إجراءات التسريح التأديبي في القانون الجزائري

0

إجراءات التسريح التأديبي وآثاره:

لقد أعطى المشرع الجزائري الحق لصاحب العمل في توقيع العقوبة التأديبية المناسبة لدرجة خطورة الخطأ المرتكب من قبل العامل، وذلك حماية لمصالحه، غير أنه قيد استعمال هذا الحق بجملة من الشروط والإجراءات جراءات التسريح التأديبي وآثاره:

أولا: إجراءات التسريح التأديبي: يمكن تصنيف هذه الإجراءات إلى إجراءات موضوعية وأخرى تشكلية:

1-             الإجراءات الموضوعية: يحق لصاحب العمل تسريح العامل تأديبيا إذا ما ثبت أنه ارتكب خطأ مهنيا جسيما مع وجوب مراعاة الظروف التي ارتكب فيها الخطأ الجسيم، ومنه تتمثل الإجراءات الموضوعية للتسريح التأديبي في:

أ‌-     ارتكاب خطأ مهني يكيف على أنه جسيم، وقد سبق أن بينا مفهوم الخطأ المهني الجسيم، وما ينبغي التأكيد عليه هو أن الأخطاء المهنية الجسيمة وردت في المادة 73 من قانون 90/11 المعدلة على سبيل الحصر.

ب‌-وجوب مراعاة المستخدم للظروف التي ارتكب فيها العامل الخطأ الجسيم، إذ أنه يجب على صاحب العمل أن يراعي ظروف وملابسات ارتكاب الخطأ المحيطة بالعمل، أو أن يبحث عن الدوافع والمبررات التي أدت بالعامل إلى ارتكاب مثل هذه الأخطاء، ويتجلى ذلك من خلال الرجوع إلى سيرة العامل طوال مدة عمله، فمراعاة الظروف المحيطة بارتكاب الفعل، والدوافع، ومعرفة سيرة العامل كل هذا يساعد بشكل أو بآخر في تكييف الفعل أو الخطأ من جهة، وفي تحديد العقوبة المناسبة له من جهة أخرى، والملاحظ في هذا الشأن بخصوص قانون العمل الجزائري 91/29 أنها جاءت لتحمي الطرف الضعيف في علاقة العمل، وهو العامل، حتى عند ارتكابه لخطأ مهني جسيم، إذا لا يمكن لصاحب العمل فصل العامل من منصب عمله بحجة أنه ارتكب خطأ جسيما من دون أن يراعي الظروف والملابسات التي أحاطت بارتكاب هذا الخطأ، ودرجة الضرر الناتج عنه، وهي ما يعرف بالظروف المخففة في القانون الجنائي. كما أن المادة 73 من قانون 90/11 جعلت من ارتكاب العامل لخطأ جسيم من المحتمل أن ينجر أو ينجم عنه التسريح، بمعنى أن ارتكاب العامل لخطأ مهني جسيم لا يؤدي بالضرورة إلى تسريحه تأديبيا. ولا يفوتنا في هذا الصدد القول كما أشار إلى ذلك القاضي دحماني مصطفى أن هذه المادة (أي المادة 73-1 من قانون 90/11 المعدل) والتي تنص على أنه: "يجب أن يراعي المستخدم على الخصوص عند تحديد وصف الخطأ الجسيم الذي يرتكبه العامل والظروف التي ارتكب فيها الخطأ ومدى اتساعه ودرجة خطورته والضرر الذي لحقه وكذلك مراعاة السيرة التي كان يسلكها العامل حتى تاريخ ارتكابه الخطأ نحو عمله وممتلكاته". إن هذه المادة تعد سلاحا قويا في يد العامل في حالة لجوئهم إلى القضاء من أجل إلغاء قرارات تسريحهم، والمطالبة بإفادتهم بالمادة 73-1 باعتبار أن المستخدم لم يراعِ محتواها.

كما أن هذه المادة أعطت السلطة التقديرية للقاضي في اعتبار وصف الخطأ جسيما أم لا.

وفي هذا الإطار جاء قرار المحكمة العليا في ملف رقم 49103 بتاريخ 6 مارس 1989 مؤكدا على ضرورة الأخذ بالظروف المحيطة بالعامل عند ارتكابه الخطأ لتكييف الخطأ، وذلك في قضية (ب.ع) ضد (الشركة الوطنية للأبحاث والاستغلالات المنجمية) إذ قررت أنه:

"متى كانت أحكام المادة 76 من الأمر 82/06 تقضي بأنه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في تحديد وتكييف الخطأ الجسيم المرتكب من العامل ظروف ارتكابه ومداه ودرجة خطورته والضرر الناجم عنه، وسلوك هذا العامل اتجاه عمله وأملاك المؤسسة المستخدمة إلى غاية ارتكابه الخطأ، فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفة للقانون".

2-             الإجراءات الشكلية: وتتمثل فيما يلي:

أ‌-     ضرورة وجود نظام داخلي للهيئة المستخدمة:

إذ تنص المادة 73-2 من قانون 90/11 المتضمن علاقات العمل الفردية المعدل والمتمم بالقانون رقم 91/29 على ما يلي: "يعلَن على التسريح المنصوص عليه في المادة 73 أعلاه ضمن احترام الإجراءات المحددة في النظام الداخلي". يفهم من هذا النص أن وجود نظام داخلي في المؤسسة التي تشغل أكثر من 20 عاملا ضروري، وذلك لأنه يتم فيه تحديد الإجراءات التأديبية الواجب اتباعها قبل اللجوء إلى فصل العامل من منصب عمله، كما يقوم صاحب العمل بتحديد طبيعة الأخطاء المهنية ودرجات العقوبات المطابقة لها في النظام الداخلي الذي بعده.[1]

ب‌-احترام الضمانات المقررة قانونا للعامل المعني بالتسريح:

هناك مجموعة من الضمانات التي خصها المشرع الجزائري للعامل المعني بالتسريح التأديبي، وذلك حماية للطرف الضعيف في علاقة العمل، ويظهر هذا جليا بعد تعديل المادة 73 من قانون 90/11، ولكن بداية تجدر الإشارة إلى أنه قبل تعديل المادة 73 من القانون السالف الذكر كانت هذه الأخيرة تخول لصاحب العمل وضع الإجراءات التأديبية الواجب اتخاذها لتسريح العامل، وذلك من خلال النظام الداخلي الذي يقوم صاحب العمل بوضعه كما أسلفنا الذكر، وهذا إذا كانت المؤسسة تشغل أكثر من 20عاملا، وفي حالة ما إذا لجأت المؤسسة إلى تسريح العامل في حالة وجود نظام داخلي لم يتم إعداده طبقا للمواد 79.77.75 يعد عملها هذا تسريحا تعسفيا.

-  غير أن الجديد الذي أتت به المادة 73-3 من قانون 90/11 بعد تعديلها بقانون 91/29 هو كما جاء في نصها ما يلي: "يعلن عن التسريح المنصوص عليه في المادة 73 أعلاه ضمن احترام الإجراءات المنصوص عليها في النظام الداخلي، ويجب أن تنص هذه الإجراءات على التبليغ الكتابي لقرار التسريح، استماع المستخدم للعامل المعني الذي يمكنه في هذه الحالة أن يختار عاملا تابعا للهيئة المستخدمة ليصطحبه".

إذن كما هو واضح من خلال نص المادة 73-3 من قانون 90/11 والمدرجة بالمادة 3 من قانون 91/29 أنه بالإضافة إلى الإجراءات المنصوص عليها في النظام الداخلي هناك إجراءات وجوبية وضرورية ينبغي على صاحب العمل القيام بها، ذلك لأنها تعد بمثابة حقوق دفاع للعامل، وإلا عد التسريح تعسفيا.

وعليه سوف نتناول بالتحليل هذه الإجراءات أو الضمانات الممنوحة للعامل:

-        سماع العامل: يعد سماع العامل المعرض للتسريح التأديبي إجراء جوهريا ينبغي على صاحب العمل القيام به وإلا اعتبر قرار التسريح المتخذ ضده غير قانوني، ومن ثم عد التسريح تعسفيا، ولا يخفى أن سماع العامل له أهمية بالغة إذ يعطي للأطراف فرصة لتقدير ظروف وخطورة الوقائع ومدى اتساعها، والضرر اللاحق بصاحب العمل. كما يمكن العامل من إعطاء توضيحات أكثر عن كيفية صدور هذا الخطأ، وعليه يمكن القول أن إجراء السماع هذا الذي نص عليه المشرع يعد عنصرا فعالا في تمكين المستخدم من تطبيق المادة 73-1 تطبيقا سليما ومن ثم الوصف السليم للخطأ الذي يرتكبه العامل إن كان خطأ جسيما أم لا.

ولكن مما ينبغي الإشارة إليه كما تنبه لذلك القاضي دحماني مصطفى في محاضرة ألقاها بمجلس قضاء وهران "أنه يعاب على المشرع أنه لم ينظم الإجراء الأولي المتمثل في الاستدعاء ولم يضبط حدوده كتاريخ وساعة السماع موضوع الاستدعاء، والوقائع المنسوبة إليه، وكذا إخباره بحقوقه كحقه في اختيار من يمثله عند السماع".

وهذا خلافا لما نص عليه المشرع الفرنسي الذي ضبط عملية الاستدعاء بصفة محكمة وجعل من عدم ذكر إحدى البيانات المنصوص عليها سببا في الطعن بعدم قانونية الاستدعاء.

-        حق العامل في اختيار من يمثله: إن من بين الإشكالات التي تطرح في هذا الباب هو عدم معرفة العامل بحقه في التمثيل أي في اصطحاب من يمثله، فهل له أن يتضرع بعدم معرفته بحقه، ومن ثم تمسكه أمام القضاء بخرق إجراء أو حق من حقوق الدفاع، وبالتالي الطعن في قرار التسريح؟

وهل صاحب العمل ملزم بتنبيه العامل بهذا الحق قبل سماعه؟

وما هي الضمانات الممنوحة للعامل الممثل لزميله حتى لا يتعرض للمضايقة من طرف المستخدم؟

وهل يمكن أن يكون العامل الممثل من مؤسسة فرعية تابعة للمؤسسة الأم؟

كل هذه التساؤلات وغيرها لم يضع لها المشرع الجزائري جوابا، ولتفادي كل هذه الأسئلة كان يجب أن يتدخل المشرع بتنظيم عملية الاستدعاء موضحا وقت اللقاء، تاريخه، ومكانه مع تذكير العامل بحقه في التمثيل وإلا فإن لم يكن الأمر كذلك فعلى الأقل إجبار المستخدم بأن يأخذ إشهادا بالكتابة أو التوقيع من العامل أنه فعلا تم إعلامه بحقه في التمثيل، وقد تنازل عن ذلك، وهذا بموجب محضر ليكون حجة على العامل إذا ما أثار هذه النقطة أمام القضاء.[2]

هذا وإن المشرع سكت عن مسألة اعتبار استدعاء العامل للسماع فترة عمل، وبالتالي تدفع له أجرته فيها ما دام الاستدعاء كان من صاحب العمل أم لا يعتبر كذلك.

-        التبليغ الكتابي لقرار التسريح: إن المشرع الجزائري لم يضبط عملية التبليغ بمواعيد قانونية، ولا كيفية التبليغ تاركا ربما المجال للنظام الداخلي لإعطاء توضيحات حول هذه العملية، وهذا على خلاف المشرع الفرنسي الذي بين وحدد آجال التبليغ وكيفية إجرائه، كما ميز بين التبليغ وبين تسبيب التسريح، فالتبليغ يكون بعد اللقاء الذي يجمعه بالعامل وهو لا يعدو أن يكون مجرد إشعار عن القرار الذي سيتخذه فيما بعد، فلا بد أن يبعث على الأقل في مدة زمنية قدرها يوم مفتوح مع احترام كافة المواعيد إذا صادف نهاية ذلك اليوم يوم عيد او عطلة رسمية أو راحة أسبوعية، إما أثناء اللقاء أو في أجل أقصاه عشرة أيام في يوم مغادرته لمكان العمل، وتطبق بشأنه نفس الحكام فيما يخص المواعيد.

أما بالنسبة للمندوبين النقابيين إذا ما ارتكبوا خطأ ما، فقد أورد قانون 19/14 الصادر في 2 جوان 1990 المتعلق بكيفية ممارسة الحق النقابي في المواد 52، 54، 55 و56 منه أورد حكما خاصا بهم مفاده "أنه في حالة ارتكاب المندوب خطأ أثناء ممارسته نشاطه المهني غير المتعلق بالنشاطات النقابية فلا يحق للمستخدم اتخاذ أي إجراء تأديبي، إلا بعد إعلام المنظمة النقابية".

ماذا يقصد المشرع بالإجراءات المنصوص عليها في الاتفاقيات الملزمة ؟

إن أول ملاحظة تثيرها هذه العبارة هي: ورود كلمة ملزمة أمام اتفاقية، فهل هذا يعني أن هناك اتفاقيات غير ملزمة؟ لقد ذهب بعض المحللين إلى اعتبار أن كلمة تسريح الواردة في المادة 73-4 الفقرة 1 من قانون رقم 90/11 جاءت عامة ولم تحدد أي وصف له، واعتبرت أن الإجراءات المراد تصحيحها والواردة في مصطلح الاتفاقيات الملزمة جوهرية وليست من النظام العام، أي تلك الإجراءات التي تتعلق بها هو مفروض على المستخدم أن يقوم به مسبقا كالتزام منوط به بموجب الاتفاقية الملزمة مثلما هو الحال بالنسبة للتسريح في إطار التقليص من عدد العمال الذي ينظمه المرسوم التشريعي رقم 94/09 والذي يفرض إجراءات مسبقة وفي هذه الحالة يكون جبر انتهاك الإجراءات ممكن وفي صالح الطرفين، وان ما يؤكد هذا التحليل حسب القاضي دحماني مصطفى وهو تخصيص المشرع الفقرة 2 من المادة 73/4 للتسريح خارقا لأحكام المادة 73 (التسريح التأديبي) بمعنى أن هذه الفقرة تنظم نتائج التسريح التعسفي في إطار القواعد التأديبية (الموضوعية والشكلية)، أما الفقرة التي سبقتها فتتكلم عن التسريح دون تحديد.

ضف إلى أن الاتفاقيات الملزمة فيما يخص الإجراءات التأديبية لا يمكن تصورها، ذلك أن الإجراءات القانونية توحي إلى النظام الداخلي فلا يمكن التصور أن المستخدم سيتنازل عن الحق الممنوح له قانونا بموجب المادة 77 من قانون 90/11، ويقوم بإجراء اتفاقية مع ممثلي العمال فيما يخص الإجراءات التأديبية، ومن جهة ثانية فإنه بموجب المادة 120 من القانون لا يدخل موضوع الإجراءات التأديبية من ضمن الفقرات المنصوص عليها على سبيل المثال والتي تحدد مجالات الاتفاقيات الجماعية في مجال شروط التشغيل والعمل وليس الإجراءات.

كما أن الحديث عن التقليص أيضا بموجب الاتفاقيات الملزمة تتضمن أيضا قبل اللجوء إليه اتباع إجراءات قانونية معينة منصوص عليها في المواد 70 و71 من قانون 90/11.

هذا ويضيف القاضي دحماني مصطفى بأن المادة 73-4 جاءت مباشرة بعد الحديث عن التسريح التأديبي، وبالتالي فلا مجال لاعتماد تحليل إجراءات التسريح للتقليص من عدد العمال والواردة في المرسوم التشريعي 94/02 المؤرخ في 26/05/1994 المتعلق بالحفاظ على الشغل وحماية الأجراء الذين يفقدون عملهم بصفة لا إدارية.

وإن كنا نشاطر القاضي دحماني مصطفى في جل ما جاء به، إلا أننا نأخذ عليه قوله في كون أن المادة 73-4 فقرة 2 خصها المشرع للتسريح خرقا لأحكام المادة 73 (أي التسريح التأديبي) بمعنى أن هذه الفقرة تنظم نتائج التسريح التعسفي في إطار القواعد التأديبية والشكلية، فأما الفقرة السابقة فتتكلم عن التسريح بدون تحديد. إذ أنه وحسب الكثيرين أن المادة 73-4 بفقرتيها الأولى والثانية تتكلم عن نتائج التسريح التعسفي، ذلك أن عدم احترام القواعد الموضوعية والشكلية للتسريح التأديبي يعد تسريحا تعسفيا طبقا للمادة 73-3، غير أن الفقرة الأولى من المادة 73-4 تتكلم عن أثر عدم احترام الإجراءات القانونية للتسريح التأديبي أو الاتفاقيات الملزمة، أي مخالفة القواعد الشكلية للتسريح التأديبي، أما الفقرة الثانية فتتكلم عن مخالفة القواعد الموضوعية للتسريح التأديبي (المادة73)، أي عدم التزام صاحب العمل المنصوص عليها قانونا.

ثانيا: آثار التسريح التأديبي:

لقد سبق وأن ذكرنا أن التسريح التأديبي هو الذي تحترم فيه الإجراءات الشكلية والموضوعية، وأهم آثار التسريح التأديبي هي: إما التسريح مع مهلة الإشعار المسبق والتعويض عن التسريح، وإما التسريح بدون مهلة إشعار والتعويض، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: متى يستفيد العامل المسرح تأديبيا من مهلة إشعار وتعويض، ومتى يحرم منهما؟

إن الإجابة عن هذا السؤال نجدها في النظم الداخلية للمؤسسات، إذ أنه بالرجوع إلى هذه النظم نجدها تحدد طبيعة الأخطاء والعقوبات الموافقة لها، فتحدد بذلك الخطاء من الدرجة الثالثة والعقوبات الموافقة لها، وهي: التنزيل من الرتبة، أو التسريح مع مهلة الإشعار والتعويض، أو التسريح بدون مهلة الإشعار والتعويض.[3]

وحسب الأنظمة الداخلية فإن عقوبة التنزيل وعقوبة التسريح مع مهلة الإشعار والتعويض تخص العمال الذين ارتكبوا أخطاء مهنية من الدرجة الثالثة، ولكنها ليست أخطاء جسيمة، كتكرار الأخطاء من الدرجة الثانية، يستفيد العامل المسرح من مهلة الإشعار والتعويض طوال مدة مهلة الإشعار من ساعتين مدفوعتين الأجر، والحكمة من التعويض عن مهلة الإشعار المسبق هي إعطاء العامل المسرح فرصة للبحث عن منصب عمل آخر، ويكون التسريح بدون مهلة إشعار ولا تعويض عند ارتكاب العامل خطأ مهنيا جسيما، كما نصت على ذلك المادة 73 من قانون 90/11 المعدلة والمتممة بالقانون رقم 91/29 المتعلق بعلاقات العمل.

إذن يتبين من خلال ما ورد في الأنظمة الداخلية لبعض المؤسسات الاقتصادية أن التسريح مع مهلة الإشعار المسبق والتعويض يكون عند ارتكاب العامل خطأ من الدرجة الثالثة. أما التسريح بدون مهلة الإشعار والتعويض يكون عند ارتكاب العامل خطأ مهنيا جسيما، غير أنه طبقا لأحكام قانون 90/11 المعدل والمتمم بقانون 91/29 فإن التسريح سواء كان مع مهلة الإشعار والتعويض أو بدونهما لا يكون إلا عند ارتكاب العامل الأجير خطأ مهنيا جسيما، ومن ثم كل تسريح خارج عن الحالات المنصوص عليها قانونا يعتبر تسريحا تعسفيا طبقا للمادة 73-1 من قانون 90/11، وهو ما يجعل الأنظمة الداخلية لبعض المؤسسات الاقتصادية مخالفة للقانون رغم أنه مصادق عليها من قبل مفتشية العمل، ذلك أنها أضافت حالات وأخطاء إذا ما ارتكبها العامل يكون معرضا للتسريح في حين أن المادة 73 قد حصرت الأخطاء التي ينجم عنها التسريح التأديبي.[4]

هذا ويضيف القاضي دحماني مصطفى أن الأصل في التمييز بين النوعين من التسريح (تسريح مع مهلة الإشعار والتعويض أو بدونهما) يرجع إلى التمييز بين نوعين من الخطأ الجسيم، خطأ جسيم لا يجعل استمرار علاقة العمل أمرا مستحيلا، وهو الذي يمنح فيه التعويض ومهلة الإشعار، وخطأ جسيم يستحيل معه استمرار علاقة العمل، وهو الذي يتم بدون مهلة إشعار ولا تعويض.
وإن التمييز بين النوعين من الخطأ الجسيم يرجع إلى الظروف التي ارتكب فيها الخطأ الجسيم، ومدى اتساعه، ودرجة خطورته والضرر الذي ألحقه بالمؤسسة ووسائلها، وكذا السيرة التي كان يسلكها العامل الأجير حتى تاريخ ارتكابه



[1] انظر المادة 77/2 من قانون 90/11، علاقات العمل الفردية: "يحدد النظام الداخلي في المجال التأديبي طبيعة الأخطاء المهنية ودرجات المطابقة وإجراءات التنفيذ".
[2] القاضي دحماني مصطفى، بحث حول تحليل المادة 73-4 قانون 90/11 –مرجع سابق-.
[3] المادة 136 من النظام الداخلي الخاص بديوان الترقية والتسيير العقاري بمستغانم المصادق عليه من قبل مفتشية العمل في 30 ماي 1995، غير منشور.
[4] قرار عن الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا، ملف  رقم 155985 بتاريخ 10/2/1998، م ق عدد 1، 2000.

تحليل الأخطاء الجسيمة التي تضمنتها المادة 73 من قانون رقم 90/11 المعدلة والمتممة بالمادة 3 من قانون 91/29

0

تحليل الأخطاء الجسيمة التي تضمنتها المادة 73 من قانون رقم 90/11 المعدلة والمتممة بالمادة 3 من قانون 91/29:

-  إن هذه المادة كما سلف الذكر لم تقم بتعريف الخطأ الجسيم، وإنما أوردت مجموعة من الفقرات تضمنت أنواعا مختلفة من الأفعال واعتبرت إتيان إحدى هذه الأفعال يعتبر خطأ جسيما يترتب عليه التسريح التأديبي بدون مهلة العطلة وبدون علاوات، وكما هو ملاحظ وحسب القراءة الأولية للمادة 73 فنلاحظ أنها اعتبرت أن التسريح التأديبي للعامل يتم في حالة ارتكابه خطأ جسيما إذ تنص على أنه "يتم التسريح التأديبي في حالة ارتكاب العامل أخطاء جسيمة"، والمقصود هنا هو أنه يكفي أن يرتكب العامل خطأ جسيما واحدا حتى يكون معرضا للتسريح التأديبي.

وفيما يلي سوف نحاول تحليل وشرح هذه الأخطاء الجسيمة الواردة في المادة 73 من قانون 90/11 المعدل والمتمم بقانون 91/29، والتي ينجر عنها التسريح التأديبي بدون مهلة العطلة ولا علاوات، وأول هذه الأخطاء هي:

1-             رفض العامل تنفيذ تعليمات صاحب العمل المرتبطة بالتزاماته المهنية:

كما هو معلوم أن علاقة العمل تنشأ عنها مجموعة من الالتزامات المتبادلة، وبخصوص الالتزامات التي تقع على عاتق العامل فنجدها متعددة ومختلفة حسب اختلاف طبيعة العمل ومستوياته، ويعتبر تنفيذ العمل من أهم الالتزامات الأساسية التي تقع على عاتق العامل والذي يتطلب شروطا أساسية وهي[1]:

‌أ-     التنفيذ الشخصي للعمل: يشترط في تنفيذ العمل الصفة الشخصية من حيث المبدأ لكون أن شخصية العامل في علاقة العمل محل اعتبار من حيث الكفاءة والمقدرة اللازمتين لأداء المهام المرتبطة بمنصب العمل، وقد أكدت على هذا الالتزام اغلب التشريعات المقارنة ومن بينها القانون المصري في المادة 685 والمادة 7 من قانون علاقات العمل الجزائري التي أكدت على ضرورة القيام بالعمل بصفة شخصية مستمرة ومنتظمة، غير أن الصفة الشخصية لتنفيذ العمل في إطار العلاقة التعاقدية لا تعتبر من النظام العام إذ يجوز مخالفة ذلك في بعض الحالات.

‌ب- بذل العناية المعتادة في تنفيذ العمل: كما عبرت عن ذلك المادة 7 من قانون علاقات العمل، ومسألة العناية المعتادة كقاعدة عامة تسمح للطرفين الاتفاق على درجة معينة من العناية سواء كانت أدنى أو أعلى من العناية المعتادة طبقا لظروف العمل، ومهما كانت درجة العناية المطلوب بذلها فإن العامل مطالب بها، وإلا اعتبر تقصيره خرقا للالتزام.

‌ج- المحافظة على وسائل العمل: وكما هو معروف فإنه ينتج عن قيام علاقة العمل، تنفيذ العمل وفقا لأوامر وتوجيهات صاحب العمل، وهو ما نصت عليه المادة 7 فقرة 3 من قانون علاقات العمل، إذ تنص "أن ينفذوا التعليمات التي تصدرها السلطة السلمية التي يعينها المستخدم أثناء ممارسته العادية سلطته في الإدارة". وقد عرف الفقه الأمر المهني بأنه[2] "كل تغيير يتضمن أداء عمل أو امتناع عن عمل أو تحذير للتحوط من وقوع حادث، يصدر عن رئيس مختص إلى مرؤوس مختص بتنفيذه تربطها علاقة وظيفية".

وعليه يتوجب على العامل أثناء قيامه بواجباته المهنية تنفيذ التعليمات الموجهة إليه من قبل صاحب العمل أو من الأشخاص المعينين صراحة بموجب نظام السلطة الرئاسية التدرجية المهنية، وبالمقابل يمتنع العامل في إطار التبعية الفنية أن ينجز أعمالا وفقا لرغبته الخاصة، أو أن يتلقى توجيهات من أشخاص غير مخولين وفقا لنظام التدرج الرئاسي في المؤسسة.

وبالتالي فإن رفض العامل تنفيذ تعليمات صاحب العمل المرتبطة بالتزاماته المهنية تجعل سلطة الإدارة في عنصرها "توجيه تعليمات" محل إنقاص، وبالتالي يتعين على المستخدم أن يتدخل بما تحتويه سلطة الإدارة في عنصرها الثاني وهو سلطة توقيع العقوبة المنصوص عليها في النظام الداخلي بموجب المادة 77 من قانون 90/11 التي جاءت شارحة للفقرات 1 و3 من المادة 7 التي تلزم المستخدم القيام بسلطة الإدارة وضع نظام داخلي والذي بالضرورة يجب أن يحتوي على القواعد المتعلقة بالتنظيم التقني للعمل، الوقاية، الصحة، والأمن، وكذا الانضباط[3]، ومن جهة أخرى التدخل قد يتم بما تضمنته المادة 73 نفسها.

2-             إذا أفضى معلومات مهنية تتعلق بالتقنيات والتكنولوجيا وطرق الصنع أو وثائق داخلية للهيئة المستخدمة ، إلا إذا أذنت السلطة السلمية بها أو أجازها القانون:[4]

ويقابل هذا الفعل ما نصت عليه المادة 7 فقرة 8 من قانون 90/11 الواردة في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان واجبات العمل من الباب الثاني الذي يحمل عنوان حقوق وواجبات العمال، إذ نصت على ما يلي: "أن لا يفشوا المعلومات المهنية المتعلقة بالتقنيات والتكنولوجيا وأساليب الصنع وطرق التنظيم، وبصفة عامة أن لا يكشفوا مضمون الوثائق الداخلية الخاصة بالهيئة المستخدمة إلا إذا فرضها القانون أو طلبتها سلطتهم السلمية".

تتفق التشريعات العمالية المقارنة على ضرورة التزام العامل بحفظ أسرار العمل، ويقصد بالسر المهني "كل المعلومات أو الأسرار التي تتصل بالصناعة أو التجارة والتي لو ذاع خبرها تزعزعت الثقة في التاجر أو الصانع وكذا المعلومات التي جرى العرف على كتمانها".

كما يلزم العامل بحفظ المعلومات والوثائق التي يطلع عليها أثناء تنفيذه للعمل، وعدم تمكين الغير من الاطلاع عليها للمهن الصناعية والتجارية التي يؤدي إفشاء أسرارها إلى إلحاق أضرار جسيمة بصاحب العمل.

وعليه فإن هذا الالتزام الذي يشمل جميع مستويات العمل ومجالاته وأنواعه،تنطلق من ارتباط هذه الأسرار بمصالح صاحب العمل، وكذلك الأشخاص الذين تتعلق بهم تلك الأسرار بحكم العلم بوسائل وأساليب العمل والإنتاج حيث يمتد أثره حتى بعد انتهاء علاقة العمل، وقد رتب القانون قيام المسؤولية الإدارية والجنائية[5] عند الإخلال بهذا الالتزام بإفشاء الأسرار المهنية كما هو الشأن بالنسبة لإطلاع الغير على وثائق أو معلومات أو تصميمات خاصة بطريقة صنع متطورة وغيرها من الحالات المشابهة.

بيد أن هذا المنع كمبدأ عام ترد عليه بعض الاستثناءات الخاصة بحالات الرقابة والتفتيش، والتي تمارسها السلطة المختصة أثناء ممارسة مهامها، والتي تلزم بدورها المحافظة على هذه الأسرار التي تطلع عليها، كما هو الشأن بالنسبة لمفتش العمل، إذ تنص المادة 19 من قانون مفتشية العمل على أنه "يتعين على مفتشية العمل تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما أن يتقيدوا بسر المهنة، ولو بعد مغادرتهم مصلحتهم فيما يخص كل طرق المنع أو جمع معلومات أخرى المتصلة بتسيير المؤسسات وإدارتها الخاضعة لرقابتهم والتي يكونون قد اطلعوا عليها أثناء ممارستهم لوظائفهم".

3-             إذا شارك في توقف جماعي وتشاوري عن العمل خرقا للأحكام التشريعية الجاري بها العمل في هذا المجال:

إن هدا الفعل الذي يعد خطأ جسيما طبقا للمادة 73 من قانون 90/11، والذي يخول اقترافه من قبل العامل الحق لصاحب العمل في تسريحه تأديبيا دون مهلة العطلة أو العلاوات، فإنه أيضا يعد كذلك أي خطأ جسيما طبقا للمادة 33 مكرر من قانون 90/02 المؤرخ في 6 فيفري 1990 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب التي تخول لصاحب العمل سلطة اتخاذ الإجراءات التأديبية ابمنصوص عليها في النظام الداخلي، حيث تنص المادة 33 مكرر على أنه: "يشكل النوقف الجماعي عن العمل الناتج عن النزاع الجماعي للعمل بمفهوم المادة 2 أعلاه، والذي يحدث خرقا لأحكام هذا القانون، خطأ مهنيا جسيما يرتكبه العمال الذين شاركوا فيه، ويتحمل المسؤولية الأشخاص الذين ساهموا فيه بنشاطهم المباشر. وفي هذه الحالة يتخذ المستخدم اتجاه العمال المعنيين الإجراءات التأديبية المنصوص عليها في النظام الداخلي وذلك في إطار التشريع والتنظيم المعمول بهما".

وتعرف المادة 2 من قانون 90/02 المتعلق بتسوية النزاعات الجماعية في العمل، النزاع الجماعي في العمل "كل خلاف يتعلق بالعلاقات الاجتماعية والمهنية في علاقة العمل والشروط العامة للعمل، ولم يجد تسويته بين العمال والمستخدم باعتبارهما طرفين في نطاق أحكام المادتين 4و5". إذن يعد الإضراب آخر مرحلة لحل النزاع الجماعي في العمل يتم اللجوء إليه عادة بعد استنفاذ الطرق والوسائل الودية. وقد أصبح الإضراب يعد من الحقوق الدستورية في مختلف الدول، وينجر عن الإضراب توقف علاقة العمل خلال فترة الإضراب عن إنتاج آثارها، مما يستتبع عدم تنفيذ الالتزام بدفع الأجر من طرف صاحب العمل، وهذا انطلاقا من الصفة التبادلية للالتزامات في عقد العمل، والإضراب يوقف علاقة العمل ولا ينهيها، ولكن هذا إذا كان الإضراب مشروعا بمعنى أنه تم وفقا للأحكام القانونية والتنظيمية المنصوص عليها في التشريع الساري العمل به (المادتين 4، 5 من قانون 90/02)[6]. أما إذا كان الإضراب غير مشروع أي مخالفا للأحكام الواردة في التنظيم المعمول به، والتي تشمل وفقا للتشريع الجزائري ما يلي:

-  استكمال جميع شروط التسوية الودية للنزاع.

-  موافقة العمال على الإضراب في إطار جمعية عامة تعقد لهذا الغرض، بحضور نصفهم على الأقل وبموجب الأغلبية المطلقة وعن طريق الاقتراع السري.

-  انتهاء أجل الإشعار المسبق الذي يجب أن لا يقل عن ثمانية أيام ابتداء من تاريخ إيداعه لدى المستخدم. فإذا لم تحترم هذه الإجراءات فإن الإضراب يعد غير مشروع، ومن ثم يعد العامل الذي شارك في هذا التوقف الجماعي عن العمل غير المشروع قد ارتكب خطإأ جسيما يستوجب تسريحه تأديبيا بدون مهلة العطلة والعلاوات طبقا للمادة 73 من قانون 90/11 المعدل، كما للمستخدم أن يتخذ ضده الإجراءات التأديبية المنصوص عليها في النظام الداخلي.

4-             إذا قام بأعمال عنف[7]:

الملاحظ بالنسبة لهذه النقطة أن المشرع الجزائري لم يفرق بين العنف المستعمل من عامل ضد زميله، والعنف الصادر من العامل ضد المستخدم. وإنما ترك المجال مفتوحا في تكييف أعمال العنف التي قام بها العامل ما إذا كانت جسيمة، ومن ثم يستوجب التسريح التأديبي، أو بسيطة ومن ثم قد تكون محل عقوبة تأديبية مناسبة وإذا كانت القاعدة العامة أن اعمال العنف معاقب عليها في التشريع الجزائي، كما كما جاء ذلك في المادة 73 فقرة 2 بنصها: "علاوة على الخطاء الجسيمة التي يعاقب عليها التشريع الجزائي والتي ترتكب أثناء العمل..".

فكما يقول القاضي دحماني مصطفى – لماذا تحملالمشرع مشقة ذكر هذه الحالة كسبب من أسباب التسريح دون مهلة ودون علاوات، إن لم يكن الهدف من وراء ذلك منح المستخدم اختيار الطريق الذي يراه مناسبا لاتخاذ قرار التسريح، فإما أن تتم إحالة العامل على لجنة التأديب التي تقرر مدى اعتبار العنف المرتكب من قبله خطأ جسيما، وبالتالي توقيع العقاب عليه ، وإما تحريك الدعوى العمومية فيما يخص الأفعال المنسوبة للعامل – وهي أعمال العنف التي قام بها –.

وفي هذه الحالة فحسب اجتهاد المحكمة العليا فإن صاحب العمل يكون مجبرا بالنتيجة التي تنتهي بها الدعوى فإما أن يصدر الحكم بإدانة العامل عن أعمال العنف التي قام بها، ومن تم توقيع عقوبة تأديبية لاحقة عليه، وإما أن يصدر الحكم بالبراءة وبالتالي إعادة إدماج العامل في منصب عمله.

وكمثال عن أعمال العنف فقد عاقب المشرع في المادة 43 من قانون 90/02 عرقلة حرية العمل. واعتبر كل فعل من شأنه أن يمنع العامل أو المستخدم أو ممثله من الالتحاق بمكان عمله المعتاد أو ينمعهم من استئناف ممارسة نشاطهم المهني أو مواصلته بالتهديد أو المناورات الاحتيالية أو العنف أو الاعتداء عرقلة لحرية العمل، وخول المشرع في هذه الحالة لصاحب العمل اعتبار ذلك خطأ مهنيا جسيما يستوجب التسريح إذا لم يستجب مرتكبوا هذه الأعمال للأمر القضائي الذي يقضي بإلزامهم بتحرير أماكن العمل المحتلة بهدف عرقلة حرية العمل، إضافة إلى حق المستخدم في اللجوء إلى التشريع الجزائي بهدف طلب توقيع العقاب عليهم.

5-             إذا تسبب عمدا في أضرار مادية تصيب البنايات والمنشآت والآلات والأدوات والمواد الأولية والأشياء الأخرى التي لها علاقة بالعمل:

كما يقع على العامل التزام تنفيذ العمل، فإنه يقع عليه أيضا التزام المحافظة على وسائل العمل وأدواته الضرورية المسلمة للعامل لأداء العمل، والتي يؤدي هلاكها أو تلفها إلى قيام مسؤولية العامل. وهذا إذا ما تسبب عمدا في إلحاق الضرر بها، إلا إذا ثبت الهلاك أو التلف ناتج عن قوة قاهرة لا يمكن دفعها. وقد ورد النص على هذا الالتزام في المادة 685/د من القانون المدني المصري، كما أكد عليه صراحة القانون الأساسي العام للعامل في المادة 32 التي نصت على أنه: "يجب على العامل أن يحمي ويحافظ في كل وقت ومع اليقظة المستمرة على كل عنصر تأسيسي لوسائل العمل وعلى إمكانيات الإنتاج وبصفة أعم على ممتلكات المؤسسة التي تستخدمه وعلى الممتلكات الوطنية".

-  وقد نصت المادة 73 على ضرورة محافظة العامل لأدوات ووسائل العمل والمواد الأولية وكافة الأشياء التي لها علاقة بالعمل، وأن لا يتسبب عمدا في إلحاق أضرار بها، وفي حالة التلف أو إلحاق الضرر بها بغير قصد من العامل فإن عبء الإثبات في هذه الحالة يقع على عاتق صاحب العمل.

6-             إذا رفض تنفيذ أمر التسخير الذي تم تبليغه وفقا لأحكام التشريع المعمول به:

إذا كان الإضراب يمس الأنشطة الحيوية التي يمكن أن يضر انقطاعها التام استمرار المرافق العمومية الأساسية، أو يمس الأنشطة الاقتصادية الحيوية، فيتعين تنظيم مواصلة النشطة الضرورية للمحافظة على قدر أدنى من الخدمة إجباري، أو ناتج عن مفاوضات أي اتفاقيات أو عقود، كما نصت على ذلك المادتين 38 و39.[8]

وإذا استحال على الأطراف الاتفاق سمح القانون للمستخدم أو السلطة الإدارية المعنية بعد استشارة ممثلي العمال تحديد النشاطات التي يتطلب القدر الأدنى من الخدمة والعمال الضروريين للتكفل به. واعتبر بموجب المادة 40 من نفس القانون أن رفض العمال المعنيين القيام بالقدر الأدنى من الخدمة المعروض عليهم يعد خطأ مهنيا جسيما.

وفي هذه الحالة انتقال من القانون رقم 90/11 إلى قانون رقم 90/02 تأكيد على أن الخطاء الجسيمة لا يمكن التطرق لها إلا في إطار القانون أو التنظيم المعمول بهما.

ولقد نصت المادة 41 من قانون 90/02 على أنه: "عملا بالتشريع الساري المفعول يمكن أن يؤمر بتسخير العمال المضربين الذين يشغلون في الهيئات أو الإدارات العمومية أو المؤسسات مناصب عمل الضرورية لأمن الأشخاص، المنشآت والأملاك لضمان استمرار المصالح العمومية الأساسية في توفير الحاجيات الحيوية للبلاد أو الذين يمارسون أنشطة لازمة لتمويل السكان".

هذا وقد اعتبر المشرع أن عدم امتثال العمال المضربين لأمر التسخير يعد خطأ مهنيا جسيما يستوجب التسريح دون المساس بالعقوبات المنصوص عليها في القانون الجزائي.

7-             إذا تناول الكحول أو المخدرات داخل أماكن العمل:[9]

إن ظاهر النص لا يوحي بأن المشرع قد منع تناول الكحول أو المخدرات خارج أماكن العمل، مما جعلنا نطرح أو نثير التساؤل التالي:

-  كيف يكون الحكم إذا دخل العامل مكان العمل في حالة سكر أو تحت تأثير مخدر؟

-  إن الإجابة عن هذا التساؤل تتم من خلال معرفة الغاية من وراء منع تناول الكحول أو المخدرات في حد ذاته، إذ أن سبب المنع هنا ليس أخلاقيا، أو لاعتبارات دينية، وإنما قصد المشرع أن يباشر العامل عمله وهو متمتع بكامل قواه العقلية والجسدية، وعليه فالعامل يعد مرتكبا لخطأ جسيم سواء تناول الكحول داخل مكان العمل أو التحق بمنصب عمله في حالة سكر.

وبخصوص رفض تنفيذ تعليمات السلطات السلمية، فقد جاء قرار المحكمة العليا ليؤكد مرة أخرى أن مثل هذا الفعل يعد خطأ جسيما يستوجب التسريح بدون مهلة أو تعويض، إذ جاء في قرارها الصادر بتاريخ 19/12/1995 ملف رقم 129038، قضية (س،م) ضد (مدير المؤسسة الوطنية للكتاب) أن : "من المقرر قانونا أنه يعد خطأ من الدرجة الثالثة، وتصل عقوبتها إلى التسريح دون مهلة مسبقة ودون تعويضات، رفض العامل تنفيذ التعليمات التي يتلقاها من السلطة المشرفة عليه، لإنجاز أشغال ترتبط بمنصب عمله دون تقديم عذر مقبول – المادتان 71/2 و74 من المرسوم التنفيذي 32/302 المؤرخ في 11/09/1982.[10]
بعدما تطرقنا في المطلب الأول إلى مفهوم الأخطاء الجسيمة كسبب للتسريح التأديبي، وتحليل هذه الأخطاء ننتقل في المطلب الثاني من هذا المبحث إلى الحديث عن إجراءات وآثار التسريح التأديبي



[1] د. بشير هدفي، الوجيز في شرح قانون العمل، الطبعة الثانية، 2003، ص 79.
[2] انظر: دكتور بشير هدفي، الوجيز في شرح قانون العمل –مرجع سابق-.
[3] القاضي دحماني مصطفى، تحليل المادة 73-4 ق 90/11 –مرجع سابق-.
[4] القاضي دحماني مصطفى، تحليل المادة 73/04 من قانون 90/11 الخاص بعلاقات العمل الفردية –مرجع سابق-.
[5] المادة 302 من الأمر رقم 66/156 المتضمن قانون العقوبات.
[6] المادة 4/1، 3 من قانون 90/02 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب المعدل والمتمم بقانون 91/27 تنص: "يعقد المستخدمون وممثلو العمال اجتماعات دورية ويدرسون فيها وضعية العلاقات الاجتماعية والمهنية وظروف العمل العامة داخل الهيئة المستخدمة.
- تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة، لا سيما دورية الاجتماعات في الاتفاقات والاتفاقيات التي تبرم بين المستخدمين وممثلي العمال".
- المواد 28 على 30 من قانون 90/02 السالف الذكر.
[7] القاضي دحماني مصطفى، تحليل المادة 73/4 من قانون 90/11 الخاص بعلاقات العمل الفردية.
[8] انظر المادتين 38 و39 من قانون 90/02 المؤرخ في 6/2/1990.
[9] القاضي دحماني مصطفى، بحث حو المادة 73/4 قانون 90/11 –مرجع سابق-.
[10] مجلة قضائية، عدد 2، 1995، ص 120.

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه