مسؤولية القادة والرؤساء عن اعمال مرؤوسهم

0
مسؤولية القادة والرؤساء عن اعمال مرؤوسهم

اعتبرت اتفاقيات جنيف لعام 1949م الرئيس مسؤولاً بوصفه فاعلاً اصلياً اذا كان قد اصدر امراً بارتكاب احدى الجرائم الجسيمة، خلافاً لما تقضي به القواعد العامة، التي تقضي باعتبار الرئيس شريكاً في الجريمة التي يرتكبها المرؤوس. (1)
ويشترط لمسؤولية الرئيس عن افعال مرؤوسهم ان يكون الاخيرين خاضعين لسلطة الرئيس أو سيطرته الفعلية، وان تقع الجريمة الدولية بسبب عدم ممارسة الرئيس سلطته وسيطرته على هؤلاء المرؤوسين.
وقد افترض المشرع الدولي المسؤولية الجنائية للرئيس في عدة حالات ورد النص عليها في المادة (28) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية حيث ورد في النص (( بالاضافة الى ما هو منصوص عليه في هذا النظام الاساسي من اسباب أخرى للمسؤولية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة:
1- يكون القائد العسكري أو الشخص القائم فعلاً بأعمال القائد العسكري مسؤولاً مسؤولية جنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب قوات تخضع لامرته وسيطرته الفعليتين، أو تخضع لسلطته وسيطرته على هذه القوات ممارسة سليمة.
أ- اذا كان القائد العسكري أو الشخص قد علم، او يفترض ان يكون قد علم، بسبب الظروف السائدة في ذلك الحين، بان القوات ترتكب أو تكون على وشك ارتكاب هذه الجرائم.
ب- اذا لم يتخذ ذلك القائد العسكري أو الشخص جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع او قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة.
2- فيما يتصل بعلاقة الرئيس والمرؤوس غير الوارد وصفها في الفقرة 1، يسأل الرئيس جنائياً عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب مرؤوسين يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين نتيجة لعدم ممارسته على هؤلاء المرؤوسين ممارسة سليمة.
أ- اذا كان الرئيس قد علم أو تجاهل عن وعي أي معلومات تبين بوضوح ان مرؤوسية يرتكبون أو على وشك ان يرتكبوا هذه الجرائم.
ب- إذا تعلقت الجرائم بأنشطة تندرج في اطار المسؤولية والسيطرة الفعليتين للرئيس.
ج- اذا لم يتخذ الرئيس جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة.
وعلى ذلك فانه والى جانب مسؤولية المرؤوس أو الشخص الذي ارتكب الجريمة الدولية، فأن رئيس الدولة، أو القائد العسكري أو القائم باعمالهم يكون مسؤولاً جنائياً عن الجرائم التي تدخل في نطاق اختصاص المحكمة الدولية الجنائية، والمرتكبة من جانب القوات التي تخضع لامرة هؤلاء وسيطرتهم في حالتين.
الحالة الاولى: تتعلق بمسائله الرؤساء أو القادة عن افعال مرؤوسيهم الخاضعين لامرتهم وسيطرتهم الفعليتين عن الاعمال المرتكبة نتيجة تنفيذهم أوامر هؤلاء الرؤساء أو القادة. والتي تشكل جرائم دولية تدخل في اختصاص المحكمة الدولية الجنائية وكان الرئيس قد علم بالفعل أو يفترض علمه أو تجاهل بارادته معلومات تؤكد ان مرؤوسية ارتكبوا أو على وشك ان يرتكبو هذه الجرائم. ولم يتخذ الاجراءات المناسبة لمنع وقوع هذه الجرائم.
وهنا تنهض مسؤولية الرئيس حتى قبل ارتكاب مرؤوسية الجرائم الدولية، فالنص يفترض مسؤولية عندما توشك قواته على ارتكاب هذه الجرائم ولا يتخذ من الاجراءات ما يمنعها من ذلك.
الحالة الثانية: هنا يسأل الرئيس جنائياً عن افعال مرؤوسية على اساس الاشراف والسيطرة السليمتين على اعمال المرؤوسين.
حيث تتضمن هذه الحالة مسؤولية القادة أو الرؤساء جنائياً عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من مرؤوسين يخضعون لسلطة وسيطرة الرؤساء الفعليتين، نتيجة لعدم ممارسة هذه السيطرة ممارسة سليمة.
وقد اوضحنا ان النظام الاساسي للمحكمة لم يعتد بالصفة الرسمية لمرتكب الجرائم الدولية كما ان الحصانة التي يتمتع بها بعض الاشخاص في الدولة لا تقف حائلاً دون اتخاذ الاجراءات ضدهم كما لا تعفيهم من المسؤولية.
وقد بينت ذلك بصراحة المادة 27 من النظام الاساسي للمحكمة التي نصت على (( 1- يطبق هذا النظام الاساسي على جميع الاشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية، وبوجه خاص، فان الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضواً في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخباً أو موظفاً حكومياً، لا تعفيه باي حال من الاحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الاساسي، كما انه لا يشكل في حد ذاته سبباً لتخفيف العقوبة.
2- لا تحول الحصانات أو القواعد الاجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كان في اطار القانون الوطني أو الدولي دون ممارسه المحكمة اختصاصها على هذا الشخص )).
         ومن الجدير بالذكر انه يؤخذ على المادة (28) من النظام الأساسي ان هؤلاء  القادة والرؤساء يمكنهم التهرب من المسؤولية بإتخاذ جميع الوسائل التي تمكنهم من نفي
    العلم أو التجاهل أو بتقديمهم مايفيد إتخاذ الإجراءات اللازمة والمعقولة فضلاََ عن عدم تحديد الكيفية التي تكون الإجراءات فيها لازمة والمعقولة . إضافةََ لذلك فإن النظام الأساسي لم يحدد لنا الجهة التي تقرر هذا الأمر .أهي الدول والحكومات أم
المحكمة الدولية الجنائية  ؟ فهذا
 خلل في نظام روما الأساسي يثير إشكاليةََ تعيق تطبيق مبدا عدم الاعتداد بحصانة الرؤساء امام
         المحكمة.
  ونقترح بهذا الشان تعديل المادة (28) من نظام روما الأساسي التي قررت مسؤولية القادة والرؤساء  بإيراد نص يقضي بأن المحكمة الجنائية الدولية هي المختصة في تحديد ان الإجراءات   كانت لازمة ومعقولة ،  في ضوء الاحتياطات المنصوص عليها في الملحق (البروتكول) الاول  لاتفاقيات جنيف .فإذا ترك الأمر للدول والحكومات فلا  نضمن عدم إنحيازها لاسيما وأن هؤلاء المسؤولين قد يكونوا في مواقع قيادية عالية  المستوى ، ومن ثم فمن الممكن أن يؤثروا في دولهم وحكوماتهم في إتخاذ القرارات والمواقف بهذا الشأن .
لذلك يجب عدم تجاوز أية حدود لا يقرها أو يحظرها القانون الدولي الإنساني وعلى كل قائد عسكرى أن يتخذ الاحتياطات الازمة المنصوص عليها في المادة 57 من الملحق (البروتوكول ) الأول لاتفاقيات جنيف .
ومن ذلك  فقد نص الملحق ( البرويوكول ) الأول في المادة 82 على تأمين توفر المستشارين القانونين عند الاقتضاء لتقديم المشورة للقادة العسكريين على المستوى المناسب .
بغية عرض كل خطة عسكرية تتطلب الهجوم على مواقع العدو على المستشار القانونى العسكرى وبيان الهدف من الهجوم والمواقع المراد مهاجمهتها أو قصفها ونوع السلاح المستخدم وكذلك الذخيرة لبيان فيما إذا كانت تلك الإجراءات المتخذة للهجوم متوافقة وغير مخالفة لقانون الحرب، كما أن للقادة واجبات بمنع الانتهاكات الجسيمة ومنها .

إن من أبجديات العسكرية أن أية معركة لاتبدأ إلا إذا توافرت التقارير الاستخبارتية وهى جمع المعلومات عن قوة العدو العسكرية والاقتصادية ومراكز تجمعاته كما أن الخرائط تلعب دورا أساسيا في المعركة لذلك على جميع العاملين العسكريين في مراكز العمليات بذل رعاية متواصلة من أجل تفادى السكان المدنيين والأشخاص والأعيان المدنية وفقا للمعلومات المتوفرة . ([1])
  لذلك يجب على القائد في الميدان ليس فقط الامتناع عن ارتكاب الانتهاكات الجسيمة بل عليه الواجبات التالية وفقا للمادة 87 من الملحق ( البروتوكول الأول ) .
أ‌-  منع الانتهاكات الواردة في اتفاقيات جنيف الأربع ولهذا الملحق ( البروتوكول ) . 
       ب -قمع هذه الانتهاكات وإبلاغها إلى السلطات المختصة وهي الشرطة العسكرية والقضاء العسكري فيما يتعلق بأفراد القوات المسلحة الذين يعملون تحت إمرته وغيرهم ممن يعملون تحت إشرافه .
ج- التأكد من أن أفراد القوات الذين يعملون تحت إمرته على بينة من التزاماتهم كما تنص عليها الاتفاقيات وهذا الملحق ( البروتوكول) وذلك بغية منع وقمع الانتهاكات .
د- أن يكون على بينة أن بعض مرءوسيه أو أي أشخاص آخرين خاضعين لسلطته على وشك أن يقترفوا انتهاكات للاتفاقيات أو لهذا الملحق ( البروتوكول ) وأن يطبق الإجراءات اللازمة ليمنع مثل هذا الخرق للاتفاقيات أو لهذا الملحق   ( البروتوكول ) .
هـ- أن يتخذ عندما يكون ذلك مناسبا إجراءات تأديبية أو جنائية ضد هذه الانتهاكات .

إن اخذ الاحتياطات اللازمة أثناء الهجوم واتخاذ الإجراء اللازم وفقا لواجبات القادة في الميدان نابع من كون أن الاتفاقيات تصبح قانوناً بعد التصديق عليها وفقا للإجراءات الدستورية وإصدارها من قبل رئيس الدولة، وإن رئيس الدولة في جميع الأنظمة السياسية يعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة لذلك يجب تضمين هذه الواجبات في أوامر العمليات العسكرية وتكون طاعتها ملزمة ومخالفتها جريمة تستوجب العقاب، وإن المسؤولية الجنائية لا تقع فقط على المرؤوسين بل على الرؤساء أيضا([2]) , ووفقا لما نصت عليه المادة 86 من الملحق ( البروتوكول ) الأول وهي :
أ- تعمل الأطراف السامية المتعاقدة أطراف النزاع على قمع الانتهاكات الجسيمة واتخاذ الإجراءات اللزمة لمنع كافة الانتهاكات الأخرى للاتفاقيات ولهذا الملحق ( البروتوكول ) التى تنم عن التقصير .
ب- لا يعفى أى مرؤوس بانتهاك الاتفاقيات أو هذا الملحق ( البروتوكول ) رؤساءه من المسؤولية الجنائية أو التأديبية حسب الأحوال إذا علموا أو كانت لديهم  معلومات تتيح لهم في تلك الظروف أو يخلصوا إلى أنه كان يرتكب أو أنه فى سبيله لارتكاب مثل هذا الانتهاك ولم يتخذوا كل ما فى وسعهم من إجراءات مستطاعة لمنع أو قمع هذا الانتهاك.









([1]) العميد حسين عيسى مال الله- المصدر السابق-ص 402

([2])العميد حسين عيسى مال الله- المصدر نفسه –ص 403

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه