تعريف الالتصاق في القانون الجزائري

0
لم يحدث أي خلاف بين الفقهاء حول تعريف الالتصاق، فقد اشتملت جميع
التعاريف على العناصر التي يجب أن يتوفر عليها الالتصاق، و لكن قبل استعراض هذه
التعاريف لا بد من شرح القرينة القانونية التي وضعها المشرع لصالح مالك الأرض و
التي يعفيه بموجبها من إثبات ملكيته للمنشآت المقامة على أرضه، و ذلك لأن هذه القرينة
الفصل الأول : أحكام البناء على أرض الغير في القانون المدني
٩
ترتبط ارتباطا وثيقا بتعريف الالتصاق الذي يستند كما ذكرنا أعلاه على المبدأ الذي
يقضي بأن الفرع يتبع الأصل.
كما أن الالتصاق قد يكون بالمنقول أو بالعقار و هي حالات الالتصاق التي نتطرق لها في
الفرع الثاني و قبل ذلك نتطرق في الفرع الأول إلى تعريف الالتصاق .
الفرع الأول
تعريف الالتصاق
٥٨- تنص المادة ٧٨٢ من القانون المدني الجزائري الصادر بالأمر رقم ٧٥
1 ) على ما يلي :" كل ما على الأرض أو تحتها من غراس ) المؤرخ في ٢٦ سبتمبر ١٩٧٥
أو بناء أو منشآت أخرى يعتبر من عمل صاحب الأرض و أقامه على نفقته و يكون
مملوكا له، غير أنه يجوز أن تقام البينة على أن أجنبيا أقام المنشآت على نفقته، كما يجوز
أن تقام البينة على أن صاحب الأرض قد خول أجنبيا ملكية منشآت كانت قائمة من قبل أو
خوله الحق في إقامة هذه المنشآت و في تملكها ".
يلاحظ أن المشرع قد أورد كلمة البينة و هي وسيلة من وسائل الإثبات يقصد بها
شهادة الشهود، و لا شك أن المشرع لم يقصد شهادة الشهود كوسيلة وحيدة لإثبات إقامة
المنشآت التي هي واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات، إضافة إلى أن النص
يعني إثبات مما يدل على أن البينة قصد منها إقامة prouvé الفرنسي لهذه المادة أورد كلمة
الإثبات أو الدليل على أن أجنبيا أقام المنشآت .
لقد وضع المشرع بموجب المادة سالفة الذكر قرينة قانونية بأن كل ما يوجد
على الأرض من بناء أو غراس أو منشآت أخرى يعتبر من عمل صاحب الأرض و أنه
هو الذي أنشأه على نفقته و من ثم يكون مملوكا له، و تستند هذه القرينة القانونية إلى مبدإ
٢ مدني التي تنص :" و تشمل ملكية الأرض ما فوقها و ما تحتها / عام تقرره المادة ٦٧٥
إلى الحد المفيد في التمتع بها علوا و عمقا ".
. - 1 الجريدة الرسمية العدد ٧٨
الفصل الأول : أحكام البناء على أرض الغير في القانون المدني
١٠
و على ذلك إذا أقيمت منشآت فوق الأرض أو تحتها فالمفروض أنها مملوكة لصاحب
الأرض و أنه هو الذي أقامها على نفقته، و لا يجوز في خصومة بينه و بين شخص آخر
يدعي ملكية هذه المنشآت أن يطالب صاحب الأرض بإقامة الدليل على ذلك، فإذا رفع
شخص دعوى على الحائز لأرض أقام عليها هذا الأخير منشآت و قدم صاحب الأرض
الدليل على ملكيته للأرض، فهذا الدليل وحده يكفي لافتراض أنه يملك المنشآت أيضا
بموجب القرينة القانونية، و هذا دون أن يطالب بإقامة دليل آخر غير الدليل الذي قدمه
على ملكيته للأرض .
و يلاحظ من خلال المادة ٧٨٢ المذكورة أعلاه بأن القرينة القانونية التي أقامتها الفقرة
الأولى على النحو السابق قرينة قابلة لإثبات العكس، معنى ذلك أنها ليست بالقرينة
القاطعة حيث يجوز إثبات عكسها، و بالتالي يجوز أن يثبت الشخص ملكيته للمنشآت و
يتم هذا الإثبات بكافة الطرق بما فيها البينة و القرائن إذا انصب الإثبات على محض
واقعة مادية هي واقعة البناء، أما إذا ادعى شخص بأن مالك الأرض قد خوله الحق في
ملكية المنشآت بمقتضى تصرف قانوني فإن عليه إثبات هذا التصرف طبقا للقواعد العامة
في إثبات التصرفات القانونية، أي بالكتابة أو بما يقوم مقامها فيما تجاوز قيمته ألف دينار
جزائري .
و قد أجازت المادة ٧٨٢ مدني صراحة كمثل للتصرف القانوني أن يقيم أجنبي الدليل على
أن صاحب الأرض قد خوله ملكية المنشآت، و يتحقق ذلك إذا أتبت الأجنبي أن هناك
اتفاقا بينه و بين صاحب الأرض على أن يتملك الأجنبي الأبنية المقامة بطريق الشراء
مثلا أو بأي تصرف آخر ناقل للملكية، و في هذه الحالة لا يكون هناك مجال لإعمال حكم
الالتصاق كسبب لكسب الملكية، و لا يحق لصاحب الأرض أن يطالب بملكية المنشآت
عن طريق الالتصاق على خلاف الاتفاق الذي تم بينه و بين صاحب المنشآت، و تبقى
. ( ملكية الأرض منفصلة عن ملكية ما فوقها أو ما تحتها( 1
٣ مدني، إذ / - 1 يجوز بمقتضى القانون أو الاتفاق أن تكون ملكية سطح الأرض منفصلة عن ملكية ما فوقها و ما تحتها حسب المادة ٦٧٥
يجوز بالاتفاق تملك ما فوق السطح أو ما تحته مستقلا عن السطح و لا يعتبر هذا الاتفاق مخالفا للنظام العام، و يعتبر حق التعلي من ضروب
ملكية ما فوق السطح راجع: محمد حسين منصور، الحقوق العينية الأصلية ، طبعة ٢٠٠٠ ، الدار الجامعية للطباعة و النشر، ص ١٧٦ و ما
يليها.
الفصل الأول : أحكام البناء على أرض الغير في القانون المدني
١١
و كمثل للواقعة المادية أن يقيم الأجنبي الدليل على أنه هو الذي أقام المنشآت على نفقته
دون اتفاق مع صاحب الأرض، و على خلاف الحالة السابقة يقوم الالتصاق في هذه
الحالة كسبب لكسب الملكية، فيتملك صاحب الأرض المنشآت بالالتصاق و يلتزم بدفع
تعويض لصاحب المنشآت.
١٩٨٩ ما يلي : "من المقرر /١١/ و قد جاء في قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ ٢٠
قانونا أن كل ما على الأرض أو تحتها من غراس أو بناء يعد من عمل صاحبها و يكون
مملوكا له ما لم تقام البينة على أن أجنبيا أقام المنشآت على نفقته، و من ثم فإن
القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون .
لما كان من الثابت في قضية الحال أن المطعون ضدهما لم يقيما البينة على أنهما أو
مورثهما أقام السكن المتنازع عليه على أرض الطاعن، فإن جهة الاستئناف بتأييدها
الحكم المستأنف لديها القاضي برفض دعوى الطاعن الرامية إلى طرد المطعون ضدهما
الشاغلين للسكن المتنازع عليه قد خرقت القانون .
. ( و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه"( 1
تذكر المحكمة العليا في مستهل قرارها بالقرينة القانونية لصالح مالك الأرض و التي
يجوز إثبات عكسها، و لما كان المطعون ضدهما في هذه القضية شاغلين لسكن مقام على
أرض الطاعن، فإن هذا الأخير يعفى من إثبات ملكيته لهذا السكن لأنه يستفيد من القرينة
القانونية التي شرحناها سابقا، و يقع عبء الإثبات على المطعون ضدهما اللذين لم يقدما
الدليل على ملكيتهما للمنشآت، فكان على جهة الاستئناف إذن أن تقضي بطرد المطعون
ضدهما من السكن المتنازع عليه .
وإقامة الدليل العكسي على النحو الذي أوضحناه تتضمن فروضا ثلاثة هي الحالات التي
يتحقق فيها الالتصاق الصناعي بالعقار وهي :
١/ إما أن يستعمل صاحب الأرض في إقامة المنشآت مواد مملوكة لغيره .
٢/ أو يقيم شخص منشآت بمواد من عنده على أرض مملوكة لغيره .
٣/ أو يقيم شخص منشآت على أرض غيره بمواد مملوكة لشخص ثالث .
. ١٩٨٩ ملف رقم ٥٢٦٢٧ المجلة القضائية العدد الرابع لسنة ١٩٩٠ ص ١٥٠ /١١/ - 1 قرار بتاريخ ٢٠
الفصل الأول : أحكام البناء على أرض الغير في القانون المدني
١٢
و بعد شرح القرينة القانونية التي وضعها المشرع لصالح مالك الأرض و التي يعفيه
بموجبها من إثبات ملكيته للمنشآت المقامة على أرضه، يجدر بنا الآن تعريف الالتصاق .
فقد تحدث الطبيعة أو يحدث فعل الإنسان حالة اندماج بين شيئين كانا منفصلين
و متميزين من حيث الأصل .
و عليه يعرف الفقه الالتصاق بأنه اتحاد شيئين اتحادا ماديا إما بفعل الطبيعة أو
بفعل الإنسان بحيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر دون تلف، فيتملك صاحب الشيء
الأصلي الشيء الفرعي بسبب هذا الاتحاد الذي يسمى اصطلاحا الالتصاق .
و الالتصاق واقعة قانونية خالصة، لأن الاتحاد بين شيئين واقعة مادية يرتب القانون عليها
. ( أثرا معينا هو إكساب مالك الشيء الأصلي ملكية الشيء الفرعي( 1
و نورد في هذا السياق مثالين أولهما عن الالتصاق بفعل الطبيعة كالأراضي التي تتكون
من طمي يجلبه النهر، و في هذه الحالة يحدث الالتصاق دون تدخل الإنسان، أما
الالتصاق بفعل الإنسان مثاله إقامة شخص منشآت على أرض ملك للغير.
و يعرف الدكتور رمضان أبو السعود الالتصاق على أنه اتحاد يحدث بين شيئين مملوكين
لمالكين مختلفين دون اتفاق بينهما على هذا الاتحاد، و الالتصاق بهذا المعنى يعد مصدرا
من مصادر كسب الملكية و يتمثل هذا المصدر في الواقعة المادية و هي واقعة الاتحاد أو
الاندماج .
و معنى الاتحاد أو الاندماج أن الشيئين أصبحا شيئا واحدا بحيث يتعذر فصلهما دون تلف،
فإذا لم يوجد اتفاق سابق بين مالكي الشيئين على من يتملك الشيء بعد حصول هذا
الاتحاد، فقد يظن أن القاعدة العادلة هي في وجوب امتلاك المالكين للشيء بعد الاتحاد
ملكية شائعة، و برغم عدالة هذا الحل فإن المشرع نزولا على اعتبارات اقتصادية غالبة
أحل قاعدة أخرى تحقق أيضا فكرة العدل، و هذه القاعدة هي إسناد ملكية هذا الشيء
لمالك الأصل على أن يعوض مالك الشيء التابع( 2 )هذا من جهة، و من جهة أخرى
إخضاع كل من الأصل و الفرع لنفس الأحكام القانونية .
- 1 د/ محمد المنجي، موسوعة الدعاوى العملية، دعوى ثبوت الملكية، مراحل الدعوى من تحرير الصحيفة إلى الطعن بالنقض، الطبعة الثالثة
. سنة ١٩٩٩ منشأة المعارف بالإسكندرية، ص ٢٥٧
- 2 د/ رمضان أبو السعود، الوجيز في شرح الحقوق العينية الأصلية، أحكام الحقوق العينية الأصلية و مصادرها، طبعة ١٩٩٧ دار
. المطبوعات الجامعية ص ٢٠٢
الفصل الأول : أحكام البناء على أرض الغير في القانون المدني
١٣
و قد يتبادر إلى أذهاننا سؤال حول كيفية التمييز بين الشيء الأصلي و الشيء
التابع ؟.
ما من شك في أن أهم صور الالتصاق هو الالتصاق بالعقار، و في هذه الحالة اعتبرت
الأرض هي الأصل حتى لو كانت قيمتها أقل من المنقول الذي التصق بها، فالقاعدة إذن
أن مالك الشيء الأصلي هو الذي يملك الشيء التابع و يملكه كما قلنا سابقا بسبب واقعة
مادية هي واقعة الالتصاق، كذلك لا يجوز الخلط بين تملك الثمار المتولدة من الشيء و
تملك الشيء التابع بسبب الالتصاق، فملكية الثمار ليست ملكية جديدة بل هي متفرعة عن
ملكية الشيء الذي تولدت منه الثمار، أما الملكية بسبب الالتصاق فملكية جديدة مستقلة عن
ملكية الشيء الأصلي تم اكتسابها بموجب سبب مستقل.
و نشير إلى أنه لا يوجد هناك خلاف بين الفقهاء حول تعريف الالتصاق، فمعظم التعاريف
اشتملت على العناصر التي ينبغي توفرها لتطبيق أحكام الالتصاق و هذه العناصر هي
واقعة الاتحاد، و اختلاف مالكي الشيئين اللذين تم الاتحاد بينهما، و عدم وجود اتفاق
. ( مسبق حول هذا الاتحاد( 1
هذا و إن الالتصاق قد يكون بعقار و قد يكون بمنقول، و الالتصاق ب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه