الرقابة القضائية على الإنهاء التعسفي في القانون الجزائري

0

: الرقابة القضائية على الإنهاء التعسفي:

 

إن تعسف احد طرفي عقد العمل في اللجوء إلى الإنهاء التعسفي لهذا العقد، يرتب مسؤولية عقدية في جانب من تعسف في استعمال حقه في إنهاء عقد العمل، فيلتزم بالتعويض نتيجة الضرر الذي ألحقه بالطرف الآخر، ونحن هنا إذ نتكلم عن التعسف في إنهاء عقد العمل إنما نقصد به هو تعسف صاحب العمل في فصل العامل وتسريحه من منصب عمله الذي هو مصدر رزقه وقوت أولاده، وسواء كان ذلك بسبب عدم ثبوت ارتكاب الخطأ الجسيم أصلا في حق العامل، أو أن التسريح تم خرقا للإجراءات القانونية، وهنا يثار التساؤل حول مدى تقيد قاضي الموضوع بالوصف الذي يعطيه أطراف العقد للخطأ، وكذا مدى رقابة المحكمة العليا لقاضي الموضوع في تقديره للخطأ وجسامته؟

إن هذا التساؤل يجرنا إلى تساؤل آخر، ألا وهو إلى من تعود سلطة الرقابة لتقدير ما إذا كان قرار التسريح تعسفيا أم لا؟

هذا وقد أسلفنا الذكر فيما سبق أنه يجب على العامل قبل اللجوء إلى الجهات القضائية لممارسة حقه في إلغاء قرار التسريح المخول له بنص المادة 73-4 من قانون رقم 90/11 عليه أن يتقيد بجملة من الإجراءات تتمثل في عرض نزاعه داخل المؤسسة على رؤسائه، فإذا لم يلق صدى أخطر مفتش العمل الذي يحدد له جلسة بمكتب المصالحة، وتعد هذه الإجراءات من النظام العام يجب المرور عليها أولا، وإلا ترفض دعواه شكلا، إذ نصت المادة 1 من الأمر 75/32 الصادرة بتاريخ 29 أفريل 1975 والمتعلق بالعدالة في العمل "أن كل نزاع ناتج عن عقد العمل، أو عقد تدرج مهني بين صاحب العمل والعامل، وغير خاضع للقانون الأساسي العام للوظيف العمومي يحال على المحكمة المختصة إقليميا، ولم يتوصل هذا الأخير إلى توفيق بين الطرفين".

كما تنص المادة 19 من قانون رقم 90/04 المؤرخ في 6 فيفري 1990 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل على أنه: "يجب أن يكون كل خلاف فردي خاص بالعمل موضوع محاولة للصلح أمام مكتب المصالحة قبل مباشرة أي دعوى قضائية".

وعليه فإنه يوجد على مستوى كل محكمة حسب التنظيم القضائي الجزائري فرع للمسائل الاجتماعية مختص نوعيا في مراقبة النزاع بين أطراف علاقة العمل سيما إذا تعلق الأمر بإلغاء قرار التسريح في حالة تعرض العامل إلى الفصل التعسفي.[1]

ولقد كان سائدا في القانون القديم وطبقا للمادة 77 من قانون رقم 82/06 التي نصت على عدم اتخاذ أي إجراء للفصل دون أخذ رأي لجنة التأديب المتساوية الأعضاء التابعة للمؤسسة وموافقتها على الفصل، وهو ما نصت عليه أيضا المادة 79/2 من نفس القانون السالف الذكر، وفي حالة إذا ما تم الفصل أو التسريح خرقا للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل يأمر القاضي بإعادة إدماج العامل في منصبه مع منحه التعويضات.

غير أنه في قانون رقم 90/11 وضح بأن العامل يعزل في حالة ارتكابه خطأ جسيما، ولكنه لم يبين إجراءات العزل إلى أن صدر قانون رقم 91/29 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991 المتمم والمعدل لقانون 90/11 ونص على أنه يعلن عن التسريح المنصوص عليه بالمادة 73 أعلاه ضمن احترام الإجراءات المحددة في النظام الداخلي والتي يجب أن تتضمن التبليغ الكتابي لقرار التسريح، واستماع المستخدم للعامل المعني، وحق العامل في اختيار عامل آخر تابع لنفس الهيئة المستخدمة ليصطحبه.

ومنه يفهم أن مراقبة المحكمة تختلف عما كان سابقا في القانون القديم، فبعدما أن كان التسريح يخضع لرأي لجنة التأديب أصبح بمقتضى القانون الجديد من صلاحيات صاحب العمل وحده الذي يملك سلطة إصدار قرار التسريح بشرط أن يحترم الشروط والإجراءات المعمول بها في القوانين وبالأخص فانون رقم 91/29.

ولكن ما هو نطاق رقابة القاضي على التكييف الذي يعطيه الأطراف للخطأ المرتكب، ومن ثم لوصف التسريح؟

وهو ما سوف نتعرض له في المطلب الأول، أما في المطلب الثاني فنتناول مدى سلطة القاضي في مراقبة تنفيذ الأحكام.

المطلب الأول: دور القاضي في ونطاق رقابته:

من البديهي أن أول القيود والشروط التي ينبغي على قاضي الموضوع أن يلتزم بها في تقديره للخطأ الجسيم هو أن يكون الخطأ قد صدر فعلا من جانب العامل، إذ أن جسامة الخطأ تفترض قيام الخطأ ذاته.

ويثور التساؤل من جهة أخرى، حول مدى تقيد قاضي الموضوع لتقدير المتعاقدين للخطأ، ومدى خضوع قاضي الموضوع في تقديره هذا إلى رقابة المحكمة العليا.

نجيب عن هذه التساؤلات في النقاط التالية:

1-  وجوب صدور خطأ في جانب العامل:

إذا كان المسلك أو الفعل الصادر من العامل يمثل مباشرة لأحد حقوقه المشروعة، فإن هذا الفعل لا يعد خطأ في جانبه، وليس هناك بالتالي محل للادعاء بخطأ جسيم يحرم العامل من أجره وعمله عند إنهاء صاحب العمل لعقد العمل. وكما هو معلوم أن عقد العمل باعتباره عقدا ملزما لجانبين، فإنه يجوز للعامل أن يمتنع عن الوفاء بالتزامه بأداء العمل، إذا تخلف صاحب العمل عن تنفيذ التزاماته، ومثال ذلك أن يمتنع أو يرفض العامل القيام بعمله في حالة تأخير صاحب العمل عن الوفاء بالتزامه بالأجر، وله أن يدفع بعدم التنفيذ عند مطالبة صاحب العمل إياه بأداء عمله، وبالمثل فإن امتناع العامل عن أداء عمل مجاني لا يمثل خطأ في جانبه.[2]

وللعامل أن يمتنع عن أداء عمله، إذا كان مبنيا على شرط في العقد، وتطبيقا لذلك فقد قضي بأنه يجوز للعاملة الامتناع عن عملها إذا ورد في عقد العمل الذي يربطها وزوجها مع صاحب العمل شرط يقرر أن إنهاء عقد العمل بالنسبة لأحدهما يمتد إلى الآخر، وبالتالي فإن امتناع الزوجة عن عملها في حالة إنهاء صاحب العمل لعقد زوجها، فإن ذلك يعتبر إعمالا للشرط الوارد في العقد، ومن ثم فإنه لا يعد خطأ في جانبها.

ويجوز للعامل أن يقدم شكوى لصاحب العمل يطالب فيها بحقوقه المشروعة المستمدة من العقد ومن قانون العمل، ويعتبر ذلك حقا مشروعا للعامل حتى ولو وقع عليها عمال آخرون، وتقدم بها بعضهم تأييدا للشكوى، ويشترط في هذه الحالة ألا يكون ذلك من شأنه الإخلال بحسن سير العمل في المؤسسة المستخدمة، وعلى العكس فإن الترويج في مكان العمل لمطالب لا صلة لها بالعمل كما لو كانت من طبيعة سياسية يعد خطأ، ويتعرض العامل بسببه إلى عقوبة تأديبية، وهذا إذا ما نص صاحب العمل على ذلك في النظام الداخلي.

ولا شك أن مطالبة العامل لحقوقه قضائيا لا يمثل ذلك إخلالا بالتزام جوهري، ولا يعتبر من قبيل الخطأ أن يلفت العامل نظر صاحب العمل عن نقص في التجهيزات والأدوات اللازمة لسلامة العاملين، وخاصة إذا كان ذلك داخلا في اختصاص العامل، كما يجوز للعامل أن يشتغل في وقت فراغه في أعمال أخرى، طالما أن ذلك لا يتعارض مع أوقات عمله في المؤسسة المستخدمة، ولا يؤثر في مقدار الجهد والعناية اللازمين لأداء العمل، ولم يرد نص في عقد العمل أو في النظام الداخلي للمؤسسة يمنعه من أداء أعمال أخرى، ولا يتضمن هذا العمل منافسة لصاحب العمل، وعلى هذا فإن أداء العامل لهذه الأعمال الإضافية لا يعتبر خطأ، وبالتالي حرمان العامل من أجره وتسريحه من العمل.[3]

2-  مدى تقيد القاضي بالوصف الذي يعطيه أطراف العقد للخطأ:

إن الاتجاه في مصر يذهب إلى أنه قد تشدد بعض الأخطاء بناء على نص وارد في النظام الداخلي للمؤسسة المستخدمة، ويجوز للقاضي أن يعتد بهذا التحديد إذا تبين له أن ارتكاب هذه الأخطاء يؤدي إلى اضطراب في حسن سير المؤسسة المستخدمة والنظام فيها، كما لو نص النظام الداخلي على منع التدخين في مؤسسة توجد فيها مواد سريعة الاشتعال أو النص على أن الخروج من المصنع دون إذن يعتبر خطأ جسيما، إذا كانت طبيعة العمل في المصنع تستوجب ذلك، وخاصة أن النص في النظام الداخلي على جسامة هذه الأخطاء يتضمن تحذيرا للعامل على أهمية تفادي هذه الأخطاء، بحيث إذا اقترفها بالرغم من هذا التحذير يؤكد جسامة خطأ العامل، وهو عكس موقف المشرع الجزائري الذي حصر الأخطاء الجسيمة في المادة 73 من قانون رقم 90/11، وجعلها السبب الوحيد للتسريح التأديبي، ومن ثم فإن أي تسريح خارج عن هذا الإطار يعد تعسفيا.

غير أنه وبقراءتنا للمادة 77 من نفس القانون السالف الذكر نجدها تنص على أنه لصاحب العمل أن يضع النظام الداخلي ويحدد به طبيعة الأخطاء المهنية ودرجات العقوبة المطابقة لها، ومعروف أن الأخطاء المهنية تقسم إلى أخطاء درجة أولى، وأخطاء درجة ثانية، وأخرى درجة ثالثة، ونجد أن الأخطاء الدرجة الثالثة العقوبات الموافقة لها هي إما التنزيل من الرتبة، أو التسريح مع مهلة الإخطار والتعويض، أو التسريح بدون مهلة الإخطار والتعويض، كما أنه يفهم من نص المادة 73-5 من قانون 90/11 أن التسريح قد يكون حتى في حالة عدم ارتكاب العامل أخطاء جسيمة وفي هذه الحالة يكون للعامل الحق في مهلة العطلة التي تحدد مدتها الدنيا في الاتفاقات والاتفاقيات الجماعية، وهو ما يظهر التناقض الموجود بين نص المادة 73 من قانون 90/11 إذا ما اعتبر أن الخطاء الجسيمة الواردة فيها أتت على سبيل الحصر، وبين نص المادتين 77 و73-5 من نفس القانون.

وعليه فإن رقابة القاضي بخصوص تكييف الخطأ المرتكب من قبل العامل يختلف بحسب ما إذا كانت الأخطاء الجسيمة مذكورة على سبيل الحصر أو على سبيل المثال، وأيضا بحسب ما إذا راعى المستخدم عند تكييفه الخطأ الظروف التي ارتكب فيها هذا الخطأ.

وعلى كل فإن القاضي غير مقيد بما ورد في اتفاق المتعاقدين أو في النظام الداخلي للمؤسسة المستخدمة من تحديد الأخطاء الجسيمة، حيث أنه قد يتبين للقاضي أن هذه الأخطاء لا تخل بالسير الحسن للمؤسسة، ولا تلحق أضرارا بها، وتعتبر بالتالي النصوص التي تتضمن تحديدا لهذه الأخطاء متعارضة مع القواعد الآمرة الواردة في قانون العمل، فالقاضي وحده تحديد عناصر جسامة الخطأ، وهل أن الخطأ المرتكب يتناسب مع قرار التسريح إذ يقوم القاضي عند عرض النزاع عليه من طرف العامل في أغلب الأحيان بفحص جميع الشروط المتعلقة بقبول الدعوى كما له مراقبة جميع الشروط الشكلية والموضوعية لتوقيع عقوبة التسريح من طرف صاحب العمل، كما ينظر كذلك في مدى تحقق ووجود عنصر التعسف في توقيع هذه العقوبة، وهل أن صاحب العمل انحرف في استعمال السلطة المخولة له أم لا.

كما يقوم القاضي بدور الرقابة من حيث التكييف فيبحث في العناصر التي يتكون منها الخطأ الجسيم، والإدلاءات التي تقوم بها الجهة المستخدمة لتكييف العقوبة مع تناسبها للخطأ المقترف، ومثال ذلك كأن يقوم العامل بأعمال عنف وكانت العقوبة هي التنزيل، فكيف يكيف القاضي هذا العنف على أنه جسيم، وللإجابة على ذلك يجب أن يبحث القاضي عن مكان وقوع العنف، درجته، سببه، ومقداره، والضرر الناتج عنه، وعلى من وقع، لأن القاضي في هذه الحالة ينظر هل العنف المستعمل ضد مسؤول الخدمة هو نفس العنف الذي ارتكبه العامل ضد زميله، فهنا بدون شك يختلف الأمر.

3-  مدى رقابة المحكمة العليا لقاضي الموضوع في تقديره للخطأ وجسامته:

طبقا للقواعد العامة للمسؤولية المدنية فإن لقاضي الموضوع سلطة تقدير الوقائع المنسوبة إلى المدعى عليه، ولكنه يخضع لرقابة المحكمة العليا في تكييفه القانوني لهذه الوقائع، من حيث كونها خطأ، ومن حيث تقدير جسامة هذا الخطأ، سواء كان ذلك في مجال المسؤولية العقدية أو المسؤولية التقصيرية، ويستتبع ذلك واجب قاضي الموضوع أن يعرف ويبين في حكمه الوقائع التي استمد منها تقديره للخطأ ومدى جسامته.

وفي مجال قانون العمل تجدر الإشارة إلى أن محكمة النقض الفرنسية سارت على نفس المبادئ المطبقة بالنسبة للمسؤولية المدنية، وألغت بالتالي الحكم الذي يقدر وجود الخطأ أو مدى جسامته بما يتعارض مع حقيقة الوقائع التي أثبتها قاضي الموضوع، فالتكييف القانوني للخطأ يدخل إذن ضمن مجال سلطة محكمة النقض في مصر وفرنسا، والمحكمة العليا في الجزائر، في الرقابة على أحكام قاضي الموضوع، وتتضاعف أهمية هذا الدور في مجال قانون العمل، حيث أن تقدير صدوره ينفي صفة التعسف عن إنهاء عقد العمل غير محدد المدة. كما أن انتفاء الخطأ الجسيم يعتبر شرطا من شروط تطبيق النصوص القانونية الواردة في قانون العمل، ونقصد بها المادة 73-5 من قانون 90/11 المعدل والتي يستمد منها العامل حقه في مهلة العطلة التي تحدد مدتها الدنيا في الاتفاقات والاتفاقيات الجماعية، والمادة 73-6 من قانون 90/11 التي تقضي بأن للعامل المسرح الحق في طوال مدة مهلة العطلة في ساعتين كل يوم مأجورتين حتى يتمكن من البحث عن منصب عمل آخر.

المطلب الثاني: مدى سلطة القاضي في مراقبته لتنفيذ الأحكام الاجتماعية:

نشير في بادئ الأمر أن كل الأحكام الصادرة والمتعلقة بإنهاء علاقة العمل، ونقصد هنا التسريح بنوعيه سواء كان تأديبيا أو تعسفيا تصدر ابتدائية و نهائية، أي أنها لا تقبل الطعن بالاستئناف.[4]

وهو ما نصت عليه المادة 73-4 فقرة 1 من قانون 90/11 المعدل: "إذا وقع تسريح العامل مخالفة للإجراءات القانونية و/أو الاتفاقية الملزمة تلغي المحكمة المختصة ابتدائيا ونهائيا قرار التسريح...". والمادة 73-4 فقرة 2 من قانون 90/11 "إذا حدث تسريح العامل خرقا لأحكام المادة 73 أعلاه يعتبر تعسفيا، تفصل المحكمة المختصة ابتدائيا ونهائيا...". غير أنه من الناحية العملية نجد أن مثل هذه الأحكام تستأنف أمام الغرف الاجتماعية بالمجالس القضائية، ويعتبر ذلك خرقا للقانون وخطأ في تطبيقه، وهو ما ذهبت إليه الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا.[5]

غير أنه وفي قرار آخر صادر في الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا، ومن اجل التطبيق السليم للمادة 21 من قانون 90/04 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل، أي لمعرفة ما إذا كان الحكم الصادر عن المحكمة الاجتماعية ابتدائي ونهائي، فإنه يتعين على قضاة الاستئناف تفحص طلبات المدعي الأصلية، أي تلك التي تقدم بها منذ بدابة رفع الدعوى، والتي تهدف إلى إلغاء العقوبة التأديبية الصادرة ضده، فإن كان طلبه مرتكزا على عدم احترام المستخدم للإجراءات التأديبية أو خرق الاتفاقيات الجماعية، فإن الحكم الصادر في مثل هذه الحالة يكون ابتدائيا ونهائيا غير قابل للطعن بالاستئناف. أما إذا كان الطلب غير متعلق بالإجراءات المشار إليها، وإنما بالموضوع مباشرة، كان يدعي العامل أن الخطأ المنسوب إليه غير ثابت فإن الحكم الذي يصدر في مثل هذه الحالة يكون ابتدائيا قابلا للاستئناف.

وبخصوص دعوى رفعها عامل يدعي فيها بأنه لم يحال على اللجنة التأديبية فإن المشرع الجزائري لم ينص على مثل هذا الإجراء قانونا، وبالتالي لا يمكن الأخذ به إلا إذا نص عليه النظام الداخلي، وحسب الكيفية المحددة فيه، لذا يعتبر النظام الداخلي المرجع الوحيد للإجراءات التأديبية، وعليه وبالرجوع إلى هذا الأخير يتضح ما إذا كان المستخدم قد احترم الإجراءات التأديبية أم لا، وبناء على ذلك يقرر قاضي الموضوع ما إذا كان الحكم ابتدائي أو نهائي، ومتى توصل إلى أن الحكم نهائي فإنه يقضي بعدم قبول الاستئناف لعدم جوازه.[6]

غير أنه وبقراءتنا المادة 73-4 فقرة 2 من قانون 90/11 المعدل والمتمم "إذا وقع تسريح العامل خرقا لأحكام المادة 73 يعتبر تعسفيا، تفصل المحكمة المختصة ابتدائيا ونهائيا..." يظهر لنا أن قرار الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا هذا يبدو أنه أتى مخالفا لنص المادة 73-4/2 السالف الذكر، ذلك أن المادة 73 تتعلق بموضوع التسريح أي بتكييف وتحديد طبيعة ونوعية الخطأ الجسيم، ويتضح من خلال القرار السالف الذكر أن المحكمة الاجتماعية تفصل ابتدائيا بحكم قابل للاستئناف إذا تعلق الأمر بالموضوع، وفي هذا مخالفة للقانون.

ويبدو أن الحكمة التشريعية من جعل الحكام الصادرة عن المحكمة الاجتماعية المتعلقة بإلغاء العقوبات التأديبية التي تكون خرقا للإجراءات القانونية، أو الاتفاقيات الملزمة، وكذا التسريح الذي يكون خرقا لأحكام المادة 73 من قانون رقم 90/11، تصدر ابتدائيا ونهائيا، أي غير قابلة للاستئناف أمام الغرف الاجتماعية بالمجالس القضائية، أن مثل هذه المسائل لا تحتمل التأخير لكونها تتعلق بحقوق مكرسة قانونا، كما أن هذه الأحكام تهدف أيضا إلى التقليل من اللجوء إلى الجهات القضائية الأعلى درجة.

وبخصوص سلطة القاضي في مراقبة تنفيذ الأحكام فقد أولى المشرع عناية خاصة في تنفيذ أحكام القضاء الصادرة في المواد الاجتماعية، وذلك لتمكين المحكوم عليه من ممارسة حقه الذي حكم له به في أقرب الآجال، ودون انتظار استنفاذ طرق الطعن المكنة قانونا، ولذلك نصت المادة 22 من قانون 90/04 "تكون الأحكام القضائية المتعلقة بالمسائل التالية محل تنفيذ مؤقت بقوة القانون:

-        تطبيق أو تفسير اتفاقية أو اتفاق جماعي للعمل.

-        تطبيق أو تفسير كل اتفاق مبرم في إطار الإجراءات الخاصة بالمصالحة أمام مكتب المصالحة.

-        دفع الرواتب والتعويضات الخاصة بالأشهر الستة الأخيرة.

كما يمكن للمحكمة عند النظر في المسائل الاجتماعية أن تنطق بالتنفيذ المؤقت دون كفالة فيما بعد ستة أشهر".

هذا وتنص المادة 33 و34 من قانون 90/04 أن اتفاق المصالحة ينفذه الأطراف رفقا للشروط والآجال التي يحددونها، فإن لم توجد ففي أجل لا يتجاوز 30 يوما من تاريخ الاتفاق، وفي حالة عدم تنفيذ اتفاق المصالحة من قبل أحد الأطراف وفقا للشروط والآجال المذكورة سابقا يأمر رئيس المحكمة الفاصلة في المسائل الاجتماعية والملتمس بعريضة من أجل التنفيذ في أول جلسة ومع استدعاء المدعى عليه نظاميا، التنفيذ المعجل لمحضر المصالحة مع تحديد غرامة تهديدية يومية لا تقل عن 25% من الراتب الشهري الأدنى المضمون، كما يحدده التشريع والتنظيم المعمول به، ولكن هذه الغرامة التهديدية لا تنفذ عندما تنقضي مهلة الوفاء والتي لا تتجاوز 15 يوما، ويكون لهذا الأمر التنفيذ المعجل.





[1] المادة 41 من القانون المدني: "يعتبر استعمال حق تعسفيا في الأحوال التالية:
-          إذا وقع بقصد الإضرار بالغير.
-          إذا كان يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ للغير.
-          إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة".
[2] الدكتور أحمد  شوقي محمد عبد الرحمن، الخطأ الجسيم للعامل وأثره على حقوقه الواردة في قانون العمل، طبعة 1979، صفحة 74.
[3] الدكتور أحمد شوقي محمد عبد الرحمن –مرجع سابق-.
[4] المادة 21/1 من قانون 90/04 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل المؤرخ في 06/02/1990 "باستثناء الاختصاص الأصلي تبث المحاكم عند النظر في المسائل الاجتماعية ابتدائيا ونهائيا عندما تتعلق الدعوى أساسا بـ: - لإلغاء العقوبات التأديبية التي قررها المستخدم ضد المدعي دون تطبيق الإجراءات التأديبية أو الاتفاقيات الإجبارية".
[5] الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا ملف  رقم 154166 قرار صادر بتاريخ 14 أكتوبر 1997. أطراف القضية (ب س) ضد (المؤسسة الوطنية لصناعة السيارات) طرد العامل خرقا للإجراءات – الحكم بإلغاء العقوبة التأديبية ابتدائيا ونهائيا – عدم قبول الاستئناف – تأييد الطعن بعدم جواز الاستئناف تطبيقا لنص المادة 73-4 من قانون 90/11 المعدلة بالأمر رقم 96/21 المتعلق بعلاقات العمل – "ولما كان في قضية الحال الطرد تعسفيا اتخذ مخالفة للإجراءات القانونية، فإنه يثبت بحكم ابتدائي ونهائي، ومن ثم لا يجوز استئنافه". المجلة القضائية لسنة 1997، العدد55، ص184.
[6] الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا، ملف رقم 340921 مؤرخ في 14 مارس 1995. قضية بين (ف م) و(مؤسسة حفر الآبار بسكيكدة) مخالفة المادتين 21 من قانون 90/04 والمادة 73-4 من قانون 91/29 المعدل والمتمم للقانون 90/11، مجلة قضائية لسنة 1999، العدد55، ص190.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه