إلغاء الإكراه البدني في الالتزامات التعاقدية

0
إلغاء الإكراه البدني في الالتزامات التعاقدية:
الفرع الأول : تحليل حكم الإلغاء:
إن تكريس مبدأ سمو المعاهدات الدولية على القوانين الداخلية وفقا لمقتضى أحكام المادة 132 من الدستور . والقول بأن المعاهدة الدولية تدمج ضمن المنظومة القانونية الداخلية  - حسب ما تم شرحه  سابقا – لتصبح تتمتع بالقوة الإلزامية التي يتمتع بها أي قانون داخلي واجب النفاذ . كل هذا يستدعي البحث عن الأثر القانوني  لانضمام الجزائر إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية سيما ما تعلق بمسألة الإكراه البدني .
مبدئيا فإن المادة 11 من العهد نصت على أنه " لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي " ، وعليه فإنها أقرت عدم جواز اللجوء للتنفيذ بطريق  الإكراه  البدني فيما يتعلق بعجز المحكوم عليه الوفاء بالتزام ما ويكون هذا الأخير ذو منشأ تعاقدي محدثة بذلك – أي نص المادة 11 من العهد – تعارض مع محتوى نصوص  المواد 407 إلى 412 من ق. إ.م ، فما هو الحل القانوني الذي يمكن الوصول إليه لحل إشكالية التعارض الحاصل ؟
بالاعتماد على ما تم شرحه سالفا  ( فيما ارتبط بالقيمة القانونية للمعاهدة وكذا القواعد   المكرسة في النظرية العامة للقانون سيما قواعد الإلغاء الضمني ) فإن التحليل الذي يمكن إدراجه فيما يلي يساعد في تسلسله على الوصول إلى النتيجة التي  تكون حلا قانونيا للسؤال المطروح .
1/ إن محتوى  أحكام المواد  407 إلى  412 من ق. إ .م جاءت بموجب الأمر 66 / 154 المؤرخ في 08 جوان 1966 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية المعدل والمتمم فهي بذلك نصوص قانونية سابقة على نص المادة  11 من العهد .
2/ الجزائر انضمت للعهد بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89 / 67 المؤرخ في 16 ماي 1989 بعد موافقة البرلمان عليه بموجب القانون رقم 89 /  08 المؤرخ في 25 أبريل 1989 (2) مما يعني احترام الشروط والشكليات المتطلبة دستوريا(3) بموجب أحكام المادتين  131 و 132 في اعتماد نصوص  مواد العهد كقانون لاحق وأسمى من نصوص قانون الإجراءات المدنية
3/ المرسوم الرئاسي رقم 89 / 67 المؤرخ في 16 ماي 1989 ، تم نشره في شكل ملحق مع محتوى نصوص العهد في الجريدة الرسمية للجمهورية الجـــــزائرية الديموقراطية الشـــعبية 
عدد 11 سنة  1997(4) وبالتالي استبعاد إمكانية الاحتجاج بمسألة عدم النشر ( استنادا لنص المادة 04 من ق.م ) . والقول فيما إذا كان العهد كقانون داخلي نافذ أو غير نافذ من حيث التطبيق أو الاحتجاج به أمام  الجهات  القضائية
و اعتمادا  على المعطيات السابقة وكذا التأكيد على أن المادة  11 من العهد نضمت مسألة التنفيذ بطريق الإكراه البدني ( السجن ) في الالتزامات التعاقدية .تنظيما مخالفا يتعارض مع محتوى نص المادة 407 من ق. إ .م إذا أقرت إلغاء الإكراه البدني في الالتزامات التعاقدية وعليه فان النتيجة المتوصل إليها تؤكد على أن نص المادة  407 من ق. إ .م أصبحت ملغاة  ضمنيا(5)  بموجب أحكام  المادة 11 من  العهد باعتبار  هذا الأخير قانون لاحق ويسمو على قانون الإجراءات المدنية(النص الخاص اللاحق يقيد النص العام السابق) .
الفرع الثاني: النتائج المترتبة عن الإلغاء:
أمام هذه المعطيات وهذه النتيجة وجب الإشارة  إلى النقاط  التالية :
1/ إن القاعدة المكرسة  في المادة  11 من العهد  والمتعلقة بعدم جواز  التنفيذ بطريق الإكراه البدني ( سجن إنسان ) نتيجة العجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي قاعدة من النظام العام(6) وجب على القاضي إثارتها ولو من تلقاء نفسه ،كما يمكن للمدعى عليه ( المطالب بمباشرة إجراءات التنفيذ  بطربق   الإكراه البدني ضده ) التمسك بها في أي مرحلة كانت عليها  الدعوى ولو لأول مرة أمام المحكمة العليا  .
2/ القاعدة سالفة الذكر تلزم القاضي كما تلزم جهات التنفيذ ( النيابة العامة ) ، خاصة وأن  بعض الجهات القضائية لا زالت تعمد إلى مباشرة التنفيذ بطريق الإكراه البدني في الالتزامات التعاقدية وغير التعاقدية ، ففي حالة عدم تقيد القاضي بقاعدة   المادة 11 من العهد وجب على ممثل النيابة العامة  باعتباره مسؤولا على التنفيذ إثارة مسألة عدم قابلية التنفيذ استنادا لنص المادة  11 من العهد  (7)
3/ طالما وأن المادة 11 من العهد حصرت مجال عدم جواز التنفيذ  بطريق الإكراه البدني إلا فيما تعلق بالعجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي فإنه في المقابل من ذلك يبقى العجز عن الوفاء بالتزام  غير تعاقدي قابلا لأن تباشر فيه إجراءات التنفيذ بطربق الإكراه البدني ، فالشخص الذي يسعى لتنفيذ حكم أو قرار قضائي أعطاه تعويض مالي نتيجة لمباشرته دعوى مدنية تبعية لدعوى جزائية طبقا لنصوص المواد  02 . 03 من ق . إ . ج . وكان منشأ هذا التعويض ( أو الإلزام بالوفاء ) غير تعاقدي كأن يكون عملا غير مشروع (8) فإن الحق في طلب مباشرة إجراءات التنفيذ  عن طريق  الإكراه  البدني نتيجة  لعجز المحكوم عليه عن الوفاء يبقى قائما(9 ) .
4/ إن عدم وجود أو كفاية المنقولات أو العقارات نتيجة  لمباشرة إجراءات التنفيذ عليها بالحجز تعتبر قرينة  قانونية  على ثبوت العجز بعدم الوفاء بالالتزام ، يعتمد عليها بعد سنة 1997 لأجل التنفيذ بطريق الإكراه البدني إذا ما كان منشأ الالتزام غير تعاقدي  .
وهنا قد يتقارب مفهوم العجز طبقا لنص المادة 11 من العهد مع مفهوم الإعسار المالي طبقا لنص المادتين 411 من ق.ا.م و 603  من ق.ا.ج لكن هذا التقارب يمكن لنا تفنيده ب:
أ / المدين المعسر ماليا والذي لم يسدد التزام تعاقدي ( قبل 1997 ) أو التزام غير تعاقدي أو مصاريف قضائية أو غرامات أو لم يرد ما يلزم رده تمنح له مهلة للوفاء أو يوقف التنفيذ بالإكــراه البدني في مواجـهته مؤقتا
- حسب كل حالة – بناءا على طلبه في ذلك ( فهي مسألة لا تتعلق بالنظام العام )
ب / أما المدين العاجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي – فقط – بمفهوم المادة 11 من العهد فلا يجوز أصلا  الحكم عليه بالإكراه البدني كوسيلة للتنفيذ كنتيجة لتطبيق حكم الإلغاء وهي قاعدة من النظام العام كما سبق شرحه.
    
المطلب الثاني : الإشكاليات العملية المرتبطة بموضوع الإلغاء :
الفرع الأول: التباين  في التطبيقات القضائية  :
إن  تصفح التطبيقات القضائية يبين ذلك التباين الواضح  بين رافضي ومؤيدي فكرة  إلغاء إجراءات التنفيذ عن طريق الإكراه  البدني في الالتزامات التعاقدية  استنادا لنص المادة  11 من العهد
         أولا :  فالرافضون لفكرة الإلغاء  يستندون – حسب مبرراتهم  - إلى مجموعة من النقاط نوجز محتواها وكذا الرد  عليها وفقا لما سيأتي توضيحه :
أ / عدم تدخل المشرع الجزائري صراحة في إلغاء نصوص المواد 407 إلى 412 من   ق. إ . م والرد على ذلك يستند لنص المادة الثانية من القانون المدني التي نضمت نوعين من الإلغاء :إلغاء صريح وإلغاء ضمني . كما أن عدم تدخل  المشرع بإلغائه الصريح فيه كفالة لبيان  الإجراءات التي تمكن الشخص الحاصل على حكم أو قرار قضائي بناءا على دعوى مدنية مستقلة  ، في الحصول على  حقه   الناتج عن التزام غير تعاقدي وهذا ما يؤكد ضرورة التعديل لا الإلغاء
ب / القول بالإلغاء من شأنه الإنقاص من قيمة الأحكام والقرارات القضائية وفيه مساس بمبدأ قوة الشيء المقضي فيه ( القوة التنفيذية ) ، ويدعمون موقفهم هذا بالمثال التالي :
-  " أ " يحصل على حكم أو قرار  قضائي  واجب التنفيذ يلزم فيه "ب " بأن يدفع له مبلغ مالي أصلي يزيد عن 500  د ج نتيجة لالتزام تعاقدي  بينهما .
-  " ب" لا يملك في ذمته المالية لا منقولات ولا عقارات وما دام أن العجز عن الوفاء يخص التزام تعاقدي فإن تطبيق فكرة الإلغاء تفرض علينا عدم إمكانية إكراه " ب " بدنيا ( إدخاله السجن ) لأجل إرغامه على الوفاء وعليه فان غاية (أ) في لجوءه للقضاء لحصوله على حقه لم تعد محمية من حيث التنفيذ( 10) وما عليه إلا انتظار إثراء  الذمة  المالية للشخص " ب " بمنقولات أو عقارات لأجل الحجز عليها والحصول على حقوقه.
والرد على هذه النقطة ينطلق من أنها  تستند إلى اعتبارات  اجتماعية أكثر منها قانونية ، والقاضي ملزم بتطبيق القانون دون النظر في كونه يحقق المساواة أم لا كون أن هذه الأخيرة " إنما تتحقق بشرطي  العموم والتجريد فهي ليست مساواة حسابية وذلك لأن المشرع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح  العام وضع شروط تتحدد بها المراكز القانونية التي تتساوى   بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم  القانونية وإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت شروط في البعض دون الآخر انتفى مناط التسوية بينهم "(11).
أضف إلى ذلك  القول بـ:
-         تفعيل دور الرهن ( الرسمي والحيازي ) كبديل لحصول المعني بالأمر على حقه الناتج عن التزام تعاقدي دون اللجوء للإكراه البدني .
-         يمكن للمحكوم له – حسب ما هو مستقر عليه في القضاء الإداري المقارن – أن يرفع دعوى قضائية إدارية ( دعوى القضاء الكامل ) ضد البرلمان لأجل المطالبة بالتعويضات الناتجة عن الأضرار الخاصة و الاستثنائية التي أصابته جراء تطبيق القانون ( المادة 11 العهد ) تأسيسا على نظرية مسؤولية الدولة عن العمل التشريعي – الدولة/المشرع-.  
ثانيا:  وفي المقابل من ذلك فإن البعض من التطبيقات القضائية  اعتمدت  فكرة إلغاء إجراءات التنفيذ بطريق الإكراه البدني في الالتزامات التعاقدية استنادا للاعتبارات القانونية سالفة الذكر وهذا ما أكدته الغرفة المدنية  الفاصلة في المواد الإستعجالية لمجلس قضاء بشار في القرارين الصادرين بتاريخ 29 / 10 /  2003و 12 / 11 / 2003 تحت رقم 212 / 03و229  /03 على التوالي. 
مستندة في حيثيات الأسباب إلى محتوى نص المادة 132 من الدستور  وكذا القانون  89 / 08 المؤرخ في 25 أبريل 1989 وكذا المادة 11 من العهد . للقول بأن  "... تقرير الإكراه البدني على المدعى عليها المستأنف عليها إسنادا  لأحكام قانون الإجراءات المدنية لعدم وفاء المستأنف عليها بالتزامها  التعاقدي تجاهها ،تكون دعوى المدعية غير مؤسسة قانونا ..." .
وهو نفس الاتجاه الذي اعتمدته الغرفة المدنية للمحكمة العليا ( القسم الأول ) في قرارها الصادر بتاريخ 05 / 09 / 2001 . ملف رقم 254633 حيث أكدت على أن  " … يخضع تنفيذ الالتزامات غير الإرادية للإكراه البدني أما الالتزامات الإرادية فلا يخضع تنفيذها إلى طريق الإكراه البدني …" (12).

q                     ملاحظات عامة :
01 / في القرارين الصادرين عن الغرفة  المدنية لمجلس  قضاء بشار .
v         الاستناد لقاعدة المادة 11 من العهد كان بموجب إثارة تلقائية ولأول مرة من طرف قضاة  المجلس مما يؤكد ارتباطها بفكرة النظام العام .
v         عدم الإشارة إلى مسألة  النشر في الاستناد للقانون 89 / 08 وهو موقف يتماشى مع المحتوى الحرفي للمادة 132 من الدستور بسكوتها على مسألة النشر .
v         القضاء برفض الدعوى لعدم التأسيس: وهو المنطوق الذي يتماشى مع فكرة أن إجراءات التنفيذ بطريق الإكراه البدني في الالتزامات التعاقدية  لم تعد مؤسسة قانونا بموجب حكم المادة 11 من العهد  .
02/ القرار الصادر عن المحكمة العليا الغرفة المدنية – القسم الأول
v                     الاعتماد على الإثارة التلقائية للوجه المأخوذ من الخطأ  في تطبيق القانون  ( مخالفة محتوى نص المادة  11 من العهد )
v         الإشارة إلى مسألة نشر أحكام المادة 11 من العهد في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية عدد 11 المؤرخ في  26 فيفري 1997، تماشيا مع محتوى نص المادة  الرابعة من القانون المدني
v                     عدم التطرق صراحة لمحتوى  نص المادة 132 من الدستور
v         استعمال  مصطلح " مصادر الالتزامات تنقسم إلى مصادر إرادية  ومصادر غير إرادية "  بدلا من المصطلح المكرس في نص المادة 11 من العهد ( الالتزام التعاقدي )  باعتبار  أن القاعدة تقول"كل التزام تعاقدي هو التزام إرادي وليس كل التزام إرادي هو التزام  تعاقدي ".


وأمام عدم توحيد الرؤى في هذه المسألة فإننا سنعمد إلى  إدراج مثال - من الأهمية بمكان الإشارة إليه – لأجل بيان أهمية الإسراع في توحيد التطبيقات القضائية :
-    بتاريخ 20 / 04 / 2001 تحصل " أ " على أمر استعجالي يقضي بمباشرة إجراءات التنفيذ عن طريق الإكراه البدني نتيجة عجز المدعى عليه " ب " الوفاء بالتزام تعاقدي .
-         بتاريخ 22 / 04 / 2001 بلغ المدعى عليه " ب " بالأمر  الإستعجالي.
-         بتاريخ 05/05/2001 رفع " ب " استئنافا ضد الأمر الإستعجالي.
-         بتاريخ 27/05/2001 يصدر قرار من المجلس يؤيد فيه الأمر  الإستعجالي .
-    بتاريخ30/05/2001 قدم الملف لوكيل الجمهورية الذي حرر بنفس اليوم تنبيه بالوفاء بلغ     للمدعى عليه " ب" شخصيا في02/06/2001.
-    بتاريخ 15/06/2001 وأمام بقاء التنبيه بالوفاء من غير جدوى  يصدر وكيل الجمهورية أمرا  للضبطية القضائية لاجل القبض على " ب " وحبسه نتيجة لعدم الوفاء ينفذ هذا الأمر في يوم صدوره .
 ( مع أنه من الممكن أن يدفع " ب " أمام وكيل الجمهورية بوجود طعن بالنقض(13) مرفوع في 10/06/2001 ضد القرار الإستعجالي المؤرخ في 27/05/2001 لكن هذا  الدفع غير مقبول كون أن الأمر الاستعجالي اكتسب قوة الشيء المقضي فيه بتأييده من طرف المجلس بقرار نهائي مما يستدعي حبس (ب) في نفس اليوم ).
-    بتاريخ 12/07/2001 يصدر قرار من المحكمة العليا يقضي بنقض وابطال القرار المطعون فيه لمخالفته حكم المادة 11 من العهد مع إحالة القضية على نفس الجهة القضائية للفصل فيها طبقا للقانون  
-    فمن الواجب في مثل هذه الحالة أن يفرج على " ب " ولكن السؤال الذي يمكن طرحه : المدة التي    قضاها " ب" في السجن نتيجة التنفيذ عليه بطريق الإكراه البدني هل يمكن القول بأنها حبس غير مبرر ؟ وهل يمكن التعويض عليها ؟ .
إن التعديل الوارد في القانون 01/08 المؤرخ 26 يونيو 2001 أقر بموجب المادة 137 مكرر مبدأ التعويض عن الحبس المؤقت(14) بالنسبة للأشخاص الذين كانوا محل حبس مؤقت غير مبرر خلال متابعة جزائية انتهت في حقهم بصدور قرار نهائي قضى ألا وجه للمتبعة أو بالبراءة ، وبالتالي لا يدخل ضمنهم الأشخاص المكرهون بدنيا على النحو السالف الذكر لعدم توافرهم على الشروط المدرجة  في نص المادة  137 مكرر(15).

الفرع الثاني: إشكالية المواد التجارية (16):
طرح سؤال فيما يرتبط بإمكانية تقسيم الالتزامات التجارية إلى التزامات تعاقدية والتزامات غير تعاقدية .وهل القول بمثل هذا التقسيم يجعل من تطبيق إجراءات التنفيذ بطريق الإكراه  البدني غير  جائز في الأولى والعكس من ذلك في الثانية كون أن المادة 11 من العهد تضمنت فقط الالتزامات التعاقدية ؟
إن البحث في هذه المسألة له من الأهمية ما يفيدنا في إزالة الإشكاليات العملية التي يمكن أن تطرح  إذ أن  الالتزامات التجارية – مثلها مثل أي التزام – تقسم إلى التزامات تعاقدية والتزامات غير تعاقدية  على الرغم من أن تصفح القانون التجاري  يثبت بأن معظم الالتزامات الناتجة عن التجارة هي التزامات تعاقدية نظرا للطبيعة القانونية للعمل التجاري في حد ذاته . لكن التدقيق في المسألة  يجرنا للحديث عن دعوى المنافسة غير المشروعة(17) التي يرفعها التاجر ضد تاجر ويتحصل من خلالها على تعويض بموجب حكم أو قرار قضائي صادر عن القسم التجاري ، فهل يستطيع الشخص المدعي في دعوى المنافسة غير المشروعة أن يطالب بمباشرة إجراءات التنفيذ  بطريق الإكراه البــدني ( بعد احترامه لكل الشروط و استنفاذ طرق الحجز على  المنقول والعقار ) مدعما طلبه كون أن التعويض الممنوح  له ذو  منشأ  غير تعاقدي .

إن الوقوف عند هذه النقطة يؤكد وجود موقفين هما :
1/ عدم إمكانية الاستجابة للطلب كون أي قواعد الإلغاء الضمني تقتضي أن أحكام المادة 407 من ق. إ .م قد تم إلغائها ضمنيا بموجب أحكام المادة 11 من العهد دون استثناء أو تعديل صريح من المشرع .

2/ إمكانية  الاستجابة للطلب ومباشرة إجراءات التنفيذ عن طريق الإكراه البدني كون أنه   وطالما وجدت مواد تجارية  تنشأ عنها التزامات غير تعاقدية فإنها غير مشمولة بالإلغاء  لأن المادة 11 من العهد  تحدثت عن الالتزام التعاقدي فحسب  إضافة إلى اعتبار المواد التجارية التي تنشأ عنها التزامات تعاقدية " خاص  استثناء من العام "(18)  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه