تدرج القواعد القانونية غير
المكتوبة
من المستقر عليه في الفقه والقضاء، أن مبدأ المشروعية
يعني (سيادة حكم القانون)، وهو في الحقيقة تعريف مناسب تماما لمبدأ
المشروعية، خاصة وان المؤسس الدستوري قد اعتنقه في دستور 1996 إذ جاء في ديباجته
أن الحكم في الدولة أساسه سمو القانون، ويشمل هذا القانون كافة القواعد القانونية
السارية في الدولة أيا كان مصدرها وشكلها، فتندرج فيها القواعد القانونية المكتوبة
أي الصادرة عن السلطات العامة المختصة بسن القواعد القانونية، سواء كانت دستورية
أو اتفاقية دوليـة أو تشـريعية أو لائحية، كما تندرج فيها قواعد أخرى تم تعريفها
بطريقة سلبية بالقول بكونها (غير مكتوبة) أي خلاف تنلك القواعد الموضوعة من طرف
السلطات العامة.
ولا شك أن هذه القواعد الأخيرة أي غير المكتوبة،
تعتبر قواعد قانونية، سواء بالنسبة لمبادئ
الشريعة الإسلامية (الفرع الأول) أو القواعد العرفية (الفرع الثاني) أو مبادئ
القانون الطبيعي وقواعد العدالة (الفرع الثالث) وكذلك المبادئ العامة
للقانون (الفرع الرابع) وهذه القواعد القانونية غير المكتوبة ذكرتها
المادة 01 من القانون المدني، باستثناء المبادئ العامة للقانون فقد غفلت
عنها رغم الاتفاق الفقهي والقضائي بشأنها([1]).
الفرع الأول
مبادئ الشريعة الإسلامية
تعددت
المواضع التي أشار فيها دستور 1996 على المرجعية الأساسية للشعب الجزائري
والمتمثلة في (الإسلام) ففي ديباجته جاء أن: " الإسلام من المكونات
الأساسية لهوية الشعب الجزائري" وأن "الجزائر أرض الإسلام "
كما قررت المادة 02 منه أن "الإسلام دين الدولة "وحددت
المادة 08 منه أن إحدى غايات المؤسسات التي يختارها الشعب هي المحافظة
على الهوية بما فيها الإسلام، ومنعت المادة 06 منه هذه المؤسسات
من إتيان السلوك المخالف للخلق الإسلامي، ويلتزم رئيس الجمهورية في اليمين
التي يؤديها بأن "يحترم الدين الإسلامي ويمجده" وفي المادة 176
منه جاء انه: " لا يمكن لأي تعديل دستوري أن يمس الإسلام باعتباره دين
الدولة "واستنادا إلى كل ذلك نصت المادة الأولى من القانون المدني
على انه: "وإذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية"
وهي النصوص التي تقرر أن الشريعة الإسلامية مصدرا للقانون الجزائري، وعنصرا من
عناصر المشروعية فيه، وهو ما يفرض تحديد مدلول مبادئ الشريعة الإسلامية (أولا)
ومرتبتها بين القواعد القانونية الأخرى طبقا لمبدأ تدرج القوانين (ثانيا)
أولا: مدلول مبادئ الشريعة الإسلامية:
لقد اختلفت
الآراء حول المقصود من عبارة (مبادئ الشريعة الإسلامية) ([2])
المنصوص عليها في المادة 01 من القانون المدني، وخصوصا بالجمع بينها وبين قانون
الأسرة التي تحيل إلى (أحكام الشريعة الإسلامية ) وكذلك نصوص الدستور التي
ورد بها مصطلحات (الإسلام دين الدولة ) و(الخلق الإسلامي ) فما
المقصود بهذه التعبيرات؟
لا شك أن المقصود من الإسلام أو الشـريعة الإسلامية
أو الخلق الإسلامي إنما هو الجانب التشريعي أو الأحكام، باعتبارها تتوفر على خصائص
القاعدة القانونية، وهو ما يصلح معه إدراجها ضمن مصادر القانون
الرسمية، خلافا للجانب الديني البحت والمتعلق بالعقائد والعبادات فلا معنى لإدراجه
في نصوص الدستور أو القانون، والمقصود بالمبادئ أي كليات الشريعة التي نصت عليها
نصوص الوحي القطعية في الثبوت والدلالة أي القرآن والسنة، وهو ما يخرجها عن دائرة
الخلاف، عكس الأحكام الجزئية فتتعدد بشأنها الآراء والمذاهب، وهو ما يجعل الإحالة
عليها غير مجدية([3]).
وترتيبا على
ذلك يتعين القول بكون ما ذهب إليه بعض الفقه من كون المقصود من مبادئ الشريعة
الإسلامية كمصدر للقانون، هو القواعد الكلية المشتركة بين مذاهب الفقه المختلفة،
هو قول خلط بين الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، إذ الأول عبارة عن مبادئ عامة
مصدرها القرآن والسنة، فيما يمثل الفقه الإسلامي ذلك الاجتهاد التفسيري والتفصيلي
لتلك النصوص، فهو مجرد آراء اجتهادية بشرية، فلا يكون لها ذات الإلزام الذي تتصف
به الأحكام الواردة في نصوص الوحي، هذا ناهيك عن بطلان الرأي القائل بكون المقصود
بها هو آراء الفقهاء أو مذاهب الفقه الإسلامي كلها، إذ المبادئ كليات فيما الآراء
والمذاهب جزئيات وتفصيلات.
وعلى ذلك،
فلمبادئ الشريعة الإسلامية خصائص القاعدة القانونية، من عمومية وتجريد وغاية
اجتماعية تنظيمية وجزاء، فيكون لها القابلية للتنفيذ دونما حاجة إلى تدخل المشرع
أو القضاء([4]).
ثانيا: مرتبة مبادئ الشريعة الإسلامية:
إن التسليم بالطبيعة القانونية
لمبادئ الشريعة الإسلامية، والاعتراف لها بكونها احد عناصر المشروعية، يفرض
التساؤل عن مرتبتها بين مصادر القانون الأخرى طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية؟
الرأي الذي
يدافع عنه اتجاه في الفقه وجرى العمل به، هو كون مبادئ الشريعة الإسلامية ليست
أكثر من مصدر مادي للتشريع من جهة، ومصدر رسمي احتياطي يلجأ إليه القاضي إذا عازه
النص التشريعي من جهة أخرى، غير أن هذا الرأي تعوزه الأسانيد القانونية الكفيلة
بالإقناع به ، عكس الرأي الثاني الذي يرى في تلك المبادئ مصدرا رسميا للقانون،
وأضفى عليها الطابع الدستوري، مما يجعلها أسمى من القواعد التشريعية واللائحة
وكذلك القواعد الاتفاقية الدولية، وهذا الرأي يستند إلى الدلالة الحقيقية للنصوص
الدستورية والتشريعية التي تحكم هذه المسألة، فمبادئ الشريعة الإسلامية تعد
مصدرا رسميا احتياطيا للقانون حسب اتجاه في الفقه (I) وتعد مبادئ عامة للقانون ذات
طبيعة دستورية حسب الاتجاه الآخر (II) .
I -الاتجاه الأول: مبادئ الشريعة الإسلامية مصدرا
احتياطيا للقانون: يرى جانب من
الفقه أن مبادئ الشريعة الإسلامية تعتبر مصدرا رسميا احتياطيا للقانون يأتي بعد
التشريع، وهو ما يفرض على القاضي أن لا يلجأ إليها إلا عندما يعوزه النص التشريعي
الذي يفصل به في النزاع، ويستدل على ذلك بأمرين:
الأمر
الأول: مدلول المادتين01 من القانون المدني و 222 من قانون الأسرة، فالمادتين تحيلان القاضي إلى مبادئ أو أحكام الشريعة
الإسلامية إذا عازه النص التشريعي.
الأمر
الثاني: مدلول النصوص الدستورية، فالدستور في ديباجته أو المادة 02
منه وجه المشرع للاقتباس من الإسلام واستلهام أحكامه وهو يسن التشريعات، فلا
إلزامية لمبادئ الشريعة الإسلامية لا بالنسبة للمشرع ولا بالنسبة للقاضي، ومعنى
ذلك أن النص الدستوري في المادة 02 لا يخاطب القاضي بل المشرع، وبالتالي فلا تأثير لهذا النص
الدستوري على مكانه مبادئ الشريعة الإسلامية التي تبقى مصدر احتياطيا للقانون طبقا
لنص المادة الأولى من القانون المدني.
ويضيف أصحاب هذا الرأي أن النص الدستوري ليس أكثر من
تأكيد لإحدى الحقائق الاجتماعية، وهي أن ديانة الشعب الجزائي هي الإسلام، وبالتالي
يرشد ويوجه السلطة التشريعية إلى استلهام أحكام هذه الديانة في تشريعاتها، لا على
سبيل الإلزام بل الاختيار.
الاتجاه الثاني: مبادئ الشريعة الإسلامية مبادئ
دستورية: يرى طائفة من الفقهاء وعلى رأسهم
الأستاذ عبد الرزاق السنهوري وكمال عبد الواحد الجوهري والدكتور سامي جمال
الدين وغيرهم كثير، أن النصوص الدستورية تكرس الطابع الدستوري لمبادئ الشريعة
الإسلامية([5])،
وبالتالي فهي مبادئ عامة للقانون بل تأتي على رأس تلك المبادئ، وهو ما يجعلها
تـأتي في الترتيـب بعد الدستور، وقبل باقي مصادر القانون الأخرى، ويستند
هذا الاتجاه إلى الحجج التالية:
الحجة الأولى:
المدلول الحقيقي لنص المادة 02 من دستور 1996، والذي جاء فيه أن: "الإسلام دين الدولة" فهذا
النص لا يقصد به الجانب الديني العقيدي باعتباره يشير إلى ديانة الشعب الجزائري،
بل هو يشير إلىالنظام التشريعي في الإسلام، باعتباره النظام الملزم لكل
السلطات والمؤسسات في الدولة، ومما يؤكد هذا الرأي أن مصطلح الدين في اللغة
والمصطلح القرآني لا يقصد منه العقيدة والعبادات، وإنما التشريع والقانون، ويكفي
للتدليل على ذلك قوله تعالى: "ومَا كَانَ لِيَأخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ المَلِك
" ([6])أي
في نظامه وقانونه، وقوله تعالى : "الزَانِيَةُ والزَانِي فَاجلِدُوا كُل وَاحد
مِنهُمَا مَائة جَلدَة ولاَ تَأخُذْكُم بِهِمَا رَأفَة فِي دِين الله.."([7])
ودين الله هنا تشريعه الجنائي بتحريم الزنا والمعاقبة عليه، فصار الدين بمعنى
الأحكام أو المبادئ المشكلة لما يطلق عليه الشريعة الإسلامية، وأما العقيدة فيطلق
عليها في المصطلح القرآني الإيمان لا الدين، وأن الدولة في المصطلح الدستوري لا
يقصد بها الشعب، بل ما تظهر به الدولة بعد
تكونها من مظـاهر سياسة أي السلطات الثلاث، ومظـاهر قانونية أي النظام القانوني، فالدولة
بهذا المعنى هي تعبير عن نظام أو بناء قانوني ومؤسساتي، وعلى ذلك فالمقصود من
المادة 02 من الدستور هو أن النظام التشريعي الإسلامي هو القانون
الأعلى،والمشروعية العليا التي تنبثق منها كافة القواعد القانونية في الدولة،
فتكون أحكام الشريعة الإسلامية مصدرا رسميا شكليا للقانون، وتأخذ مرتبة
المبادئ الدستورية، فلا يعلوها إلا الدستور، بينما تكون أسمى من القواعد الاتفاقية
الدولية والتشريعية واللائحية([8])
، ولا شك أن الخطاب موجها لكافة سلطات الدولة، فالمادة 08 من الدستور تلزم
المؤسسات العامة بان تجعل إحدى غاياتها المحافظة على الإسلام، باعتباره إحدى
مكونات هوية الشعب الجزائري، والمادة 09 منه قررت أنه لا يجوز لهذه
المؤسسات أن تقوم بالسلوك المخالف للخلق الإسلامي، والمادة 76 منه تفرض على
رئيس الجمهورية في اليمين التي يؤديها أن يلتزم بحماية الدين الإسلامي وتمجيده،
وفي نفس الاتجاه ألزمت المادة 178 المؤسس الدستوري أثناء تعديله أحكام
الدستور أن لا يمس الإسلام باعتباره دين الدولة، ومعنى ذلك أن الخطاب بنص المادة 02
من دستور 1996 هو خطاب موجه للدولة بكافة مؤسساتها وسلطاتها، بأن تجعل من أحكام
الشريعة الإسلامية قانونها الأعلى، وتأكيدا على ذلك يضيف أصحاب هذا الاتجاه أن
المادة 02 وردت في باب الأحكام العامة، وهذه الأحكام لا تخاطب المشرع وحده كما
يقول أصحاب الاتجاه الأول، بل توجه الخطاب لكافة سلطات الدولة بما فيها القضاء،
وخصوصا إذا نظرنا إليها بالموازاة مع النصوص الدستورية سالفة الذكر .
الحجة الثانية: الطبيعة القانونية لنص المادة 02 من دستور1996:
إن القول بان النص الدستوري المتمثل في المادة 02 قد ورد على سبيل
الإرشاد والتوجيه، وليس الإلزام مردود عليه، لكون نصوص الدستور بطبيعتها لا تحمل
هذا المحمل إلا بقرينة، وان المادة 02 وردت في صدر أحكام الدستور، مما
يجعلها نصا آمرا لكل السلطات العامة في الدولة، وان هذه المادة وردت في باب
المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري ،وهو ما بجعلها تأتي في قمة المبادئ
العامة للقانون، والتي يعترف لها الفقه بالطابع الدستوري، ويجعلها من النظام
العام، ومعنى ذلك أن النص الدستوري الوارد في المادة الثانية لا يقدم توجيهات بل
يفرض التزامات لا سبيل إلى مخالفتها لكونها من النظام العام، وتتمثل هذه
الالتزامات في ضرورة الرجوع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية عند سن القواعد القانونية
أو عند تطبيقها، ومعنى ذلك أن هذه المبادئ أسمى من القواعد القانونية الأخرى بما
فيها القواعد الاتفاقية الدولية والقواعد التشريعية، وبالتالي فعلى المشرع أن يرجع
إليها عند سنه التشريعات أو الموافقة على الاتفاقيات الدولية، وإذا خالفها عد ذلك
مخالفا للدستور.
وبالتأكيد
فإن النص الدستوري رتب ذات الالتزام على القاضي مثله مثل المشرع تماما، باعتبار أن
مبادئ الشريعة الإسلامية تمتاز بالطابع الدستوري، وبالتالي فإن القاضي وهو يراقب
مدى مطابقة النص التشريعي لمبادئ الشـريعة الإسلامية، فإنه يقوم بذلك إعمالا لنص
دستوري، فيكون كأنه يطابق بين النص التشريعي والدستور([9]).
وخلاصة ما
سبق، أن المقصود من مبادئ الشريعة الإسلامية هو الأحكام القطعية الواردة في القرآن
والسنة، وليس الأحكام الفقهية التي استنبطها الفقهاء، وان هذه المبادئ تتمتع
بميزات وخصائص القاعدة القانونية، وهو ما يجعلها قابلة للنفاذ بذاتها ودونما حاجة
إلى تقنينها من طرف المشرع، ذلك أنها أضحت بالنص الدستوري مصدرا رسميا للقانون في
الجزائر، باعتبارها من المبادئ العامة للقانون الكامنة والمستقرة في ضمير ووجدان
الشعب الجزائري، وأنها بهذه الصفة تتمتع بقوة إلزامية تجعلها تأتي بعد الدستور،
وتعلوا باقي القواعد القانونية الأخرى في تدرج القواعد القانونية([10]).
الفرع الثاني
القـواعـد العـرفـيـة
اعترف
المشرع في المادة الأولى من القانون المدني بالعرف كمصدر للقانون، وكذلك المادة
الأولى مكرر من القانون التجاري، كما أحالت عديد المواد الأخرى إلى القـواعد
العـرفية، ومنها المادة 387،388،389 من القانون المدني التي أوردت عبارة:
"ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضيان بغير ذلك" وبالتالي فقد اعترف
المشرع للقواعد العرفية بكونها قواعد قانونية ملزمة بذاتها دوما حاجة إلى تدخل
القاضي أو المشرع، وهو ما يفرض تحديد مدلول القواعد العرفية (أولا)
ومرتبتها بين القواعد القانونية طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية(ثانيا)
أولا: مـدلـول القـواعـد العرفـية:
يقصد بالقواعد العرفية تلك القواعد القانونية الناشئة
عن سلوك مضطرد للأفراد أو الهيئات بخصوص أمر ما على نحو معين، مع اعتقادهم بان هذا
السلوك ملزم لهم، وهذا الاعتقاد هو الذي يمنح العرف طابعه القانوني، وعلى ذلك،
فالقواعد العرفية هي قواعد قانونية (I) غير مسنونة (II)
I- القـواعـد العرفيـة قـواعـد
قانونيـة: لا شك أن الاعتراف للقواعد العرفية بكونها قواعد قانونية، معناه الاعتراف
بأن العرف مصدرا من المصادر الرسمية للقانون، وبالتالي تكون لهذه القواعد العرفية
قوة إلزام ذاتية دونما حاجة لتدخل المشرع أو القاضي، ويترتب على الاعتراف بالقواعد
العرفية كقواعد قانونية عدة نتائج منها: أن القواعد العرفية ملزمة للأفراد ولو
كانوا يجهلونها، وكذلك الشأن بالنسبة للهيئات العامة، والتزام المحكمة
بتطبيق القواعد العرفية من تلقاء نفسها ودونما انتظار التمسك بها من احد
المتقاضين، ويكون تطبيقها وتفسيرهـا بنفس طريقة تطبيق وتفسير القـواعد القانونية
الأخرى، وأن القاضي يخضع لرقابة المحكمة العليا على صحة تطبيق العرف طالما ثبت لدى
القاضي وجوده.
II-القواعد العرفية غير مسنونة: إن القواعد العرفية هي قواعد قانونية
ملزمة، رغم أنها لم تصدر عن السلطة المختصة في الدولة بالتشريع، بل هي قواعد غير
مسنونة استقرت في ضمير المجتمع على أنها ملزمة، فتكون القواعد من إنشاء ضمير
المجتمع وليس المشرع.
ثانيا: مـرتبـة القـواعـد العـرفـيـة:
إن الاعتراف
للعرف بكونه مصدرا رسميا للقانون، يفرض البحث عن مرتبته الإلزامية بين مصادر
القانون الأخرى([11])، و هذه المسألة تحكمها المادة
الأولى من القانون المدني، والمادة الأولى مكرر من القانون التجاري،
إضافة لعديد المواد المدنية والتجارية الأخرى التي تحيل إلى قواعد العرف، وبناء
على تلك المواد فإن القواعد العرفية تأتي بعد التشريع ومبادئ الشريعة
الإسلامية،فيكون العرف مصدرا رسميا احتياطيا ([12])يأتي
بعد التشريع ومبادئ الشريعة الإسلامية، ويترتب على ذلك أن القاضي لا يلجأ إلى
القواعد العرفية إلا إذا عازه النص التشريعي، ولم يجد مبدأ من مبادئ الشريعة
الإسلامية يحكم المسألة(I) على أن أولوية التشريع على العرف إنما تتعلق بالقواعد الآمرة
في التشريع لا القواعد المكملة (II).
I- أن القاضي لا يلجأ إلى القواعد العرفية إلا إذا عازه النص
التشريعي ولم يجد مبدأ من مبادئ الشريعة الإسلامية يحكم المسألة، ومعنى ذلك أن التشريع ومبادئ
الشريعة الإسلامية أسمى من القواعد العرفية
.
II- أن أولـوية التشريع على العرف إنما تتعلق بالقـواعد الآمرة في
التشريع لا القواعد المكملة أو المفسرة، فتلك القواعد يلاحظ أن المشرع
جعل القواعد العرفية مفضلة عليها، لكونها قواعد لا إلزامية لها إلا عند غياب العرف أو الاتفاق،
ومن ذلك ما نصت عليه المادة 387 من القانون المدني التي نصت على أنه: "يدفع
ثمن البيع في مكان تسليم المبيع مالم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك".
الفرع الثالث
القـانــون الطـبـيعي
اعتبر المشرع
الجزائري القانون الطبيعي من بين مصادر القانون الرسمية، وذلك ما نصت عليه المادة
الأولى من القانون المدني التي نصت على أنه :" فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ
القانون الطبيعي وقواعد العدالة " كما نص في عديد المناسبات على
قواعد العدالة، ومنها المادة 65 و107
و110 من القانون المدني، ويلتزم رئيس الجمهورية والقضاة في اليمين التي
يؤدونها أثناء تنصيبهم بالسعي لتحقيق مبادئ العدالة، وهو ما يفرض تحديد المقصود
من القانون الطبيعي(أولا) ومرتبته بين مصادر القانون الأخرى في تدرج
القواعد القانونية (ثانيا).
أولا:مدلـول القانـون الطبـيعي:
تحيل المادة الأولى من
القانون المدني إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، فما هو القانون الطبيعي؟ وما هي قواعد العدالة
؟أهما شيئان مختلفان ؟ أم شيء واحد يدل عليه لفظان ؟
يتفق الفقه([13])
على أن لفكـرة القانون الطبيعي جـذورا في المدنيات القديمة، أي لدى اليونان
والرومان، وانتقلت منها إلى القانون الكنسي ثم إلى القانون الفرنسي القديم
فالحديث، و منه انتقلت إلى القوانين الحديثة، لكن أول ما ظهرت هذه الفكرة كنظرية
متميزة على يد القديس توما الإكويني، وفي القوانين الحديثة أبرز الفكرة
الفقيه جرو تيوس باعتباره مؤسس القانون الطبيعي الحديث، والذي عرف القانون
الطبيعي بقوله: "القاعدة التي يوحي بها العقل القويم والتي بمقتضاها يتعين
الحكم بأن عملا معينا ظالم أو عادل لكونه مخالفا أو موافقا للمعقول، وبأن الله
منشئ الطبيعة ينهى عنه أو يأمر به.."
وقد بدأت
فكرة القانون الطبيعي كنظام قانوني متكامل ينظم جميع علاقات الناس في مختلف البلاد
والعصور، نظاما موجودا في الطبيعة ويصل إليه الإنسان من طريق العقل، ويشمل أمرين:
الأول: هو المبادئ الأساسية قليلة العدد،
والتي تشكل ما يسمى لدى الفقه القانون الطبيعي المبدئي، الثاني: هو مجموعة
كاملة من القواعد التفصيلية التي يتكون منها ذلك النظام القانوني الأزلي.
ومعنى ذلك أن
عبارة القانون الطبيعي تدل على معنيين :
المعنى الأول: المبادئ الأساسية قليلة العدد،
والتي يطلق عليها الفقه القانون الطبيعي المبدئي.
المعنى الثاني: القواعد التفصيلية المتفرعة عنها
لتحقيق العدالة في الحالات الخاصة، ويتضمنها ما يسميه الفقه القانون الطبيعي التطبيقي
أو الثانوي أو قواعد العدالة.
وهذا
الازدواج في المفهوم، هو الذي يفسر لنا الخلاف الفقهي بشأن القانون الطبيعي، ويقف
وراء العديد من الانتقادات الموجهة إليه، ويأتي على رأس هذه الانتقادات أنها فكرة
فلسفية غامضة.
ويظهر أن المشرع الجزائري بالإحالة الواردة في المادة
الأولى من القانون المدني من أنصار القانون الطبيعي، متجاوزا بذلك الجدل
الفقهي حوله وما وجه إليه من انتقادات، ولكنه مع ذلك رأى أن يجمع بين الفكرتين،
حيث أحال إلى المبادئ القليلة العدد التي لا تتغير، كما قصد بقواعد العدالة الإحالة
إلى القواعد التفصيلية التي يستطيع القاضي أن يفرعها على تلك المبادئ الثابتة
لتحقيق العدالة في كل حالة على حدة.
ثانيا:مرتبـة القانـون الطبيـعي:
إن المادة
الأولى من القانون المدني منحت للقانون الطبيعي –مبادئ وقواعد تفصيلية – مركزا بين
المصادر الرسمية للقانون، وجعلته مصدرا رسميا احتياطيا([14])
يأتي بعد التشريع ومبادئ الشريعة الإسلامية والقواعد العرفية، لأن القاضي لا يعود
إلى القانون الطبيعي إلا حيث لا يجد نصا تشريعيا ولا مبدأ في الشريعة الإسلامية
ولا قاعدة عرفية، وذلك معناه، أن المشرع وإن جارى أنصار القانون
الطبيعي واعتبره مصدرا رسميا للقانون، فهو لم يجارهم
في المرتبة الممنوحة له في سلم التدرج القانوني، إذ يرى أنصار القانون الطبيعي أن
مبادئ القانون الطبيعي تهيمن على النظام القانوني كله وتمثل المثل الأعلى الثابت
المشترك بين جميع البشر، تماما مثلها مثل القواعد الدستورية، بل أعلى منها، وعلى
النقيض من ذلك هاجم أنصار المذهب التاريخي فكرة القانون الطبيعي، ورأوا أنه من
العبث البحث عن قواعد قانونية اعتمادا على افتراضات فلسفية غامضة وفضفاضة، ولذلك
دعوا إلى الاستغناء عن فكرة القانون الطبيعي، وتوسطا بين أنصاره ومنتقديه، اعترف
المشرع الجزائري أسوة بالمشرع الفرنسي وغيره من التشريعات المقارنة، بمركز المصدر
الرسمي الاحتياطي للقانون الطبيعي.
والحقيقة أن عبارة القانون الطبيعي وقواعد العدالة
لاترد القاضي إلى ضابط يقيني، وإنما هي تلزمه أن يجتهد رأيه حتى يقطع عليه سبيل
النكول عن القضاء، وهي تقتضيه في اجتهاده هذا أن يصدر عن اعتبارات موضوعية عامة لا
عن تفكير ذاتي خاص، فتحيله إلى مبادئ وقواعد كلية تنبه تارة إلى القانون الطبيعي
وتارة إلى العدالة. وإزاء ذلك آثر المشرع أن يبقي على هذا التعبير، وييسر على
القضاء أسباب الاجتهاد، ففي كنف مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة أنشأ القضاء
الفرنسي وبعده القضاء المصري و غيرهما نظرية متكاملة للمبادئ العامة للقانون، وهي
مصدر آخر للقواعد القانونية في الدولة من إنشاء القضاء، كانت فكرة القانون الطبيعي
وقواعد العدالة وراء إنشائها، وهو موضوع الفرع التالي.
الفرع الرابع
المبـادئ العامـة للقانـون
إضافة للقواعد القانونية سالفة الذكر، يذكر الفقه و
القضاء نوعا آخر من القواعد القانونية غير المكتوبة أي التي لم تضعها السلطات
المختصة بالتشريع في الدولة، و يتعلق الأمر بما يطبق عليه الفقه و القضاء المبادئ
العامة للقانون، و إنما تأخر الحديث عنها تماشيا مع النص القانوني الوارد في
المادة الأولى من القانون المدني حيث أغفل الإشارة إليها، فاقتضت المنهجية تأخير
الحديث عنها إلى ما بعد دراسة القواعد القانونية التي كرسها المشرع، فالمبادئ
العامة للقانون إنشاء قضائي محض، و رغم ذلك يتفق الفقه و القضاء على اعتبارها
قواعد قانونية ملزمة، فتكون جزء من عناصر المشروعية.
وبالنظر لسكوت المشرع عن هذه
المبادئ، وندرة الأحكام القضائية الجزائرية التي تكرسها وتستند عليها في قضائها،
فإنه من اللازم تحديد مدلول هذه المبادئ(أولا) ومرتبتها الإلزامية بين
مصادر القانون الأخرى طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية (ثانيا).
أولا: مـدلـول المبـادئ العامـة للـقانـون:
تعرف المبادئ بكونها ([15])مجموعة
من الوقائع العامة التي تتغير ببطء في مجموعها، ويكون لها جموداًَََ نسبيا عند
تطورها مع بقية الوقائع، وتقف المبادئ على حدود القانون حيث تحكمه وترشد القاضي
الذي عادة ما يكون باعثا لها، فالمبادئ العامة للقانون هي قواعد غير مشرعة،
يستنبطها القضاء من المقومات الأساسية للمجتمع وقواعد التنظيم القانوني في الدولة،
ويقررها في أحكامه باعتبارها قواعد قانونية ملزمة، ولذلك عرفت بكونها: "
مجموعة من القواعد القانونية الأساسية أو الجوهرية التي تلتزم الإدارة بمراعاتها
في قراراتها الفردية وأيضا اللائحية في كل مظاهرها، وتكون لها بالتالي قوة قانونية
ولكنها مع ذلك غير مكتوبة فهي لا تستند
مباشرة لنص قانوني مكتوب وإنما تجد مصدرها المباشر في القضاء" وعرفها
الأستاذ De Laubadére في مؤلفه
عن القانون الإداري بقوله:" أن اصطلاح المبادئ العامة يطلق على عدد من
المبادئ التي لا تظهر مصاغة في نصوص مكتوبة ولكن يعترف بها القضاء باعتبارها واجبة
الاحترام من الإدارة وأن مخالفتها تمثل انتهاكا للمشروعية".
وأشار الأستاذ نفسه قائلا:
« on appelle ainsi un certain nombre
de principes qui ne figure pas dans textes...mais que la jurisprudence reconnaît comme devant être respectes
par l’administration leur violation constituant une illégalité »([16]).
فهو يعتبرها المصدر غير المكتوب الأكثر أهمية لقواعد
المشروعية، ومن كل تلك التعريفات السابقة يمكننا استخلاص أن هذه المبادئ أنشأها
القضاء (I) ورغم ذلك تعتبر قواعد قانونية ملزمة(II).
I- المبادئ العامة للقانون نظرية قضائية: بمعنى أن الفضل في استخلاصها
وتقريرها كقواعد قانونية ملزمة يرجع لمجلس الدّولة الفرنسي من خلال أحكامه، ثمّ
صارت تلك المنهجية معتمدة في قضاء عديد الدول كمجلس الدولة المصري، وفي القضاء
الجزائري نجد أن مجلس الدولة قد كرسها في عديد قراراته، ومنها القرار المؤرخ في
27/07/1998([17])الذي
جاء في إحدى حيثياته: "حيث أن القاضي مثله مثل كل موظف للدولة يستفيد
وجوبا بحقوق مضمونة دستوريا وأن القاضي الإداري ملزم بمراقبة احترام هذه الضمانات"
وهي الحيثية التي تبين أن مجلس الدولة استند إلى مبدأ عام، وهو مبدأ المساواة وفي قرار لاحق مؤرخ في 17/01/2000 أكد مجلس
الدولة هذا الاتجاه([18]).
II- المبادئ العامة للقانون نظرية مستقلة([19]): رغم أن المبـادئ العـامة
للقـانون قواعد غير مكتوبة، أنشأها القضاء، إلا أنها قواعد أساسية وجوهرية، بمعنى
أنها تكاد تفوق أهميتها الموضوعية أهمية القواعد المكتوبة، فهي حسب مفوض
الحكومة Letourneur مبادئ كبرى، ويصفها أيضا مفـوض الحكومة Gentot في تقـريره عن حكم Dame David في
04/10/1974 بـأنها تعبر أو تعكس الأفكار المقبولة من الكافة، والتي تؤسس نظامنا
القانوني ([20])،ويكفي
أن نذكر أمثلة لها ليتبين مدى أهميتها واستقلاليتها كمصدر من مصادر القانون، كمبدأ
المساواة أمام القانون و المساواة أمام القضاء ومبدأ احترام حقوق الدفاع ومبدأ
الحقـوق المكتسـبة ومبـدأ تدرج القواعد القانونية، فالمبادئ العـامة للقـانون تمثل
مجموعة قانونـية متكـاملة يكشفها ويصيغها القضاء اعتمادا على القواعد القـانونية،
وأسس نظام الحكم في الدولة ونظمها المختلفة التي تتضمن الخطوط العريضة والاتجاهات
العامة، بحيث تكون المبادئ القانونية العامة بمثابة تفسير من جانب القضاء للضمير
العام ولإرادة المشرع .
ثانيا: مرتبة المبادئ العامة للقانون:
لقد اختلف
الفقه والقضاء حول مرتبة هذه المبادئ بين القواعد القانونية الأخرى، إذ يرى
الأستاذ Letourneur أن لها على وجه الخصوص قيمة القانون المكتوب أي قيمة التشريع
العادي، فتكون ملزمة لكافة السلطات على اختلاف درجاتها حتى رئيس الجمهورية،
ومادامت كذلك فإنه لا يحق إلاّ للمشرع وحده مخالفتها، أماّ اللوائح فلا يجوز أن
تأتي مخالفة لها لكونها أقل مرتبة منها في تدرج القواعد القانونية. وهذا الاتجاه
يجد تبريره في كون فرنسا قبل دستور 1958 لم يكن متصورا منح أي نوع من الرقابة على
دستورية القوانين للقضاء، وبالتالي لايمكن منح تلك المبادئ قيمة دستورية لأن في
ذلك اعتراف بنوع من الرقابة الدستورية للقضاء.
غير أنه بعد
دستور 1958 في فرنسا، بدأ الخلاف يظهر بين الفقهاء حول القيمة القانونية للمبادئ
العامة، حيث ظهر الرأي الذي يعليها إلى مرتبة القواعد الدستورية، فتكون أعلى من
التشريع الصادر من البرلمان، وهو ما أكده مجلس الدولة الفرنسي في عديد أحكامه،
فمثلا إزاء قوانين التطهير الإداري التي لم تعط للموظفين حق الدفاع ولا أي ضمانات
جدية، أعلن مجلس الدولة ضرورة أن تحترم إجراءات التطهير مبدأ احترام حقوق الدفاع
عكس نصوص القانون، وفي قضية تمّ الطعن فيها أمام مجلس الدولة الفرنسي بدعوى تجاوز
السلطة ضد قرار المكتب المكلف بمراقبة وإعلان نتائج انتخاب أعضاء المجلس الأعلى
للقضاء والذي قراراته غير قابلة للطعن فيها حسب المادة08 من قانون 1947([21])
ومما جاء في حيثياته : « qu’en l’absence de tout prescription édictant
expressément une solution contraire les disposition précités, qui excluent
uniquement le recours de plein contentieux ne sauraient avoir pour conséquence
de les priver du recours pour excès de
pouvoir qui leur est ouvert en cette
matière comme dans tout les autres en vertu dés principes généraux du
droit ».
بل ذهب مجلس الدولة
الفرنسي لما هو أبعد، عندما أقر بأحقية الطعن بتجاوز السلطة في قرار إداري نص
القانون صراحة على أنه غير قابل للطعن إداريا و قضائيا، لكون ذلك الطعن قائما و لو
دون نص ما دام يضمن احترام الشرعية إذ جاء في إحدى قراراته([22]) :
« le recours pour
excès de pouvoir ….a pour effet d’assurer conformément aux principes généraux
du droit le respect de la légalité »
و في نفس الاتجاه، نجد القضاء الجزائري يقضي في
قراراه المؤرخ في 27 /07/1998 ([23])سالف
الذكر بأن "القاضي مثله مثل كل موظف للدولة يستفيد وجوبا بحقوق مضمونة
دستوريا و أن القاضي الإداري ملزما بمراقبة احترام هذه الضمانات" فمجلس
الدولة استند إلى مبدأ المساواة لاستبعاد صريح نص المادة 99/02 من القانون
الأساسي للقضاء القديم، إذ قبل الطعن في قراراه التأديبي بتجاوز السلطة خلافا لما
نصت عليه المادة من عدم قابليته للطعن، و هو ما أكد عليه في قرار لاحق بتاريخ
17/01/2000 ([24])إذ
قرر أن "الطعن من أجل تجاوز السلطة موجود حتى و لو لم يكن هناك نص و يهدف
إلى ضمان احترام مبدأ القانونية طبقا للمبادئ" فمجلس الدولة رجع إلى
المبادئ القانونية العامة لاستبعاد نص المادة 99/02 من القانون الأساسي
للقضاء القديم، و هو ما يكشف أن مجلس الدولة الجزائري ساير موقف مجلس الدولة
الفرنسي من كون المبادئ العامة للقانون هي مبادئ دستورية فلا يجوز للمشرع
مخالفتها.
ومن ثم فإن نظرية المبادئ العامة للقانون بحكم
تعريفها و خصائصها هي نظرية غير مكتوبة، فتطبق حتى في غياب النص، و تستمد قوتها
الملزمة من السلطة الخلاقة للقاضي الإداري، فهي تحل محل النص التشريعي الغائب، بل
و تضمن تفسيرا ملائما لقواعد المشروعية للنص التشريعي المعيب، كما تضمن الوحدة و
الانسجام للنظام القانوني، إذ تفرض سلطانها حتى على التشريعات الصادرة عن السلطة
التشريعية، بل و تعتبر هذه المبادئ وسيلة القاضي لبسط رقـابته الدستـورية على
القـوانين و اللوائح و لو بصورة غير مباشرة.
وخلاصة ما سبق أن القواعد
القانونية بنوعيها المكتوبة وغير المكتوبة تتدرج فيما بينها من حيث قوتها
الإلزامية إلى عدة مراتب يعلوا بعضها البعض، وذلك حسب الترتيب التالي:
-فتأتي القواعد الدستورية في قمة التدرج القانوني.
-تليها المبادئ العامة للقانون وفي مقدمتها مبادئ الشريعة الإسلامية.
-وبعدها القواعد الاتفاقية الدولية.
-وتليها القواعد التشريعية التي تأتي في مقدمتها القوانين العضوية فالأوامر
التشريعية المتعلقة بقوانين المالية أو الصادرة في الظروف الاستثنائية والقواعد
اللائحية الصادرة في الظروف الاستثنائية وبعدها الأوامر التشريعية في الظروف
العادية .
-ثم القواعد اللائحية الصادرة في الظروف العادية.
-وبعد ذلك القواعد العرفية .
-وأخيرا تأتي قاعدة الهرم القانوني مبادئ
القانون الطبيعي وقواعد العدالة
[2] -. عصام
عفيفي عبد البصير، مبدأ الشرعية الجنائية: دراسة مقارنة في القانون الوضعي و الفقه
الجنائي الإسلامي، 2004، دار الفكر الجامعي،
ص 9 و ما بعدها. و كمال عبد الواحد الجوهري، المرجع السابق، ص 45 و
ما بعدها.
[4] -قرر
المجتمعون في مؤتمر لاهاي الدورة الثانية سنة 1927 ، المؤتمر الدولي للقانون
المقارن الدورة الثانية، سنة 1927، ومؤتمر المحامين الدولي المعقد في لاهاي، سنة
1948 ، وشعبة الحقوق الشرقية من المجمع الدولي للحقوق المقارنة سنة 1951 بباريس
وكلها انتهت بالاعتراف بما لقواعد ومبادئ الفقه الإسلامي ومنها مبادئ الشريعة
الإسلامية من قيمة تشريعية لا يمارس فيها. – انظر: محمد سلام مذكور، المدخل للفقه
الإسلامي، تاريخية ومصادره ونظرياته العامة، دار الفكر العربي، ص 22 وما بعدها .
[8] - أبو الأعلى
على المودودي، المصطلحات الأربعة في القرآن الكريم، 1941، ترجمها إلى العربية
الأستاذ محمد كاظم سباق، 1955 ، ص116 وما بعدها .
[9] - كمال عبد
الواحد الجوهري، المرجع السابق، ص 78 وما
يليها . و سامي جمال الدين، المرجع السابق، ص 148.و سمير عبد السيد تناغو، النظرية العامة للقانون، منشأة المعارف
بالإسكندرية، 1974، ص 262.
[10] - وقد أصدرت
محكمة جنائية مصرية حكما طبقت فيه حكما في الشريعة الإسلامية مباشرة أورده كمال
عبد الواحد الجوهري، المرجع السابق، ص 75
وما بعدها (ملحق 7 )
[11] - سامي جمال
عبد الواحد الجوهري، المرجع السابق، ص 108. و أنور طلبة، الوسيط في القانون المدني، ج 01، 1993 ، ص 14 وما بعدها . و ماجد راغب الحلو،
القضاء الإداري، توزيع دار الفكر العربي، دار المطبوعات الجامعية، ص 35 وما بعدها.
و عبد الغني بسيوني عبد الله، القضاء
الإداري، 1993، الدار الجامعية، ص 25 وما بعدها .
[12] - سليمان
مرقس، الوافي، المرجع السابق ص 306 وما بعدها . و محمود عاطف البنا، الوسيط في القانون الإداري، توزيع دار الكتاب
الحديث، مصر، ط2، 1992 ، ص 81 وما بعدها .
- سليمان مرقس، المرجع السابق، ص 448 وما بعدها.
[15] - محمد أحمد
رفعت عبد الوهاب، المبادئ العامة للقانون كمصدر للمشروعية في القانون الإداري،
1992، ص 15 وما بعدها .
[17] - مجلس
الدولة،ملف رقم ،172994 قرار بتاريخ 27/07/1998 ،مجلة مجلس الدولة، عدد 01/2002
،ص84 ، 85 (ملحق 8)
[18] - مجلة
الدولة، ملف رقم 005240 ، قرار بتاريخ 28/10/2002 مجلة مجلس الدولة،عدد 2/2002 ، ص
165 إلى 167 (ملحق9).
[19]- خلافا
للمتفق عليه فقها وقضاء، يرى الأستاذ الطماوي أن هذه المبادئ ليست مصدرا مستقلا
للمشروعية إذ لم يفرد لها في مؤلفة القضاء الإداري مكانا مستقلا عن التشريع ،
وإنما عالجها في إطار التشريع المكتوب باعتبارها مشتقة من مجموع التشريعات .انظر ،
سليمان الطماوي القضاء الإداري ،قضاء الإلغاء ، 1976 ، ص 804 .
[21] - CE falco et Vidaillac, 17 avril 1953 in,
les grands de la jurisprudence administrative, M long et autres . serey 1990
p 508 et s
[22] - CE Dame Lamotte, 17/02/1950, in les grandes arrêts ,
Idem, p 432 et s.
[24] -مجلس الدولة
، ملف رقم 005240 قرار بتاريخ :28/01/2002 ، مجلة مجلس الدولة، عدد 2 /2002، (ملحق
09) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق