الخلاف الذي ثار حول إدراج جريمة العدوان ضمن اختصاص للمحكمة الجنائية الدولية وإمكانية إعطاء تعريف لها

0


: الخلاف الذي ثار حول إدراج جريمة العدوان ضمن اختصاص للمحكمة الجنائية الدولية وإمكانية إعطاء تعريف لها

تباينت مواقف الدول من إدراج جريمة العدوان ضمن الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية وانقسمت بين أغلبية مؤيدة لهذا الاختصاص وأقلية معارضة له، حيث بدا واضحا أثناء انعقاد المؤتمر الدبلوماسي المعني بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية والواقع بين 15جوان و 17سبتمبر 1998.

وقد كانت هناك إرادة لدى غالبية الدول من أجل أن يشمل اختصاص المحكمة جريمة العدوان، عبرت عن ذلك الدول عن طريق المناقشات التي دارت بين الدول أو عن طريق الكلمات الرسمية أمام المؤتمر أو في المناقشات التي تمت في اجتماعات اللجان المتخصصة، و تعتبر الدول العربية من الدول التي أبت إلا أن يكون الاختصاص المحكمة النظر بجريمة العدوان(1).
والدولة التي عارضت اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في جريمة العدوان هي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أكد مندوبها في الجلسة السادسة لاجتماعات اللجنة أن إثارة جريمة العدوان تثير مشكلة التعريف، ومشكلة لدور مجلس الأمن وأنها مشككة فيها إذا كان المؤتمر سوف يستطيع أن يعتمد تعريفا مرضيا من أجل إقرار المسؤولية الجنائية قبل الغير وإن قرار الجمعية العامة رقم3314 لا يحاول تعريف العدوان كجريمة فردية، وما يفعله هو مجرد تكرار صيغة ميثاق نورمبرغ، ولهذا فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعارض إدراج جريمة العدوان ضمن الاختصاص الموضوعي للمحكمة وقد أيد المندوب الإسرائيلي ذلك الذي تحدث على غرار ما قاله المندوب الأمريكي وأكد أنه مقتنع بوجوب إدراج جريمة العدوان في اختصاص المحكمة حيث قال:" إن الأفعال العدوانية ترتكبها دول ضد دول لا تنتمي إلى فئة الجرائم التي يرتكبها الأفراد انتهاكا للقانون الدولي الإنساني وهذه الأفعال هي النظام الأساسي أن يتصدى لها"(2).
و مع تطور المناقشات بدأت الدول المتحفظة تقتنع شيئا فشيئا بضرورة إدخال العدوان في ولاية المحكمة و أعلنت الأغلبية الساحقة للدول برغبتها لذلك.


 

(1)قد عبرت جمهورية مصر العربية عن موقف الدوال العربية التي ألقيت أمام المؤتمر والتي جاء فيها أنه (... بالنسبة للجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة فقد أيدت مصر دائما إدراج العدوان ضمن هذه الجرائم الأنها تشكل أقص وأفضع الجرائم في حق البشرية ولا يمكن أن تترك بلا عقاب من نظام قضائي جاء ليدعم العدالة في المجتمع الدولي علي الرغم من الصعوبات التي تعترض إدراج هذه الجريمة إلا أن الصعوبات يمكن التغلب عليها إذا توفرت الإرادة للازمة لذلك) . 
(2) د/ حامد العليمات، جريمة العدوان في ظل نظام المحكمة الجنائية الدولية طبعة 2007 ص 159.

وقد فرضت طبيعة موضوع العدوان، التي تتضارب فيها المسائل السياسية بالقانونية، على الوفود المتفاوضة  معالجة مختلفة عن باقي الجرائم، حيث ظهرت عدة مناورات لأجل التوصل إلى وضع تعريف محدد له وعرض في المؤتمر ثلاث خيارات للتعريف.

*الخيار الأول: نص على تعريف عام دون توضيح مفصل للأفعال التي ستشكل عدوانا وانتقد على أساس لا يحترم بما فيه الكفاية مبدأ المسؤولية.

*الخيار الثاني:  أضاف إلى التعريف العام قائمة من الأفعال العدوانية مستمدة من لائحة الجمعية العامة   لسنة 1974 حول تعريف العدوان و انتقد على أساس أن هذه القائمة تأكد المسؤولية الدولية للدولة المعتدية ولا يمكن تطبيقها بما يرتبط بالمسؤولية الجنائية الفردية.

*الخيار الثالث: فقد حاول أن يجمع بين سابقيه بالنص على أن جريمة العدوان هي كل هجوم مسلح يرتكبه الفرد يملك توجيه العمل السياسي أو العسكري من طرف دولة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى ويكون هدفه الاحتلال العسكري أو الضم لإقليم الدولة الأخرى أو جزء منه من قبل القوات المسلحة للدولة القائمة بالهجوم،  وانتقد على أساس استبعاده الأفعال الجسيمة التي ليست لها أهداف الاحتلال العسكري و الإقليمي.
و في الأخير تم الاتفاق على تضمين جريمة العدوان التي تدخل في ولاية المحكمة ولكن الفقرة الثانية من المادة الخامسة علقت ممارسة الولاية على وضع تعريف للعدوان و الاتفاق على شروط ممارسة الاختصاص فضلا عن اشتراط أن يكون كل حكم يتعلق بهذا الموضوع متوافقا مع ميثاق الأمم المتحدة(1).

الفرع الثاني: تعليق ولاية المحكمة بخصوص جريمة العدوان

بالرجوع للمادتين121 و 123 والفقرة 2 من  المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بخصوص جريمة العدوان يتوقف على وضع تعريف لها.

(1)د/ حامد العليمات المرجع السابق ص 290.


و يلاحظ الأستاذ shabas أن الفقرة الثانية من المادة الخامسة صيغة بحرص شديد carefully constructed    phrase باشتراطها أن يكون تعريف العدوان متوافقا مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة لأنه يفهم من خلالها إمكانية أو وجوب ظهور دور مجلس الأمن في هذا الشأن.
إذ أن المسألة الجوهرية التي يتضمنها نص المادة 39 من الميثاق تكشف أن تحديد الحالات التي تشكل عدوانا هو حق يمتاز به مجلس الأمن.
و يتساءل الأستاذ shabas  - في هذا السياق – أنه إذا كان مجلس الأمن هو الحكم في تحديد حالات العدوان،فهل يعني هذا أن المحكمة لا يمكنها أن تقوم بالمتابعة إلا إذا فصل مجلس الأمن في الموضوع؟
و يعلق على هذا الرأي بأنه يبدو تعديا لا مصداقية له على استقلالية المحكمة(1).
و نحن نرى أن هذا لا يعد تعديا على مصداقية واستقلالية المحكمة وإنما هو حل وسط وضعه واضعي         النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وذلك لإمكانية إيجاد توازن بين الوظيفة السياسية لمجلس الأمن ووظيفتها القضائية وذلك لتتجنب الضغط السياسي.
كما أن ذلك سيجنب وقوع المحكمة في تناقض مع مجلس الأمن الذي يعتبر صاحب الاختصاص الأصيل في تحديد الأفعال التي تشكل عدوانا.
وإن المحكمة بتعليق اختصاصها بشأن جريمة العدوان وذلك بعد إعطاء تعريف محدد لها يجنبها أيضا إهدار مبدأ المشروعية ذلك أن المعاقبة على جريمة يقتضي تعريفها و تحديد أركانها.
وفي الأخير نخلص إلى أن المادة الخامسة بنصها على إدراج جريمة العدوان ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وتعليق هذا الاختصاص على إعطاء تعريف لها يعتبر أفضل من استبعاد الجريمة برمتها وعدم النص عليها لأن ذلك يعتبر تراجعا في القانون الجنائي وذلك بترك جريمة خطيرة بدون عقاب مرتكبيها، كما أنه يعتبر تراجعا خطيرا عما حققه نظام نورمبرغ. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه