تعريف
التحقيق الابتدائي
إن تحديد مفهوم
التحقيق الابتدائي من أهم المفاهيم و أخطرها لارتباطها بالدعوى العمومية و التي قد
يؤدي الحسم فيها إلى تقييد الحريات أو تؤدي إلى إفلات المجرمين الحقيقيين ، و لذلك
فالتحقيق الابتدائي يجب أن يكون محصورا و محددا في معناه ، و ذلك لتتضح جهات الكشف
عن الحقيقة و كيفية ذلك بما يتماشى و حماية حقوق و حريات الأفراد و الحفاظ على
الصالح العام و استبعادا للخلط بين التحقيق الابتدائي و التحريات الأولية و
التحقيق النهائي ، و على ذلك يمكننا أن نعرف التحقيق الابتدائي بأنه " مجموعة
من الإجراءات تستهدف التنقيب عن الأدلة في شأن جريمة ارتكبت و تجميعها ثم تقديرها
لتحديد مدى كفايتها لإحالة المتهم إلى المحاكمة " . ([1])
التحقيق الابتدائي
على هذا النحو هو مجموعة الإجراءات التي تباشرها سلطة التحقيق في الشكل المحدد
قانونا بهدف البحث و التنقيب عن الحقيقة بجمع الأدلة ، و بذلك فإن إجراءات التحقيق
الابتدائي متتالية تجمع خلالها الأدلة اللازمة و التي من خلالها نكون بصدد أمرين ،
إما إحالة الدعوى إلى جهة الحكم و هذا بتوفر الأدلة الكاشفة للحقيقة و مرتكب
الجريمة أو بألا وجه لمتابعة الدعوى إذا لم تكف الأدلة لتكوين جريمة أو جهل مرتكب
الجريمة أو عدم توافر الأدلة للإدانة .
و عن موقع التحقيق
الابتدائي من بين الإجراءات التي تمر بها الدعوى بجد أنه يتمركز بين التحريات
الأولية التي يجريها رجال الضبطية القضائية و بين التحقيق النهائي الذي تتولاه جهة
الحكم .
و انطلاقا من هذا نجد
أن المشرع الجزائري قد أخطأ عندما عبر عن التحريات الأولية بـ " البحث الأولي
أو التمهيدي أو الإعدادي الذي غالبا ما يسبق التحقيق القضائي و الذي تتولاه الشرطة
القضائية بالتحقيق الابتدائي و ذلك في عنوان الفصل الثاني من الباب الثاني للكتاب
الأول من قانون الإجراءات الجزائية " ([2])
و
هو ما أدى إلى اللبس ، فذهب البعض إلى تسمية التحريات الأولية بالتحقيقات
الابتدائية ، و سماها فقهاء آخرون بالتحقيقات التحضيرية .
و لكن ما يهمنا هو
التحريات الأولية و التحقيق الابتدائي من الناحية القانونية ، فنص المادة "
11 " من قانون الإجراءات الجزائية يورد مرحلتين هما : التحريات الأولية و
التحقيق الابتدائي بالتحقيقات " إجراءات التحري و التحقيق سرية ما لم ينص
القانون على خلاف ذلك " و دلت عليه المادة " 12 " من نفس القانون
" و يناط بالضبط القضائي مهمة البحث والتحري عن الجرائم ... ما لم يبدأ فيها
بتحقيق قضائي " .
و حرف – الواو –
الوارد في نص المادة " 11 " بين كلمتي التحري و التحقيق انطلاقا من
المقتضى اللغوي يفيد المغايرة ، مما يدل عل وجود مرحلتين و إلا كان في استطاعة
المشرع القول بالتحري و التحقيق السري ... فالواو جاءت فاصلة تدل على مرحلتين تختلف
إحداهما عن الأخرى ، و إن كان المشرع الجزائري قد ذكر في نص المادة " 17
" من قانون الإجراءات الجزائية ما يلي " يباشر ضباط الشرطة القضائية
السلطات ... و إجراءات التحقيقات الابتدائية " فما مدلول التحقيقات
الابتدائية هنا ؟ .
نقول بأن النظر إلى
النص الفرنسي أي الترجمة الفرنسية لهذه المادة يجد أنها قد ترجمت التحقيقات بـ ( ENQUETE PELIMINAIRE ) أي التحريات الأولية ، لأن لفظ ( ENQUETE ) هو لفظ التحري في المادة " 11 " و هذا ما وضحه المشرع
في المادة " 66 " من قانون الإجراءات الجزائية عندما قال " التحقيق
الابتدائي وجوبي في الجنايات ... " .
و ترجمة لفظ التحقيق
الابتدائي بـ ( INSTRUCTION ) مما يفيد أن التحقيقات الابتدائية خلاف
التحريات الأولية ، و هو ما أكده المشرع في النهاية عندما كان يتكلم عن وسائل
الإقناع و الإثبات في المادة الجنائية ، حيث ذكر في المادة " 215 " من
قانون الإجراءات الجزائية " أعمال الضبطية القضائية ما هي إلا مجرد استدلالات
" . ([3])
و من المدلول الكتابي
للتحقيق الابتدائي نستخلص أنه إجراء تكميلي للتحريات الأولية ، و في ذات الوقت
تمهيدي لمرحلة المحاكمة ، ذلك أنه من غير الممكن الفصل في الدعوى بالإدانة أو البراءة
على مستوى إجراءاته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق