مفهوم التسريح التعسفي في القانون الجزائري

1

مفهوم التسريح التعسفي:

لقد سلف الذكر أنه لصاحب العمل سلطة إيقاف او فصل العامل، وذلك بموجب علاقة التبعية التي تربط بين العامل ورب العمل، وذلك حماية لمصالح رب العمل من جهة وضمانا لاستقرار وفعالية النظام في المؤسسة من جهة أخرى.

غير أن سلطته هذه مقيدة في حدود الأخطاء الجسيمة المنصوص عليها في المادة 73، ذلك أن المادة 73 قبل تعديلها تركت للأنظمة الداخلية مجال تحديد الأخطاء والعقوبات الموافقة لها، بما فيها عقوبة العزل أو التسريح التأديبي وهو ما خلق مشكلا كبيرا إذ تباينت الأنظمة الداخلية للمؤسسات الاقتصادية في تحديد الأخطاء التي توجب التسريح، فما يعد خطأ جسيما في مؤسسة ما وبالتالي يستوجب التسريح، لا يعد كذلك في مؤسسة أخرى، وهو ما جعل المشرع في تعديله المادة 73 بموجب قانون 91/29 يلجأ إلى حصر الأخطاء الجسيمة التي ينجم عنها التسريح، وذلك ضمانا لعدم تعسف أصحاب العمل، وأيضا لتفادي مشكل آخر كان قائما في ظل المادة 73 قبل لتعديلها، وهو يخص المؤسسات التي كانت تشغل أقل من 20 عاملا، وبالتالي فهي غير ملزمة بوضع قانون داخلي.

الفرع 1: ما هي الحالات التي يعتبر فيها التسريح تعسفيا:

تنص المادة 73-4 المدرجة بالمادة 9 من قانون 91/29 على أنه "إذا حدث تسريح العامل خرقا لأحكام المادة 73 اعلاه يعتبر تعسفيا". وعليه فإن الحالة التي يعتبر فيها التسريح تعسفيا هي:

1-  إذا وقع خارج حالة من الحالات المنصوص عليها في المادة 73. ذلك أم هذه الحالات وردت على سبيل الحصر، وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 4 جوان 1994.[1]

2-  تنص المادة 73-1 المدرجة بالمادة 3 من قانون رقم 91/29 "يجب أن يراعي المستخدم الظروف التي ارتكب فيها الخطأ..." وعليه فإن الحالة الثانية من الحالات التي يعد فيها التسريح تعسفيا هو عدم مراعاة صاحب العمل الظروف التي ارتكب فيها الخطأ. إذ أنه تعتبر هذه القاعدة آمرة في صياغتها ولا يجوز لصاحب العمل مخالفتها، وإلا اعتبر تصرفه باطلا وتسريحه تعسفيا، وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 6 مارس 1989.

3-  تسريح العامل أجير في غياب النظام الداخلي: تنص المادة 73-2 "يعلن عن التسريح المنصوص عليه في المادة 73 أعلاه ضمن احترام الإجراءات المحددة في النظام الداخلي".

يتبين من خلال هذه المادة أنه لا يمكن للمستخدم أن يتخذ قرار التسريح إلا بوجود نظام داخلي في مقر الهيئة المستخدمة، وبمفهوم المخالفة فإن كل تسريح تأديبي متخذ من قبل صاحب العمل في غياب النظام الداخلي يعد تعسفيا.

وفي هذا الإطار هناك قرار الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا الصادر بتاريخ 20/12/1994 تحت رقم 111984، وتتلخص وقائع القضية أن (ش و ل ب)وحدة الصيانة بعين البيضاء قامت بتسريح المدعو (ن.م) فطعن هذا الأخير في قرار الفصل أما محكمة عين البيضاء مستندا في ذلك إلى غياب إجراء شكلي جوهري متمثل في انعدام النظام الداخلي، غير أن المحكمة أصدرت حكما ابتدائيا علانيا في 24/02/1992 قضى برفض الدعوى لعدم التأسيس، فاستأنف العامل المطرود الحكم أما مجلس قضاء أم البواقي، فأصدر المجلس قرارا بتاريخ 20 جوان 1992 قضى بتأييد الحكم، فطعن حينها العامل بالنقض أمام الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا بتاريخ 25 أكتوبر 1992 مؤسسا طعنه على وجه واحد وهو مخالفة الهيئة المستخدمة لإجراء جوهري يتمثل في انعدام النظام الداخلي، فأصدرت الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا قرارا نهائيا بتاريخ 20/12/1994 جاء فيه ما يلي:

"حيث أنه وبالرجوع إلى ملف القضية وإلى القرار المنتقد يتضح بأن المدعي في الطعن يعتبر التسريح الذي تعرض إليه تعسفيا لعدم وجود النظام الداخلي لدى الهيئة المستخدمة، ومتى كانت أحكام المادة 73 من قانون 90/11 المؤرخ في 21 أفريل 1990 تقضي بان عقوبة العزل يتم تسليطها في حالة ارتكاب العامل أخطاء مهنية جسيمة حسب الشروط المحددة في النظام الداخلي، وأنه طبقا للمادة 77 من نفس القانون فإن النظام الداخلي يحدد طبيعة الخطاء المهنية ودرجة عقوبتها وإجراءات تنفيذها.

ولما كان من الثابت في قضية الحال أن عقوبة العزل التي سلطت على المدعي تمت في غياب النظام الداخلي مما يعد خرقا لأحكام المادتين 73 و77 المذكورتين أعلاه.

ولهذه الأسباب قررت المحكمة العليا قبول الطعن شكلا وفي الموضوع إبطال القرار المطعون فيه الصادر في مجلس قضاء أم البواقي بتاريخ 20 جوان 1992.

4-  إذا وقع تسريح العامل خرقا للإجراءات التأديبية القانونية و/أو الاتفاقية الملزمة فإنه يعد تسريحا تعسفيا، وقد سبق شرح الإجراءات التأديبية.

5-  تنص المادة 73-3 من قانون 90/11 المعدل والمتمم بأنه: "كل تسريح فردي يتم خرقا لأحكام هذا القانون يعتبر تعسفيا، وعلى المستخدم أن يثبت العكس".

وفي الواقع أن تسريح العامل كما هو محدد بقانون رقم 91/29 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991 المعدل والمتمم للقانون رقم 90/11 المؤرخ في 21 أفريل 1990 المتعلق بعلاقات العمل في نص المادة 73 بأنه: "يعتبر قرار التسريح تعسفيا وذلك رغم أن قرار التسريح جاء منفذا أو طبقا لكل الإجراءات القانونية والاتفاقية الملزمة المحددة بالأنظمة الداخلية للمؤسسات، ولكن رغم هذا يكون التسريح تعسفيا نظرا لكون الخطأ المنسوب للعامل غير ثابت في حقه، ومثال ذلك أن يطرد صاحب العمل العامل من منصبه على أساس أنه شتمه ويستدل صاحب العمل ببعض العمال على أساس أنهم شهود وفي الأخير تبين أن العمال صرحوا في المحاضر بأنهم لم يسمعوا الشتم الموجه لصاحب العمل، فهنا إجراءات الفصل صحيحة، ولكن الخطأ المنسوب للعامل غير ثابت وهو ما أكده الحكم الصادر عن محكمة سطيف بتاريخ 25-4-1994 رقم 1 فهرس 18 حيث يستخلص من هذا الحكم ما يلي: "تبين من طلبات ودفوع لكل من الطرفين والمستندات المرفقة بالملف أن واقعة السب والشتم التي تم تأسيس قرار التسريح على أساسها مردود عليه، ويصبح الخطأ غير ثابت في حق العامل، وذلك أن صاحب العمل أو المسؤول قد بنى ادعاءاته على أساس أن العمال كانوا حاضرين، ومن قراءة الملف تبين العكس، وهذا من خلال تفحص المحاضر وسماع العمال الذين صرحوا بان العامل طلب رخصة الخروج ولم يقم بالسب والشتم، وعليه نستنتج أن الخطأ غير ثابت وأن القرار المتخذ من قبل الهيئة المستخدمة تعسفيا، والتصريح بإبطاله وإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل اتخاذ قرار التسريح، لأن القرار يفتقر إلى الدليل وغير مسبب، وأن القانون رقم 91/29 المعدل والمتمم للقانون 90/11 ينص صراحة بالمادة 73-3 على أنه كل تسريح فردي يتم خرقا لأحكام هذا القانون يعتبر تعسفيا، وعلى المستخدم إثبات العكس، مما يستوجب في قضية الحال التصريح بأن القرار تعسفي".

وفي قرار آخر صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 17 جانفي 2001 بخصوص مسألة ثبوت الخطأ في حق العامل المعرض للتسريح جاء فيه: "حيث أن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه انعدامه للأسباب ذلك أن مقرر التسريح المتخذ في حق الطاعن غير شرعي لكون الطاعن كان في عطلة من أجل تعويض الساعات الإضافية من 7 أفريل 1997 إلى 9 أفريل 1997، وفي عطلة مرضية من 10 أفريل 1997 إلى 14 أفريل 1997 ووقعت مصالح المؤسسة استلام الشهادات المرضية، واعتبرته في وضعية التخلي عن منصب العمل، غير أن القاضي لم يتطرق إلى دفوع الطاعن".

حيث أنه وبالرجوع للحكم المطعون فيه يتضح أن قاضي الموضوع قد اعتمد في قضائه على أن الطاعن لم يقدم الشهادات الطبية في الأجل وأنه سبق له وأن تعرض لعقوبات تأديبية نتيجة للغيابات المتكررة.

وحيث أن مثل هذا التحليل ولا سيما الاعتماد على السوابق التأديبية التي لا شأن لها في قضية الحال لا يعطي الحكم الأساس القانوني، ولا التسبيب الكافي ذلك أنه كان على قاضي الموضوع أن يناقش الخطأ المنسوب للطاعن ويكيفه بتحديد درجاته من الخطورة والعقوبة التأديبية المسلطة عليه بالنظر إلى ما ينص عليه القانون ولا سيما المادة 73 من قانون 91/29 والمادة 9 من الأمر 96/21 الصادر في 79/96، والنظام الداخلي بمفهوم مدى موافقته بالقانون، وألا يعتمد في قضائه على السوابق التأديبية وعلى الأجل في تقديم الشهادات الطبية، ذلك الأجل المتنازع فيه من طرف الطاعن وعليه يستوجب القول أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور مما يعرضه للنص.

إذن عدم ثبوت ارتكاب الخطأ من قبل العامل يجعل التسريح التأديبي حتى ولو تم وفقا للإجراءات التأديبية تسريحا تعسفيا، وهو المبدأ الذي أقرته وأكدته المحكمة العليا في عدة قرارات لها ومنها القرار الصادر بتاريخ 13 ديسمبر 2001 "من الثابت أن الخطأ المنسوب لما يكون غير ثابت أو غير قائم يجعل قرار التسريح تعسفيا ولو احترمت الإجراءات التأديبية".[2]

6-  حالة أخرى من الحالات التي يعتبر فيها التسريح تعسفيا، وهو تسريح العامل عند انتهاء مدة عقد العمل المبرم مخالفة للمادة 12 من قانون 90/11، ذلك أن عقد العمل المحدد المدة ينصب على إنجاز أعمال ذات طبيعة مؤقتة أو موسمية، وهي الأعمال التي تقتضي مدة محدودة لإنجازه، وذلك طبقا لما ورد في المادة 12 من قانون رقم 90/11 المتممة بالمادة 2 من قانون 96/21 التي تنص على أنه: "يمكن إبرام عقد العمل لمدة محدودة بالتوقيت الكامل أو التوقيت الجزئي في الحالات المنصوص عليها صراحة أدناه:

‌أ-     عندما يوظف العامل لتنفيذ عمل مرتبط بعقود أشغال أو خدمات غير متجددة.

‌ب-عندما يتعلق الأمر باستخلاف عامل مثبت في منصب تغيب عنه مؤقتا، ويجب على المستخدم أن يحتفظ بمنصب العمل لصاحبه.

‌ج-  عندما يتطلب الأمر من الهيئة المستخدمة إجراء أشغال دورية ذات طابع متقطع.

‌د-    عندما يبرر ذلك تزايد العمل أو أسباب موسمية.

‌ه- عندما يتعلق الأمر بنشاطات أو أشغال ذات مدة محدودة أو مؤقتة بحكم طبيعتها.

ويبين بدقة عقد العمل، في جميع هذه الحالات مدة علاقة العمل، وأسباب المدة المقررة".

إذن عقد العمل المحدد المدة يجب أن لا يخرج عن إحدى هذه الحالات المنصوص عليها في المادة 12، ويجب أن يذكر في عقد العمل بدقة سبب تحديد مدة العقد ذلك أن الأصل في عقود العمل هو أنها تبرم لمدة غير محددة وذلك حسب نص المادة 11، ومن ثم تنتهي علاقة العمل المنعقدة بين العامل والمستخدم طبقا للمبادئ العامة للعقود المحددة بانتهاء المدة المتفق عليها فلا يترتب أي التزام على عاتق طرفي العقد، إلا فيما يتعلق بإمكانية الإعلام بنية عدم تجديد العقد من أحد الطرفين، إذ انه يمكن أن يفسر السكوت في هذه الحالة والاستمرار في تنفيذ الالتزام رغبة في تجديد العقد وتمديده، وهنا يتحول العقد إلى عقد غير محدد المدة.

كما يمكن إنهاء العقد محدد المدة قبل حلول أجله باتفاق الطرفين، وفي هذا الصدد فإن تسريح العامل دون صدور خطأ منه وقبل انتهاء مدة العقد، يعد هو الآخر تسريح تعسفي، ومن ثم فإن هذا النوع من عقود العامل يتقارب مع العقود غير محدد المدة من حيث تطبيق نظرية التعسف في التسريح مع إثباته.

كما أن إبرام عقد عمل محدد المدة خارج عن إحدى الحالات المذكورة في المادة 12 من قانون 90/11 فإن هذا يجعله عقد غير محدد المدة طبقا للمادة 14 من قانون 90/11، ومن ثم تسريح العامل عند انتهاء مدة العقد المبرم مخالفة للمادة 12 ودون ارتكاب خطأ جسيم منه يعد تسريحا تعسفيا.

أما بخصوص الأفعال الجزائية التي يعاقب عليها التشريع الجزائي، والتي تعد أخطاء جسيمة حسب نص المادة 73 من قانون رقم 90/11 المعدلة والمتممة بالمادة 2 من قانون 91/29 "وعلاوة على الخطاء المهنية الجسيمة التي يعاقب عليها التشريع الجزائي" فإن المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 17 جانفي 2001 اعتبرت أن الخطأ المهني المؤدي إلى إنهاء علاقة العمل والذي يشكل جريمة في القانون الجزائي لا يمكن اعتماده كسبب للتسريح ما لم يثبت وقوعه بحكم قضائي نهائي حائز قوة الشيء المقضي فيه قبل التسريح من العمل، إذ جاء في قضية رقم 211629 بين (م.أ) و (ص.م) وفي حيثيات قرار المحكمة العليا أنه: "لكن حيث أنه بالرجوع إلى الحكم المنتقد تبين منه أن قاضي الدرجة الأولى أسس قضاءه بأن تهمة السرقة المنسوبة للعامل تعد من الأخطاء التي يعاقب عليها القانون الجزائي والتي لا يمكن إثباتها في حق العامل إلا بموجب حكم قضائي نهائي بإدانته وفي قضية الحال فإن هذه التهمة تبقى مجرد اتهام غير ثابت في حق العامل بانعدام الحكم القضائي.

وحيث أنه من الثابت من اجتهاد المحكمة العليا أن الخطأ المهني المؤدي إلى إنهاء علاقة العمل والذي يكون جريمة في القانون الجزائي لا يمكن اعتماده كسبب للتسريح ما لم يثبت وقوعه بحكم نهائي حاز قوة الشيء المقضي فيه قبل الإعلان على التسريح.

وحيث أن قاضي الدرجة الأولى لما أسس قضاءه بأن طرد العامل لا يوجد ما يبرره بانعدام الحكم القضائي المثبت للخطأ فإن قضاءه مطابق للاجتهاد القضائي".[3]




[1] قرار عن الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا تحت رقم 135452، 4 جوان 1994. المجلة الجزائرية للعمل، عدد 22، 1998.
[2] قرار صادر عن الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا، ملف رقم 212611 بتاريخ 13 فيفري 2001، مجلة قضائية، عدد 1، 2002، ص177.
[3] المجلة القضائية، عدد 1، سنة 2002، ص 173.

التعليقات

  1. قانون 90/11 كدب هدا القانون مكتوب على الوارق القانون في بالمال هدا واقع

    ردحذف

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه