تجاوز حدود الدفاع الشرعي وإثباته في القانون الجزائري

0
تجاوز حدود الدفاع الشرعي وإثباته:

بعد أن تعرضنا في الفصل الثاني إلى الشروط الواجب توفرها في فعل الاعتداء من حيث حلول خطره وعدم مشروعيته وتهديده للنفس أو المال وشروط الدفاع من حيث لزومه لدرء خطر العدوان وتناسبه مع هذا الخطر، الامر الذي يجعل الافعال التي يؤيدها المدافع مشروعة وينفي عنه المسؤولية المدنية والجنائية على حد السواء وهذا ما سوف نتطرق إليه لاحقا من خلال الفصل الرابع.
ولكن الإشكال يطرح في حالة ما إذا انتفى التناسب بين جسامة فعل الدفاع والخطر الذي هدد المعتدى عليه وهو ما يعرف بتجاوز حدود الدفاع الشرعي وذلك من حيث تحديد ماهيته وأركانه وحكمه القانوني وفقا لأحكام قانون العقوبات الجزائري.
كما يثار الإشكال حول بيان الأدلة التي يقبلها القضاء لإثبات توافر شروط الدفاع الشرعي من جهة وعلى من يقع عبء الإثبات من جهة أخرى، ووصولا إلى بيان كل ذلك نتناول الإجابة على هذه التساؤلات في صورة مبحثين، تطرقنا في المبحث الأول إلى تجاوز حدود الدفاع الشرعي ووصولا إلى ذلك قسمنا هذا البحث إلى مطلبين حددنا في المطلب الأول ماهية تجاوز حدود الدفاع الشرعي ومن خلال المطلب الثاني وضحنا الموقف القانوني الذي اتخذه المشرع الجزائري فيما يتعلق بتجاوز حدود الدفاع الشرعي.
أما المبحث الثاني خصصناه لإبراز الطريقة التي يتم بها إثبات حالة الدفاع الشرعي بحالته العادية والممتازة في مطلبين تعرضنا في المطلب الأول إلى الكيفية التي يتم بها إثبات الدفاع الشرعي في الحالات العادية المنصوص عليها في المادة 39 ق2 ق العقوبات الجزائري وأما المطلب الثاني فقد خصصنا له بيان إثبات الدفاع الشرعي في الحالات الممتازة المنصوص عليها في المادة 40 ق العقوبات الجزائري.





















المبحث الأول: تجاوز حدود الدفاع الشرعي:

كما تمت الإشارة إذا توفر عنصري التناسب واللزوم في فعل الدفاع الشرعي عن النفس أو العين أو عن مال مملوك للشخص أو عن مال مملوك للغير نشأ الحق فيه، ولكن إذا تجاوز المدافع وأخل بمعيار التناسب أو اللزوم أو كليهما ففي هذه الحالة لا يفلت المدافع من العقاب كلية بل يخضع للمساءلة رغم أنه يخطئ بالظروف المخففة وهذا ما يعبر عنه بعدم تناسب فعل الدفاع مع قوة الاعتداء.(1)
وقد وردت في قانون العقوبات الجزائري الظروف المخففة في المادتين 277 و278 (ق العقوبات الجزائري) والتي جاء فيها ما يلي:
المادة 277 من قانون العقوبات الجزائري "يستفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا دفعه إلى ارتكابها وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص"(2)
المادة 278 من قانون العقوبات الجزائري: "يستفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا ارتكبها لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار"(3)
وقد قسمنا هذا المبحث الأول بدوره إلى مطلبين:



المطلب الأول: تجاوز حدود الدفاع الشرعي:

قبل التطرق إلى معرفة معنى التجاوز يجب أن نفرق أولا بين شروط الخطر وشروط الدفاع وشروط التناسب بصفة وجيزة وحكم تخلفها وسوف نكتفي ببيان حكم تخلفها لأن تعريفها قد تم التطرق إليه سابقا من خلال الفصل الثاني(3).
فإذا تخلف شرط من شروط الخطر ينتفي وجود الدفاع الشرعي قانونا ولا يقوم الدفاع الشرعي في واقع الحال، وإذا لم يكن الدفاع لازما ولم يكن موجها لمصدر الخطر ينتفي سبب الإباحة قانونا، وشرط التناسب هو الإطار الذي يجب أن يباشر الدفاع الشرعي في نطاقه لذلك إذا تخلف معيار التناسب بين جسامة الخطر والدفاع اللازم لرده ففي هذه الحالة نكون في حالة تجاوز لحدود الدفاع الشرعي فمثلا إذا اعتدى شخص على آخر بقبضة يده عمد المدافع إلى قتله بمسدسه فمن غير المعقول أن نقول بأننا في حالة دفاع شرعي بل أن المعتدي تجاوز حدوده(1)
والمقصود بتجاوز حدود الدفاع الشرعي انتفاء التناسب بين جسامة الفعل الدافع والخطر الذي يهدد المعتدي وذلك على الرغم من توفر سائر شروط الدفاع الشرعي، أي استعمال قدر من القوة يزيد على ما كان كافيا لرد     الخطر) 2 (
هذا ويقوم التجاوز قانونا على عنصرين: عنصر مادي وعنصر معنوي (نفسي):
أولاً: العنصر المادي:
 يتمثل في الإضرار بمصلحة المعتدي بقدر يفوق الخطر الذي يتهدد المعتدى عليه بفعل الاعتداء ولذلك فالتجاوز هو خروج عن الحدود المقررة قانونا لجسامة الدفاع ومن أجل ذلك كان غير مشروع من الناحية الموضوعية(3)
ثانياً: العنصر النفسي (المعنوي):
 يتمثل في حسن النية ومقتضى النية السليمة في عدم تجاوز حدود الدفاع الشرعي هو أن لا يكون المدافع قد تعمد إحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع أن يكون المدافع معتقد أنه لا يزال متناسبا مع القدر اللازم من القوة لدفع الاعتداء أو خطر الاعتداء وهده المسألة موضوعية لا تثير صعوبة عملية ولا تقتضي هده النية السليمة توافر قصد إزهاق روح المعتدي لدى المدافع فهذا القصد كما لا ينفي قيامه توافر حالة الدفاع الشرعي فإنه لا ينفي كذلك إمكان الاستفادة من عذر التجاوز. وهذه الحالة إذا كانت جريمة المعتدي لا تسمح بدفعها عن طريق القتل العمدي أما إذا كانت الجريمة الأخيرة من الجسامة بحيث تسمح بدفعها بالقتل العمدي فإن الإباحة التامة تكون متوفرة.(4)
في حالة ما إذا كان يعلم بأن دفاعه يجاوز قدر التناسب المطلوب قانونا ورغم ذلك فإنه أراد تحقيقه فإن الأمر لا يكون بصدد التجاوز في استعمال حق الدفاع الشرعي وإنما بصدد جريمة عمدية غير مقترنة بعذر التجاوز.(1)
وحسن النية بالتحديد السابق يختلف عن حسن النية الناشئ عن الجهل بأحكام القانون المتعلقة بسبب الإباحة فالذي يقتل من دخل إلى بيت مسكون ليلا دون مبرر مستفيد من درجة خطورة الاعتداء معتقدا أن القانون يبيح القتل في هذه الحالة دون اشتراط التناسب لا يستفيد من عذر التجاوز، ويتعين أن يكون لهذا الاعتقاد لدى المدافع مبرر من الظروف المحيطة بارتكاب الفعل فإن لم يكن له مبرر وإنما كان نتيجة وهم أصابه في تقدير جسامة الخطر فإنه لا يستفيد من العذر استفادة كاملة.(2)
المشرع الجزائري ذكر في قانون العقوبات المادتين 277 و278 كعذر قانوني لتجاوز الدفاع الشرعي وهذا ما سوف نتطرق إليه على ضوء المطلب الثاني.
















المطلب الثاني: الحكم القانوني لعدر التجاوز وفقا لقانون العقوبات الجزائري:

نظم المشرع الجزائري الأعذار القانونية في نص المادة 52 من قانون العقوبات والتي عرفتها كالتالي:" حالات محددة في القانون على سبيل الحصر يترتب عليها -مع قيام الجريمة والمسؤوليةـ إما مدم عقاب المتهم إذا كانت أعذار معفية وإما تخفيف العقوبة إذا كانت مخففة ".
وتطبيقا لهذا النص ظهرت المادتين 277 و278 (ق العقوبات الجزائري) متضمنة في نصوصها حالات من الأعذار القانونية المخففة للعقوبة في حالة تجاوز حدود الدفاع الشرعي وسوف نتناول مضمون هاتين المادتين كالتالي:
أولاً: العذر القانوني الوارد في المادة 277 (ق العقوبات الجزائري):
تقضي هذه المادة بأنه:" يستفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا دفعه إلى ارتكابها وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص ".
ويتضح من هذا النص أن مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب يستفيد من العذر المخفف إذا دفعها إلى ارتكاب أحد الأشخاص وهو ليس بطبيعة الحال المجني عليه في جرائم القتل والضرب والجرح.
فالنص واضح في أن الضرب الشديد لو كان وقع من المجني عليه في الجرائم التي يعددها النص لكنا أمام دفاع شرعي عن النفس يبرر أفعال القتل والجرح والضرب وأصبحت هذه الأفعال مباحة لا تقوم بها جريمة ولا مسؤولية لمرتكبها ولما خضع مرتكبها لغدر قانوني.(1)
ولا ريب أننا أمام حالة من حالات تجاوز حدود الدفاع الشرعي فإن المدافع لم يوجه دفاعه إلى مصدر الخطر بل إلى شخص آخر كان يصاحب المعتدي فقتله أو جرحه أو ضربه بعد أن وقع عليه ضرب شديد من أحد الأشخاص ولا يشترط لتطبيق هذا النص والاستفادة من العذر القانوني نفس الشروط المطلوبة للدفاع الشرعي أو بعضها.
فالنص عام يقدر العذر القانوني في كل حالة ارتكب الشخص فيها جرائم القتل أو الجرح أو الضرب بعد أن وقع عليه ضرب شديد من أحد الأشخاص بحيث لا تتوفر جميع شروط الدفاع الشرعي لهذا الشخص مما يمكنه الاحتجاج بقيام حالة الدفاع الشرعي.
وإما أن فعله لم يوجه تماما إلى مصدر الخطر بل وقع على شخص آخر لم يقع عليه وكان ذلك بسبب رغبة من وقع عليه الصرب الشديد في الانتقام من الضارب، وإما أن من وقع عليه الضرب قد تجاوز بفعله جسامة الخطر الذي كان يهدده فنص المادة 277 ينظم حالات تجاوز حدود الدفاع الشرعي المنصوص عليها في المادة 39/ف2 من قانون العقوبات الجزائري.(2)
ثانياً: العذر القانوني الوارد في المادة 278 لـ : ق العقوبات الجزائري:
تنص المادة 278 من قانون العقوبات على ما يلي: " سيتفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا ارتكبها لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار، وإذا حدث ذلك أثناء الليل فتطبق عليه أحكام الفقرة الأولى من المادة 40 "
يتضح من هذا النص بالرجوع إلى المادة 40 من قانون العقوبات أن الأفعال المذكورة في هذه المادة هي نفسها التي تبر الحالات الممتازة للدفاع الشرعي بشرط ان يقع الاعتداء أثناء الليل أما إذا وقع الاعتداء المنصوص عليه بنص المادة 278 ق ا ج في النهار فان فعل الدفاع الذي يترتب عليه القتل والجرح و الضرب يدخل ضمن الأفعال التي ترتب لها القانون عذرا مخففا للعقاب.(1)
إن العذر الذي نص عليه المشرع في المادة 278 هو عذر لمن تجاوز حدود الدفاع الشرعي الممتاز المنصوص عليها في الفترة الأولى من المادة 40 من ق العقوبات وتجاوز حدود الدفاع الشرعي الممتاز ينحصر في هده الحالة فى عدم توفر الشرط الليل المنصوص عليه في الفترة الأولى من المادة 40 من ق العقوبات.
أما العقوبات المخففة نتيجة أعمال الأعذار القانونية فقد نضمها المشرع في نص المادة 283 ق العقوبات والتي جاء فيها ما يلي:
" إذا أثبت قيام العذر تخفض العقوبة على الوجه الآتي: الحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات إذا تعلق الأمر بجناية عقوبتها الإعدام أو السجن المؤقت.
الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق الأمر بجناية أخرى
الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر إذا تعلق بجنحة "(2)


المبحث الثاني: إثبات (الدفاع) حالة الدفاع الشرعي:

تعتبر حالة الدفاع الشرعي وسيلة دفاع يتدرع بها المدعى عليه لدفع المسؤولية الجنائية عليه بسبب جرم نسب إليه فيعد سببا مبررا إذا وضع دفاعا عن النفس أو المال أو نفس الغير أو ماله أو يستوي في الحماية الشخص الطبيعي والشخص المعنوي، فقد يعترف المدعى عليه بما أسند إليه ويدفع بأنه كان في حالة دفاع شرعي وللتمسك بالدفع أن يرد بصريح لفظه وعندئذ يجب على محكمة الموضوع أن تبين عناصره، تبيينا للمحكمة التمييز من إجراء رقابها على حسن تطبيق القانون والتذرع بحق الدفاع الشرعي من الدفوع الجوهرية التي على المحكمة الرد عليها في الحكم تحت طائلة اعتباره مشوبا بالقصور والتعليل وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه على من يقع عبء إثبات الدفاع الشرعي ؟
فبالرجوع إلى التقنين الجزائري لا بد من أن نميز بين حالتين:
الحالة الأولى: الدفاع الشرعي في الحالات العادية والحالة الثانية: الدفاع الشرعي في الحالات الممتازة.








المطلب الأول: إثبات الدفاع الشرعي في الحالات العادية:
مبدئيا انه من يتمسك بالدفاع الشرعي عليه أن يقيم الدليل على ادعاءه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: على من يقع عبء الإثبات؟ هل يقع على المتهم انه من واجب جهة الاتهام إثبات عدم توافره؟
القاعدة انه يقع على جهة الاتهام لتثبت عدم توافر أي عنصر من العناصر التي تبيح الفعل سواء تعلق الأمر بشروط الاعتداء أو بشروط الدفاع، وانه يقع على المتهم إثبات توافرها بشتى الوسائل من إقرار الشهود واستحضار الأدلة والبراهين، فمن يتمسك بالدفع يجب عليه إقامة الدليل على توافره وفي هذه الصور ظهر رأيان:
الرأي الأول: يستند إلى قرينة البراءة استنادا إلى القاعدة العامة: المتهم بريء حتى تثبت إدانته وبهذا يقع عبء إثبات الجريمة على جهة     الاتهام (1)
الرأي الثاني:
يستند إلى أن واجب النيابة العامة يقف عند حد إثبات الجريمة بأركانها وشروطها ويقع على المتهم إثبات الوقائع التي تنفي وجودها، وعليه فالدفاع الشرعي يعد من قبيل الدفوع الموضوعية يجب إثارتها خلال سير الدعوى أو نظر الحكم أو في المذكرات المقدمة، كما يجب التمسك به لدى محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته لأول مرة أمام المحكمة العليا، إلا إذا كانت وقائع الدعوى كما ثبت لدى محكمة الموضوع ترشح لقيام الدفاع الشرعي ومدى تناسب القوة اللازمة لرد الاعتداء تعتبر من الأمور المتعلقة بموضوع الدعوى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بحسب ما يتبين لها ويجب الفصل فيها اذا تمسك بها المتهم أو كانت وقائع القضية ناطقة بها(2) .
وتقوم محكمة الموضوع ببحث الدفع المقدم باعتباره دفعا موضوعيا يتطلب التحري والتحقيق من تصور الواقعة وتقديم الأدلة فإذا توافرت كافة أركان الدفاع الشرعي كان من واجبها الحكم بالبراءة للتحقيق سبب الإباحة، أو بتخفيف العقوبة إذا تجاوز المدافع حدود الدفاع الشرعي بنية سليمة(2).
ولا يتمسك المتهم بالدفاع الشرعي مستعملا اسمه القانوني بل يكفي اية عبارة يفهم منها ان المتهم في هذه الحالة كان يقول:" انه لم يكون معتديا بل انه كان يرد اعتداء وقع عليه من المجني عليه"، وهذا يشترط ان يكون المتهم جادا في تمسكه بدفعه بصفة أصلية لا على سبيل الاحتياط أو لمجرد الافتراض.
ويجب ان يثار الدفع لأول مرة أمام الجهة القضائية المختصة، لأنه من شانه إنشاء قرينة قانونية على توافر أركان الدفاع الشرعي ودليلنا في ذلك ما جاء في القرار رقم 197/23 الصادر من الغرفة الجنائية الثانية القسم الأول من المجلس الأعلى الذي حث على إثارة هذا الدفع في أوانه أمام الجهات القضائية المختصة بالنظر في اصل الموضوع مع إثبات ذلك، وفي حالة ما إذا كانت واقعة الدعوى مرشحة بذاتها قيام الدفاع الشرعي.
يتعين على المحكمة في هذه الحالة أن تعمد من تلقاء نفسها للبحث في حالة الدفاع الشرعي لتقول كلمتها فيها نفيا أو اثباتا وذلك لمل تقتضيه الواقعة الدعوى من إباحة الفعل المسند إلى المتهم أو من توافر تجاوز حدود الدفاع الشرعي بنية سليمة ولو اعترف المتهم بالتهمة المنسوبة إليه فيكون على المحكمة أن تتعرض لبحث هذه الحالة دون إرغام المتهم على اعتراف مادام منكرا للواقعة والا كان حكمها معيبا وحتى لو أنكر محاميه لاعتقاده بوجود مصلحة لموكله، لان دور المحامي لا يكون إلا من قبيل الافتراض والاحتياط(1).
وعليه فليس لها فيما بعد الاحتجاج بعدم إثارة المحامي لهذا الدفع لأنه حر في اختيار كل السبل التي تؤدي إلى تبرئة موكله حتى ولو كان من واجبها إصدار الحكم ما دامت مقتنعة بذلك وفقا لواقعة الدعوى دون الحاجة لاعتراف المتهم أو دفاع محاميه(2)
















المطلب الثاني: إثبات الدفاع الشرعي في الحالات الممتازة:

ان المشرع الجزائري في هذه الحالة أعفى المتهم من الإثبات وبالتالي جعل المدافع يمتاز بمركز أقوى ومن موقف المعتدي الذي يخضع للشروط العامة في الحالات الممتازة الذي نضمها المشرع الجزائري في المادة 40 من قانون العقوبات الجزائري من شانها. إنشاء قرينة قانونية على توافر شروط الدفاع ومما سنتطرق له الآن هو ما نوع القرينة: هل هي قرينة مطلقة لا تقبل إثبات العكس أم أنها بسيطة يمكن نفيها واثبات عكسها.
من خلال النص فانه يفيد بأنها قرينة قاطعة إذ يكفي أن يستعمل المدافع ضمن الشرعي والأحوال المنصوص عليها وبعد ذلك يبقى ويتخلص من كل مسالة قانونية، فهو قد قام بفعل اقره القانون، وليس عليه أن يبين توافر شروط ذلك الفعل الذي أصبح مباحا فيما يتعلق بشرطي التناسب واللزوم.
لكن القول أنها قرينة مطلقة يؤدي بالسلطات إلى عدم الاستمرار في الإجراءات إجراءات التحقيق وحفظ الملف نهائيا لعدم وجود جريمة أصلا وانتفاء الركن الشرعي لها وبهذا يتخلص من كل مساءلة لان الفعل الذي قام به من الأفعال المباحة، وبهذا هل القرينة التي جاءت في المادة40 ق ع ج مقارنة بالمادة 329 في النص الفرنسي أهي مطلقة لأتقبل إثبات عكسها أم هي بسيطة يمكن نفيها وبالأخص عندما يتبين ان المتهم كان على علم يقيني بعدم وجود خطر يتهدده وندرس حالتين معا في الفقه الفرنسي ثم ندرج موقف المشرع الجزائري من هذه القرينة(1).


الحالة الاولى: اعتبار القرينة قاطعة
أن القضاء الفرنسي يعتبر هذه القرينة قاطعة الدليل على ذلك هو صدور الأحكام التي تدل على اعتبار هذه القرينة قاطعة لا تقبل العكس.
بعض الأحكام:
قضية مدام (جوفوس) التي قتلت احد جيرانها الذي يحضر أثناء الليل بعد تسلقه صور حديقة قصرها لوضع خطاب – رسالة- غرام أسفل شباك ابنتها(1)
قضية (بوشرون) اتهم هو وابنه بقتل عشي=ق ابنته الذي كان يعلم مسبقا بوجود تلك العلاقة وانتظره في منزله وعند تسلقه سور الحديقة في الظلام قبله وقد أقرت ابنته انه كان يعلم بذلك وانه دخل لمقابلتها(2)
وقد صدر حكم محكمة الجنايات ببراءة كل من السيدة " جوفوس" والسيد "بوشرون" وذلك استنادا إلى المادة 329 من قانون العقوبات الفرنسي المقابلة للمادة 40 من ق ع ج وهي الحالات الممتازة للدفاع الشرعي، وقد علق الفقه على هذه الأحكام بان ظروف ارتكاب الأفعال هي التي أملت تلك الأحكام، وتعتبر هذه إذن دليلا على ان القضاء الفرنسي بأخذ بفكرة القرينة القانونية القاضية(3).
الحالة الثانية: اعتبار القرينة بسيطة
لقد عاد القضاء الفرنسي مرة أخرى لتغير طبيعة القرينة القانونية من قاطعة إلى بسيطة يمكن نفيها واثبات عكسها وهذا بعد إدانة محكمة الجنايات بباريس لأحد الأشخاص لأنه جرح شخصا فاجأه في مكتبه ليلا وكان هذا الأخير على موعد مع الجاني ومن الواضح من خلال هذا الحكم ان محكمة الجنايات أقرت بان القرينة التي تنشئها المادة 40 ليست قاطعة وإنما تقبل إثبات العكس، ولكن يوجد اتجاه آخر يرى بصورة إعطاء هذه القرينة صفة الإطلاق بحيث لا تقبل إتيان العكس وذلك حتى يؤدي هدف المشرع وهو حماية المساكن ليلا، لأنه لو علم كافة الناس بان صاحب المسكن قد منحه القانون حقا مطلقا في إطلاق النار دفاعا عن مسكنه دون أن يسال فان ذلك يؤدي إلى احترام الناس لحرية مساكن الغير وعدم التجرا على دخولها بدون إذن صاحبها(1) .
الحالة الثالثة: موقف المشرع الجزائري.
بالنسبة للمشرع الجزائري فالواقع أن هذه القرينة تعتبر قاطعة إذا تمت وفق الشروط المنصوص عليها في المادة40 ق ع ج ، وتعتبر بسيطة من جهة أخرى بالنسبة للقضاء حيث انه يمكن لجهة الاتهام تقديم الدليل على عدم توفر الحالات الممتازة كعدم توفر ظرف الليل أو انعدام فعل التسلق.
وتعتبر قرينة بسيطة فيمكن نفيها واثبات عكسها حيث يكون الاعتداء بالنسبة بنية الجاني وشخصيته وإرادته أكثر من اعتداءه بالفعل المرتكب.
فالمشرع الجزائري أعفى المهتم في حالة الدفاع الشرعي بالنسبة للحالات الممتازة، وهذا يدل على انه في غير الحالات الممتازة يجب على المتهم الذي يتمسك بالدفاع الشرعي ان يقيم الدليل على توافر شروطه (2).
والملاحظ في المادة 40 ق ع ج أن ظاهر النص يفيد بأنها قرينة قاطعة، ولكن الأخذ بهذه القاعدة على إطلاقها يؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج غير مقبولة.



 وذلك انه من غير العدل أن يستغل المدافع هذا النص ليقوم بفعل الدفاع بدون قيد اذ تبث انه على علم مسبق بفعل الغير، كما تبينه الأحكام الواردة من القضاء الفرنسي(1).
هذا بالنسبة للفقرة الاولى التي تتكلم عن أي اعتداء موجه ضد أي شخص أو حرمه أو مسكنه ولكن الأمر واضح بالنسبة للفقرة الثانية حيث أن القرينة



(1)  رؤوف عبيد مبادئ القسم العام في التشريع العقابي المرجع نفسه ص: 482.
(2)   (3) قانون العقوبات الجزائري.

(3)  رؤوف عبيد مبادئ القسم العام في التشريع العقابي المرجع نفسه ص: 482.
(1)  مأمون محمود سلامة قانون العقوبات – قسم الجريمة – دار الفكر العربي بيروت الطبعة الثانية سنة 1976 ص: 214.
) 2 (عز الدين الديناصوري وعبد الحميد الشواربي الموسوعة الجنائية في قانون العقوبات والإجراءات الجنائية المرجع نفسه ص: 790.
(3)  رؤوف عبيد مبادئ القسم العام في التشريع العقابي المرجع نفسه ص: 570.
(4)  رؤوف عبيد مبادئ القسم العام في التشريع العقابي المرجع نفسه ص: 570.
(1)  مأمون محمود سلامة قانون العقوبات – قسم الجريمة – المرجع نفسه ص: 232-233.
(2)  مأمون محمود سلامة قانون العقوبات – قسم الجريمة – المرجع نفسه ص: 232-233.
(1)  بارش سليمان شرح قانون العقوبات الجزائري المرجع نفسه ص: 136.
(2)  بارش سليمان شرح قانون العقوبات الجزائري المرجع نفسه ص: 136.
(1)  رضا فرج شرح قانون العقوبات الجزائري (القسم العام) المرجع نفسه ص: 179.
(2)  رضا فرج شرح قانون العقوبات الجزائري (القسم العام) المرجع نفسه ص: 180.
(1)  بارش سليمان، المرجع السابق، ص132.
(2) بارش سليمان، المرجع السابق، ص 132.
(2) رضا فرج، المرجع السابق، ص 147.
(1) محمد نجيب حسني، المرجع السابق، ص226.
(2) المرجع نفسه
(1)  رضا فرج، المرجع السابق، ص 170.
(1)  رضا فرج  المرجع نفسه، ص ص 170. 171.
(2)  نفس المرجع.
(3) نفس المرجع.
(1)  بارش سليمان، المرجع السابق، ص 37.
(2)  المرجع نفسه
 (1) عبد الله سليمان، المرجع السابق، ص 114و 115.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه