موقف التشريـــع الجزائـــري من جريمة التحرش الجنسي

0
2- التشريـــع الجزائـــري

جـــاء تجريم التحرش الجنسي في الجزائر كرد فعل قانوني من جهة،        و كضرورة ملحة من جهة أخرى نتيجة لتنامي هذه الظاهرة في المجتمع الجزائري خاصة في مواقع العمل و داخل المؤسسات و الإدارات العمومية و الخاصة و استجابة لنداءات الجمعيات النسائية و بعض المنظمات غير الحكومية النشطة في مجال حقوق المرأة.

تطرق المشرع الجزائري لجريمة التحرش الجنسي لأول مرة في قانون العقوبات الجديد، طبقا للقانون رقم15/04 المؤرخ في27 رمضان عام 1425 هجرية الموافق لـ10 نوفمبر 2004 المعدل و المتمم للأمر رقم 156/66 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق لـ08 جوان 1966، الصادر بالجريدة الرسمية رقم71 لسنة 2004، حيث أورد في نص المادة 341 مكــرر:

يعد مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي و يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة       و بغرامة من50000 د ج إلى 100000 د ج، كل شخص يستغل سلطة وظيفته أو مهنته عن طريق إصدار الأوامر للغير أو بالتهديد أو الإكراه أو بممارسة ضغوط عليه قصد إجباره على الاستجابة لرغباته الجنسية و في حالة العود تضاعف العقوبة.

و تجدر الإشارة و التنويه إلى أنه تم تحيين قيمة الغرامة المالية المقررة لجنحة التحرش الجنسي في ضوء أحكام المادة 60 من القانون رقم 23/06 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 حيث تم رفع الحد الأقصى للغرامة من 100000 د ج إلى 200000 د ج.

أما فيما يتعلق بالدعوى المدنية تبعا لدعوى التحرش الجنسي الجزائية فمثلها مثل غيرها من الدعاوى المدنية التي ترفع تبعا للدعاوى الجزائية و تطبق بشأنها نصوص المواد2، 3، 4 و239 من قانون الإجراءات الجزائية المنظمة لقواعد و إجراءات الادعاء المدني، إذ يحق للمتضرر الذي تأذى من جريمة التحرش الجنسي أن يشكل طرفا مدنيا ضد الفاعل و يطلب الحكم بالتعويض عما أصابه من ضرر مادي و معنوي ناتج مباشرة عن الفعل الإجرامي.

و يعد ظرف التكرار المنصوص عليه في المادة341 مكرر من قانون العقوبات،    و هو ظرف شخصي محض يتمثل في عودة المجرم إلى ارتكاب الجريمة نفسها خلال أجل محدود فمضاعفة العقوبة في حالة العود هي ظروف شخصية يشدد فيه العقاب على المتهم متى توفرت فيه، و منها صفة من له السلطة على المجني عليه مثل ما هو الحال في جريمة هتك العرض و الاغتصاب اللتين تتوفر فيهما ظروف شخصية و صفة الأصل أو المربي.

و في هذا الصدد لا يفوتنا أن نشير إلى ما تطرق إليه قانون العمل المعدل في هذا المجال بصفته ينظم علاقة العمل داخل المؤسسات العمومية و الخاصة ليساير التعديل الذي مس قانون العقوبات و يواكب التطورات الحاصلة في المجتمع الجزائري، إذ يحكم قانون العمل العلاقات الفردية و الجماعية في العمل بين العمال الإجراء و المستخدمين، ويعتبر عمالا أجراء في مفهوم هذا القانون كل الأشخاص الذين يؤدون عملا يدويا أو فكريا مقابل مرتب في إطار التنظيم و لحساب شخص طبيعي أو معنوي، عمومي أو خاص يدعى       - المستخدم – المادة 21.

ينظم قانون العمل حقوق و واجبات العمال الأساسية في ممارسة الحق النقابي، التفاوض الجماعي، الوقاية، احترام السلامة البدنية و المعنوية و كرامتهم و الحماية من أي تمييز لشغل منصب عمل غير المنصب القائم على أهليتهم و استحقاقهم كما لهم الحق في الترقية في العمل و دفع الأجر و كل المنافع المرتبطة بعقد العمل - المادة 5 و المادة 6 الفقرتين 2 و 3 - كما تنص المادة 11 على أن جميع أشكال الأشغال المسندة للنساء        و العمال القصر و العمال المعوقين لا يجب أن تفرض عليهم مجهودا عضليا يفوق طاقتهم   و مقدرتهم، كما تعد باطلة كل عقود العمل التي تؤدي إلى التمييز بين العمال في الأجر      و ظروف العمل على أساس السن و الجنس أو الوضعية الاجتماعية، و لا يجوز تشغيل كلا الجنسين اللذين يقل عمرهم عن 19 سنة كاملة في أية أعمال ليلية مع منع تشغيل المرأة العاملة في الأعمال الليلية إلا برخصة تسلم من مفتش العمل المختص إقليميا تبرر  خصوصيات النشاط و منصب العمل " المواد 28 و 29 ".

فالتحرش الجنسي الذي يظهر في أغلب الحالات في أماكن العمل يأخذ شكلا من أشكال الإكراه أو التهديد لإجبار الضحية للاستجابة لرغبات صاحب السلطة، و الطرق      و الأمثلة تؤكد ذلك مثل :
·                                           العمل لساعات إضافية مع عدم وجود ضرورة لذلك.
·                                           إجبار العامل على الاستجابة للرغبات مقابل منصب العمل أو الزيادة في الأجر.
·                                           التهديد و الطرد من العمل.

               و قد نص الباب الثاني تحت عنوان صلاحيات مفتش العمل، لا سيما المواد من 5 إلى 16 إلى كيفيات و إطار تدخل القوة العمومية في إطار المخالفات     و الجرائم التي يرفعها مفتش العمل و حجية محاضره، كما نصت المادة18 منه على إلزام مفتش العمل بالسرية في كل المحاضر و الشكاوي و المعلومات التي يتلقاها  أو التي تبلغ إلى علمه مع المحافظة على كتمان هوية الشاكي طبقا لأحكام المواد 144 و 148 من قانون العقوبات.

إذا كان قانون العقوبات إلى غاية تعديله في 2004 يضمن للمرأة الحماية من الاعتداءات الجنسية من خلال تجريمه الفعل المخل بالحياء و الاغتصاب و زنا المحارم فان هذه الحماية مقصورة على الاعتداءات الجسدية التي تتطلب اتصالا جسديا بالضحية، في حين لا يقتضي التحرش الجنسي اتصالا جسديا و إنما يأخذ شكل ابتزاز و مساومة على  ترقية أو نقل أو حتى الفصل من العمل، بحيث لا يمكن الضحية تجنب المضرة أو الحصول على منفعة إلا بالنزول عند طلبات المعني و الاستجابة لرغباته الجنسية.

للإشارة فان المشرع الجزائري في نص المادة المذكورة أعلاه لم يبين جنس الفاعل أو الضحية و ذلك يحتمل أن يقع التحرش من أحد الجنسين على الآخر أو أن يكون المتحرش و المتحرش به من نفس الجنس بحثا عن إرغام الضحية على الاستجابة لرغبات جنسية شاذة.


كما أن المشرع الجزائري لم يجرم التحرش الجنسي الممارس من قبل المحارم داخل الأسرة أو البيت رغم تعرض بعض التشريعات العربية و الإسلامية له كالتشريع المصري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه