مبادئ التحقيق الابتدائي في القانون الجزائري

0
المبادئ المهيمنة على التحقيق الابتدائي


ثمة ثلاثة مبادئ تهيمن على مرحلة التحقيق الابتدائي ، و توجه قضاة التحقيق فيما يقومون به من أعمال تحقيقية و هذه المبادئ تهدف جميعها إلى حماية حقوق الدفاع المقررة لمن قدر لهم أن يقفوا موقف الاتهام من ناحية ، و إلى ضمان فعالية التحقيق ذاته و بخاصة في كشف حقيقة الجرم الواقع و الاتهام المسند من ناحية ثانية و هذه المبادئ الثلاثة هي :
- استقلالية التحقيق عن سلطتي الادعاء و الحكم .
- سرية التحقيق .
- تدوين التحقيق بإفراغه في محضر رسمي .

أولا : استقلالية سلطة التحقيق عن سلطتي الادعاء و الحكم
و يتضمن هذا المبدأ جانبين من الاستقلالية ، فمن ناحية أولى تستقل سلطة التحقيق عن سلطة الادعاء ( الاتهام ) فلا يجوز أن يعهد بهاتين إلى سلطة واحدة ، لما تتميز به كل واحدة منها من خصوصيته ، و من ناحية ثانية تستقل سلطة التحقيق عن سلطة الحكم فلا يجوز لنفس القاضي أن يشترط في أعمال التحقيق و أعمال المحاكمة و عن نفس الدعوى الجنائية .
و يراعى أن الاستقلال لا يعني الاستقلال العضوي ، فكل من يضطلع بأعمال الادعاء و التحقيق و المحاكمة هم من القضاة ، و الاستقلال يعني الفصل بين المهام الوظيفية أو الموضوعية التي يؤديها أفراد كل سلطة ، و من هنا ندرك أن الاستقلال سلطة التحقيق يعني الفصل بينها و بين كل سلطة ، سلطة الادعاء من ناحية و سلطة الحكم من ناحية أخرى . ([1])
ثانيا : سرية التحقيق
يقصد بسرية التحقيق أن تتم إجراءات التحقيق في غير علانية و يعتبر ذلك مظهرا من مظاهر النظام التنقيبي أو التحقيقي ، و مع ذلك يختلف نظام سرية التحقيق بحسب ما إذا تعلق الأمر بالجمهور أو بالخصوم أطراف الدعوى الجنائية و وكلائهم . ([2])

أ/ سرية التحقيق بالنسبة للجمهور :
يجرى التحقيق الابتدائي في غرفة قاضي التحقيق أو في غرفة المشورة لمعرفة غرفة الاتهام إذا رأت القيام ببعض إجراءاته و يكون ذلك في غير حضور الجمهور ضمانا لسير التحقيق في مجراه الطبيعي و عدم المساس بمصالح الأفراد بغير مقتض ، فلا يسمح للجمهور بالتواجد في مكان إجرائه أو بالاطلاع عليه .
و قد ألزمت المادة " 11/2 " كل من يساهم في إجراءات التحقيق بكتمان السر المهني ، فلا يجوز للقاضي التحقيق أو كاتب التحقيق أو وكيل الجمهورية أو الخبراء أو ضباط الشرطة القضائية المنتدبين من طرف قاضي التحقيق أو المحضرين أو المترجمين أن يفشوا ما سمعوه أو ما شاهدوه أثناء التحقيق و لو لم يكن مرتبطا بالقضية مباشرة و إلا عوقب بتهمة إفشاء الأسرار المهنية المنصوص عليها في المادة " 301/1 " من ق.ع . ([3])
و من مظاهر سرية التحقيق الابتدائي أن قرارات قاضي التحقيق لا تصدر علنا ولذلك فإن الشهود لا يحاطون علما بشهادة بعضهم البعض ، و تزول السرية بالتصرف في التحقيق الابتدائي سواء بإحالة الدعوى إلى المحكمة الجزائية أو بالأمر فيها بأوجه المتابعة .


ب/ سرية التحقيق بالنسبة لأطراف الدعوى
المبدأ العام أن التحقيق الابتدائي هو علانية بالنسبة لسائر الخصوم في الدعوى الجنائية بل و وكلائهم ، فمن حق المجني عليه و المدعي بالحق المدني المضرور في الجريمة و المتهم و كذلك وكلائهم حضور كافة إجراءات التحقيق .
و علة تقرير مبدأ علانية التحقيق الابتدائي في حضور الخصم تتمثل في عدم حرمان هؤلاء من متابعة إجراءات التحقيق بهدف دحض ما قد يوجه عليهم من اتهامات ونفي ما قد يوجد من أدلة من مواجهتهم ( بالنسبة للمتهم أو وكيله ) .
كذلك منح المجني عليه أو المدعي بالحق المدني فرصة تدعيم الأدلة بما يعين سلطة التحقيق على كشف الحقيقة ، و في كافة الأحوال فإن حضور الخصوم و وكلائهم يمثل نوعا من أنواع الرقابة على إجراءات التحقيق . ([4])
و أطراف الدعوى العمومية يقصد بهم المتهم و النيابة العامة و المسؤول عن الحقوق المدنية و المدعي بالحق المدني والأصل أن السرية المقررة بنص المادة " 11/1 " تنطبق عليهم ، غير أن القانون خرج كثيرا عن هذا الأصل تحقيقا لاعتبارات معينة .
كما يجوز للمتهم حق اختيار محام الدفاع عنه أو يعين له قاضي التحقيق محاميا من حقه أن يطلع على ملف التحقيق قبل كل استجواب بأربعة و عشرين ساعة على الأقل ( المادة 105 من ق.إ.ج ) و أن يتصل هذا المحامي بالمتهم و يوجب القانون إبلاغ محامي المتهم المدعي المدني بالأوامر القضائية ( المادة 168 من ق.إ.ج ) و أخيرا فإن القانون قد اشترط لتطبيق مبدأ السرية ألا يضر بحقوق الدفاع لتعارض ذلك مع حق المتهم في الدفاع أن يمتنع عن حضور إجراءات المعاينة التي لا يجري غالبا إجراؤها مرة أخرى أثناء المحاكمة لزوال معالم الجريمة . ([5])


ثالثا : تدوين التحقيق
قد تكون إجراءات التحقيق موضوع مناقشة من طرف الخصوم حين اتخاذها أو بعد صدورها و إحالة القضية على غرفة الاتهام أو جهة الحكم ، و حتى يتمكن الاستشهاد بها و تكون صالحة لما قد يبنى عليها من نتائج أوجب المشرع تدوينها في المحاضر أو أوامر تحرر بمعرفة كاتب الضبط تحت إشراف قاضي التحقيق و تحمل توقيعهما معا ، وتحرر الثانية من قبل المحقق و تحمل توقيعه وحده ، كما تحرر من الكاتب نسخة من هذه المحاضر أو الأوامر و تحفظ بعد توقيعها و ترتيبها بملف القضية للرجوع إليها عند الحاجة حتى  لا يتوقف سير التحقيق عند التخلي المؤقت لأصل الملف و إرساله إلى وكيل الجمهورية قصد الاطلاع أو إلى غرفة الاتهام للفصل في الاستئناف المرفوع ضد أمر قاضي التحقيق . ([6])
كما أنه يتولى كاتب التحقيق التدوين بخط يده أو بالآلة الكاتبة و ذلك تحت إشراف قاضي التحقيق و الهدف من ذلك ضمان دقة التدوين و صحته ليتفرغ المحقق للعمل الفني وحده ، و لذلك يجوز لقاضي التحقيق أن يقوم بتدوين التحقيق بنفسه ، كما يلاحظ أن من إجراءات التحقيق ما يمكنه أن يدونه قاضي التحقيق بنفسه دون حاجة إلى كاتب يقوم بذلك، كالأمر بالقبض أو الإنابة القضائية ، و لا يتعارض ذلك مع علة استلزام الاستعانة بالكاتب ، و يجوز لقاضي التحقيق أن يكلف كاتبا عدا كاتب التحقيق في حالة الضرورة ، كأن يغيب المذكور أو يصاب بالمرض أو يلاحظ قاضي التحقيق وجود حرج في الاستعانة به يؤثر على حسن سير التحقيق . ([7])
و قد أوحيت المادة " 68 " من ( ق.إ.ج ) تحرير نسخة من محضر إجراءات التحقيق و كذلك من جميع الأوراق ، يؤشر الكاتب عليها بمطابقتها للأصل ، و هو ما رأينا وجوبه أيضا بالنسبة لمحاضر جمع الاستدلالات ، و بذلك يكون هناك ملفين للتحقيق طوال فترة نظر ذلك الطعن .



(1) سليمان عبد المنعم ، أصول الإجراءات الجزائية في التشريع و القضاء و الفقه ، بيروت : المؤسسة الجامعية لدراسات النشر والتوزيع ، 1999 ، ص 514 .
(1) سليمان عبد المنعم ، مرجع سابق ، ص 517 .
(2) أحمد شوقي الشلقاني ، مبادئ الإجراءات في التشريع الجزائري ، الجزء الثاني ، الجزائر : ديوان المطبوعات الجامعية ، 2003 ، ص 220 .
(1) سليمان عبد المنعم ، مرجع سابق ، ص 519 .
(2) أحمد شوقي الشلقاني ، مرجع سابق ، ص 219 .
(1) أحمد شوقي الشلقاني ، مرجع سابق ، ص 219 .
(2) جيلاني بغدادي ، مرجع سابق ، ص 162 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه