نطاق الرقابة البرلمانية

0
نطاق الرقابة البرلمانية:
       إذا كانت الرقابة البرلمانية أوسع مجالاً في أعمالها من الرقابة القضائية، فإنها أضيق منها في الأثر، هذا ما أظهره التباين بين الرقابتين.
       فبالرغم من أن مبدأ فصل السلطات يحرص على ألا تتدخل سلطة في عمل سلطة أخرى، إلا أنه لم يحدد نطاق رقابة البرلمان أو القضاء تحديداً دقيقاً، حيث جاء الاتساع في المجال لصالح البرلمان، وأتت السعة في الأثر لصالح القضاء.
       ومن مظاهر اتساع مجالات الرقابة البرلمانية هي أنها ليست مقصورة على أعمال السلطة التنفيذية، كما هو شأن الرقابة القضائية، وإنما تمتد أيضاً إلى مراقبة أعضائها، ومن هنا لا يمثل اتصال تصرفاتهم بحياتهم الخاصة حائلاً دون امتدادها إليها، طالما كان لها تأثيرها على المصلحة العامة.
       كما أن الرقابة البرلمانية لا تقتصر على أعمال السلطة التنفيذية على ما تتخذه الأخيرة بصفتها الحكومية، وإنما تمتد لما تصدرها السلطة التنفيذية من أعمال إدارية داخلية ، كما أن أعمال الحكومة أو أعمال السيادة تخضع لها كخضوع الأعمال الإدارية، إذ تتحقق فيها مناط هذه الرقابة ، وهو انعقاد الاختصاص بها للسلطة التنفيذية، حتى من ذهب إلى أنه لا يجوز لأعضاء البرلمان مد رقابتهم إلى السياسة الخارجية للدولة على أساس أنها تعكس العلاقة بالدول الأخرى، حيث أنها لا تعد من أعمال السيادة، كما أن طابعها السري قد يتعارض من  أن تكون مجالاً للرقابة، لاسيما إن كانت وسيلة الرقابة هي الأسئلة المكتوبة التي يعد نشر الإجابة عنها بالجريدة الرسمية من مقتضيات ممارستها، يرى البعض([1]) أن هذا الرأي لا يمكن قبوله، لأنه من جهة يخالف ما استقرت عليه التقاليد البرلمانية، فالتذرع بأن في التعرض لتلك الأعمال ما يفضي إلى الكشف عن سريتها هو أمر مردود عليه بأن السرية لا يمكن أن تمثل عائقاً يحول دون أن يبسط النواب رقابتهم على تلك الأعمال لاسيما إن كان من المقدور الحفاظ على سريتها دون إخلال بحقهم الدستوري في الرقابة، ولعل من سبل ذلك عدم نشر الإجابة الحكومية عن الأسئلة المتعلقة بالمسائل السرية بالجريدة الرسمية، مما يكون مفاده اقتصار العلم بها على أعضاء البرلمان وحدهم، بل أنه ليس هناك ما يمنع البرلمان من عقد جلسة سرية لمناقشة هذه الأعمال، وهذا أمر تقره الدساتير ولا تحظره. وعلى خلاف ذلك كانت الرقابة القضائية التي تقتصر على أعمال الإدارة فحسب دون أن تمتد إلى أعمال السيادة.
       ومن مظاهر اتساع الرقابة البرلمانية أيضاً، هو أن هذه الرقابة لا يشترط لممارستها أن تكون أعمال السلطة التنفيذية التي تمارس عليها تامة أو منجزة، فلا يلزم أن تكون قد خرجت من طور الإعداد والتحضير إلى نطاق التنفيذ، فهي تمارس أيضاً على الأعمال التحضيرية أو ، بل حتى على ما تنوي الحكومة اتخاذه، أو حتى مجرد التصريحات التي يدلي بها أعضاء الحكومة، وإن لم تأخذ شكلاً نهائياً([2])، وهذا أيضاً على خلاف الرقابة القضائية التي لا تمارس إلا إذا كان العمل تاماً نهائياً وقد أحدث أثره.
       إضافة إلى ذلك، فإن الرقابة البرلمانية تشمل مشروعية الأعمال الإدارية وملائمتها معاً، فلا تقتصر على الاستيثاق من مطابقة العمل الحكومي أو الإداري للقواعد القانونية المنظمة له، وإنما تتجاوزه إلى البحث في مدى ملائمته مع الواقع والظروف المعاصرة له، لكن الرقابة القضائية تقتصر على مشروعية الأعمال الإدارية ولا تمتد إلى ملائمتها.
       وفيما يختص بضيق أثر الرقابة البرلمانية، فكل ما يترتب على رقابة البرلمان من أثر لا يعدو أن يكون إثارة المسؤولية السياسية للوزير أو الحكومة، فلا يملك البرلمان أكثر من ذلك، حيث يقف مبدأ الفصل بين السلطات حائلاً دون الاعتراف له بأكثر من ذلك، فلا يجوز له مثلاً أن يصدر أوامر إلى الحكومة أياً كان مضمونها أو هدفها، كما لا يمكنه أن يلغي قراراً أصدرته الإدارة أو يعدله أو يوقف تنفيذه مهما كانت درجة جسامة مخالفته للمشروعية، لكن يكون له أن يخفف من تلك الآثار من خلال سن تشريع بهذا الشأن أو ما يسمى بالنفوذ الأدبي للبرلمان على الإدارة حتى لا يتعرض الوزير للمساءلة



([1]) د. محمد باهي أبو يونس. الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة في النظامين المصري والكويتي، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر، 2002م، ص 19 وما بعدها.
([2]) د. إيهاب زكي سلام. الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني، القاهرة، عالم الكتب، 1983م، ص10.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه