ملخص مدكرة حفظ الدعوي الجنائية في القانون السعودي

0
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
وبعد :
إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يتصور وجوده منعزلاً ، فلابد أن يعيش في جماعة يخالط أفرادها ويعاشرهم ، يعطيهم ويأخذ منهم، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث النـزاع بين أفراد الجماعة ، وحتى لا يحيف الناس في استيفاء حقوقهم كفلت الشريعة الإسلامية والأنظمة وجود سلطات مختصة للنظر في منازعات الناس ، ولهذه السلطات الحق في نظر هذه الدعاوى أو الأمر بحفظها إذا لم تستوفِ شروطها ونحوه، ومن هنا تأتي أهمية هذا البحث، حيث سنبين فيه السلطات المختصة بحفظ الدعوى، والأسباب الموجبة لذلك، والآثار المترتبة على الحفظ وغير ذلك، وكل ذلك في الفقه والنظام .
أسباب اختيار الموضوع:
1 – ما ذكر من أهمية هذا الموضوع .
2 – الرغبة في التعرف على السلطات المختصة بحفظ الدعوى والأسباب الموجبة لذلك، ولا شك أن معرفة الإنسان لهذه الأمور يجنبه تعسف كثير من السلطات الغير مختصة، والمختصة في حال الحفظ لسبب غير مشروع فقهاً أو نظاماً.
وقد قسمت البحث إلى تمهيد وثلاثة فصول:
ففي التمهيد: تناولت مفردات العنوان بالتعريف، فعرفت الحفظ في اللغة، وفي النظام ، وفي الفقه، وأنه يطلق في اللغة على عدة معانٍ منها، الصيانة والحراسة، والاحتراز ، والاستظهار وغيرها، وأن الفقهاء ساروا في ذلك على غرار ما ذكره أهل اللغة ، إلا أننا قد بينا أن الحفظ الذي يعبر عنه أهل اللغة والفقهاء لا يعطي تصوراً صحيحاً وواضحاً ودقيقاً لموضوع بحثنا، حيث يقصد بالحفظ في موضوع بحثنا هو حجز الدعوى وإيقافها وغلقها لحين معرفة الفاعل ، أو ظهور أدلة تؤيد الاتهام ونحوه، وقد اخترنا التعبير بلفظ (الوقف) أو (الغلق) لمعنى الحفظ الذي ترمي إليه في بحثنا، وذلك لوجود أصلٍ لهاتين الكلمتين في اللغة يدل على المعنى المقصود .
ولم أجد تعريفاً للحفظ في النظام السعودي وبالرجوع إلى ما كتبه شراح القانون وجدتُ من عرَّف الحفظ بأنه: "احتجاز حق أو الاحتفاظ به حتى أمر جديد أو حتى استحقاق معين" وهذا المعنى هو المقصود بحفظ الدعوى الجنائية حيث يتم احتجاز الدعوى أو الاحتفاظ بها حتى تظهر أدلة جديدة تؤيد استحقاق المدعي لما يدعيه ، وبينت أن المقصود بالدعوى في اللغة عدة معان، وأن أقرب المعان للمعنى الاصطلاحي هو الطلب ، لأن هدف المدعي من دعواه التي يسردها أمام القاضي هو المطالبة بالحق لنفسه أو لمن يمثله .
ولم أجد تعريفاً للدعوى في النظام، فأحلنا على ما ذكره الفقهاء لأن الشريعة هي الحاكمة على جميع أنظمة المملكة كما نصت على ذلك المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم ، وقد تعددت تعاريف الفقهاء للدعوى وذكرنا تعريفاً لكل مذهب والانتقادات الموجهة إليه ووصلنا بذلك إلى تقرير تعريف جامع مانع للدعوى وهو "قول مقبول أو ما يقوم مقامه في مجلس القضاء يقصد به إنسان طلب حق له أو لمن يمثله أو حماية ، ووصلنا إلى تعريف الدعوى الجنائية بالنظر إلى نص المادة الثالثة من نظام الإجراءات حيث قلنا هي "الدعوى المرفوعة على شخص لارتكابه أمراً محظوراً ومعاقباً عليه شرعاً أو نظاماً" ، وأشرنا إلى أن المقصود بالدعوى الجنائية في الفقه هي دعوى التهمة والعدوان وهي أن يدعي فعلاً محرماً على المطلوب يوجب عقوبته كدعوى القتل، أما تعريف حفظ الدعوى الجنائية في النظام فقسمناه إلى تعريف الأمر بالحفظ وهو الأمر الإداري الذي يصدر من أمراء المناطق بناء على توصية مدير قسم الشرطة الذي جرى فيه التحقيق  التمهيدي ويتضمن هذا الأمر عدم إحالة التحقيق إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، والقسم الثاني هو تعريف الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى وهو أمر بمقتضاه تقرر السلطة المختصة – هيئة التحقيق والادعاء العام في المملكة – عدم السير في الدعوى الجنائية لوجود سبب يحول دون الحكم بالإدانة، وعرفنا حفظ الدعوى الجنائية في الفقه بقولنا: هو غلق أو إيقاف دعوى التهمة سواء أكانت دعوى قتل أو سرقة أو نحوه، والإفراج عن المتهم وعدم ملاحقته لتوافر سبب من الأسباب التي تحول دون معاقبته .
وفي الفصل الأول: بينا الجهات التي تملك حفظ الدعوى الجنائية والمتمثلة في أمراء المناطق بالنسبة للحفظ الإداري أو هيئة التحقيق والادعاء العام بالنسبة للحفظ المسمى الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى، وفي الفقه تتمثل في القضاء ووالي المظالم والحسبة وطبيعة هذا الحفظ وحجيته ، وأن الحفظ قد يكون في مرحلة الاستدلال ، وقد يكون في مرحلة التحقيق.
وفي الفصل الثاني: عرضت الأسباب الموجبة للحفظ في النظام والفقه، حيث قسمت أسباب الحفظ في النظام إلى قسمين، القسم الأول الأسباب النظامية لحفظ الدعوى الجنائية، وهي الأسباب التي تحول دون الحكم بالإدانة، وأن الفعل المنسوب للمتهم لا يشكل جريمة جنائية ، ولا يندرج تحت نص من نصوص النظام، أو لم تتوافر أركان الجريمة، وهي ثلاثة أسباب، أما السبب الأول فهو عدم الجريمة . أي أن الفعل الذي أسند للمتهم لا يشكل أي جريمة، ولا يدخل ضمن الجرائم المحددة نظاماً أو شرعاً، أو انتفى أحد أركان الجريمة النظامية، والسبب الثاني هو انقضاء الدعوى الجنائية لأسباب عامة وهي وفاة المتهم وذلك يرجع إلى أن الدعوى الجنائية لها تعلق بشخص المتهم، أو بسبب مضي فترة من الزمن يحددها النظام يترتب على مضيها انقضاء الدعوى الجنائية وهو ما يعرف بالتقادم، أو تنقضي بسبب العفو العام، أو صدور حكم نهائي ، أو انقضاء الدعوى لأسباب خاصة وتتمثل في تنازل المشتكي عن الشكوى، أو الصلح بين المجني والمجنى عليه أو أولياءه، والسبب النظامي الثالث هو قيام سبب إباحة يرفع الصفة الإجرامية عن الفعل ، ويحوله إلى فعل مباح، أو قيام مانع من المسئولية عرض لمرتكب الفعل الإجرامي فجعل إرادته غير معتبرة قانوناً لتجردها من التمييز وحرية الاختيار، أما القسم الثاني من أقسام (أسباب الحفظ في النظام) فهي الأسباب الموضوعية لحفظ الدعوى الجنائية وهي الأسباب التي يكون مصدرها ماديات الجريمة ذاتها أو الواقع، أو هي أمور تقديرية تستمد من أدلة الدعوى، وهي أربعة أسباب، أما السبب الأول: فهو عدم كفاية الأدلة على التهمة المنسوبة للمتهم، والسبب الثاني: هو عدم صحة الوقائع ، أي أن الفعل لم يقع من الناحية المادية ، والسبب الثالث: هو عدم معرفة الفاعل إلا أن الحفظ يكون هنا مؤقتاً حتى يتم العثور على الفاعل، والسبب الرابع: عدم الأهمية حيث إن الجريمة ثبتت على المتهم بأدلة كافية ولكن السلطة المختصة ترى عدم أهمية تحريك هذه الدعوى وذلك إما اكتفاءً بما وقع على الجاني من جزاء إداري، أو نحوه، وتأخذ المملكة العربية السعودية بهذا السبب للحفظ في جرائم التعازير ، حيث نص المنظم على حالات يجوز فيها حفظ التحقيق بعد ثبوت وقوع الأفعال الجرمية، ومنها كون الضرر الناتج عن القضية طفيفاً ، أو أن من شأن المحاكمة استفحال الخطر وزيادة العداوة والخصومات على نحو يهدد بارتكاب جرائم متعددة وغيرها من الحالات . أما أسباب الحفظ في الفقه فعرضناها في ستة مطالب، المطلب الأول الشبهة وهي ما يشبهه الثابت وليس بثابت، وأن منها ما يعتري الركن الشرعي وهي شبهة الدليل وشبهة الحق، وشبهة الملك، ومنها ما يعتري الركن المعنوي للجريمة وذلك في حالة الجهل بالنصوص الشرعية والنظامية المحرمة للفعل المرتكب دون عذر شرعي مقبول ، أو أن إرادة الشخص شابها عيب ترتب عليه زوال الرضا والاختبار، كالإكراه والضرورة وصغر السن والسكر، ومن الشبه ما يعتري الإثبات فيدرأ بذلك الحد عن المتهم أو يتم استبدال العقوبة الحدية بعقوبة تعزيرية . أما المطلب الثاني : ففي العفو وأثره في حفظ الدعوى الجنائية وخلصنا في هذا المطلب إلا أن الحدود يرد عليها عفو قبل الرفع للإمام، أما بعد الرفع فلا عفو مطلقاً، وأن الفقهاء اختلفوا في العفو عن حد القذف ومبنى الخلاف هل حد القذف حق لله وبالتالي يمكن العفو عنه أو حق للآدمي فلا يسقط إلا بإسقاطه من قبل صاحب الحق، وأن القصاص يجري فيه العفو باتفاق الفقهاء، والتعازير قسمناها إلى قسمين ما ورد فيه نص من القرآن أو السنة أنه جريمة فهذا لا يجوز فيه عفو شامل مطلق، أما ما كان مصدر التجريم فيه النظام فهذا يجوز فيه العفو بالإلغاء أو التخفيف أو التعديل . والمطلب الثالث في الصلح وأثره في حفظ الدعوى الجنائية وبينا أنه لا أثر للصلح في جرائم الحدود، وأنه جائز بالاتفاق في القصاص ، أما التعازير فما كان فيه الحق لله تعالى فلا مانع من التصالح فيه أما ما يعد حقاً للفرد فأمر الصلح فيه متروك لإرادة الفرد ورغبته وإن كان الإسلام حث على الصلح ورغب فيه، والمطلب الرابع: في التوبة ونقلنا اتفاق الفقهاء على أن حد القذف لا يسقط بالتوبة المجردة ، واتفاقهم على أن المحارب إذا تاب قبل قدرة السلطات عليه فإن توبته تسقط حد الحرابة، أما التوبة في سائر الحدود الأخرى ففيها خلاف بين الفقهاء هل لها أثر في إسقاط الحد أم لا؟ وقد رجحنا القول القائل بعدم سقوط العقوبة بالتوبة في غير الحرابة لورود النص في المحارب ولا يصح قياس غير الحرابة عليه للفرق، وبينا أن التوبة لا تسقط القصاص عن من وجب عليه لأنه حق للآدمي، وحق الآدمي لا يسقط بمجرد التوبة وقد أوردنا نصوص الفقهاء في ذلك، أما التوبة في جرائم التعازير فاختلف بين الفقهاء في أثرها في إسقاط العقوبة ، وقد رجحنا أن الأمر موكول إلى الإمام، وتبعاً لما يراه من ظروف الجاني وصدق توبته وذلك فيما يتعلق بحقوق الله، أما ما يتعلق بحق الآدمي فلا أثر لمجرد التوبة في سقوط العقوبة ؛ لأن حق الآدمي لا يسقط إلا بالاستيفاء أو الإسقاط من صاحب الحق أو من ممثله، وفي المطلب الخامس: عرضنا مدى اعتبار الشريعة الإسلامية لعدم الأهمية كسبب من أسباب حفظ الدعوى الجنائية، وقررنا أن الحكم فيها يختلف باختلاف الجرم المرتكب، ففي الحدود والقصاص لاعتبار لتفاهة الجرم وعدم أهميته في حفظ الدعوى الجنائية .
أما في الجرائم التعزيرية ففرقنا بين ما كان فيه الحق لله تعالى، ولم تكن الجريمة منصوص عليها في الكتاب أو السنة فالأمر فيها عائد للإمام، أما ما كان الحق فيها للعباد، فلا يجوز إسقاطها إلا بعفو من صاحب الحق، لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة وقد جاءت الشريعة الإسلامية لحفظها وإعطاء كل ذي حق حقه .
المطلب السادس : الحفظ لأسباب أخرى وتتمثل في ارتفاع المسئولية الجنائية لوجود سبب إباحة وهي الدفاع الشرعي – والتأديب – والتطبيب، وألعاب الفروسية، وإهدار الأشخاص ، أو لو مانع مسئولية وهي (الإكراه وتلحق به الضرورة والسكر والجنون والصغر) ، أو لانقضاء الدعوى الجنائية (لوفاة المتهم أو التقادم أو صدور حكم نهائي)، أو الحفظ لعدم معرفة الفاعل في غير جرائم القصاص ، حيث يطبق فيها قاعدة القسامة في حال جهل القاتل ، حتى لا يطل دم في الإسلام .
وفي الفصل الثالث: بينت آثار حفظ الدعوى الجنائية وإلغاؤه ففي النظام يترتب على الحفظ وقف السير في إجراءات الدعوى والإفراج عن المتهم ما لم يكن محبوساً على ذمة قضية أخرى، وأثر الحفظ على المضبوطات وألزم النظام السلطة المصدرة للحفظ النظر في المضبوطات بعد إصدار قرار الحفظ، وبينا أنه يجوز إلغاء قرار الحفظ نظاماً متى ظهرت أدلة جديدة من شأنها تقوية الاتهام، وبينا أن الحفظ في الفقه يترتب عليه كقاعدة عامة وقف السير في إجراءات الدعوى ، وأن الحفظ لوجود شبهة يرتب درء العقوبة الحدية وتبرئة المتهم مما أسند إليهم إذا كانت الشبهة في ركن من أركان الجريمة أو في انطباق نص التجريم على الفعل، أو أن الشبهة قائمة في ثبوت الجريمة، وأن الحفظ للعفو عن العقوبة يرتب سقوط القصاص عن الجاني وسقوط العقوبة التعزيرية عن الجرائم المنظمة من قبل ولي الأمر وأن الحفظ للصلح يرتب أثرين ، سقوط القصاص عن الجاني متى وفى للمجنى عليه ما تم التصالح عليه، وسقوط العقوبة التعزيرية ، وأن الحفظ للتوبة يرتب سقوط حد الحرابة عن المحارب إن تاب قبل القدرة عليه، وسقوط العقوبة التعزيرية المتعلقة بحقوق الله.
وأن الحفظ لعدم الأهمية يرتب سقوط العقوبة التعزيرية المتعلقة بحقوق الله تعالى. وأوضحت في المطلب الأخير من هذا البحث أنه يمكن إلغاء قرار الحفظ سواء أكان الإلغاء من الجهة المصدرة له أو من جهة أعلى وذلك لظهور أدلة جديدة من شأنها تقوية الأدلة القائمة أو زيادة الإيضاح المؤدي إلى ظهور الحقيقة .
وأخيراً أوضحت في الخاتمة بعض النتائج التي تعتبر خلاصة للبحث .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه