الرقابة القضائية على مشروعية القواعد اللائحية في القانون الجزائري

0
القضائية على مشروعية القواعد اللائحية
                                           
 تطبيقا لمبدأ المشروعية ومقتضياته، ومنها مبدأ تدرج القواعد القانونية، فإن أعمال السلطة  التنفيذية -سواء منها الفردية أو اللائحية- تخضع وتتقيد بالقانون بمعناه الواسع ، وكل مخالفة لذلك تجعل عملها باطلا وقابلا للطعن فيه أمام القضاء، وعلى ذلك فإن اللوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية – مهما كان نوعها والظروف التي صدرت فيها- تخضع للرقابة القضائية باعتبارها أعمالا إدارية، وتطبيقا للمادة 143 من الدستور "ينظر القضاء في الطعن قرارات السلطات الإدارية "
 وقد أثبتت عملية الرقابة القضائية جدواها وفاعليتها في النظم القانونية المقارنة، حيث استطاع القضاء عن طريق صور وأنواع الرقابة القضائية التي بسطها على اللوائح أن يوفر ضمانات جدية وفعالة لحماية الشرعية وحريات الأفراد وحقوقهم في مواجهة السلطة التنفيذية، التي أجبرها القضاء على الخضوع للقانون واحترام مبدأ المشروعية، وتتخذ رقابة القضاء على اللوائح عدة صور حسب الجهة التي تتولاها، فقد تكون رقابة إلغاء من طرف القضاء الإداري ، وقد يختص بها القاضي العادي عن طريق الدفع بعدم الشرعية فيختص بها طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية ([1]).
غير انه يتعين ملاحظة انه بصدد فحص مشروعية اللوائح بمطابقتها للقواعد الدستورية فإن ذلك وجها آخر للرقابة القضائية على مشروعية اللوائح، عمد إليها القاضي لتوسيع مساحة رقابته على أعمال السلطة التنفيذية، هذا إضافة إلى إنشائه نظرية المبادئ العامة للقانون لتوسيع سلطته الرقابية على تلك الأعمال.
 ولذلك فقد تكون الرقابة القضائية على مشروعية اللوائح بواسطة دعوى الإلغاء (الفرع الأول) أو عن طريق الدفع بعدم الشرعية (الفرع الثاني) إضافة إلى الوسائل التي ابتدعها القاضي لتوسيع مجال رقابته عليها (الفرع الثالث).
الفــرع الأول
رقــابــة الإلـغـــاء
يختص بنظر هذه الدعوى القضاء الإداري فقط دون القضاء العادي، طبقا لنص المادة 01 من القانون 98/ 02 المؤرخ في 30 ماي 1998 المتعلق بالمحاكم الإدارية التي تنص على انه" تنشأ محاكم إدارية كجهات قضائية للقانون العام في المادة الإدارية " والمواد 9 و10 و 11 من القانون العضوي 98 /01 المؤرخ في 30 ماي 1998 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله والتي تجعله مختصا بالنظر في المنازعات المتعلقة بالطعـون بالإلغـاء المرفوعة ضد القرارات التنظيمية أو الفردية الصادرة عن السلطات المركزية والهيـئات العمومية الـوطنية والمنظـمات المهنية الوطنية، والطعون الخاصة بالتفسير ومدى شرعية القرارات التي تكون نزاعاتها من اختصاص مجلس الدولة، إضافة إلى كون جهة استئناف ونقض في أحكام وقرارات الجهات القضائية الإدارية، وكذا في قرارات مجلس المحاسبة، وعلى ذلك فيملك أي فرد أو هيئة الطعن في اللوائح إذا ما شابها عيبا من عيوب المشروعية كعدم الاختصاص أو عيب الشكل والإجـراءات أو مخالفة القوانين بمعناها الواسع أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف أو عيب السبب([2]). والملاحظ من خلال الإطلاع على قرارات مجلس الدولة المنشورة في مجلة مجلس الدولة، أن مجلس الدولة يرتب جزاءات مختلفة على القرارات الإدارية المخالفة للمشروعية، ومرد ذلك هو درجة جسامة المخالفة ، فإن كانت لا تمثل خروجا كبيرا على مبدأ المشروعية كان القرار الإداري باطلا، أما إذا بلغت المخالفة حدا كبيرا من الجسامة كان القرار الإدراي معدوما ([3])، فمثلا في القرار الإداري الفاصل في مسألة تدخل أصلا في اختصاص القضاء عده المجلس قرارا باطلا لتجاوزه السلطة، وفي القرار رقم 169417 الصادر بتاريخ 27/07/1998 انتهي مجلس الدولة إلى اعتبار القرار الإداري الصادر من جهة غير مختصة منعدما ، ونلاحظ في ذلك خلطا كبيرا إذ الصواب خلاف ذلك حسب المستقر عليه فقها وقضاء([4]).
ويترتب على ذلك اختلاف الآثار المترتبة على الانعدام عن تلك المترتبة على البطلان، إذ أن تنفيذ القرار الإداري المنعدم يشكل اعتداء ماديا une voie de fait ، وهو ما يغير قواعد الاختصاص إذ يصبح القضاء الإستعجالي الإداري والعادي مختصين بالنظر فيه إضافة لقضـاء المـوضوع الإداري، وذلك لكون القرار المعدوم تنتفي فيه مواصفات العمل القانوني المستحق للحماية، ونظرا لكون الانعدام من النظام العام، فإنه يمكن إثارته في أي درجة للتقاضي، وتثيره المحكمة تلقائيا، وان هذا القرار لا يستفيد من الحصانة بعد انقضاء المدة القانونية لرفع دعوى الإلغاء أو السحب من طرف الإدارة، ضف إلى ذلك أن مبدأ فصل السلطات يمنع على القاضي الإداري توجيه أوامر للإدارة، بينما إذا ثبت أن عمل الإدارة يشكل خروجا جسميا على قواعد المشروعية، وبالتالي اعتباره منعدما وعدم استحقاقه للحماية القانونية، فان للقضاء توجيه أوامر للإدارة للكف عن كل ما من شانه أن يضع العمل المتخذ حيز التنفيذ([5])، ففي القرار الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ: 11/05/2004 ([6]) بعد أن أثبت عدم مشروعية قرار الإدارة، وان تنفيذها المباشر إياه يمثل تعديا يمنح الاختصاص للقاضي الإستعجالي  قام بإلزام الإدارة بوضع حد لفعل التحدي ومما جاء في هذا القرار:
 "مما يجعلها فعلا قد قامت بفعل التعدي الذي هو من اختصاص القاضي الإستعجالي، وان الأمر بوضع حد لفعل التعدي لا يمس بأصل النزاع وحقوق الأطراف، لأن كل طرف له الحق في استعمال الإجراءات القانونية الأخرى سواء في الإلغاء أو التوقيف ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن يكون فعل التعدي هو إجراء قانوني يسمح للإدارة أن تستعمله للإضرار بالموطنين.
مما يستوجب إثبات وجود فعل التعدي، وبالتالي القول باختصاص قاضي الاستعجال وإلغاء القرار المستأنف والتصدي من جديد بوضع حد لفعل التعدي " وقد قرر مجلس الدولة في هذا القرار" القضاء بإلغاء القرار المستأنف الصادر عن قسم الاستعجال للغرفة الإدارية ...والتصدي من جديد بإلزام البلدية بوضع حد لفعل التعدي ضد المستأنف ".
الفرع الثاني
الرقابة عن طريق الدفع بعدم الشرعية
 يمكن الطعن ضد اللوائح غير الشرعية ولو تحصنت بفوات ميعاد الطعن ، وذلك عند صدور قرارات تنفيذية تطبيقا لها، إذا يمكن الطعن في هذه القرارات على أساس عدم شرعية اللائحة التي تعد مصدرا لها، فحينئذ يتصدى القضاء الإداري باعتباره مختصا بالمنازعات الإدارية المتعلقة بالقرارات التنفيذية اللائحية لفحص اللائحة باعتبارها مسألة فرعيةQuestion préalable ([7])، فإذا ثبت له عدم شرعيتها ألغى القرار التنفيذي مع بقاء اللائحة .
 وهناك صورة أخرى للدفع بعدم الشرعية، وذلك إذا ما خالف احد الأفراد لائحة يراها معيبة وقدم للمحكمة من اجل هذه المخالفة، فهنا قد يدفع هذا الفرد بعدم مشروعية اللائحة، فهل يعد الدفع في هذه الحالة مسألة أولية يفصل فيها القاضي بنفسه أي القاضي العادي؟ أم يعتبرها مسـالة خارجة عن اختصاصه لكونها مسألة مبدئية أو أوليةquestion préjudicielle   فيوقف الدعوى ويحيل الأطراف على القاضي الإداري؟
وقد استقر الأمر في القضاء الفرنسي على اعتبار القضاء الجزائي مختصا بفحص شرعية اللوائح التي يراد تطبيقها على الدعاوى المنظورة أمامه، أما القاضي المـدني فإذا عرضت أمامه مسألـة مبدئية أو فرعية تتعلق بالدفع بعدم شرعية لائحة، فإنه يحيل طلب فحص الشرعية إلى القضاء الإدراي المختص،  وأما في الجزائر فالمسألة تحتاج إلى مناقشة جدية، فمن جهة تمثل المحاكم الإدارية جهات القانون العام للمنازعات الإدراية، ومجلس الدولة يختص بكل منازعات الإلغاء والتفسير وفحص المشروعية لقرارات السلطات الإدراية المركزية والهيئات العمومية الوطنية، فمقتضى تمتع القضاء الإدراي بالولاية العامة في المنازعات أن يكون له دون غيره سلطة الفصل في المنازعات الإدراية مالم يوجد نص خاص بخلاف ذلك استثناء من هذه الولاية العامة، وعلى ذلك فإذا طرحت دعوى أمام جهة القضاء العادي، وكان الفصل في هذه الدعوى يستلزم أولا البت في مسألة تدخل بطبيعتها في طائفة المنازعات الإدراية، فإنه يتعين على القاضي، ما لم يكن هناك نص خاص يقتضي باختصاصه بالفصل في هذه المسألة، أن يوقف نظر الدعوى و إحالة هذه المسألة للقضاء الإداري ليفصل فيها بوصفها من المسائل المبدئية، على أن هذا المذهب لم يرق للغرفة المدنية للمحكمة العليا- ربما حتى لا تطيل الإجراءات وتثقل على المتقاضين - ففي قرارها المؤرخ في 09 /10 /2002 ([8])استندت إلى مبدأ تدرج القوانين لاستبعاد مرسوم تنفيذي (لائحة تنفيذية) وإهماله لمخالفته القانون، ومما جاء فيه :
"حيث أن المادة 85 من المرسوم المتضمن إنشاء السجل العقاري يلزم المدعي بإشهار عريضة افتتاح الدعوى بالمحافظة العقارية وإلا كانت باطلة.
وحيث أن مثل هذا البطلان مطلق يتعين على المجلس إثارته تلقائيا .
وحيث ثابت من ملف الدعوى أن دعوى المستأنف عليهم الرامية إلى إلغاء عقد رسمي مشهر لم يتم إشهارها.
وحيث أن ما اتجه إليه قضاة الموضوع هو اتجاه خاطئ من أساسه ، ذلك انه بالرجوع إلى الأمر المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري المؤرخ في 12 نوفمبر 1975 لا ينص على إجراء شهر العريضة الافتتاحية بالمحافظة العقارية قبل قيدها بكتابة ضبط المحكمة ، ولا قانون الإجراءات المدنية.
 حيث أن إجراء شهر العريضة الافتتاحية للدعوى قد استحدثه مرسوم 76/63 المؤرخ في 25 مارس 1976 الذي يتعلق بتأسيس السجل العقاري ولم ينص عليه كل من قانون الإجراءات المدنية والقانون المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري .
وبذلك يكون المرسوم المنوه إليه قد استحدث شرطا جديدا لصحة العريضة الافتتاحية لم يرد لا في قانون الإجراءات المدنية ولا القانون المتضمن إعداد مسح الأراضي العام ، ومن ثمة يوجد التعارض بين القانون والمرسوم المشار إليه.
وحيث انه طبقا لمبدأ تدرج القوانين الذي يقضي بأنه في حالة ما إذا وقع التعارض بين التشريع والتشريع الفرعي فإنه يطبق التشريع الأعلى ويطرح التشريع الأدنى .
وحيث أن قضاة الموضوع عندما طبقوا التشريع الفرعي وطرحوا التشريع الأعلى يكونون قد طبقوا ذلك المبدأ بالمفهوم العكسي " فهذا القرار استبعد المرسوم التنفيذي دون أن يتعرض مباشرة لشرعيته، إذ استبعده باعتباره قانونا فرعيا خالف قانونا عاديا فتطلب طبقا لمبدأ تدرج القوانين استبعاده.
وهذا الاتجاه هو تأكيد لقرار سابق لنفس الغرفة صدر بتاريخ 12/07/1995 ([9]) والذي جاء فيه:
"كما أن  عدم شهر الدعوى في المحافظة العقارية لا يترتب عليه أي بطلان إذ أن تطبيق المادتين 13 و14 من الأمر 75/74 المؤرخ في 12/11/1975 فقد أحال المشرع تطبيق هاتين المادتين على مرسوم.
 وبناء على أحكام المادة 14 / 4 من الأمر المشار إليه أعلاه فقد صدر المرسوم المؤرخ في 25 /03/1976 رقم76 /63 الذي نص في المادة 86 منه  على عدم قبول الدعوى إذا لم يتم إشهارها في المحافظة العقارية ، إذ أن اشتراط إشهار العريضة قبل ، تسجيلها لدى كتابة ضبط المحكمة يعد قيدا على رفع الدعوى قد استحدثه هذا المرسوم لكن المشرع قد نص على إجراءات رفع الدعوى وشروط قبولها أمام القضاء في قانون الإجراءات المدنية ولم ينص على هذا القيد بالنسبة للدعاوى العينية العقارية ومن ثمة يوجد تعارض بين أحكام قانون الإجـراءات المدنية وأحكـام هذا المرسوم، وتبعا لذلك فإنه إذا وقع التعارض بين التشريع العادي والتشريع الفرعي يطبق التشريع العادي .."
ففي هذا القرار فحصت المحكمة العليا المرسوم رقم 76/63 باعتباره جاء تطبيقا للمادة 14 من الأمر 75/74 فهو مرسوم تنفيذي أي لائحة تنفيذية، غرضها تقديم كيفيات تطبيق النص التشريعي بدون إضافة ولا تعديل ، إذ تعد حينذاك مخالفة لقواعد الاختصاص الدستورية، لكونها تدخلت في المجال المخصص للبرلمان، فتكون من هذه الزاوية غير دستورية، ومن زاوية المنـازعات الإداريـة منعدمة، وحسب قانون العقوبات في مادته 117 فإن هذا التجاور يعد جريمة يعاقب عليها بالحبس المؤقت من 05 إلى 10 سنوات، وعلى ذلك، فالمحكمة العليا متمثلة في غرفتها المدنية اعتمدت على مبدأ التدرج القانوني للتمسك بفحص شرعية اللوائح، وهو مذهب جرئ ويفيد مقدرة اجتهادية عظيمة إذ يفتح المجال للرقابة القضائية على مشروعية اللوائح عن( طريق المبادئ العامة للقانون ) وهو ما نراه في الفرع التالي.
الفرع الثالث
وسائل القاضي لتوسيع رقابة مشروعية اللوائح
 في إطار الدور القضائي المكرس دستوريا والمتمثل في حراسة المشروعية، فإن القضاء ينشئ ويبتدع من الوسائل ما توسع مساحة رقابته على أعمال السلطة العامة، وترتفع عنه القيود التي قام سابقا بوضعها على نفسه مما ضيق من المجال الدستوري الواسع للرقابة القضائية على الإدارة طبقا للمادة 139 من الدستور التي تنص على انه: "تحمي السلطة القضائية المجتمع والحريات وتضمن للجميع ولكل واحد المحافظة على حقوقهم الأساسية" والمادة 143 التي تنص على انه : " ينظر القضاء في الطعن في قرارات السلطات الإدارية " فالمجال الدستوري للرقابة القضائية واسع، لكن القضاء ضيق على نفسه من خلال قيود ابتدعها ومنها نظرية أعمال السيـادة، التي كانت من إنشـاء القضاء الفرنسي، واعتنقها لاحقا القضاء الجزائري. وفي فترة لاحقة انتبه القضاء إلى ضيق مجال رقابة على الإدارة وصار يبتدع وسائل لتوسيعه، ومن هذه الوسائل الاستناد إلى القواعد الدستورية لبسط رقابة المشروعية على اللوائح الإدراية (أولا) وكذلك المبادئ العامة لقانون(ثانيا).
-أولا:  الرقابة القضائية بالاستناد إلى القواعد الدستورية:
 حسب بعض الفقه ومنهم الأستاذ favoreu  أنه من الناحية المنطقية لا يوجد مانع من الاستناد إلى نصوص الدستور لتأسيس الدعاوى الإدارية المختلفة إذ يقول :
« Les normes constitutionnelles ne sont pas utilisée dans le procès administratifs , non pas parce qu’ elles sont utilisables , mais parce que doctrine , juges et avocats pensent qu’elle , son inutilisable » ([10])
وبالرجوع لاجتهادات مجلس الدولة الفرنسي فإننا نجده لجأ في عدة مناسبات إلى القواعد الدستورية أثناء رقابة المشروعية لكنه يتقيد بمجموعة من الضوابط أهمها :
- بالنسبة لدعوى الإلغاء: لم يقبل مجلس الدولة الفرنسي دعوى الإلغاء التي تتأسس على وجه عدم دستورية اللائحة محل الطعن لوجود اختصاص مانع للمجلس الدستوري في هذا المجال .
- بالنسبة لدفع بعدم الدستورية: هل يمكن استبعاد تطبيق لائحة أثناء النظر في دعوى إدارية نتيجة الدفع بعدم الدستورية ؟
بصدد هذا السؤال، رفض مجلس الدولة قبول هذا الدافع اعتمادا على نفس الحجة، وهي أن رقابة الدستورية اختصاص مانع للمجلس الدستوري، لكن تيارا فقهيا ظهر بفرنسا يتزعمه كل من ليون دوجي وموريس وهوريو وجيز ينتقد هذا المسلك القضائي ويدعوا لقبول هذا الدفع .
ولو أعملنا مبدأ تدرج القواعد القانونية لقلنا بضرورة استجابة القضاء الإداري لهذا الدفع، والفصل فيه بما يؤكد خضوع القواعد التشريعية واللائحية  للدستور، فيكون القضاء وهو يمتنع عن تطبيق القواعد التشريعي المخالفة للدستور، في إطار ممارسة وظيفته في تطبيق القانون والرد على الدفوع وليس ممارسا للرقابة على دستورية القوانين .
-بالنسبة لدعوى فحص المشروعية: وبموجبها يقوم القاضي بمعاينة اللوائح المعروضة عليه من حيث الأركان التي تقوم عليها، ليصرح بمشروعيتها إذا جاءت مواجهة للقواعد القانونية الأسمى منها دستورية كانت أم غيرها، أو العكس إذا كانت غير ذلك، وباعتبار القواعد الدستورية في قمة الهرم القانوني في الدولة فإنه من الواجب على مجلس الدولة التصريح بعدم مشروعيته اللائحة المخالفة للدستور.
ثانيا: توسيع الرقابة القضائية بالاستناد للمبادئ العامة لقانون:
إن الملاحظ مما سبق، أن نظرية الاختصاص المانع للمجلس الدستوري برقابة دستورية اللوائح من اختراع القضاء الإداري الفرنسي، ولذلك فهو الأقدر على إيجاد الآليات والنظريات الكفيلة بالتخلص من القـيود المترتبة عنها، بمـا يسمح للقضاء الإدراي بقـبول دعوى إلغـاء اللوائح المخالفة للدستور، وتوسيع مجال هذه الرقابة، فما هي هذه الآليات؟
 بالرجوع إلى القضاء المقارن وخصوصا الفرنسي، نجد أن مجلس الدولة الفرنسي كرس نظرية المبادئ العامة للقانون باعتبارها وسيلة لتوسيع مجال رقابته على اللوائح، وبالتالي التحرر من قبضة الاختصاص المانع  للمجلس الدستوري برقابة دستورية اللوائح،  ولذلك اعترف مجلس الدولة الفرنسي بالقيمة الدستورية لبعض المبادئ العامة للقانون([11]) ، كما سبق تفصيله، وهو ما يصلح اعتماده من قبل القضاء الجزائري لتشابه المعطيات الدستورية والقانونية في النظامين الفرنسي والجزائري، ولذلك نتساءل عن الدور الذي تلعبه المبادئ العامة للقانون ذات القيمة الدستورية في إطار الرقابة على مشروعية اللوائح في الجزائر ؟
لقد كان الدافع وراء الاعتراف بالقيمة الدستورية لبعض المبادئ العامة للقانون هو بسط القضاء في لرقابته على دستورية اللوائح المستقلة من جهة (I) والأوامر التشريعية من جهة أخرى (II) .
-Iالمبادئ العامة للقانون كأساس للرقابة على دستورية اللوائح: لقد أعلن الفقه الفرنسي انزعاجه من المادة 37 من دستور 1958 وهي المقابل للمادة 125 من دستور 1996 الجزائري، لكونها تندرج ضمن الاختصاص المستقل للسلطة التنفيذية وفي نطاق واسع، فالسلطة التنفيذية تختص بإصدار اللوائح  دون الاستناد للقانون ولا خضوع لرقابة البرلمان، ولا يجوز لهذا الأخير التشريع في هذا المجال، ومع انزعاجه بحث الفقه عن التقنيات اللازمة لفرض رقابة موضوعية على محتوى ومضمون تلك اللوائح المستقلة من جانب القضاء الإداري، ونظرا لعائق الاختصاص المانع للمجلس الدستوري بالرقابة على الدستورية لم يجد الفقه بدا من إضفاء الطابع الدستوري على بعض المبادئ العامة للقانون، وذلك للاعتماد عليها لاحقا لتفعيل رقابة القاضي الإدراي على دستورية تلك اللوائح، ذلك أنه إذا كانت تلك المبادئ العامة لها قوة القانون فإنه لا يوجد ما يمنع السلطة التنفيذية من مخالفتها أثناء وضعها للوائح المستقلة، وهو ما يفرض الارتقاء بها لتصبح لها قيمة دستورية، فإذا خالفتها تلك اللوائح صارت مشوبة بعيب عدم المشروعية، ويتعين بالتالي على القاضي الإداري التصريح بإلغائها.
-IIالمبادئ العامة للقانون كأساس للرقابة على دستورية الأوامر التشريعية:
وهذه الأوامر تصدر عن رئيس الجمهورية في المجال غير المخصص للقانون طبقا للمادة 124 من الدستور، ولكنها رغم ذلك لا تعدو كونها أعمالا إدارية طبقا المعيار العضوي، فكيف فعل القضاء الإداري لبسط الرقابة على دستوريتها ؟
لقد رأى أن الاحتفاظ للمبادئ العامة للقانون بقيمة القانون، لا تخوله مثل هذه الرقابة، ولذلك اعترف القضاء الإدراي وأيده في ذلك الفقه بالقيمة الدستورية لبعض المبادئ العامة للقانون، وهو ما مكنه عند مخالفة تلك الأوامر لهذه المبادئ  التصريح بعدم مشروعيتها وبالتالي إلغائها .
وهو ذات المنطق الذي يمكن تكريسه في الجزائر على الأوامر الصادرة طبقا للمادة 124 من دستور 1996 قبل عرضها على البرلمان أو التي لا يمكن تصور عرضا عليه، إذ تبقى مجرد أعمالا إدارية ومن ثم يمكن للقاضي بسط رقابته عليها اعتمادا على المبادئ العامة للقانون، ومنها مبدأ تدرج القوانين وهذه المبادئ يخلقها القضاء الإداري، مستلهما إياها من المرجعية الدينية والاجتماعية والسياسية للمجتمع، وبالاستناد على مقدمات الدساتير والمواثيق وإعلانات الحقوق، وأنه يصلح للقضاء الاستناد عليها لتقرير اختصاصه برقابة مشروعية الأوامر واللوائح المستقلة، رغم تكريس محتوى هذه المبادئ في نصوص الدستور صراحة، فالقاضي يعتمد عليها كمبادئ عامة للقانون لا باعتبارها نصوصا دستورية.
ومن الضروري التساؤل عن موقف القضاء الإداري الجزائري بخصوص هذه المسألة ؟
لا توجد سابقة قضائية يمكن الاستناد عليها للإجابة عن التساؤل المطروح بخصوص رقابة القضاء الإداري لدستورية اللوائح المستقلة، أو الأوامر التشريعية، اللهم إلا قرارا صادرا عن مجلس الدولة بتاريخ 27/07/1998([12]) استند فيه المجلس للفصل في طعن من اجل تجاوز السلطة إلى المبادئ العامة للقانون، وذلك أن قاض صدر ضده قرارا بالعزل من المجلس الأعلى للقضاء مجتمعا في هيئة تأديبية، فقرر مجلس الدولة أن يقبل دعوى الإلغاء ضد هذا القرار مستندا إلى مبدأ عام للقانون سبق لمجلس الدولة الفرنسي أن استنبطه في قضية: Dame La motte  ([13]) الشهيرة وهو مبدأ عدم حصانة أي قرار إداري ضد رقابة الإلغاء، ولم يستند إلى نص المادة 143 من الدستور التي تصلح أساسا لحكمه نظرا لعمومية صياغتها والتي جاءت في الشكل التالي: "ينظر القضاء في الطعن في قرارات السلطات الإدارية " وهو الموقف الذي أصر عليه مجلس الدولة الجزائري حين أعيد عرض نفس النزاع عليه للمرة الثانية بتاريخ 28/01/2002([14]) إذ جاء في الحيثيات: "حيث وبدون حاجة إلى فحص كافة الأوجه المثارة بما في ذلك الوجه المأخوذ من المادة 100 من القانون الأساسي للقضاء الذي قد فصل فيه القرار السابق مصرحا باختصاصه باسم المبادئ العامة للقانون بأن مقرر المجلس الأعلى للقضاء المستأنف هو مقرر غير قانوني لأكثر من سبب " وفضلا عن ذلك استند المجلس إلى مبدأ آخر وهو ما قرره في حيثية أخرى جاء فيها: "المجلس الأعلى للقضاء بكامل هيئته التأديبية قد أهمل الأخذ بعين الاعتبار المبدأ العام للقانون القاضي بأنه لا يمكن الفصل مرتين في قضية بنفس الوقائع" وعلى ذلك فإن المبادئ العامة للقانون يمكن أن تلعب أدوارا عدة في حماية المشروعية، فهي تحل محل القانون الغائب بالنسبة للوائح المستقلة والأوامر التي تضعها السلطة التنفيذية دون ما استناد إلى قانون، فتجيء هذه المبادئ لتحل محله، كما أنها تسمح للقضاء الإداري ببسط رقابته الفاعلة على تلك الأعمال الإدارية وتضمن إخضاعها لسيادة القانون، إذ بالاستناد لهذه المبادئ العامة يخضع القاضي الإداري اللوائح المستقلة التي يصدرها رئيس الجمهورية طبقا لنص المادة 125 من الدستور لرقابته سواء من حيث الشكل و الاختصاص أو من حيث المضمون، كما تصلح أساسا لرقابة القاضي الإداري للأوامر الصادرة عن رئيس الجمهورية في ظل عدم فعالية آليات الرقابة الدستورية، هذا إضافة إلى إمكانية الاستناد لهذه المبادئ العامة لإعادة النصوص القانونية التي تتضمن أحكاما تتنافى مع القواعد الدستورية أو مع قيم المجتمع ومرجعياته الأساسية إلى حظيرة المشروعية، وذلك عن طريق تفسير تلك النصوص القانونية بواسطة المبادئ العامة للقانون تفسيرا ضيقا، بما يجعلها تحمل معنى موافقا لأحكام الدستور وقيم المجتمع، ولذلك فالقضاء يبدو وكأنه يراقب القوانين تحت ستار تفسيرها بالاستناد للمبادئ العامة للقانون ([15]).
وتلخيصا لما سبق تقريره بشأن دور القضاء الإداري في رقابة دستورية اللوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية، سواء بالاستناد إلى نصوص الدستور أو إلى المبادئ العامة للقانون، فإنه من اللازم التقرير بان اللوائح بطبيعتها ومهما كانت مجرد قرارات إدارية، وقاضيها الطبيعي هو مجلس الدولة، ومن ثم كون نظرية المبـادئ العـامة للقـانون ملاذا لمجلس الدولة لاستعادة اختصاص جوهري انتزع منه أو تنازل هو عنه بغير حق ([16]).
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          




الخاتمة



[1]- طعيمة الجرف، المرجع السابق،  ص 206 و ما بعدها.
De laubadere, Traité de droit administratif, 1953, p 213 No 386.
-محمد تقية، مبدأ المشروعية و رقابة القضاء على الأعمال الإدارية، ملتقى قضاة الغرف الإدارية، ص 137 و ما بعدها.
-علاقة السلطة القضائية مع السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية و الإعلام، الندوة الوطنية الثانية للقضاء، ص 83 و ما بعدها.    
[2]-.لعروسي، دعوى الإلغاء أو الطعن بالبطلان، ملتقى قضاة الغرف الإدارية، ص 37 و ما بعدها.  
[3]- بودريوة عبد الكريم، جزاء مخالفة القارات الإدارية لقواعد المشروعية، مجلة مجلس الدولة، العدد 5/2003، ص    
[4]- أنظر: بودريوة عبد الكريم، المرجع نفسه، و أنظر René chapus, Droit administratif, Op.cit.
[5]- أنظر: فريدة أبركان، التعدي، ملتقى قضاة الغرف الإدارية، ص 97 و ما بعدها. 
[6]- مجلس الدولة، ملف رقم: 018915 قرار بتاريخ: 11/05/2004 قضية أخ ضد رئيس المجلس الشعبي البلدي للدائرة الحضرية باب الزوار، مجلة  مجلس الدولة العدد 5/2003.(ملحق 10)  
[7]- ثمة خلط في المصطلحات بخصوص المسألة الأولية و الفرعية، و في هذه الدراسة التزمنا بالمصطلحات كما وردت في المادتين 330 و 331 من قانون الإجراءات الجزائية.
[8]- م ع ، ملف رقم 264463 قرار في 09/10/2002 قضية (ن س) ضد (ن ش)، م ق عدد 1/2003 (ملحق 05)    
[9]- المحكمة العليا، ملف رقم 130145 قرار بتاريخ: 12/07/1995، غ منشور ، نقلا عن زروقي ليلى و حمدي باشا عمر ، المنازعات العقارية، دار هومة، طبعة 2002، ص 240.    
[10]- Luis Favoreu, Op.cit, p 5 
[11]- محمد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 149 و ما بعدها.
.   
[12]- مجلس الدولة، ملف رقم: 172994 قرار بتاريخ: 27/01/1998 قضية (خ ق)  ضد المجلس الأعلى للقضاء و وزير العدل،  مجلة  مجلس الدولة العدد 1/2002(ملحق 08).   
[13]- C E, dame La motte 17/02/1950 in , les grandes arrête de la jurisprudence administrative, M . long et autres, p 433 et s.       
[14]- مجلس الدولة، ملف رقم: 5240  قرار بتاريخ: 28/01/2002 قضية خ ق  ضد المجلس الأعلى للقضاء و وزير العدل،  مجلة  مجلس الدولة عدد 2/2002 (ملحق 09)
[15]- محمد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 188 و ما بعدها.   
[16]-  Bruno Genevois, Le conseil d’états et l’interprétation de loi, R. F. D. A, 2002, p 883 et s.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه