لقيمة القانونية للمعاهدة الدولية على المستوى الداخلي

0
: القيمة القانونية للمعاهدة الدولية على المستوى الداخلي(8):

الفرع الأول: إشكالية النشر:
هل أن المعاهدة الدولية تعتبر نافذة مباشرة ضمن أراضي الجمهورية الجزائرية بعد إستنفادها للشروط المنصوص عنها في الدستور، دونما الحاجة إلى نشرها أم عكس ذلك ؟
إن التصفح الأولي لمحتوى نص المادة 132 من الدستور يثبت وأن المؤسس الدستوري لم يتكلم بالأساس على شرط النشر من أجل القول بأن المعاهدة الدولية نافذة على المستوى الداخلي وتسمو على القانون(9).

لكن الإعتبارات الواقعية العملية المتمثلة في صعوبة إطلاع الأفراد (من حيث الإحتجاج) أو القاضي (من حيث التطبيق) على محتوى المعاهدة المصادق عليها غير المنشورة تقتضي القول بأن سكوت الدستور الجزائري عن هذه المسألة كان مقصودا، ويفسر على أن النشر شرط واجب توافره، لكن بصفة ضمنية.

وهذا ما تؤكده المعطيات القانونية العامة المتمثلة في:
-   المادة الرابعة من ق.م  نصت على أن "تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية إبتداءا من يوم نشرها في الجريدة الرسمية.
تكون نافذة المفعول بالجزائر العاصمة بعد مضي يوم كامل من نشرها وفي النواحي الأخرى في نطاق كل دائرة بعد مضي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة على الجريدة."

-        المجلس الدستوري في قراره الصادر بتاريخ 20 أوت 1989(10) أكد على أن "أية إتفاقية بعد المصادقة عليها ونشرها تندرج في القانون الوطني وتكتسب بمقتضى المادة 123(11) من الدستور سلطة السمو على القوانين وتخول لكل مواطن جزائري أن يتذرع بها أمام الجهات القضائية"

-   المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ05/09/ 2001 ملف رقم 254633 أشارت إلى مسألة نشر محتوى المعاهدة المستند إليها- في الجريدة الرسمية(12).

-   المرسوم الرئاسي المؤرخ في 10 نوفمبر 1990(13) المحدد لصلاحيات وزير الخارجية أكد سعي هذا الأخير إلى المصادقة على الإتفاقيات والبروتوكولات واللوائح الدولية التي توافق عليها الجزائر وتلتزم بها، إضافة إلى سعيه على نشرها (14).

الفرع الثاني: قواعد الإلغاء:

إن إدماج المعاهدة الدولية على المستوى الداخلي بعد نشرها، يوجب دراسة المعطيات النظرية التي تحكم مسألة تنازع القوانين من حيث الزمان لأجل توضيح الحلول الواجبة في حالة التعارض الذي يمكن أن يحصل بين المعاهدة الدولية والقانون الداخلي.

فلقد نصت المادة الثانية من ق.م. على أنه "لا يسري القانون إلا على ما يقع في المستقبل ولا يكون له أثر رجعي ولا يجوز إلغاء القانون إلا بقانون لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء.
وقد يكون الإلغاء ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا يتعارض مع القانون القديم أو نظم من جديد موضوعا سبق أن قرر قواعده ذلك القانون القديم"
ويستخلص من نص المادة أن المشرع الجزائري عرف نوعين من الإلغاء هما:
أولا: الإلغاء الصريح(15): ونعني به تدخل إرادة المشرع صراحة في القانون اللاحق بواسطة مادة صريحة- للقول بأن القانون السابق   أو بعض مواده- ملغى.

ثانيا: الإلغاء الضمني(16): وهو الصورة العكسية للإلغاء الصريح، أو هو "إلغاء يستنبط من وجود نصين أحدهما سابق والآخر لاحق يستحيل الجمع بينهما في وقت واحد" (17) ويأخذ إحدى الصور التالية:

1- إصدار المشرع لقانون جديد ينظم من خلاله نفس الموضوع الذي كان قد نظمه القانون القديم، فيعتبر في مثل هذه الحالة "القانون السابق ملغى بالقانون اللاحق" أو ما يصطلح عليه بحالة الإلغاء الضمني الكلي(18).

2- وجود تعارض بين القانون الجديد والقانون القديم، فيلزم حتما أن تكون الأحكام الجديدة والقديمة من نوع واحد من اجل تطبيق القواعد التالية:

أ‌-  في حالة تعارض بين حكم قديم عام وحكم جديد خاص، يبقى الحكم القديم العام ساري المفعول إلا فيما جاء به الحكم الجديد طبقا للقاعدة الفقهية "النص الخاص اللاحق يقيد النص العام السابق" (راجع  –إلغاء الإكراه البدني في الالتزامات التعاقدية - ).

ب- في حالة تعارض بين حكم قديم خاص وحكم جديد عام فإننا نطبق قاعدة أن النص العام اللاحق لا يلغي النص الخاص السابق ويضل هذا الأخير ساري المفعول إعمالا للقاعدة الفقهية" النص الخاص السابق استثناء في النص العام اللاحق" (راجع إشكالية المواد التجارية).

كل هذه المعطيات والقواعد صالحة من حيث التطبيق في حالة وجود تعارض بين المعاهدة الدولية والقانون الداخلي. سيما وأن المعاهدة الدولية بذاتها أسمى من القانون الداخلي (شرط التماثل من حيث نوع الأحكام الجديدة والقديمة).

أما وكون القانون الداخلي لاحق على المعاهدة الدولية فمن الواجب إحترام "مبدأ تدرج القوانين" الذي يقتضي مطابقة القانون للمعاهدة الدولية السابقة له.


















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه