الأدلـــة ذات الحجـــــــــية القـــــــاطعة في الاثبات الجزائي في القانون الجزائري

0

الأدلـــة ذات الحجـــــــــية القـــــــاطعة

المطلــــب الأول

اليمـــــين الحاسمـــــــة

          اليمين هو اتخاذ الله تعالى شاهدا على صحة ما يقول الحالف أو على صحة ما يقوله الخصم الأخر و هي طريق غير عادي للإثبات يلجأ إليه الخصم عندما يعوزه الدليل فلا يجد مفرا من الإحتكام إلى ضمير خصمه بتوجيهه يمينا إليه يحسم بها النزاع فتسمى يمين حاسمة أو يتمم بها القاضي ما في الدعوى من أدلة فيوجهها من تلقاء نفسه إلى أيٌ من الخصوم فتسمى يمينا متممة.                   

الفرع الأول : حجية اليمين الحاسمة

        لقد نص المشرع الجزائري في المادة 343من القانون المدني على انه " يجوز لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر " (1).

        ولقد عرف الفقهاء اليمين الحاسمة أنها اليمين التي تنتهي بها الدعوى وهي وسيلة احتياطية لا يلجأ إليها الخصم إلا عندما لا يوجد لديه الدليل في  إثبات ما يدعيه ليحتكم بها لضمير خصمه وذمته على ذلك فان توجيه اليمين الحاسمة ينطوي على مجازفة من قبل موجهها إذ  ليس من مصلحته آن يلجأ إلى توجيهها إذا كان لديه  الدليل القانوني  .                                                                                 

       واليمين الحاسمة حسب نص المادة 344 من القانون المدني تتضمن شروط لابد من توافرها لإمكانية توجيهها بقولها " لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة في واقعة مخالفة للنظام العام ويجب أن تكون الواقعة التي تقوم عليها اليمين متعلقة بشخص من وجهت إليه اليمين " .

 

 

 

 

 

 

 

 


1.الاجتهاد القضائي لغرفة الاحوال الشخصية عدد خاص سنة2001 صفحة 239 قرار رقم  109595

 

 

       و عليه فإن  هذه الشروط تتمثل في  : 

1. وجوب تأدية اليمين بجلسة  المحكمة  ولا يمكن أدائها خارج الجلسة ولقد ورد في اجتهاد المحكمة العليا انه " من المقرر قانونا انه إذا وجهت اليمين إلى خصم في نزاع أو ردت عليه فان الخصم يقوم بحلف اليمين بنفس الجلسة ولقد تبين أن القاضي الأول في قضية الحال قد حدد مكان تأدية اليمين بالمسجد الكبير ....ذلك ما جعل قضائه مخالفا للقانون ووجب من ثمة نقض القرار فيما يخص اليمين".               2.ألا يكون الخصم الذي وجه اليمين متعسفا في توجيهها وإلا لما  جاز للقاضي منع الخصم من الإساءة في استعمال هذا الحق.

3. يجب أن يكون من وراء توجيه اليمين الحاسمة وضع حد نهائي للنزاع وتنازل عن غيرها من أدلة الإثبات.

4. يجب على من يوجه لخصمه اليمين الحاسمة أي يبين الوقائع التي يريد تحليفه عليها.

 الفرع الثاني :  سلطة القاضي في تقديرها

       انه وانطلاقا من أن اليمين الحاسمة حق للخصم يوجهها متى أراد فان ذلك يعني انه لا يحق للقاضي أن يوجهها إلى احد الخصوم من تلقاء نفسه فإذا فعل ذلك فان حكمه يكون عرضة للنقص .

      وما دامت اليمين الحاسمة عقدا قضائيا فإنها حجة قاطعة يجب إذا حلف الخصم الذي وجهت إليه اليمين أصبح مضمون تلك اليمين حجة ملزمة للقاضي على أساس انه لا يجوز للقاضي أن يتدخل في هذا العقد وإنما يقتصر دوره في التأكد من أن عملية تأدية اليمين قد ترتب آثارها القانونية بشكل صحيح و يقابل ذلك نص المادة 1357 من القانون المدني الفرنسي ، وبالتالي فان القاضي يفقد كل السلطة في تقدير حجية اليمين الحاسمة .                                                                                            

       فهي تجعل الحكم في القضية موقوفا عليها ويؤسس على ذلك ، و كل من وجهت إليه اليمين فنكل عنها و ردها على خصمه خسر دعواه ،  وجاء في قرار للمحكمة العليا أن حكم الناكل على اليمين هو خسارة دعواه (1) غير أن هذا الأمر القانوني لا يترتب في حقه إلا إذا روعيت فيه الأشكال لجوهرية المنصوص عليها بالمواد : 432 إلى 434 من قانون الإجراءات المدنية .                                                      

 

 

 



 


1. قرار المحكمة العليا رقم 30231 الصادر بتاريخ 28/06/1989 المجلة القضائية العدد 01 سنة 1991 الصفحة 19 .

 

 

 

       ومن ثم يتحتم على القضاة قبل حسم النزاع تحديد الواقعة التي يحلفون عليها وإعطاء اليمين ووصفها القانوني وان يثبتوا في قرارهم أن المكلف بها قد حضر شخصيا وتم إعلامه بصيغتها ودعوته لتأديتها بالمكان والتاريخ ، ومتى لم يثبتوا في قرارهم أن المكلف بها قد حضر شخصيا وتم إعلامه بصيغتها ودعوته لتأديتها بالمكان والتاريخ ومتى لم يثبتوا هذه الإجراءات واقتصروا على  التصريح  بنكول الخصم على اليمين يكونوا  قد افقدوا قرارهم التأسيس والتعليل مما يستوجب النقض (1)             

       كما يترتب على كون اليمين الحاسمة حجة قاطعة أن لا يجوز لمن وجه اليمين أو ردها أن يرجع في ذلك متى قبل خصمه حلف تلك اليمين المادة 345 من القانون المدني ، غير انه يمكن للخصم بعد قبوله اليمين أن يرجع عنها إذا قام الدليل على قبوله كان نتيجة وجود عيب في إرادته من إكراه أو تدليس أو غلط .                                                                                                                       

وإذا كان المشرع أجاز للقاضي أن يمنع توجيه اليمين الحاسمة إذا كان من وجهها متعسفا في ذلك لأنه خصص للقاضي في هذا الجانب سلطة تقديرية باعتبار أن المادة 343 من القانون المدني الجزائري ليست من النصوص الآمرة بل تركت الأمر لتقدير قضاة الموضوع لتطبيق أو عدم تطبيق هذه المادة   فالأمر يعود لقناعتهم .                                                                                                    

       كما جاء في إحدى قرارات المحكمة العليا " انه يجوز للقاضي منع توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفا في ذلك " (2).                                                                                                     

      وبذلك فان قاضي الموضوع يستطيع منع الخصم من إساءة استعمال هذا الحق وله أن يرفض توجيه اليمين الحاسمة إذا كانت الواقعة موضوع اليمين ليست متعلقة بالشخص الموجه إليه أو ليست منتجة في النزاع أو ليست حاسمة فيه أو إذا كان يستفاد من الأوراق ما يثبت قطعا عدم صحة دعوى طلب اليمين  

 أو إذا تبين للقاضي أن الطلب الخاص بتوجيه اليمين الحاسمة جاء على وجه الاحتياط او كان القصد منه مجرد الكيد أو اكتساب الوقت وان موجهها أراد أن يستغل سنده لتديين خصمه أو التشكيك في ذمته أو

إحراجه ولقد جاء في نفس السياق في إحدى قرارات المحكمة العليا التالي بيانه : "  إن توجيه اليمين للمطعون ضدها قبل التأكد من وجود المسوغ المتنازع عليه قصور في التسبيب وخرق للقانون".

 

 

 


1. قرار المحكمة العليا رقم 38693 الصادر بتاريخ 17/12/1986 المجلة القضائية العدد 02 سنة 1986 الصفحة 19 .

2 . المجلة القضائية العدد 01 لسنة 1992 الملف رقم 159335 قرار صادر في 30/04/1980 الصفحة 29 .

 

 

   وأكدت المحكمة العليا إن الاكتفاء بتوجيه اليمين قبل معرفة وجود أو عدم وجود محل النزاع المدعى به يعتبر بمثابة انعدام التسبيب وخرق واضح لقواعد الإثبات " (1) .

        وان لقضاة الموضوع سلطة تقدير وجود تعسف في توجيه اليمين الحاسمة غير انه بالمقابل ملزمون بتسبيب إحكامهم بكيفية واضحة وليست غامضة حتى تتمكن المحكمة العليا من ممارسة رقابتها على أن  اليمين واضحة الألفاظ ومحددة المحتوى وقاطعة في النزاع في حالتي الحلف والنكول فليس من حق القضاة أن يمنعونها لان اليمين الحاسمة يجوز توجيهها في أي حال تكون عليها الدعوى .             

          وإذا كان قاضي الموضوع لا يملك سلطة تقدير حجة اليمين الحاسمة فله سلطة تعديل صيغة هذه اليمين ، غير أن هذا التعديل يجب أن يكون قاصرا على الصيغة لإيضاح عباراتها فقط حيث جاء في قرار المحكمة العليا " اليمين الحاسمة له سلطة تعديل صيغة هذه اليمين غير أن هذا التعديل يجب أن يكون قاصرا على الصيغة لإيضاح عبارتها فقط حيث جاء في قرار المحكمة العليا أن اليمين الحاسمة ملك للخصوم و ليس للقاضي تغيير صيغتها أو معناها بما يؤثر على مدلولها ، ولا بد ألا يكون هذا التعديل يخرج بالصيغة عن المعنى الذي قصده موجه اليمين" (2).                                                       

         فإذا رأت المحكمة تعديل موضوع اليمين كان عليها أن تعرض الصيغة المعدلة على موجه اليمين قبل توجيهها فان قبلها كان بها وان رفضها امتنع على المحكمة توجيه اليمين بهذه الصيغة لأنها لا تعبر عن قصد موجه اليمين.                                                                                                    

 

 

                 

 

 

 

 

 

 


1.  الاجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية عدد خاص سنة 2001 الصفحة 233 قرار رقم 86097.

2.قرار المحكمة العليا الصادر في 26/10/1988 المجلة القضائية العدد 03 لسنة1999

 

 

المطلــــب الثاني


 القرائـــــــــــن القانــــــــــــــــونية

الفرع الأول: حجيــــــــــــــتها

        لقد عالج المشرع الجزائري مسألة القرائن القانونية بالمادة 337 من القانون المدني بقولها " القرينة القانونية تغني من تقررت لمصلحته عن أية طريقة أخرى  من طرق الإثبات على أنه يجوز نقض هذه القرينة بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك ".تقابلها المادة 1349 من القانون المدني الفرنسي،  والقرائن بصفة عامة هي استنباط أمر غير ثابت  مجهول  من أمر ثابت معلوم على أساس انه يغلب في الواقع أن يتحقق الأمر الأول إذا تحقق الأمر الثاني .                                                     

       والقرينة القانونية هي استنباط القاضي لأمر غير ثابت من أمر ثابت ويظهر من خلال ذلك أن القرينة القانونية من عمل المشرع وان سندها نص القانون إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقوم قرينة بغير نص قانوني فالمشرع بذلك أنشأ قاعدة المجردة تطبق على كل الحالات المماثلة ولو ظهرت في بعض الأحيان مغايرة للحقيقة الواقعية (1).                                                                           

         من ذلك نستطيع القول أن القرينة القانونية لها عنصر أساسي  لابد من وجوده حتما وهو النص القانوني .

         وللإشارة انه لا يمكن قياس قرينة قانونية بقرينة قانونية أخرى ، بل لابد من مجموعة من النصوص الخاصة بكل قرينة قانونية على حدا .

 

 

 

 

 

 

 

 

 


1.مثال المادة 499 من القانون المدني نصت على" أن الوفاء بالأجرة الحالية يعتبر قرينة على الوفاء بالأقساط السابقة ."

 

 

 

 

         والسؤال الذي يطرح في هذا المجال هو ما الفائدة من القرائن القانونية وما الحكمة منها ؟

         إن المشرع عندما حصر القرائن القانونية وجعلها فقط منصوص عليها بالقانون ولا يمكن القياس بشأنها فان ذلك يدل على أهمية هذه القرائن القانونية و من جهة أخرى كان هدفه تحقيق الصالح العام على احترام الأحكام القضائية ووضع حد للخصومات والنزاعات القائمة بين  الناس فجعل القرينة القانونية التالية حجية الأحكام التي حازت حجية الشيء المقضي فيه .                                                       

         وهدفه إضافة لتحقيق الصالح العام تحقيق الصالح الخاص أيضا ولجوء المشرع لذلك إلى تضييق السبيل على من يحاول الاحتيال على القانون فيضع بذلك أحكاما يعتبرها من النظام العام ويحتاط حتى لا يخالف الناس في تعاملهم كوضعه قرائن قانونية تبطل أنواعا من التعامل مثل القاعدة القاضية لمنع التبرعات أثناء مرض الموت ولقد نصت المادة 776 من القانون المدني بان كل تصرف قانوني يصدر عن شخص في حال مرض الموت بقصد التبرع يعتبر تبرعا مضافا إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية أيا كانت التسمية المعطاة لهذا التصرف.                                                              

        إضافة إلى ذلك فالمشرع حرص على القرائن القانونية عندما يرى تعذر الإثبات سيما في بعض الحالات التي يكون إثباتها معقدا حتى لا يكون ذلك مستحيلا على الخصوم مثل ذلك المادتين 134-138 من القانون المدني افترض فيهما المشرع قرينة قانونية تقضي بافتراض الخطأ في جانب متولي الرقابة وحارس الأشياء لصعوبة الإثبات ذلك من طرف المتضرر إضافة إلى ما سبق يكون النص على القرينة القانونية غالبا هدفه تبيان ما يلاحظ من أحوال الناس وطبائعهم وعاداتهم في المعاملات من ذلك التأشير على سند الدين الذي هو في حوزته ببراءة ذمة مدينه إلا إذا كان قد قام بالوفاء فعلا.

        بعد كل ما  سبق في هذا المجال يمكننا القول أن القرائن القانونية أنواع وهي كالأتي بيانه :

أ. قرينة قانونية بسيطة:  وهي التي يجوز نقضها بالدليل العكسي فيحق لأطراف الخصومة إثبات عكس ما افترضه المشرع ، كما جاء في قرار محكمة النقض المصرية أن تحرير دفتر التوفير باسم شخص  معين اعتباره قرينة قانونية غير قاطعة "بسيطة"  على حيازة هذا الشخص للمال المودع ،جواز دفع هذه القرينة بكافة أوجه الإثبات " نقض 26/01/1956 " (1) وكذا قيام قرينة كل عقد سببه مشروع حتى يثبت العكس و ذلك حسب المادة 98 من القانون المدني .                                                            

ب. قرينة قانونية قاطعة : وهي التي لا تقبل إثبات العكس مثال ذلك المادة 338 من القانون المدني قرنية الحقيقة القضائية التي عبر عنها بقوة الأمر المقضي وهي قاطعة لا تقبل إثبات العكس ، ولا تقبل ذلك لأن القانون لا يقبل أي إثبات على خلاف ذلك .

     

1. الدكتور أنور طلبة المرجع السابق  الصفحة 480 .

 

ولقد قسمت القرينة القانونية القاطعة في نفس السياق إلى قرينة قانونية  متعلقة بالنظام العام وفي الغالب هي قواعد موضوعية و قرينة قانونية غير متعلقة بالنظام العام .

الفرع الثاني : سلطة القاضي في تقديرها

      إن القرائن القانونية أمر يستنبطه المشرع كما سبق تبيانه وبذلك هي نصوص ملزمة للقاضي والخصوم ما دامت كذلك فالقاضي لا دخل له في تقديرها ولاحق له في القياس عليها بل يجب عليه البحث عليها في القانون إن وجدت طبقها  وإلا لا تعتبر قرينة قانونية.                                                    

        و ينتهي دوره هنا و بذلك فإن سلطة القاضي تضيق عند كل قرينة قانونية  و عليه إثارتها من تلقاء نفسه و لو لم يدفع بها الخصوم باعتبار أنها نصوص أمرة له و ذلك ما عبر عنه المشرع الفرنسي بالمادة 1350 من القانون المدني .                                                                        

  و المحكمة العليا هنا تتدخل لمراقبة ما إذا كان القضاة لم يتجاهلوا و لم يرفضوا الحجية التي يسندها المشرع للقرائن القانونية المقررة بنصوص خاصة التي تبين شروط انطباقها وتقدير توافر هذه الشروط لأنها مسالة قانونية .                                                                                                       

       وكذلك الأمر في اعتبار القرائن القانونية القاطعة لا تقبل إثبات العكس أو بسيطة قابلة لإثبات العكس فان هذه المسائل من مسائل القانون خاضعة لرقابة المحكمة العليا والأمر كذلك فيما يتعلق باعتبار القرينة القانونية متعلقة بالنظام العام أم لا ؟                                                                                      

       ويبقى أمر آخر يدخل في سلطة القضاة ولهم الحق في تقديره وذلك بالنسبة لثبوت عكس القرينة القانونية فالقانون يجيز إثبات ما يخالفها ، وانه لا تعقيب ولا رقابة من المحكمة العليا على القاضي في ذلك مادام تقديرهم سائغا وقائما على أسباب معقولة .                                                               

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه