الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامية و الفكر الفرنسي

0
الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامية و الفكر الفرنسي:

نتناول في هذا المطلب أولا الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامية التي أباحت الدفاع الشرعي وأطلقت عليه ما يسمى بـ" دفع الصائل" وثانيا الدفاع الشرعي في الفكر الفرنسي وذلك على اعتبار أن القانون الفرنسي يعد من القوانين التي عرفت تطورات هامة في المجال التشريعي لاسيما من خلال قانون العقوبات الصادر بعد الثورة الفرنسية إضافة إلى كونه يعد من القوانين التي تأثر بها المشرع الجزائري على وجه خاص.
أولا: الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامية:
أباحت الآيات القرآنية والسنة النبوية الشريفة لمن يعتدي عليه أن يرد الاعتداء سواء تعلق الأمر بنفس المعني أو ماله أو بنفس الغير أو ماله ولذلك سوف نتناول أولا الدفاع الشرعي في القران الكريم، وثانيا الدفاع الشرعي في السنة النبوية الشريفة.
ا: في القران الكريم:
اقر القران الكريم للمعتدي عليه أن يرد الاعتداء واصطلح على ذلك تسمية " دفع الصائل" كما جاءت الآيات كتاب الله العزيز الحكيم بالنص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو ما يطلق عليه الدفاع الشرعي العام أما الدفاع الشرعي الخاص فهو ما يطلق عليه دفع الصائل وهو ما يقابل الدفاع الشرعي في القانون الوضعي(1).
ونورد فيما يلي الآيات القرآنية التي عالجت هذا الموضوع موضحين في نفس الوقت الأحكام الدالة عليها هاته الآيات.
قوله تعالى في الآية 134 سورة البقرة:" فمن اعتدى عليكم فاعتدو عليه بمثل ما اعتدي عيكم واتقوا الله أن الله مع المتقين" وقد اعتبر الفقهاء هذه الآية الكريمة هي الأصل في دفع الصائل واختلفت الروايات في الحكم الذي نولت فيه الآية الكريمة، فعن ابن عباس قال أن الآية نزلت في مكة والمسلمين يومئذ قليلون وليس لهم سلطات تقهر المشركين وكان هؤلاء المشركين يتعرضون لهم بالسب والشتم والأذى فأمر الله المسلمين أن يجازي كل واحد منهم المشركين بمثل ما أوتي إليه(1).
وهذا ويستنتج من قوله تعالى في نفس الآية: " اتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين" أن الله سبحانه وتعالى أباح القصاص بالمثل دون مبالغة في الانتقام من العدو وبمعنى أخر أن الله ينهي المؤمنين عن تجاوز الحد الذي بينه لهم فلا يجوز تجاوز حد الدفاع(3).
وقوله تعالى:" ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون" سورة ال عمران الآية 104.
وقوله تعالى:" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدون إن الله لا يحب المعتدين" سورة البقرة الآية 190.
ومن هذا المدلول لآيات كتاب الله العزيز يتبن لنا أنها أقرت مشروعية الدفاع الشرعي بأقسامه المختلفة سواء كان على حق تحميه الشريعة لفرد معين وهو دفع الصائل أو الدفاع الشرعي الخاص ام كان هذا الدفاع عن مبادئ المجتمع الإسلامي وقيمه وهو ما يعرف بالأمر عن المعروف ونهي عن المنكر أو الدفاع الشرعي العام
ب: في السنة النبوية الشريفة:
لم تخلو السنة النبوية الشريفة من الأحاديث التي أكدت مشروعية رد الاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال، وسوف نورد فيما يلي طائفة من الأحاديث التي تعتبر مصدر للدفاع الشرعي في السنة النبوية الشريفة:
ما رواه أبو داود الترمذي عن سعيد بن يزيد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" من قتل دون دينه فهو شهيد"'1).
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فحرفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح" من خلال هذه الأحاديث يتبن كيف استوعبت السنة النبوية الشريفة حق المعتدي عليه في الدفاع عن نفسه و ماله ولكنها لم تقصر في نفس الوقت في تقرير مشروعية رد الاعتداء بالنسبة للغير أيضا وذلك من خلال الأحاديث التالية:
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:" المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة".
وحاصل القول أن السنة النبوية الشريفة قد جاءت مبينة ومؤكدة لما جاء في القران الكريم فشملت الدفاع عن النفس والعرض والمال والشرف ولم تقتصر السنة النبوية الشريفة على تقرير مشروعية رد الاعتداء لصاحب الحق المعتدى عليه وإنما أقرت هذه المشروعية بالنسبة للغير أيضا.

ثانيا: الدفاع الشرعي في الفكر الفرنسي:
كانت أفكار الكنيسة تهيمن على الفكر الاروبي في القرون الوسطى وتأثرت بها مختلف القوانين الموجودة في ذلك العصر بما في ذلك القانون الفرنسي القديم الذي كان يعتبر الدفاع الشرعي مجرد ضرورة دفعت بالمعتدي عليه إلى استعمال العنف ضد المعتدي مما يبيح التغاضي عن عقابها ويجيز التسامح فيها، فكان مرتكب الفعل في حالة دفاع شرعي يطاله من الملك العفو تماما كمذنب يحتاج إلى العفو وكان الملك ملزما بمنح العفو في جميع الحالات التي يرتكب فيها فعل الدفاع عن النفس(1).
وعند صدور القانون الفرنسي لسنة 1971 أصبح للدفاع الشرعي صفة الحق واعتبر من أسباب الإباحة في المادتين328 و 329 من قانون العقوبات الفرنسي، التي جعلت السبب الوحيد للتبرير غير أن نصوصها ضيقت من تطبيق الدفاع الشرعي، حيث حصر المشرع الفرنسي الأفعال التي يمكن تبريرها في فعل الدفاع عن القتل والجرح والضرب دون سواها في حين أن الأفعال التي يمكن القيام بها دفاعا على النفس أو المال يمكن أن تتعدى نطاق القتل والجرح والضرب(2).
فالشخص الذي يوجد في حالة دفاع شرعي عن النفس أو المال يستطيع بدلا من قتل المعتدي أو جرحه أو ضربه الاستيلاء على السلاح الذي يهدده به دن أن يعد بذلك مرتكبا لجريمة السرقة كما يستطيع حبس المعتدي لمنعه من الاعتداء عليه وحتى يسلمه إلى السلطات العمة بدون أن يعد مرتكب لجريمة حبس الأفراد التي يعاقب عليها القانون وبالرغم من أن القانون العقوبات الفرنسي لم يحدد الشروط الواجب توفرها والقيود اللازمة لمنع تجاوز ممارسة الحق فقد أفسح المجال بذلك للفقه والقضاء لصياغة نظرية متكاملة للدفاع الشرعي ولكن تضارب الآراء للفقهاء والمحاكم في فرنسا بسبب قصور النص لم يمكن الفقه الفرنسي من صياغة نظرية كاملة تغطي جميع التطبيقات وشروط الدفاع الشرعي.(3)  




(1) عز الدين الديناصوري وعبد الحميد الشواربي، الموسوعة الجنائية في قانون العقوبات والجراءات الجزائية، الطبعة الثانية، الغنية للطباعة والنشر، سنة 1993 ص 748.
(1) تفسير الطبري طبعة الجليل الجزء الثاني، ص 199.
(3) الامام صيق والوجي، فتح البيان، الجزء الاول ، ص252.
'1)
(1)  رضا فرج، المرجع السابق، ص 151.
(2) نفس المرجع، نفس الصفحة.
(3) نفس المرجع، نفس الصفحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه