية مباشرة، وذلك بالنسبة للوائح المستقلة، والتي تندرج فيها اللوائح التنظيمية،ولوائح الضبط ،ولوائح الضرورة التي تصدر متمتعة بقوة القانون، إضافة للأوامر التشريعية الصادرة عن رئيس الجمهورية، فكل تلك اللوائح والأوامر تجد أساسها مباشرة في نصوص الدستور، دونما حاجة إلى العبور عن طريق القانون،  وترتيبا ذلك فإنها إذا خالفت الدستور صارت مشوبة بعيب عدم الدستورية لا عدم المشروعية، رغم كونها أعمالا إدارية بحسب المعيار العضوي، وهذا الحكم ينسحب أيضا على الحالة التي تكون فيها بعض النصوص الدستورية متضمنة أحكاما وقواعد تصلح للتنفيذ المباشر دونما حاجة لصدور قواعد تشريعية لكفالة تنفيذها، ومثالها النصوص الدستورية المتعلقة بحقوق وحريات الإنسان والمواطن، فهي تكفلها في مواجهة جميع الهيئات العامة في الدولة، وبالتالي تخاطب بوجه خاص السلطة التنفيذية، فتحرمها من حق اتخاذ الإجراءات الإدارية المحظورة وإلا خرجت عن الدستور، واتصف عملها بعدم الدستورية. ومثال ذلك نص المادة 44 من الدستور التي تمنح للمواطن الحق في ااختيار موطن إقامته والانتقال عبر التراب الوطني والدخول إلى التراب الوطني والخروج منه بحرية، فلو صدر قرار إداري يقضي بإبعاد مواطنين، فإنه يكون مخالفا لهذا النص الدستوري، ويكون مشوبا بعيب عدم الدستورية ([11]).وبناء على ما سبق، فإن القواعد اللائحية التي تجئ مخالفة للدستور يلحقها عيبان:
-عيب عدم الدستورية: إذا كانت المخالفة مباشرة للقواعد الدستورية أو للمبادئ العامة للقانون ذات الطابع الدستوري .
-عيب عدم المشروعية: إذا كانت المخالفة غير مباشرة.
 وثمة رأي في الفقه يرى أن العيب كل الأحوال هو عيب عدم المشروعية لكونه يتضمنن عيب عدم الدستورية.
الفرع الثالث
خضوع السلطة القضائية للقواعد الدستورية
تأسيسا على مبدأ تدرج القواعد القانونية، تلتزم كل سلطة عامة تنشئ أو تنفذ أو تطبق القواعد القانونية باحترام نتائج هذا المبدأ، ومن بينها تقرير سمو القواعد الدستورية، وفي  ذلك احترام لمبدأ الشرعية، الذي يشكل أساس القضاء، فيقع على كافة جهات القضاء- سواء منها المنتمية لسلك القضاء العادي أم الإداري- عبء تطبيق القواعد القانونية، وعلى رأسها القواعد الدستورية على ما يعرض عليها من منازعات .
وعـلى  ذلك فالسلطة القضـائية مخاطبة بالخضوع للقواعد الدستورية([12])، والنزول عند مقتضياتها، بل وتطبيقها مباشرة دون وساطة القواعد التشريعية متى كانت تقبل ذلك، غير أن هذا الرأي غير مستساغ من البعض، فالقاضي لا يخضع إلا للقواعد التشريعية بالنسبة إليهم، وهو ما يفرض مناقشة هذه المسألة لبيان مدى التزام القاضي بالخضوع للقواعد الدستورية مباشرة (أولا) ثم تحديد مظاهر هذا الخضوع (ثانيا).


أولا : التزام القاضي بالخضوع للقواعد الدستورية :
 يرى فريق من الفقه أن القاضي لا يخاطب سوى بالخضوع للقواعد التشريعية، وبالتالي فلا يتصور مخاطبته مباشرة بالقواعد الدستورية، إذ جاء في نص المادة 138من الدستور أن: "السلطة القضائية مستقلة وتمارس في إطار القانون " و نص المادة 147 منه: "لا يخضع القاضي إلا للقانون "
ويضيف أصحاب هذا الرأي اعتبارا آخر لإلزام القاضي بالخضوع للقواعد التشريعية وحدها، فلا يكون له أن يطبق القواعد الدستورية للفصل في النزاعات، ولا للأفراد الاستناد مباشرة إلى تلك القواعد لتأسيس طلباتهم أو دفوعهم، وهذا الاعتبار هو مبدأ فصل السلطات، الذي يقصر عمل القضاء على تطبيق القواعد القانونية الصادرة عن السلطـة التـشريعية وحدها، بل هناك من ذهب إلى ما هو أكثر غلوا، حيث لا يعتبر الدستور قانونا لانعدام الجزاء على مخالفة قواعده، باعتباره ينظم العلاقة بين الحكام والمحكومين، فلا يمكن أن يلزم الحاكم لعدم صدوره من سلطة أعلى منه، وبالتالي فالتشريع الصادر عن البرلمان هو وحده القانون.
 ولكن هذا الرأي محل نظر، إذ أن مخاطبة القاضي بتطبيق القانون ينصرف إلى القانون بالمفهوم العام بما فيه الدستور، بل هو القانون الأساسي في الدولة، وهو فوق الجميع، ويضفي الشرعية على ممارسة السلطات، حسب ما ورد بديباجة دستور1996، وتنص المادة 60 منه على أنه: "يجب على كل شخص أن يحترم الدستور وقوانين الجمهورية " ونص المادة 140 منه: "أساس القضاء مبادئ الشرعية والمساواة " وتنص المادة 80 من القانون الأساسي للقضاء: "يجب على القاضي أن يصدر أحكامه طبقا لمبادئ الشرعية والمساواة .." ويلتزم القاضي بموجب يمينه التي يؤديها قبل توليه وظائفه بأن يحكم وفقا لمبادئ الشرعية والمساواة، ولا شك أن الشرعية ينصرف معناها إلى  كل القواعد القانونية مهما كان مصدرها ، بما فيها القواعد الدستورية .
 ثم إن تطبيق القاضي للقواعد الدستورية، ونزوله عند مقتضياتها، هو مقتضى وظيفة القاضي باعتباره حاميا للشرعية، وضامنا للحقوق والحريات المكفولة دستوريا، فلا يعد ذلك متعارضا مع مبدأ فصل السلطات، طالما لم يتدخل بنفسه لسن القواعد القانونية أو تعديلها أو تعطيل تنفيذها أو إلغائها، بل كل ما في الأمر أنه قام بتطبيق قاعدة قانونية تم وضعها من طرف السلطة التأسيسية، إذ مقتضى وظيفته ذلك، وأما ما ذهب إليه البعض من كون قواعد الدستور تعتبر مجرد توجيهات لا إلزامية لها، لانعدام الجزاء على مخالفتها، وبالتالي لا تكون قواعد قانونية، فهذا الرأي لا معنى له، لكون القواعد الدستورية تمتاز بكامل سمات القواعد القانونية([13])، ويترتب على مخالفتها جزاء وهو عدم دستورية القانون المخالف لتلك القواعد الدستورية، ويوقعها سواء المجلس الدستوري أو القضاء باستبعاده القانون غير الدستوري والامتناع عن تطبيقه للفصل في النزاع، ومعنى ذلك أن القواعد الدستورية هي قواعد قانونية ملزمة للقضاء، بحيث يترتب على مخالفتها بطلان الحكم الصادر عنه، ويمنح للجهات القضائية العليا سلطة نقضه وإبطاله.
ثانيا: مظاهر خضوع القاضي للقواعد الدستورية :
مما سبق ذكره، فإن القاضي يجب عليه الالتزام بالقواعد الدستورية (I) والامتناع عن تطبيق أي قانون مخالف لها (II)
I-التزام القاضي بالخضوع للقواعد الدستورية: لقد تناول الدستور تنظيم السلطة القضائية في الفصل الثالث من الباب الثاني في المواد : 138 إلى 158، والتي تؤسس السلطة القضائية وتضع لها الحدود التي لا يجوز لها مجاوزتها، ويضاف إلى ذلك مواد أخرى متفرقة في الدستور تتعلق بتنظيم العمل القضائي، وتفرض على القضاء مبادئ وأحكاما لا يجوز تجاوزها، مثله مثل كل السلطات العامة في الدولة، وخصوصا المواد المتعلقة بحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، والتي تمثل مبادئ دستورية عليا لا يجوز المساس بها، وعلى ذلك يفرض مبدأ سمو الدستور أن تكون أعمال القضاء ضمن الحدود الدستورية فتخضع للدستور شكلا (1) موضوعا (2)
1-الخضوع الشكلي للقواعد الدستورية: لقد حدد الدستور اختصاص السلطة القضائية، كما نص على إجراءات واجبة الاحترام، وتتمثل فيما يلي:
أ-احترام قواعد الاختصاص: يتوجب على القضاء التقيد بمجال الاختصاص المحدد دستوريا، وإلا عد عمله تدخلا في عمل باقي السلطات، كما لا يجوز له تفويض اختصاصه هذا، ولكن من الواجب التساؤل عن وظيفة القضاء التي يتحدد بها مجال اختصاصه؟
تنص المادة 139 من الدستور: "تحمي السلطة القضائية المجتمع والحريات وتضمن للجميع ولكل واحد المحافظة على حقوقهم الأساسية" وتنص المادة 143 : "ينظر القضاء في الطعن في قرارات السلطات الإدارية " والمادة 146 : "يختص القضاة بإصدار الأحكام" وهذه النصوص الدستورية تلقي بظلالها على تحـديد الـوظيفة القضائية باعتبارها إحدى وظـائف الـدولة الثلاث: التشريع والتنفيذ و القضاء، فما هو دور القضاء؟
يتجه الرأي الغالب في الفقه أن الهدف من القضاء ودوره هو تطبيق القانون، وهو مقتضى طبيعي لفكرة فصل السلطات، فالسلطة التشريعية تضع القانون، والسلطة التنفيذية تنفذه بما يحقق المصلحة العامة، والسلطة القضائية تطبقه فيما يعرض لها من منازعات، فمهمة القضاء هي إعادة الاستقرار إلى النظام القانوني، وذك بإيقاع الجزاء المقرر فيه للنشاط القانوني لأطراف نزاع معين عندما يحدث اعتداء على حق من الحقـوق، أو عندما يحدث شـك في سلامة سير القـانون لاختلاف في تفسيره أو لاختلاف في تقدير حقوق الأطراف المتنازعة، ففي هذه الأحوال يتولى القضاء رد العلاقات بين الأطراف المتنازعة إلى أوضاعها التي تتفق مع أحكام القانون، وتأمر بما هو مقرر لها من جزاءات موضوعية أو إجرائية أو زجرية .
وعلى ذلك فالقضاء كمرفق عام يكتسي صبغة متميزة، لكونه يسهر على حماية النظام القانوني والحقوق و الحريات الدستورية، من خلال كفالة تطبيق القانون أثناء الفصل في المنازعات، فالمهمة الأساسية للقضاء هي إحقاق حكـم القانون، وذلك بالفصل في جميع المنازعات بين الأفراد في ما بينهم أو بينهم وبين الدولة، ولا يملك القضاء للقيام بتلك المهمة سوى وسيلة إصدار الأحكام، فالقضاء يتحدد اختصاصه في إصدار الأحكام في المنازعات المختلفة بما يحمي الشرعية والمساواة ويضمن الحقوق والحريات، وعلى ذلك فيندرج ضمن اختصاصات السلطة القضائية مراقبة تصرف الأفراد والسلطات العامة، وإلزامها بالخضوع لحكم القانون وذلك بمناسبة النزعات المعروضة عليها، ولذلك تنص المادة 143 من الدستور على أن القضاء يختص في النظر في شرعية قرارات السلطات الإدارية، وهو ما يثير التساؤل عما إذا كان لا يمكن إدماج الرقابة الدستورية في اختصاص السلطة القضائية، وهو ما نراه في الفصل الثاني .
ب- احترام الشكل والإجراءات الدستورية: ثمة قواعد إجرائية تم رفعها إلى مرتبة المبادئ الدستورية بالنص عليها في الدستور، ومنها المادة 141 من الدستور التي تفرض أن يصدر القضاء أحكامه باسم الشعب، والمادة 144 التي تفرض تعليل الأحكام القضائية وينطق بها في جلسة علانية، والمادة 151 التي تكرس الحق في الدفاع وتجعله مضمونا في القضايا الجزائية، والمادة 152 التي تجعل المحكمة العليا ومجلس الدولة هيئتين مقومتين لأعمال المجالس القضائية والمحاكم أو الجهات القضائية الإدارية حسب الحالة، ومعنى ذلك أن الإحكام الصادرة عن القضاء تخضع للرقابة على مدى مطابقتها للقانون من طرف المحكمة العليا ومجلس الدولة، إضافة إلى كون القضاء الجزائري يقوم على ازدواجية القضاء فهناك القضاء الإداري والقضاء العادي، فهذه القواعد الإجرائية وغيرها ملزمة للقضاء بموجب النصوص الدستورية التي كرستها ولو لم توجد نصوصا تشريعية تنص عليها .
2- الخضوع الموضوعي للقواعد الدستورية ([14]): لقد تضمن الدستور قواعد يتوجب على القضاء الخضوع لها، وتتعلق:
أ-  بالهدف أو الغاية التي يقصدها القضاء من وراء أحكامه، والمتمثلة حسب الدستور في حماية المجتمع والحريات وضمان المحافظة على الحقوق الأساسية الفردية والجماعية (المادة 139) ، وهو ما يفرض حماية المتقاضي من أي تعسف أو أي انحراف يصدر من القاضي (المادة 150) كما يقتضي استقلالية السلطة القضائية (المادة 138) وحماية القاضي من كل أشكال الضغوط والتدخلات والمناورات التي قد تضر بأداء مهمته أو تمس نزاهة حكمه (المادة 148) .
ب- بالقيود التي يتوجب على القضاء التقيد بها وهو يؤدي وظيفته، وهي قيود فرضها الدستور لضمان الحقوق والحريات التي لا يجوز الاعتداء عليها لا من القضاء ولا من غيره، ومنها نص المادة 36: "لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي" و نص المادة 38: "لا يجوز حجز أي مطبوع أو تسجيل أو أية وسيلة أخرى من وسائل التبليغ والإعلان إلا بمقتضى أمر قضائي" ونص المادة 40: "تضمن الدولة عدم انتهاك حرمة المسكن فلا تفتيش إلا بمقتضى القانون وفي إطار احترامه ولا تفتيش إلا بأمر مكتوب صادر عن السلطة القضائية المختصة " ونص المادة 45: "كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته مع كل الضمانات التي يتطلبها القانون" ونص المادة 46: "لا إدانة إلا بمقتـضى قانـون صـادر قبل ارتكاب الفعل المجرم " ونص المادة 48: "يخضع التوقيف للنظر في مجال التحريات الجزائية للرقابة القضائية ولا يمكن أن يتجاوز مدة ثمان وأربعين ساعة. يملك الشخص الذي يوقف للنظر حق الاتصال فورا بأسرته ولا يمكن تمديد مدة التوقيف للنظر إلا استثناءا ووفقا للشروط المحددة بالقانون " ونص المادة 60 : "لا يعذر بجهل القانون" فالقضاء يجب عليه النزول عند مقتضى هذه النصوص الدستورية وغيرها طالما قررت قواعد تخاطب القضاء مباشرة أو تمنح حقوقا محددة للأفراد، فتطبق دونما حاجة لنص تشريعي يقررها.
II- امتناع القاضي عن تطبيق القواعد التشريعية المخالفة للدستور: إن الملفت للنظر هو خلو الدستور من الإشارة إلى أية رقابة قضائية على دستورية القوانين، خصوصا وأن القاضي هو المطبق والمفسر للقانون، فإذا تقدم أحد الأطراف في المنازعة المعروضة على القضاء بدفع متعلق بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه على قضيته، ففي هذه الحالة تتخذ الرقابة على دستورية القوانين شكل دفع، وهو ما يضع القاضي أمام مسألة أولية يجب الفصل فيها قبل الفصل في موضوع النزاع مالم يوجد نص يقضي بغير ذلك، وإن عدم الرد على هذا الدفع يجعل القاضي منكرا للعدالة، فرقابة القاضي لدستورية القوانين هنا إنما هي إعمالا لحق الدفاع المكرس دستوريا، كما أن القضاء يختص بحماية المجتمع والحريات والحقوق الفردية والجماعية من أي اعتداء عليها، ولو وقع الاعتداء من طرف السلطة التشريعية ذاتها، ويضاف إلى ذلك أن القضاء أساسه الشرعية والتي تتضمن من بين عناصرها القواعد الدستورية، وطالما لم يوجد نص يمنع القاضي من رقابة دستورية القوانين عن طريق الدفع الفرعي، فمعنى كل ذلك أن القاضي مختص بالبت في هذا الدفع، أي أنه ينزل عند مقتضى مبدأ تدرج القواعد القانونية، الذي يفرض عليه الامتناع عن تطبيق النص التشريعي المخالف للدستور باعتبار سموه على كل القواعد القانونية في الدولة، فهو يغلب القانون الأعلى ويهمل القانون الأدنى طبقا لمبدأ التدرج([15]) .وسوف يتم تفصيل هذه المسالة في الفصل الثاني .



[1] - طعيمة الجرف ،المرجع السابق ، ص 88 وما بعدها.
[2] - انظر: الفرع الثالث من المطلب الأول من المبحث الأول من الفصـل الأول . و عبد الله بوقفة ، المرجع السابق ، ص 110 وما بعدها.
[3] - عبد الرزاق السنهوري، مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية مجلة مجلس الدولة  المصري ، عدد 3 سنة 1953 ص . ، ص 30 وما بعدها.
[4] - فرانسو فيرية ، تعليق ، مجلة الدولة ، السنة الثالثة يناير سنة 1952 يصدرها مجلس الدولة المصري ، دار النشر للجماعات المصرية ، الظاهرة ، مصر ص 303.
- عبد الرزاق السنهوري ، المرجع السابق ، ص 52 وما بعدها .
[5] - عبد الرزاق السنهوري ، المرجع السابق ، ص 56 وما بعدها .
[6] - عبد الرزاق السنهوري ، مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية ، المرجع السابق، ص  59 وما بعدها .
[7] - طعيمة الجرف ، المرجع السابق ، ص 90 وما بعدها .                                                          
[8] - المحكمة العليا ، ملف رقم 4463، قرار بتاريخ 09 /10/2002 قضية (ن س) ضد (ن ش ) المجلة القضائية ، عدد 02/2002 ص 232إلى 37 (ملحق 05)
[9] - Albert Socque , légalité et hiérarchie des nonnes , www.goolle.FR
[10] - René chapus , Droit administratif générale , pop cit. , p 32 et s .
[11] - سامي جمال الدين ، المرجع السابق ، ص 42.
[12] - ويعتبر النظام الأمريكي نموذج جاء في مجال استناد القاضي في أحكامه للدستور مباشرة ورقابة لدستورية القوانين إذ تنص المادة الثالثة من الدستور الأمريكي على أن السلطة القضائية تختص بجميع المنازعات سواء تعلقت بالقانون العام وقواعد العدالة التي تنشأ بمناسبة تطبيق أحكام هذا الدستور. انظر ، عاطف خليل ، الحياة العلمية للنظام القضائي في الولايات المتحدة الأمريكية ، مجلة مجلس الدولة المصري السنوات العشرين إلى الخمسة والعشرين 1975 ص 166 وما بعدها .

[13] - فرا نسو افيرية ، المرجع السابق ، ص 304.
[14] - حسني بوديار ، الوجيز في القانون الدستوري ، المرجع السابق، ص 21 وما بعدها .
[15] - بن هني عبد القادر ، القضاء والإصلاحات ، الندوة الوطنية الثانية للقضاء ، نادي الصنوبر أيام : 23/24/25 فبراير 1991 منشورات الديوان الوطني للأشغال التربوية 1993ص، 133 وما بعدها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه