تنفيذ العقوبات التكميلية في القانون الجزائري

0
تنفيذ العقوبات التكميلية

        ترتبط العقوبات التكميلية بالعقوبات الأصلية، إذ لا يحكم بها مستقلة عن عقوبة أصلية ولا تلحق بها تلقائيا كما تلحق العقوبات التبعية بالعقوبات الجنائية، بل يجب أن ينطق بها القاضي للقول بوجودها، وقد أوردها المشرع في المادة 9 ق.ع وهي: تحديد الإقامة، المنع من الإقامة، الحرمان من مباشرة بعض الحقوق، المصادرة الجزئية للأموال، حل الشخص الاعتباري ونشر الحكم. وعرف كل عقوبة على حدى في المواد من 11 إلى 18 من نفس القانون.
        وعليه سنتناول إجراءات تنفيذ كل عقوبة على حدى في فرع مستقل، ولتفادي التكرار لن نتطرق لعقوبة الحرمان من مباشرة بعض الحقوق كونها نفسها العقوبة المنصوص عليها في المادة 8 ق.ع كعقوبة تبعية والتي سبق الإشارة إليها في المطلب السابق، فقط نشير إلى أنها محددة المدة حيث لا تتجاوز خمس سنوات.

الفرع الأول : المنع من الإقامة وتحديد الإقامة

        ارتأينا دراستهما تحت فرع واحد نظرا لتشابههما الكبير من حيث طبيعتهما وإجراءات تنفيذهما فكلاهما عقوبة تكميلية نص عليهما المشرع الجزائري في المادة 12  ق.ع ويختلفان في مضمونهما وعليه سنطرق لتعريفهما ثم إلى إجراءات التنفيذ.       
أولا: تعريفهما:
        يعرف المنع من الإقامة بأنه الحظر على المحكوم عليه أن يتواجد في بعض الأماكن مؤقتا، وتكون المدة القصوى لهذا الحظر خمس سنوات في الجنح و عشر سنوات في الجنايات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك (12 ق.ع). ولا يبدأ سريان الحظر إلا من يوم الإفراج عن المحكوم عليه وبعد تبليغه بقرار المنع من الإقامة، وكونها عقوبة تكميلية فالأصل فيها أنه لا يحكم بها مستقلة عن عقوبة أصلية (1) غير أن المشرع خرج عن هذه القاعدة في المادة 92  ق.ع وأجاز الحكم بالمنع من الإقامة على الجاني الذي إستفاد من عذر فهل تعتبر هنا عقوبة أصلية رغم عدم ورودها في باب العقوبات الأصلية ؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد يطبق المنع من الإقامة بقوة القانون دون حاجة للنص عليه في الحكم القاضي بالإدانة كما هو الحال في المادة 613 فقرة 2،3 ق.إ.ج حيث تنص الفقرة 2 : " ويخضع المحكوم عليه الذي تقادمت عقوبته بقوة القانون طيلة مدة حياته لحظر الإقامة في نطاق إقليم الولاية التي يقيم بها المجني عليه في الجناية أو ورثته المباشرون "، كما نصت الفقرة 3 : " كما يخضع المحكوم عليه بعقوبة مؤبدة إذا تقادمت عقوبته بقوة القانون لحظر الإقامة مـدة خمس سنوات اعتبارا من تاريخ اكتمال مدة التقادم " فهـل يمكن اعتبارها في هذه الحالة تدبير

 


(1) الفقرة الأخيرة من المادة 4 من قانون العقوبات
 وقائي باعتبار أن تدابير الأمن هدفها وقائي، والحكمة من سن المنع من الإقامة هنا هو منع وتفادي العود وأن المادة الأولى من المرسوم 75-156 (1) نصت على أن «قرار الحظر من الإقامة يتخذه وزيـر الداخليـة بناء على الحكـم القضائـي الذي أمـر بالتدبير» مع العلم أنها لم ترد في باب تدابير الأمن ؟
        ومن جهة ثالثة هل يمكن اعتبارها عقوبة تبعية كونها تطبق بقوة القانون ولأنها واردة في المادة 613 من ق.إ.ج المتعلقة بتقادم الأحكام الصادرة من محكمة الجنايات مع أنها لم يرد ذكرها في باب العقوبات التبعية ؟ أمام هذه التساؤلات نرى أنه على المشرع التدخل وحسم الأمر في ذلك.
وتعرف عقوبة تحديد الإقامة بأنها إلزام المحكوم عليه بالإقامة في منطقة يعنيها قرار تحديد الإقامة لمدة لا تفوق 5 سنوات بدء من يوم انقضاء العقوبة الأصلية أو الإفراج عن المحكوم عليه (المادة 11 ق.ع) والمتصفح لقانون العقوبات يجد أن المشرع لم يحدد نوعية الجرائم التي يجوز فيها الحكم بتحديد الإقامة كما أنه لم يتضمن أي نص يشير إلى هذه العقوبة وهذا ما جعل الحكم بها نادر جدا إن لم نقل لم يحدث.
ثانيا: إجراءات تنفيذها:
        حددها الأمر رقم 75-80 المؤرخ في 15 ديسمبر 1975 المتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بحظر وتحديد الإقامة وكذا المراسيم التطبيقية له وهي المرسوم رقم 75-155 المتعلق بتحديد الإقامة، والمرسوم رقم 75-156 المتعلق بحظر الإقامة. وبناء عليهما سنتناول إجراءات تنفيذ عقوبة الحظر من الإقامة كنموذج لتشابههما مع إجراءات تحديد الإقامة ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1-إخطار وزير الداخلية: فبمجرد أن يكون الحكم القضائي الذي أمر بالمنع من الإقامة واجب التنفيذ يبلغ إلى وزير الداخلية بسعي من نيابة الجهة القضائية المصدرة له وإذا كان المحكوم عليه بالحظر من الإقامة محبوسا يقوم رئيس المؤسسة العقابية في الحين أو قبل الإفراج على المحكوم عليه بستة أشهر بتكوين ملف المنع من الإقامة (2) ويرسل إلى وزير الداخلية.كما أن وزير العدل يشعر وزير الداخلية بكل استبدال وتخفيض عقوبة وبكل إفراج مشروط إستفاد به مسجون حكم عليه بعقوبة حظر الإقامة التكميلية.
        ويعرض وزير الداخلية الملف على اللجنة الاستشارية التي حددت المادة 6 من نفس المرسوم أعضاءها، وتقترح قائمة الأماكن التي يمكن منع الإقامة فيها على المحكوم عليه وتدابير المراقبة والحراسة التي سيخضع لها طيلة مدة الحظر، وتدابير المساعدة التي يمكن أن يستفيد منها، وبناء على هذه الاقتراحات يتخذ وزير الداخلية قرار الحظر من الإقامة.

 


(1) المرسوم 75-156 المؤرخ في 15/12/1975 المتعلق بحظر الإقامة.
(2) حددت المادة 3 من الأمر 75-156 المؤرخ في 15/12/1975 الوثائق التي يتضمنها الملف.
2- تبليغ القرار: يبلغ وزير الداخلية نسخة من القرار إلى الوالي الذي يعد بطاقة التعريف القانونية والدفتر الخاص بتحقيق الشخصية (1) للمحكوم عليه وهنا نميز بين حالتين :
-إذا كان المحكوم عليه محبوسا يرسل الوالي الوثائق لمدير المؤسسة العقابية الذي يبلغه قرار الحظر ويسلمه الدفتر الخاص بتحقيق الشخصية وبطاقة التعريف عند الإفراج عنه، أما في حالة ما إذا أفرج عنه قبل تبليغه بقرار وزير الداخلية فعليه إبلاغ مدير المؤسسة العقابية بالمكان الذي ينوي الاستقرار فيه، وهنا يقوم مدير المؤسسة بإرسال كافة الوثائق المتعلقة بالمحكوم عليه للوالي الذي يقع في دائرة اختصاصه المكان الذي ينوي المفرج عنه الإقامة فيه، ويحيطه علما بأنه حكم عليه بحظر الإقامة غير أنه لم يبلغ بعد بالقرار، وعلى الوالي إشعار وزير الداخلية. وفي حالة عدم اتخاذ هذا القرار خلال شهرين من استلام الوثائق  يسلم للمحكوم عليه وثائقه الخاصة المرسلة إليه. وهنا يطرح التساؤل حول مهلة الشهرين المشار إليها ما إذا كانت المهلة مسقطة لعقوبة الحظر من الإقامة ؟.
-إذا كان المتهم غير محبوس كأن لم يتعرض لعقوبة سالبة للحرية أو كان الحكم مشمولا بوقف التنفيذ، أو أن الحبس المؤقت استغرق العقوبة السالبة للحرية (2) ، أو أن وزير الداخلية اتخذ القرار في مهلة الشهرين بالنسبة للمحكوم عليه المفرج عنه قبل اتخاذ قرار الحظر من الإقامة، فإن تبليغ قرار الحظر من الإقامة وتسليم الدفتر الخاص بتحقيق الشخصية يكون بسعي من الوالي وبواسطة مصالح الشرطة أو الدرك الوطني (المادة 17 من المرسوم 75-156).
3 - مدة ونقطة انطلاق عقوبة المنع من الإقامة: طبقا للمادة 12 ق.ع فإن المدة القصوى للمنع من الإقامة هي خمس سنوات في الجنح و عشر سنوات في الجنايات، ويؤخذ بعين الاعتبار في تحديدها طبيعة الجريمة لا طبيعة العقوبة، غير أنه واستثناء لا يملك القاضي سلطة تقريـر المنع من الإقامة         أو تحديد مدتها في الحالة التي تكون فيها هذه العقوبة إجراء بديل لعقوبة أصلية (المادة 613/2،3 من ق.إ.ج) فتكون عقوبة المنع من الإقامة مؤبدة إذا تقادمت العقوبة الجنائية، وتكون خمس سنوات إذا كانت العقوبة مؤبدة وحصل استبدالها أو تخفيضها وأفرج عن المحكوم عليه ما لم يأمر قرار الإعفاء بخلاف ذلك (3).
        وفيما يتعلق بنقطة انطلاق عقوبة المنع من الإقامة فتختلف حسب الحالات:
أ/ من تاريخ الإفراج عن المحكوم عليه (7 من الأمر75/80) وبلغ له قرار الحظر، وإذا لم يبلغ له فتخصم المدة الجارية بين  تاريخ الإفراج وتاريخ التبليغ من مدة حظر الإقامة ما لم ينص قرار الحظر على خلاف ذلك.
ب/ من تاريخ تبليغ قرار الحظر إذا لم يكن محبوسا (المادة 10 من الأمر 75-80 ).
ج/ من تاريخ اكتمال مدة التقادم طبقا للمادة 613/3 ق.إ.ج، ويفهم من استقراء نص هذه المادة أنه إذا

 


(1)حددت المادة 12 من الأمر 75-156 المعلومات الواردة فيه.
(2)المادة 10 من الأمر 75-80.
(3) المادة 1 من الأمر 75-80.

تجاوزت المدة بين تاريخ اكتمال التقادم وتاريخ إلقاء القبض على المحكوم عليه خمس سنوات فإن عقوبة الحظر من الإقامة تسقط.
        وتجدر الإشارة إلى أنه يجوز إرجاء أو إيقاف قرار حظر الإقامة بمقتضى قرار صادر عن وزير الداخلية، والمدة التي يستفيد منها المحكوم عليه تحسب في مدة الحظر عدا في حالة وقف القرار عند الحكم على المحظور إقامته أثناء فترة المنع من الإقامة لارتكابه جريمة أخرى أو عند العدول عن الإفراج المشروط (المادة 8 من الأمر 75-80).
4 - الآثار المترتبة على المنع من الإقامة: يخضع المحكوم عليه بالحظر من الإقامة لثلاث التزامات هي:
1-عدم الوجود في الأماكن الوارد ذكرها في قرار الحظر من الإقامة، وقد تحدد هذه الأماكن بقوة القانون (613/2 ق.إ.ج) وقد تخضع للسلطة التقديرية لوزير الداخلية بناء على اقتراح اللجنة الاستشارية، ويلتزم المحظور من الإقامة بعدم دخول الأماكن التي منعت عليه.
2-تدابير الحراسة والمراقبة: وتتمثل في اتصاله دوريا بمصالح الشرطة أو الدرك للتأشير على الدفتر الخاص بتحقيق الشخصية، إذ هذه المصالح ملزمة بمسك سجل خاص بحظر الإقامة وفي حالة ضياع الدفتر على المحظور الإقامة التصريح بذلك في ظرف 48 ساعة. واستثناء يمكن له الإقامة، في منطقة محظورة في حالة الاستعجال بعد حصوله على إذن من الوالي لمدة لا تتجاوز الشهر، وما زاد يمنح الإذن وزير الداخلية، بشرط أن يبلغ وزير الداخلية والوالي الموجود بالمكان الذي يسمح لمحظور الإقامة التوجه إليه.
3-تدابير المساعدة : ولم يحددها المشرع كما فعل بالنسبة لتدابير الحراسة والمراقبة، ومع ذلك  يمكن القول أنها كل التدابير التي من شأنها مساعدة المحظور من الإقامة في إعادة إدماجه في المجتمع كإيجاد عمل لكسب رزقه.
 وفي حالة مخالفة الشخص لقرار الحظر من الإقامة سواء بالظهور في الأماكن المحظورة       أو مخالفة تدابير الحراسة والمراقبة يتعرض لجزاءات سالبة للحرية تصل إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية.
        وتخضع عقوبة تحديد الإقامة لنفس إجراءات تنفيذ عقوبة الحظر من الإقامة فقط المحدد إقامته يلتزم بأن لا يغادر المكان المعين في قرار تحديد الإقامة الصادر عن وزير الداخلية إلا في حالة الاستعجال، وحصوله على إذن من الوالي بالانتقال لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما، و ما زاد يكون الإذن من صلاحيات وزير الداخلية، ويخضع المحدد إقامته لنفس الجزاءات المقررة للمحظور إقامته إذا خالف أحكام القرار (15 من الأمر 75-80).



الفرع الثاني :المصادرة

أولا: مفهومها وأنواعها:
        المصادرة هي عقوبة تكميلية مالية عينية تنصب على مال معين نص عليها المشرع الجزائري في المادة 9  ق.ع، تعرف بأنها نزع ملكية مال من صاحبه جبرا عنه وإضافته إلى ملك الدولة دون مقابل وبذلك تختلف عن الغرامة التي تنصب على ذمة المحكوم عليه المالية (1) وتسدد نقدا. والأصل في المصادرة أنها جوازية باعتبارها عقوبة تكميلية- غير أنه قد تكون إلزامية في الجرائم التي حددها القانون (2) وهي نوعان:
*مصادرة عامة: تنصب على جميع ممتلكات المحكوم عليه، عرفتها التشريعات الجنائية القديمة أين يلجأ الحاكم إلى التنكيل بخصومه، ونظرا إلى خطورتها لجأت الكثير من الدول إلى إلغائها (3).أما التشريع الجزائري فتمسك بها في حالة الحكم الغيابي لجناية، حيث أنه بمجرد تخلف المتهم عن الحضور توضع كل أمواله تحت الحراسة. وعند الحكم بتأييد وضع هذه الأموال تحت الحراسة تصادر فيما بعد من طرف مديرية أملاك الدولة، ومع أن هذا الإجراء يعد ضمان لعدم هروب المتهم إلا أنه يلحق ضررا بعائلة المحكوم عليه، فيحرمهم من الإرث ومن وسائل العيش. وهذا ما يتناقض مع مبدأ شخصية العقوبة، لذلك نص المشرع على تقرير إعانات لزوجة المتهم وأولاده وأصوله طبقا للمادة 225 من ق.إ.ج لحين صدور الحكم، ومن جهة أخرى حدد الأموال التي لا يجوز مصادرتها طبقا للمادة 15 ق.ع. كما نص على جواز مصادرة ممتلكات المحكوم عليه بعقوبة جنائية تطبيقا لأحكام الأمر رقم 96-11 المؤرخ في 25 فبراير 1995 المتعلق بالجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية المادة 87 مكرر 9 فقرة 2 منه.
*مصادرة جزئية: وهي تلك التي عناها المشرع الجزائري في المادة 9  ق.ع واعتبرها عقوبة تكميلية تكون في الجنايات أما في الجنح والمخالفات فلا يحكم بها إلا بنص خاص.
        ويمكن أن تقع المصادرة على:
-جسم الجريمة كالأموال التي استعملت لإرشاء موظف (المادة 133 من ق.ع).
-الأشياء المتحصل من الجريمة كثمن المخدرات في جريمة الإتجار في المواد المخدرة.
-الأسلحة أو الآلات التي استعملت في الجريمة، وتنصرف إلى أي شيء يكون الجاني قد استعمله      أو اتخذه وسيلة له في ارتكاب الجريمة كالأسلحة و الآلات المستعلمـة في تنفيـذ الجريمة أو تسهيلها، 

 


 (1)د/ مأمون محمد سلامة المرجع السابق ص 682.
 (2)الجنايات والجنح ضد أمن الدولة م 93، الرشوة 133، لعب القمار 165-168 من ق.ع، المادة 501، 502 من القانون البحري، المادة 246 من قانون الصحة.
 (3)الدستور المصري لسنة 1936 حظر المصادرة العامة في المادة 71 منه.
 والأشيـاء المعدة فعلا لارتكاب الجريمة إلا أنها نفذت فعلا بوسائل أخرى (1) ،وكذلك الأشياء التي أعدت لإتمام الجريمة غير أنها أوقفت عند حد الشروع، ولا يشترط أن تكون الأشياء مضبوطة فعلا قبل صدور الحكم لأن نص المادة 15 ق.ع وردت فيه عبارة: " الأشياء التي استعملت " دون أن يذكر عبارة «الأشياء المضبوطة» فالنص لم يقيد المحكمة بوجوب أن تكون الأشياء موضوع المصادرة قد ضبطت فعلا قبل صدور الحكم (2).
        وتجدر الإشارة إلى أنه قد تكون المصادرة تدبير أمن طبقا للمادتين 20، 25 ق.ع إذا كانت صناعة الأشياء المضبوطة أو استعمالها أو حملها أو حيازتها أو بيعها تعتبر في حد ذاتها جريمة (3) ويجوز الحكم بها حتى لو حصل المتهم على حكم يقضي ببراءته أو بأن لا وجه للمتابعة. لأن المصادرة كعقوبة تنصب على أشياء في حوزة المحكوم عليه دون أن تكون محظورة في حد ذاتها وهذا حتى يتحقق معنى الإيلام والزجر اللذان هما من صفات العقوبة.
ثانيا: إجراءات تنفيذهـا:
        يترتب على الحكم البات بالمصادرة انتقال الأشياء موضوع المصادرة إلى ملكية الدولة إذ يعتبر الحكم سند الملكية للدولة، ولهذا فإن المصادرة كعقوبة غير قابلة للسقوط بالتقادم المسقط للعقوبة حتى لو سقطت الأحكام الأصلية الصادرة في الدعوى العمومية (4).
        وإدارة أملاك الدولة هي التي تقوم بالملاحقات الرامية إلى تحصيلها بطلب من النيابة طبقا للمادة 8 من الأمر 72-02 ،حيث يقوم أمين الضبط لدى المحكمة أو المجلس حسب الحالة (حكم،قرار) والمكلف بمصلحة المحجوزات بإعداد قائمة الأموال التي حكم بمصادرتها وتسلم لمصالح أملاك الدولة بموجب محضر تسليم، وتقوم هذه الأخيرة بتصنيفها وبيعها وفقا للقواعد العامة (أي بالمزاد العلني).
        وبالنسبة للأموال المحظورة التي حكم بمصادرتها كتدبير احترازي- فإنه يتم إتلافها بالحرق بحضور السيد وكيل الجمهورية، وضابط الشرطة المركزية لمحافظة المخدرات، ورئيس أمناء الضبط ويحرر محضر إتلاف بذلك.أما الأموال محل المصادرة ذات الطابع العسكري من أسلحة وألبسة ووثائق عسكرية تسلم مباشرة للدرك الوطني بموجب محضر تسليم.ويمكن للجهة القضائية أن تتصرف في الأموال المصادرة بأي وجه من وجوه المنفعة لأجهزتها واستعمالها، كأجهزة الإعلام الآلي والأدوات المكتبية تستعملها في تسيير مصالحها وهو ما لاحظناه أثناء تربصاتنا الميدانية .

 


(1)قرار المحكمة العليا بتاريخ 02/02/1988 في الملف رقم 53149 عن الغرفة الجنائية، المجلة القضائية لسنة 1991 العدد 2 ص197.
(2)بخلاف ذلك نص قانون العقوبات المصري في المادة 3/1 على أن الأشياء التي تكون محل مصادرة هي التي تكون قد ضبطت.
(3)المادتين 204، 213 من ق.ع المتعلقة بأختام الدولة، الدمغات، الطوابع، العلامات المقلدة، المادة 246 من قانون الصحة المتعلقة بالمخدرات.
(4) د/ محمود سلامة المرجع السابق ص 687.
الفرع الثالث : حل الشخص الاعتباري


        بغض النظر عن الجدل الفقهي حول مدى قيام المسؤولية الجزائية من عدمها عند الشخص المعنوي، فإن قانون العقوبات الجزائري لم يقر صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي مع أنه لم يستبعدها صراحة إذ نص في المادة 9 البند 5 على حل الشخص المعنوي كعقوبة تكميلية يجوز للقضاة الحكم بها في الجنايات والجنح، وعرفتها المادة 17 من نفس القانون بأنها منع الشخص الاعتباري من الاستمرار في ممارسة نشاطه حتى لو كان تحت إسم آخر أو مع مديرين أو أعضاء مجلس إدارة أو مسيرين آخرين، ويترتب على ذلك تصفية أمواله مع المحافظة على حقوق الغير حسن النية، والمقصود هنا هو حل الشخص الاعتباري ذاته وليـس إدارته أو احدى هيئاته التنفيذية.
        وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري وتماشيا مع ما ذهبت إليه التشريعات المقارنة، كرس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في بعض القوانين الخاصة منها الأمر 96/22 المؤرخ في 09/07/1996 المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج في المادة 5 منه، كما نص عليها في المادة 5 مكرر من مشروع تعديل قانون العقوبات.
        ومع ورود حل الشخص الاعتباري من ضمن العقوبات التكميلية التي لا يجوز الحكم بها إلا إذا نص القانون صراحة عليها كجزاء لجريمة معينة، وبالرجوع لقانون العقوبات والقوانين المتممة له لا نجد أثرا لحل الشخص المعنوي كعقوبة لجناية أو جنحة، وأمام هذا الوضع فإن المشرع الجزائري لم يحدد الخطوات والإجراءات الواجب اتباعها لتنفيذ هذه العقوبة كما لم يذكر الإجراءات الواجب إتباعها من طرف الأشخاص الطبيعيون الذين يديرون الشخص المعنوي أو عقوبات محددة تطبق عند الامتناع عن تنفيذ الحكم بالحل.عدا ما جاء في المادة 147 ق.ع التي تجرم التقليل من شأن الأحكام القضائية.

الفرع الرابع : نشر الحكم


        نص المشرع على نشر الحكم كعقوبة تكميلية في المادة 9، 18 ق.ع بالقول: " للمحكمة عند القضاء بالإدانة أن تأمر في الحالات التي يحددها القانون بنشر الحكم بأكمله أو مستخرج منه في جريدة أو أكثر يعينها، أو بتعليقه في الأماكن التي يبينها وذلك كله على نفقة المحكوم عليه على ألا تجاوز مع ذلك مصاريف النشر المبلغ الذي يحدده الحكم لهذا الغرض ، ولا أن تجاوز مدة التعليق شهرا واحدا ".ويستفاد من استقراء المادة أن الحكم الذي يمكن نشره هو حكم الإدانة دون سواه، فلا ينشر حكم بالبراءة أو بانقضاء الدعوى العمومية لأي سبب كان. وليس كل حكم بالإدانة وإنما حصره في الحالات التي ينص عليها صراحة القانون، والنشر في هذه الحالات قد يكون وجوبيا كما في المادة 174 ق.ع عند الإدانة بجنحتي المضاربة غير المشروعة المنصوص والمعاقب عليها فـي المادتيـن
 172،173 ق.ع ونرى أن الهدف من وجوب نشر الحكم وتعليقه في هذه الحالة هو من جهة إرشاد الجمهور إلى التجار الذين يغشونه، ومن جهة أخرى يصيب التاجر في ماله عن طريق إلزامه بدفع مصاريف النشر والتعليق وأكثر من ذلك في تجارته وسمعته وامتناع الناس عن معاملته.
        وقد يكون نشر الحكم جوازيا كما في المادة 250 ق.ع عند الإدانة بإحدى جرائم انتحال الوظائف والألقاب أو الأسماء أو إساءة استعمالها. وكذا المادة 300/1 المتعلقة بالوشاية الكاذبة والمادة 144 ق.ع عند الإدانة بجريمة إهانة الموظف أو التعدي عليه.
        ونشر الحكم قد يكون بنشر نصه كاملا أو قد يكتفي بملخص (مستخرج منه) ويكون النشر في جريدة أو أكثر يعينها الحكم في حد ذاته، وقد يتم النشر بتعليقه في بعض الأماكن التي يبينها الحكم والغاية من ذلك هو التشهير بالمحكوم عليه وتنبيه الجمهور إلى خطورته.
        ولم يحدد المشرع طريقة تنفيذ الحكم بالنشر، وترك ذلك للنيابة العامة باعتبارها المكلفة بتنفيذ الأحكام الجزائية، والتي تقوم بإرسال نسخة من الحكم أو مستخرج منه. حسب منطوق الحكم. إلى الجريدة أو الجرائد التي عينها الحكم للنشر، أو تقوم بتعليقه في الأماكن المحددة فيه.       
        ونرى أن المشرع لو يوفق عندما حدد مصاريف النشر بأن لا تتجاوز المبلغ الذي يحدده الحكم لهذا الغرض، في حين أن المبلغ تحدده الجهة القائمة بالنشر وليس للقاضي أن يتنبأ بالمصاريف اللازمة للنشر، ولا أن يلزم الجهة القائمة بالنشر بأن تتنازل عن مبالغ النشر إلى المبلغ الذي حدده  في الحكم المراد نشره، وطالما الحال كذلك نرى أن تحديد مبالغ النشر، يكون باستصدار أمر تقدير مصاريف النشر ويكون لاحقا على صدور الحكم القاضي بالنشر وهذا بعد عرض نسخة من الحكم أو مستخرج منه على الجهة القائمة بالنشر لتحديد مبالغ النشر، (نشر مستخرج من الحكم لا يتطلب مبالغ كنشر نسخة كاملة منه). ويلزم المحكوم عليه بسدادها مع ما حكم عليه من غرامات ومصاريف قضائية، ولم يحدد كذلك المشرع إجراءات تعليق الحكم واكتفى بالقول أن يكون التعليق في الأماكن التي يحددها القانون وغالبا ما تكون : مقر المجلس الشعبي البلدي بمكان إقامة المحكوم عليه، منزله، وإذا كان تاجرا واجهة محله التجاري أو شركته (مقرها الرئيسي مع فروعها إن كانت لها فروع)، على أن لا تتجاوز مدة التعليق شهرا واحدا.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه