السلطة والمسؤوليه في المجتمع العراقي القديم

0
السلطة  والمسؤوليه في المجتمع العراقي القديم

كان الملك في العراق القديم يعتبر بمثابة نائب الالهه وعصيانه يعد خروجاً عليها.([1]) وعلى ذلك كانت اطاعة السلطة تمثل اساساً دينياً يصعب تجاوزه، وورع الانسان وخشيته من العواقب تستلزم امتثالة الدائم لاوامر حكامه.
فقد كان الشعب العراقي القديم يستشعر الحاجة الى الطاعة يقدر ما يستشعر الحاجة الى السلطة، وكان الفرد آنذاك ينظر نظرة استغراب الى الشعب الذي يفتقر للعاهل الذي يمثل السلطة السياسية او الذي لا يدين له في حالة وجوده بالطاعه. ([2])
فالطاعة للسلطة كانت تمثل للعراقي القديم جزءاً من التكريم الذي يسر الالهه التي اختارت الملك وجعلته نائباً عنها، فالملك يعتبر مشرعاً وقاضياً باسم الاله، قد اوصى اليه بالقانون وطلب منه نقله الى الناس ونشره، ولاشك بعد هذا كله ان يتمتع هذا الملك بولاء الشعب وطاعته. ([3])
 وبالاضافة الى الاساس الديني لاحترام السلطة الساسية كان للطبيعة الاجتماعية للانسان العراقي اثرها في طاعة الشعب للملك ومن خلاله طاعته الآلهه ، فقد امتدت هذه الطاعة من الالتزام بأبسط الواجبات والاوامر الصادره عن ممثلي السلطة لتصل حد الركوع امامهم، فقد كان يتم الركوع امام الألهه والعاهل، وكذلك امام الشخصيات البارزة في المجتمع. ([4])

مسؤولية الحكام في العراق القديم
لابد من القول ان الانسان العراقي القديم كان تواقاً الى الحرية والعدالة ويظهر ذلك جلياً من المقدمات التي كانت تظهر في مسلات عضاء الملوك العراقيين، فهم يفخرون دائماً بانهم منحو شعوبهم العدل والحرية.
وهنا لابد من التساؤل حول ما اذا لم تقم السلطة أو الحكام بما تأمله الرعية من حماية وخير وتمادت في تعسفها وجورها، اتلتزم الرعية بالامتثال الى أوامرها؟ ام تكون في حل من ذلك وتخرج عليها ؟
ذهب جانب من الفقهاء الى ان العراقي القديم كان خاضعاً خضوعاً تاماً للسلطة وملزما باطاعتها ولم يكن بمقدوره ان يتمرد عليها، مستندين على ما يبدو الى ما وصل من آثار تتعلق بالصراع بين الألهه. وخروج بعضها على طاعة الكبار منهم، ويقصرون الثورة والتمرد في النطاق الالهي دون البشري.([5])
لكن من الفقهاء من يجد ان الملاحم البابلية لا تعدو ان تكون انعكاساً لما هو سائد في المجتمع العراقي القديم من صراعات وثورات، ففي ملحمة الطوفان الشهيرة تخرج الآلهه (( عشتار )) على طاعتها لكبير الآلهه (( انليل )) عندما وجدت انه قد احدث الطوفان دون مسوغ معقول ومنعته من ان يكون له سهم في القربان المقدم للألهه وخاطبته بقولها (( انت العاقل بين الألهه، كيف لم تفكر وصنعت الطوفان )). ([6])
ان هذه الملحمة كما تعبر عن الصراع بين السلطة الظالمة وبين الرعية المغلوبة على امرها، فعشتار ترمز الى البشر الذين يرفضون جبروت الملك الذي يرمز له الاله (( انليل )) والذي احدث الطوفان دون مسوغ وتسبب بهلاك البشرية، ومثل هذا الملك تكون البشرية في حل من طاعته. ([7])
كما تبدو هذه هذه الصورة اكثر وضوحاً في ملحمة اخرى من الملاحم البابلية تتعلق بالالهه ((الايكيكي )) التي ثارت على كبير الألهه لانه قسم الاعمال واسند اعمار الارض اليها بما يحمله هذا العمل من مشقه وارهاق، وبعد اربعين سنة من العمل ليلاً ونهاراً تعلن العصيان على الالهه فتحيط بقصر الاله (( إنليل )) معلنه الحرب عليه.. وفي النهاية تخضع الالهه الكبار لمطالب الهه الثائرة، فتخلق الانسان ليحمل العناء بدلاً منها. ([8])
يتبين من ذلك ان اطاعة السلطة في العراق القديم مشروطه بعدالتها وما هذه الصور الملحمية الا انعكاساً للواقع السائد في تلك الفترة، فما ورد في الملحمة الاخيرة الاصوره لحدث اجتماعي عاشته مختلف المجتمعات القديمة والحديثة الا وهو ثورة الفلاحين على اصحاب الاراضي من الملاك.
هذا فيما يتعلق بمسؤولية الحكام امام شعوبهم. اما ما يتعلق بمسائلة القادة أو الحكام بيد حكام الدول المنتصرة فقد دلنا التاريخ على بعض صور تلك المحاكمات في العراق القديم. ومنها المحاكمة التي اجراها. بختنصر ملك بابل ضد سيديزياس ملك يودا المهزوم.  ([9]) 




([1]) د. فوزي رشيد – الشرائع العراقية القديمة – العراق 1973 – ص 5 . . 
([2]) د. عبد الرضا الطعان – الفكر السياسي في العراق القديم – دار الرشيد – العراق 1981 ص 555 . 
([3]) د. مازن ليلو راضي – طاعة الرؤساء وحدودها – دار قنديل – الاردن 2006 – ص 36 .
([4]) – جورج بوبيه شمار – المسؤولية الجزائية في الأداب الاشورية والبابلية – ترجمة سليم الصويص – دار الرشيد – العراق 1981 – ص 271 . 
([5]) انظر في هذا الرأي : بديعة امين – في المعنى والرؤيا – دار الرشيد – بغداد – 1975 ص 172 .
([6]) جورج بوبيه شمار – المصدر السابق – ص 353 . 
([7]) د. مازن ليلو راضي – المصدر السابق – ص 38 .
([8]) د. عبد الرضا الطعان – المصدر السابق – 571 .
([9])  - د. حميد السعدي – مقدمة في دراسة القانون الدولي الجنائي – مطبعة المعارف – بغداد – 1971 – ص 324 .
         د. ضاري خليل محمود و باسيل يوسف – المحكمة الجنائية الدولية – هيمنة القانون أم قانون الهيمنة – بيت الحكمة – بغداد 2003 ص 49.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه