طرق تحديد صور الخطاء الجسيم في القانون الجزائري

0

الفرع الأول: طرق تحديد صور الخطاء الجسيم(1): هناك طريقتين التنظيمية و القانونية.

أولا: الطريقة التنظيمية: و نعني بها أنه يتم تحيد طبيعة و نوع الأخطاء الجسيمة عن طريق النظام الداخلي للمؤسسة، و عليه سوف نتطرق بصفة وجيزة إلى تعريف النظام الداخلي و اجراءات وضعه بصفة موجزة.

1- تعريف النظام الداخلي: إن النظام الداخلي له أهمية بما كان في المجال التأديبي، ذلك أنه يترتب على عدم وجوده أو خرق إجراءاته اعتبار التسريح حتى و لو كان قانوني تعسفي، و هو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 02/07/1996 في قضية رقم 41656 – غياب النظام الداخلي يجعل التسريح تعسفيا و يعفي القاضي من الفصل في الموضوع و النظر في القضية.

أما المشرع الجزائري فقد عرف النظام الداخلي في المادة 77 بأنه:" وثيقة مكتوبة يحدد فيها المستخدمة لزوما القواعد المتعلقة بالتنظيم التقني للعمل و الوقاية الصحية و الأمن، و الانضباط، كما يحدد النظام الداخلي في المجال التأديبي طبيعة الأخطاء المهنية و دراجات العقوبات المطابقة و إجراءات التنفيذ(1).

إذن من العناصر الأساسية التي يجب ذكرها في النظام الداخلي هي تحديد طبيعة و نوعية الأخطاء المهنية و درجات العقوبات و الجزاءات المقررة لها، و تجدر الإشارة إلى أن النظام الداخلي هو حق معترف به قانونيا لصاحب العمل حماية لمصالح المؤسسة، و بالتالي فهو التصرف بالإدارة المنفردة لصاحب العمل عند إعداده، غير أنه يتخذ بعد ذلك الطابع التعاقدي، إذ ألزم المشرع المستخدم بعرضه على لجنة المشاركة أو ممثلي العمال عند غياب هذه الأخيرة لإبداء الرأي[1].

و يعتبر الرأي الاستشاري للجنة المشاركة إجراءا شكليا جوهريا، و على مفتش العمل المختص إقليميا التأكد من مدى احترام صاحب العمل لهذا الإجراء قبل المصادقة عليه.

2- إجراءات وضع النظام الداخلي: يقوم صاحب العمل بإعداد و وضع النظام الداخلي للمؤسسة و ذلك لحماية مصالحه و لكنه حتى يكون هذا النظام الداخلي ساري المفعول، فإنه على صاحب العمل أن يلتزم و يتبع جملة من الإجراءات حددها المشرع في الفصل السابع من الباب الثالث من قانون رقم 90/11 المتضمن علاقات العمل و هي:

أ- وجوب عرض النظام الداخلي على الأجهزة المشاركة، أو ممثلي العمال في حالة عدم وجود هذه الأخيرة قصد إبداء الرأي فيه، و قد اعتبرت الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا أن هذا الإجراء هو إجراء جوهري يترتب على مخالفته أو تخلفه اعتبار التسريح الصادر عن صاحب العمل تعسفيا، و ليس لهذا الأخير في هذه الحالة تقديم الدلائل على شرعية الإجراءات التأديبية.

ب- بعد إبداء العمال رأيهم في النظام الداخلي سواء بالموافقة أو بالرفض، يحول صاحب العمل مشروع النظام الداخلي على مفتشية العمل المختصة إقليميا من أجل المصادقة عليه، ويقصد بالمصادقة فحص مدى تطابق النظام الداخلي مع النصوص القانونية والتنظيمية المعمول بهما.

والأصل هنا أن يحول النظام الداخلي مصحوبا برأي العمال فيه، وما دام أن هذا الإجراء الشكلي جوهريا كما سبق ذكره، ويتعين على مفتش العمل عدم المصادقة عليه عند غياب رأي العمال فيه.

ويدخل النظام الداخلي حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ إيداعه لدى أمانة ضبط المحكمة إقليميا، بعد أن يضمن له صاحب العمل إشهارا واسعا في أوساط العمال. (المادة 79/2 من قانون رقم 90/11).

ولقد اعتبرت الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا ضمان إشهار النظام الداخلي من قبل المستخدم إجراء جوهريا أيضا يترتب على تخلفه عدم نفاذ النظام الداخلي على العمال داخل المؤسسة.[2]

والملاحظ هو أن المشرع اعتمد على الطريقة التنظيمية في تحديد الأخطاء الجسيمة وذلك في المادة 73 من قانون 90/11 قبل تعديلها، أما بعد تعديلها فقد أخذ بالطريقة القانونية.

ثانيا: الطريقة القانونية:[3] نظرا لما لهذه الطريقة من حماية كبيرة للطرف الضعيف في علاقة العمل، فإن المشرع الجزائري قد تراجع عن الطريقة التنظيمية التي سبق التعرض لها مكرسا الطريقة القانونية في تحديد الخطاء الجسيمة، ويظهر هذا جليا في بعد تعديل المادة 73 من قانون رقم 90/11 المتضمن علاقات العمل، أي أن المشرع هو من تكفل بتحديد صور الأخطاء الجسيمة والإجراءات الواجب اتباعها قبل اللجوء إلى فصل العمال، وكذا الضمانات المقررة له أثناء وبعد الفصل فنصت المادة 73 المعدلة بقانون رقم 91/29 على أنه: "يتم التسريح التأديبي في حالة ارتكاب العامل أخطاء جسيمة. – وعلاوة على الأخطاء الجسيمة التي يعاقب عليها التشريع الجزائي والتي ترتكب أثناء العمل تعتبر على الخصوص أخطاء جسيمة يحتمل أن ينجر عنها التسريح بدون مهلة العطلة وبدون علاوات، الأفعال الآتية:

1-        إذا رفض العامل بدون عذرمقبول تنفيذ التعليمات المرتبطة بالتزاماته المهنية، والتي تلحق أضرارا بالمؤسسة والصادرة عن السلطة السلمية التي يعينها المستخدم أثناء الممارسة العادية لسلطاته.

2-        إذا أفضى معلومات مهنية تتعلق بالتقنيات التكنولوجية وطرق الصنع والتنظيم، أو وثائق داخلية للهيئة المستخدمة، إلا إذا أذنت له السلطة السلمية بها أو أجازها القانون.

3-        إذا شارك في توقف جماعي وتشاوري عن العمل خرقا للأحكام التشريعية الجاري بها العمل في هذا المجال.

4-        إذا قام بأعمال عنف.

5-        إذا تسبب عمدا في أضرار مادية تصيب البنايات والمنشآت والآلات والأدوات والمواد الأولية والأشياء الأخرى التي لها علاقة بالعمل.

6-        إذا رفض أمر التسخير الذي تم تبليغه وفقا لأحكام التشريع المعمول به.

7-        إذا تناول الكحول أو المخدرات داخل أماكن العمل".

الملاحظ على هذه المادة موضوع التحليل أن المشرع لم يقم فيها بتعريف الخطأ الجسيم، وإنما أعطى أمثلة عنه بواسطة فقرات تعد أكثر شيوعا من الناحية العملية، كما يلاحظ أيضا في الفقرة (1) من المادة المشار إليها أعلاه أن مصطلح الخطأ الجسيم ورد بصيغة الجمع "يتم التسريح التأديبي في حالة ارتكاب العامل أخطاء جسيمة"، مما يقيد انه لا يتم تسريح العامل تأديبيا إلا إذا ارتكب خطأين جسيمين على الأقل، غير أن المشرع تدارك هذا الخلل ونص في المادة 73/01 على الخطأ الجسيم المفرد "يجب أن يراعي المستخدم على الخصوص عند تحديد وصف الخطأ الجسيم..." والمادة 73/5 التي نصت على "يخول التسريح للعامل الذي لم يرتكب خطأ جسيما..."

-  هذا وقد أثارت المادة 73 جدلا فقهيا ونقاشا كبيرا حول ما إذا كان التعداد للأخطاء الجسيمة الوارد فيها على سبيل الحصر أم على سبيل المثال، وما زاد النقاش حدة هو تناقض قرارات المحكمة العليا التي اعتبرت تارة أن التعداد وارد على سبيل الحصر ولا يجوز الخروج عنه، وتارة أخرى اعتبرته على سبيل المثال. فظهر بذلك رأيين أو موقفين كل له حججه وأسانيده في ذلك.

الرأي 1: التعداد الوارد في المادة 73 من قانون 90/11 المعدل والمتمم بقانون 91/29 وارد على سبيل المثال: ويرى أصحاب هذا الرأي أن الأخطاء الجسيمة التي تم تعدادها في المادة 73 ليست على سبيل الحصر، وإنما هي أمثلة أتى بها المشرع على وجه الخصوص، وجعل كل عامل يرتكب إحداها معرض للتسريح التأديبي، ودليل ذلك أن تعديل المادة 73 من قانون 90/11 لم يصاحبه تعديل المادة 77 من نفس القانون، والتي تجعل ضمن المجال التأديبي المخول لصاحب العمل، طبيعة الخطأ المهني ودرجات العقوبات المطابقة وإجراءات التنفيذ محددة في النظام الداخلي الذي يضعه المستخدم بصفة انفرادية، ا ويضيف آخرون أن الدليل على أن التعداد الوارد في المادة 73 هو على سبيل المثال، هو انه جاء في صلب المادة 73 مصطلح "على الخصوص"، فإضافة هذا المصطلح يوحي بأنه هناك أخطاء جسيمة أخرى لم يوردها المشرع في نص هذه المادة.

-  هذا وراح جانب آخر من الفقه إلى اعتبار هذا التعديل يخص المؤسسات التي تشغل أقل من 20 عاملا وقامت بإعداد أنظمة داخلية لحسن سير أنشطتها، فتدخل المشرع ليضع حدا معقولا من الخطاء الجسيمة ينبغي وجوبا على المستخدم إدراجها في النظام الداخلي، واحترام الإجراءات التي تؤدي إلى التسريح، مع التأكيد أنه بالنسبة للمؤسسات التي تشغل أكثر من 20عاملا فإن الأمر مفصول فيه بموجب المادة 75 التي تفرض ضرورة وجود نظام داخلي بجميع المقاييس التي ذكرناها سابقا.

الرأي 2: التعداد الوارد في المادة 73 هو على سبيل الحصر: وهو ما قال به الكثير من القانونيين، إذ ما هو الهدف من تعديل المدة 73 إن لم يكن لتقييد جزء من صلاحيات المستخدم في تحديد وصف الخطأ الجسيم، ذلك أن المادة 73 قبل تعديلها كانت تخول صاحب العمل بموجب النظام الداخلي صلاحيات واسعة في وصف الأخطاء وتحديد العقوبات الموافقة لها، ومنه لا يمكن التصور أن التعديل جاء ليكرس مبدأ معروفا، هذا وبالإضافة إلى إعطاء صاحب العمل سلطة وضع وتحديد الأخطاء الجسيمة قد يظهر نوعا من التعسف في استخدام واستعمال الأسباب التي تؤدي إلى التسريح من طرف المستخدم لا بنية الإضرار بقدر ما يكون ناتجا عن عدم قدرة المستخدم على وضع نظام داخلي يتضمن الأسباب الحقيقية والجادة التي تدعو إلى عملية التسريح.

فجاء المشرع بتعديله للمادة 73 متجنبا الانتقادات التي كانت موجهة للمادة 73 قبل تعديلها، فحدد على سبيل الحصر الأخطاء الجسيمة التي توجب تسريح العامل إذا ما ارتكب واحدا منها، بالإضافة إلى الأخطاء الجسيمة التي يعاقب عليها التشريع الجزائي ومختلف القوانين الأخرى، ومثال ذلك نص المشرع على أن عرقلة حرية العمل يعتبر خطأ جسيما[4]، كما أن رفض القيام بالحد الأدنى من الخدمة في حالة الإضراب المشروع يشكل خطأ جسيما[5]. وفي اعتقادنا أن هذا الرأي الثاني هو الأقرب إلى الصواب، وبالرغم من ذلك نجد في بعض الأنظمة الداخلية لبعض المؤسسات الاقتصادية تضيف حالات غير تلك المنصوص عليها في المادة 73، وصنفتها ضمن الأخطاء من الدرجة الثالثة التي تستوجب التسريح، وكمثال عن هذا المادة 114 من النظام الداخلي الخاص بديوان الترقية والتسيير العقاري بولاية مستغانم المصادق عليه من قبل مفتشية العمل بتاريخ 30 ماي 1995، إذ احتوت هذه المادة على 52 خطأ من الدرجة الثالثة منها تكرار الأخطاء من الدرجة الثانية والغياب عن العمل لمدة ثلاثة أيام بدون عذر مقبول، ويعد هذا خرقا لأحكام المادة 73 المعدلة والمتممة بالقانون 91/29.

وهو نفس اتجاه المحكمة العليا الذي أقرته في قراراها الصادر بتاريخ فيفري 1998 ملف رقم 115985، في قضية (م وص ج) ضد (ن ع ق)ن وقد جاء في قرارها ما يلي: "حيث طعنت بالنقض المؤسسة الوطنية لصناعة الجلود – وحدة الرويبة – في الحكم الصادر في محكمة الرويبة في 27 نوفمبر 1995 الذي قضى بإعادة إدراج المطعون ضده في منصب عمله ومنحه أجوره من تاريخ الطرد إلى غاية الرجوع الفعلي، وكذا الحقوق المالية المستحقة و30 ألف دج تعويض.

حيث أن الخطأ المنسوب المطعون ضده حتى وإن نص عليه النظام الداخلي للمؤسسة فإنه لا يوجد ضمن الأخطاء الجسيمة التي تؤدي إلى الطرد المنصوص عليه في المادة 73 من قانون 91/29 المؤرخ في 21/12/1991 على سبيل الحصر.

وحيث أنه لا يمكن أن يكون النظام الداخلي مخالفا لتصريح النص القانوني، وعليه فإن الخطأ المنسوب المطعون ضده ومهما كانت ظروفه وملابساته لا يمكن أن يترتب عن ارتكابه طرد العامل من منصب عمله".

هذا وقد اعتبرت المحكمة العليا أن الأخطاء من الدرجة الثالثة المنصوص عليها في النظام الداخلي لبعض المؤسسات الاقتصادية والتي قرر لها عقوبة الطرد من منصب العمل فيه مخالفة للقانون، ذلك أن التسريح التأديبي يكون في حالة ارتكاب العامل خطأ جسيما من الأخطاء الواردة في المادة 73 من قانون رقم 90/11 المعدل والمتمم بقانون رقم 91/29، ومنه فإنه قضاة الموضوع لما اعتبروا هذه الأخطاء من ضمن تلك الخطاء المؤدية إلى التسريح فإنهم بذلك أخطأوا في تطبيق القانون مما يستوجب معه النقض.[6]

وبعد تحديدنا لمفهوم الخطأ الجسيم وطرق تحديد صوره، وكذا التضارب الموجود في فهم وتطبيق المادة 73 ننتقل إلى الفرع الثاني وهو تحليل الأخطاء الواردة في المادة 73.



(1)  بن عزوز صابر- إنشاء علاقة العامل الفردية في التشريع الجزائري – مذكرة: ماجستير، جامعة وهران – المرجع السابق
[1]  - المادة 77 من قانون رقم 90/11 المتضمن علاقة العمل المعدل و المتمم بالقانون رقم 91/29 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991.
 
[2] قضية رقم 135908 بتاريخ 22 أكتوبر 1996 قرار عن المحكمة العليا غير منشور.
[3] بن عزوز صابر : انتهاء علاقة العمل الفردية في التشريع الجزائري –مرجع سابق-.
[4] المادة 36 من قانون 90/02 المؤرخ في 06/02/1990 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب "تشكل عرقلة حرية العمل، كما يشكل رفض الامتثال لتنفيذ أمر قضائي بإخلاء المحلات المهنية خطأ مهني جسيم، دون المساس بالعقوبات".
[5] الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا، ملف رقم 135452، قرار صادر بتاريخ 4 جوان 1994. المجلة الجزائرية للعمل الصادرة عن المعهد الوطني للعمل، عدد 22، 1998.
[6] قرار صادر عن الغرفة الاجتماعية للمحكمة العليا. مجلة قضائية،  عدد1، 2000، ص97.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه