الشروط العامـة لقيام مسؤوليـة متولي الرقابـة في القاون الجزائري

0

الشروط العامـة لقيام مسؤوليـة متولي الرقابـة

       

        قد نصت المادة 134 من القانون المدني الجزائري سواء قبل التعديل أو بعده على مايلي (( كل من يجب عليـه قانونا أو إتفاقا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابـة بسبب قصره أو بسبب حالته العقليـة أو الجسميـة ، يكون ملزما بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بفعله الضار.

        ويستطيع المكلف بالرقابـة أن يتخلص من المسؤوليـة إذا أثبت أنه قام بواجــب الرقابة

أو أثبت أن الضرر كان لابد من حدوثـه ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العنايـة )) .

        وجدير بالملاحظة أن الفقرة الأولى سقطت عنها عبارة – ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز – كما أنها إحتوت على فقرة جديدة كانت ضمن المادة 135 والمتعلقـة بوسائـل دفع هذه المسؤوليـة .

        فمن خلال قراءة هذا النص نخلص إلى نتائج هامـة مفادها أنـه لايسأل أي شخص عن أي فعل ضار يصدر من الغير ، فهذا أمر ترفضه العدالـة والمنطق [1] ،ولكنه يسأل عن الفعل الضار الذي يرتكبـه شخص يقع على عاتقه منعه من إرتكاب هذا الفعل ، وقد سمي هذا الإلتزام بالإلتزام بالرقابـة وهو ماتضمنته المادتين 134 و 135 قبل إلغائهـا .

        ودائما بالرجوع إلى نص نص المادة 134 نجد أن مسؤوليـة متولي الرقابـة لها قواعد وأسس تقوم عليها ، إذ أنها لها شروط ضروريـة يجب توافرها في كل من الشخص القائم بهذه الرقابـة في مطلب أول  ، وكذا شروط يجب توافرها في الشخص الخاضع للرقابـة في مطلب ثان.

        المطلب الأول : الشروط الواجب توافرها في الشخص القائم بالراقبـة أو المكلف بها.

        لكل تقوم مسؤوليـة متولي الرقابـة يجب أن يكون على عاتقه إلتزام بالرقابـة على شخص آخر ، ولكن مامعنى هذه الرقابـة ؟ ومامحتواها ومصدرها ؟ وهذا مانتناوله من خلال التعرض إلى إلتزام شخص برقابـة شخص آخر في فرع أول ، ومصدر واجب الإلتزام بالرقابـة في فرع ثان ومحتوى الإلتزام بالرقابـة في فرع ثالث .

        الفرع الأول : أن يلتزم شخص برقابـة شخص آخر .

        القاعدة العامـة تقول أن الشخص يسأل عن عمل غيره عندما يكون ملزما برقابته في حالـة ما إذا كان هذا الأخير بحاجة ماسـة إلى هذه الرقابـة وكذا إلحاقـه إضرارا بهذا الغير .

        بمعنى مخالف فإن واجب الرقابـة هو أساس مسؤوليـة المكلف بالرقابـة مثلما  تضمنته المادة 134 الجديدة  المشار إليهــا .

        وجدير بالملاحظـة بأنه لا المادة الجديدة ولا المادة القديمـة تناولت بالتعريف والتوضيح من هو متولي الرقابـة أو المكلف بها ، بل إقتصرت فقط على القول بأن يكون هناك شخص مكلف بالرقابة بسبب حالات ووضعيات محددة ذكرتها المادة 134، وذكرت المادة 135 قبل إلغائهـا أشخاصا معينين يقع على عاتقهم واجب الرقابـة وفي هذا الشأن يقول الدكتور جلال حمزة [2] مايلي (( .. وعلى الرغم من أن المادة 134 من القانون المدني الجزائري لم تحصر الأشخاص الذين يقع عليهم الإلتزام برقابـة غيرهم وإكتفت بذكر مصدر هذا الإلتزام ، إلا أن المادة 135/1 مدني جزائري –قبل إلغائها طبعا – قد جعلت الأب  وبعد وفاته الأم مسؤولين عن الأعمال الضارة التي يأتيها أولادهما القاصرون الذين يعيشون معهما .. ))

        فلا يكفي لتحقق المسؤوليـة في القانون الجزائري أن يتولى شخص بالفعل رقابـة شخص آخر بل يجب أن يكون منه هذا الإلتزام بالرقابـة ، مثلما ذهب إليه الدكتور بلحاج ، وزيادة في التأكيد لما ذهب إليـه الدكتور السنهوري بقولـه (( تتحقق المسؤولية إلا إذا قام إلتزام بالرقابـة ومصدر هذا الإلتزام القانون أو الإتفاق )) ، وهو نفس رأي الأستاذ صبري السعدي فلم يحدد الأشخاص الذي ينشأ الإلتزام برقابتهم ولكنه حدد الحالات التي تدعو إلى نشوء الإلتزام  بهذا الرقابـة .

        وجدير بالملاحظة أن هناك تباين واضح بين النصوص القانونيـة ، فنجد أن المادة 173 من القانون المصري  والتي جاءت كقاعدة عامـة تخص مسؤوليـة المكلف بالرقابـة عن من هم تحت رقابته[3] ، فالمشرع المصري إكتفى بإشتراط وجود إلتزام قانوني أو تعاقدي بتولي هذه الرقابـة دون تحديد الأشخاص[4]  كما أن القانون لم يحصر الحالات التي يتولى فيها شخص الرقابـة على غيره ، وإكتفى بأن قرر الحالات الموجبـة للرقابـة تقوم إذا قام إلتزام بالرقابـة قانونا أو إتفاقا أي تعاقديـا والرقابـة في الأصل تكون على القاصر [5].

        وهذه المادة تشرب منها المشرع الجزائري عند وضعـه للمادة 134 من القانون المدنـي .

        ونجد كذلك أن القانون المدنـي الفرنسـي في المادة 1384 لم يضع قاعدة عامـة مثل نظيريـه الجزائري أو المصري بل إقتصر على ذكر طوائف من المسؤوليـن على سبيل الحصر[6]  كما أن هذه المادة في فقراتها 4 ، 5 ، 6 ، ذكرت هذه الحالات لمسؤوليـة المكلف بالرقابـة وعندما نعود إلى الفقرة الرابعة قبل تعديلها سنـة 1970 فنراها تنص على مايلـــي : (( يكون الأب وبعد وفاته الأم مسؤولين عن الضرر الذي يسببه أولادهما القاصرون الساكنون معهمـا )) إذن المتطلع للقانون المدني الفرنسي يستنتج أن الإلتزام بالرقابـة إرتبط برقابة الأولاد القصر من طرف الأولياء فقط  دون غيرهم ، وجعل الوالدين مسؤولين بالتضامن عن الأفعال الضارة الصادرة من الأولاد [7]  لأن المشرع الفرنسي بمقتضى القانون المؤرخ في 4 جوان 1970 عدل أحكام المادة 1384 فألغى بموجبه سلطة الأب على الأسرة وساوى بين الأب والأم في المسؤوليـة عن أفعال أولادهما الضارة على أساس السلطة الأبويـة وجعلهما متضامنين فيها ، وأناط المسؤوليـة بهما في حق الرقابـة.

        نصل إلى نتيجـة مفادها أن أغلب الفقهاء أجمعوا على مساءلـة متولي الرقابـة على الغير تتوقف على وجود إلتزام أو واجب الرقابة سابق لها ، فما هو مصدر هذا الإلتزام ؟

       

        لفرع الثاني : مصدر واجب الرقابـة أو الإلتزام بالرقابـة

        عندما نتمعن في نص المادة 134 نجدها تنص في بدايتها على (( كل من يجب عليه قانونا أو إتفاقا رقابـة شخص بحاجـة إلى الرقابـة .. )) أي أن لهذه الرقابـة مصدريـن بالنسبـة للمكلبف بها ، فإما أن يفرض هذا الإلتزام بموجب القانون كإلتزام الولي بالرقابـة على الصغير ، أو يرتبه العقد كإلتزام المعلم بالرقابـة على تلاميذه ، وحكمته هو حاجـة الخاضع للرقابـة إليها بسبب قصره أو بسبب حالته العقليـة أو الجسمية ، فالقاصر بحاجة إلى الرقابـة لصغره والمجنون لحالته العقلية ، والأعمى لحالته الجسميـة ...

        كما أن القانون يفترض وقوع الفعل الضار من طرف الشخص الذي هو تحت الرعايـة كان نتيجـة تقصير من متولي الرقابـة في القيام بها إخلالا بإلتزامـه ومن ثم أقام قرينـة الخطأ على عاتقـه ، فإذا ماقصر المكلف بالرقابـة قانونا في أداء هذا الواجب كان مخطئـا خطأ شخصيا يوجب مسؤوليته [8]

        البند الأول : واجب الرقابـة بموجب القانون

        وأحسن مثال على ذلك الأشخاص الذين تجب عليه الرقابـة قانونا هوالأب بإعتباره وليـا على النفس على أولاده القصـر ، وحسب نص المادة 135- قبل الإلغاء – يكون الأب متوليا للرقابـة ومسؤولا عن الأفعال الضارة التي يأتيها أولاده القصر مابقي حيـا، فإن مات حلت الأم محلـه في ذلك .

        فمن خلال هذا نجد أن المسؤوليـة الخاصـة بالمكلف بالرقابـة لاتقوم كما سبق الإشارة إليـه ، إلا إذا قام واجب أو إلتزام بالرقابـة والتي مصدرها إما القانون وإما الإتفاق كما نصت عليه المادة 134/1 من القانون المدنـي .

        فالأب يتولاهم إي أولاده القصر بموجب القانون وبموجب السلطـة الأبويـة التي خولها لـه القانون بإعتباره المشرف الأول والراعي الأول ورب الأسرة قيد حياته ، ومن بعد وفاته الأم

بأن تنتقل إليها هذه الرقابــة قانونا ، وهذه السلطة الأبويـة بمنظور القانون الفرنسي ، ومن خلال نص المادة 135 قانون مدني قبل إلغائهـا .

        البند الثاني : واجب الرقابـة بموجب الإتفاق

        وأحسن مثال على ذلك الروضـة أو المعلم أو المستشفى أو مستشفى مختص في الأمراض العقليـة ، فهنا يقوم إلتزام بين الأطراف أو بين الولي والمكلفين بمثل هذا الواجب الإتفاقي ، على القيام بواجب الرقابـة ويتحمل السؤوليـة تبعـا لإلتزامـه بهذا الإتفاق ، وفي هذا الصدد يقوم الأستاذ فيلالـي أنـه (( يكون واجب الرقابة إتفاقا كلما كان إتفاق الأطراف هو المنشئ لهذا الواجب ، كأن تلتزم مؤسسة مختصة برعاية مريض أو تلتزم سيدة أو دار للحضانة أو روضـة برعايـة الأطفال الصغار))[9]

وقد إعتبرت المحكمة العليـا أن الإخلال بهذا الواجب أي واجب الرقابـة يشكل خطأ يلتزم من تسبب فيه بالتعويض وذلك في قرار مؤرخ في 11/05/1992 ملف رقم 77237 ، والذي جاء فيـه مايلـي[10] (( لكن حيث أنه بمراجعـة أوراق ملف القضية و الحكم المستأنف فيه والقرار المطعون فيه ، تبين أن قضاة الموضوع إلتزموا صحيح القانون ، ولم يخرقوا مقتضيات المادة 124 إذ إتضح لهم – في إطار سلطتهم التقديريـة لوقائع الدعوى – أن مسييري فريق كرة القدم الذي إنخرط فيه الهالك قصروا في ممارسة رقابتهم على هذا الأخير بإعتباره قاصرا لم يبلغ سن الرشد قد عرض حياته للخطر عندما غادر أرضيـة الملعب ليبحث عن الكرة بعد خروجهـا من الميدان خلال المقابلـة التي كان يشارك فيها الضحيـة في صفوف فريق الطاعنة الشيء الذي أدى إلى سقوطه من أعلى سقف مصنع مجاور على الأرض مما أدى بحياته .. ولهذا فإن الوجه المثار غير وجيه ويتعين رفض الطعـن .

        وجاء في قرار مؤرخ في 16/07/1988 ملف رقم 52862 أنه[11] ((من المقرر قانونا أن متولي الرقابـة مسؤول عن الأضرار التي يلحقها للغير الأشخاص الموضوعون تحت الرقابـة – ومن ثم فإن النعي على القرار المطعون فيه بمخالفـة القانون غير صحيح .

        ولما كان من الثابث في قضية الحال أن المجلس القضائي حمل المستشفى مسؤولية وفاة الضحية نتيحة إعتداء وقع عليها من أحد المرضى المصابين عقليـا ، وإعتبر ذلك إخلالا منها بواجب الرقابـة الواقع على عاتقها مما يشكل خطأ مرفقـي يستوجب التعويض طبقا للمادة 134 من القانون المدني ))

        الفرع الثالث : محتوى أو مضمون الإلتزام بالرقابـة

        لقد إختلف الفقهاء في تحديد مفهوم الرقابـة أو الإلتزام فمنهم من يعتبره بأنه الإشراف على شخص ما والعمل على حسن تربيته وتوجيهـه ، ومنهم من يرى أنها الإشراف على تربيـة شخص ومنعه بالإضرار بالناس بإتخاذ الإحتياطات اللازمة[12].

        فهي إلتزام على كاهل المكلف بها من أجل القيام بشؤون من تولى رقابته من إشراف وتربية  وكذا منعه من إيقاع الضرر بالغير بتتبع وملاحظـة تصرفاته وأعمالـه ورعايته فمنهم من ذهب إلى القول بأن الرقابـة التي تعنيها المادة هي الإشراف على شخص وتوجيهه وحسن تربيته ومنعـه من الإضرار بالغير بإتخاد الإحتياطات اللازمة في سبيل ذلك ، وهنا يفترض القانون أن وقوع الفعل الضار من طرف الشخص الذي هو تحت الرعايـة كان مخطئـا خطأ شخصيا يوجب مسؤوليته [13].

وعندما نعقد مقارنة مع القوانين الأخرى نجد أنه نفس الشيء بالنسبة لبعض القوانين العربيـة فمثلا القانون السوري وتحديدا المادة 174 تعني بالرقابة La surveillance وهي الإشراف على شخص وتوجيهه وحسن تربيته ومنعه من الإضرار بالناس بإتخاذ الإحتياطات اللازمة في سبيل ذلك [14].

        ونجد فعلا أن الفقهاء قد إختلفوا فيما يخص هذه النقطـة فمنهم من يعتبر أن الرقابـة ماديـة ، ومنهم من يرى أنها رقابـة توجيه وتربيـة ورعايـة الخاضع لها

        وتجدر الإشارة إلى أنه من الناحية التطبيقية تطرح إشكالا سيما وأن المشرع الجزائري لم يحدد مضمون ومعنى هذا الإلتزام بالرقابـة ،وبالتالي ترك هذا الجانب للقاضي وسلطته التقديريـة عندما تطرح عليه مثل هذا النوع من المسؤوليـة .. إذا يجب أن يضع عدة إعتبارات نصب عينيه وفي إعتباره وأهمها حالة الخاضع للرقابـة(( السن ، الجسم ..)) إلا أن هذه النقطـة تدفعنا للتساؤل فهل أن متولي الرقابة يقع عليه إلتزام بالتوجيه والتربيـة والإهتمام بالجانب الروحي والأخلاقي أم لا ؟

        ومن خلال المادة 134والتمعن فيه جيدا وخاصـة إذا ما أخدت بحرفية النص فإن الرقابـة الظاهرة للعيان أو المعنى الواضح هو أنها رقابـة ماديـة أي مراقبة سلوكات وتصرفات الخاضع للرقابـة ومنعه من الإضرار بالغير وإلا كان محل مساءلة تستوجب جبر الضرر الناجم .



[1] - بلحاج العربي : النظريـة العامـة للإلتزام في القانون المدني الجزائري – الجزء الثاني – ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ،سنة 1999،  ص 286.
[2] - جلال حمزة  :المرجع السابق ص 175.
[3] - محمد حسنين : الوجيز في نظرية الإلتزام، موفم  للنشـر الجزائر 1983،  ص 172.
[4] -  بلحاج العربي : المرجع السابق ص 289.
[5] -  عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني – نظرية الإلتزامات – الجزء الأول دار إحياء الثرت العربي بيروت1964  ص 996.
[6] -  علي فيلالي : المرجع السابق ص 89.
[7] - بلحاج العربي : المرجع السابق ص 292.
[8] - .بلحاج العربي : المرجع السابق ص 287.
[9] - فيلالي : المرجع السابق ص 91.
[10] - عمر بن سعيد : الإجتماد القضائي وفقا لأحكام القانون المدني ، دار الهدى عين مليلة الجزائر 2004 ،ص 64
[11] - المرجع السابق ص 64.
[12] - فيلالي : المرجع السابق ص 93.
[13] - بلحاج : المرجع السابق ص 287.
[14] - جلال حمزة : المرجع السابق ص 163.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه