اختصاصات غرفة الاتهام في القانون الجزئري

0
اختصاصات غرفة الاتهام


تقوم غرفة الاتهام بتسوية الاختصاص المحلي ، و تنازع الاختصاص بين قضاة التحقيق التابعين لنفس المجلس ، و تبت في مادة الحبس المؤقت و استرجاع الأشياء المجوزة ، كما تنظر غرفة الاتهام في صحة الإجراءات وفقا للمادة ( 09 ) من ق.إ.ج ، و لها أن تأمر بإعادة التحقيق .
تتشكل غرفة الاتهام من رئيس و عضوين من المستشارين بالمجلس القضائي ، ويعين رئيسها و مستشاروها لمدة ثلاث سنوات بقرار من وزير العدل حامل الأختام ، وتنعقد غرفة الاتهام بجلسة ثلاثية ، الرئيس و العضوان ، و العضو الأقدم يجلس على يمين الرئيس ، و العضو الثاني على اليسار ، و تكون على هيئة جلسات المجلس العادية.
و إذا حصل لأحد هؤلاء الثلاثة مانع ، أخبر رئيس المجلس القضائي في الوزارة لكي تقوم بتعيين من يخلفه ، و ليس لرئيس المجلس سلطة ندب أحد قضاة المجلس لهذا الغرض ، و أن يقوم هو برئاسة هذه الغرفة بل لقد احتفظت الوزارة بهذا التعيين ، و لم تترك لهؤلاء رؤساء المجالس ، و لا تتبع التنظيم الداخلي للمجلس .








المطلب الأول : غرفة الاتهام هي قضاء التحقيق العالي


القاعدة العامة المتبعة في الإجراءات أمام قضاء التحقيق أن تعرض على غرفة الاتهام إجباريا جميع محاضر التحقيق الابتدائي التي قام بها قضاة التحقيق في الجنايات إذا أصدروا فيها أوامر بالإحالة إلى محكمة الجنايات ([1]) و على أساس أن غرفة الاتهام درجة ثانية في قضاء التحقيق ، أو درجة عليا للتحقيق ([2]) و على هذا الأساس فعرض القضية الجنائية على غرفة الاتهام أوجبه القانون لما لها من دور هام في التحقيق الجنائي الذي يضمن للخصوم حقوقهم .
فإذا أحيل ملف القضية على غرفة الاتهام و تراءى لها أن الوقائع لا تكون جنائية أو جنحة أو مخالفة أو ليس هناك دلائل كافية لإدانة المتهم ، أو كان الجاني لا يزال مجهولا ، أصدرت غرفة الاتهام حكما بأن لا وجه للمتابعة و يفرج عن المتهمين المحبوسين احتياطيا ما لم يكونوا محبوسين لسبب آخر .
و تفصل غرفة الاتهام في نفس الحكم في رد الأشياء المضبوطة ، و تظل كذلك مختصة بالفصل في أمر رد هذه الأشياء عند الاقتضاء بعد صدور ذلك الحكم ( المادة 195 من ق.إ.ج ) .
أما إذا رأت أن الوقائع المنسوبة إلى المتهم تكون جنحة أو مخالفة فإنها تقضي بإحالة القضية إلى المحكمة المختصة ، و يظل المتهم المحبوس احتياطيا محبوسا إذا كان موضوع الدعوى معاقبا عليه بالحبس ، مع مراعاة المادة ( 124 من ق.إ.ج ) أما إذا كانت وقائع الدعوى لا تخضع لعقوبة الحبس و أنها مخالفة فقط ، فإنه يخلى سبيل المتهم في الحال . ([3])
إذا رأت غرفة الاتهام أن وقائع الدعوى المنسوبة إلى المتهم تكون جريمة لها وصف الجناية قانونا فإنها تقضي بإحالة المتهم على محكمة الجنايات ، فغرفة الاتهام ملزمة بوضع التهمة و توضيح الأسس المادية و القانونية التي تقوم عليها ، و بيان نوع الجريمة التي قامت عليها التهمة ، و تكييفا تكيفه قانونيا و بالخصوص إذا أهملت هذه الإجراءات في الدرجة الأولى من قضاء التحقيق ، و لم تتناولها بالإشارة إليها .
و غرفة الاتهام تقدر النازلة أو الواقعة أو الجريمة بحبس ما ينجلي لها بعد التحقيق و التدقيق الذي يمكن بمقتضاه أن تسير إلى تعديل التهمة كليا أو جزئيا ، بإجراء تحوير في كيانها نتيجة لظهور وقائع جديدة أو إضافة تضاف إلى تلك التي أقيمت عليها الدعوى من الأساس أو من البداية .
أما إذا كانت الأوجه المنوه عنها في أمر الإحالة قد تناولتها أوصاف الاتهام التي أقرها قاضي التحقيق ، و لم يظهر أي دليل جديد أو وقائع غير الوقائع المشار إليها في ملف التحقيق ، و أن هذه الوقائع المنسوبة إلى المتهم تكون جريمة لها وصف الجناية قانونا فإنها تقضي بإحالة المتهم إلى محكمة الجنايات ، و لها أيضا أن ترفع إلى تلك المحكمة كل القضايا و الجرائم المرتبطة بتلك الجريمة ( المادة 197 من ق.إ.ج ) . ([4])

الجرائم المرتبطة : وتعد الجرائم المرتبطة في الأحوال الآتية ( المادة 188 من ق.إ.ج ):
1 – إذا ارتكبت في وقت واحد من عدة أشخاص مجتمعين .
2 – إذا ارتكبت من أشخاص مختلفين حتى و لو في أوقات متفرقة و في أماكن مختلفة ولكن على إثر تدبير إجرامي سابق بينهم .
3 – إذا كان الجناة قد ارتكبوا بعض هذه الجرائم للحصول على وسائل ارتكاب الجرائم الأخرى أو تسهيل ارتكابها أو إتمام تنفيذها أو جعلها في مأمن من العقاب .
4 – عندما تكون الأشياء المنتزعة أو المختلسة أو المتحصلة عن جناية أو جنحة قد أخفيت كلها أو بعضها .
المطلب الثاني : استئناف الأوامر أمام غرفة الاتهام


نظم المشرع الجزائري في المواد ( 170 ) و ما بعدها من قانون الإجراءات الجزائية القواعد الإجرائية التي يخضع لها استئناف أوامر قاضي التحقيق ، سواء منها الصادرة أثناء سير التحقيق ، أو تلك بالتصرف في التحقيق بعد انتهائه ، فقد أباح القانون للأطراف استئناف أوامر قاضي التحقيق الذي يقوم بعمل مزدوج أثناء نظره للدعوى والتحقيق فيها .
فهو تارة يصدر أوامر إدارية أو كما يسميها الفقهاء أوامر تحقيقية ([5]) و تارة يصدر أوامر قضائية ، و هو يعتبر درجة أولى للتحقيق فيما قد يفصل فيه من أوامر متعلقة بالدفوع أو الطلبات التي يبديها الأطراف ، لذا أباح المشرع للنيابة العامة و لباقي الأطراف أن يقدموا إليه ما يريدون تقديمه منها أثناء التحقيق .
و يلاحظ أن الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق ليس كلها قابلة للطعن فيها بدرجة متساوية بالنسبة لأطراف الدعوى ، لذلك لجأ الفقه إلى تقسيمها إلى قضائية و غير قضائية ، و قد حصر حق كل من المتهم و المسؤول المدني أو الطرف المدني في استئناف الأوامر القضائية و بدرجات متفاوتة بينهم ، بينما أعطى النيابة العامة الحق في أن تستأنف أمام غرفة الاتهام جميع أوامر قاضي التحقيق ( المادة 170 من ق.إ.ج ) .
طبيعة الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق :

طبيعة الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق :
أشرنا إلى أن الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق يمكن أن تصنف إلى فئتين :

الفئة الأولى :
تعتبر أوامر قاضي التحقيق أوامر إدارية أو تحقيقية أو غير قضائية ، و يقصد من ورائها المحقق البحث و الاستقصاء عن الجريمة و عمن قام بها ، و جمع أكبر معلومات عنها ، و قد يهدف من ورائها إلى حسن سير التحقيق .
و مثال ذلك الأوامر الصادرة من قاضي التحقيق بإجراء تفتيش ، أو تعيين خبير أو دعوة شهود أو ضبط أشياء تحت ذمة التحقيق ، أو أصدر مذكرة إحضار شخص أو توقيفه ، أو إحالة الملف على النيابة العامة ، أو الأوامر الصادر بإنابة قاضي آخر أو انتداب أحد ضباط الشرطة القضائية بالشروط القانونية .

الفئة الثانية :
أما الفئة الثانية من الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق ، فهي الأوامر القضائية و التي تفصل في مسألة قانونية ، أو تفصل في نزاع عرض على قاضي التحقيق ، أو صدر فيه أمر قضائي ، أو فيما توصل إليه من أوامر بانتهاء التحقيق .
و الأوامر القضائية هي التي تقبل الاستئناف أمام غرفة الاتهام و على درجات متفاوتة بين الأطراف بالنسبة لإمكانية الطعن فيها و هي كثيرة ، أهمها الأمر المتعلق بالاختصاص ، أو بالأوجه للمتابعة و الإفراج المؤقت عن المتهم أو عدم الإفراج أو تمديد الحبس الاحتياطي أو الأمر بإعادة تكييف الجريمة من جنحة إلى جناية أو الأمر بعدم قبول الإدعاء المدني ، إلى غير ذلك من الأوامر القضائية التي يصدرها قاضي التحقيق .
إن استئناف أوامر قاضي التحقيق القضائية يقتضي بالضرورة إخبار المعنيين بها ، و لهذا الغرض ارتأينا أن نتناول أولا تبليغ أوامر قاضي التحقيق قبل التطرق إلى حق الأطراف في استئنافها أمام غرفة الاتهام . ([6])

الفرع الأول : تبليغ أوامر قاضي التحقيق

بوجه عام لوكيل الجمهورية والأطراف الأخرى حق العلم بمجريات التحقيق، ولهذا الغرض يمكن وكيل الجمهورية أن يطلب تبليغه ملف التحقيق ، كما أنه لباقي الأطراف الإطلاع على أوراق الملف ، غير أنه علاوة على ذلك نص القانون على وجوب تبليغ الأوامر القضائية لوكيل الجمهورية و للمتهم و المدعي المدني في مواعيد معينة .

أولا : وكيل الجمهورية
يبلغ وكيل الجمهورية طبقا للفقرة الرابعة و الأخيرة من المادة ( 168 من ق.إ.ج ) بكل الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق المخالفة لطلباته ، و يتم ذلك في اليوم نفسه الذي يصدر فيه الأمر .
لم توضح المادة المذكورة الطريقة التي يتم بها تبليغ وكيل الجمهورية ، و قد يكون ذلك مصدر خلاف بخصوص حساب ميعاد الاستئناف و من ثم نرى ضرورة التنصيص على كيفية تبليغ وكيل الجمهورية بأوامر قاضي التحقيق .
و الواقع أن الأوامر التي تبلغ لوكيل الجمهورية لا تقتصر على المذكورة آنفا ، بل تبلغ له أيضا تلك التي يصدرها قاضي التحقيق من تلقاء نفسه مثل الأمر بردّ الأشياء ، والأمر بتعيين خبير .

ثانيا : المتهم
الأصل أن يبلغ المتهم طبقا للمادة ( 168/3 ) من ( ق.إ.ج ) بالأوامر التي يجوز له استئنافها بالأوامر ، و يقصد بها الأوامر المنصوص عليها في المواد ( 124 ، 125 ، 127 ) من ( ق.إ.ج ) و كذا الأوامر الصادرة بشأن اختصاص قاضي التحقيق ( المادة 172/1 ) .
و علاوة على الأوامر المذكورة آنفا ثمة طائفة أخرى من الأوامر تبلغ إلى المتهم و لا يجوز استئنافها ، و هي الأوامر المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة ( 168 ) من ( ق.إ.ج ) و يتعلق الأمر بأوامر التصرف في التحقيق بعد انتهائه ، الأمر بالإحالة إلى محكمة الجنح أو المخالفات ، الأمر بانتفاء وجه الدعوى ، الأمر بإرسال المستندات إلى النائب العام . ([7])
و في كل الأحوال يتم في ظرف أربعة و عشرين ساعة عن طريق رسالة موصى عليها ([8]) حتى و إن كان المشرع لم يشر إلى ذلك صراحة في الفقرة الرابعة من المادة 168 المذكورة بالنسبة للأوامر التي يجوز للمتهم استئنافها .
و من جهة أخرى تنص المادة ( 86/2 ) على تبليغ فئة أخرى من الأوامر إلى المتهم ، و يتعلق الأمر بالأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق حال فصله في طلبات استرداد الأشياء الموضوعة تحت سلطة القضاء عندما تكون القضية في التحقيق .
و قد سبق و أن أوضحنا أن القضاء ينفي الطابع القضائي على هذا النوع من الأوامر .

ثالثا : المدعي المدني
تنطبق على المدعي المدني نفس الأحكام المقررة للمتهم سواء ما تعلق منها بطبيعة الأوامر التي تبلغ أو بشكل التبليغ و مواعيده .
تبلغ للمدعي المدني ، أصلا ، الأوامر التي يجوز له استئنافها ( المادة 168/3 ) من قانون الإجراءات الجزائية ، و هي الأوامر الصادرة بعدم إجراء تحقيق أو بأن لا وجه للمتابعة أو التي تمس بحقوقه فضلا عن أوامر الاختصاص .
و علاوة على الأوامر المذكورة يبلغ المدعي المدني بأمرين رغم عدم جواز استئنافهما و هما أمر الإحالة إلى محكمة الجنح أو المخالفات و الأمر بإرسال المستندات إلى النائب العام ( المادة 168/2 من ق.إ.ج ) .
و كما هو الحال للمتهم تبلغ  لمدعي المدني كذلك الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق حال فصله في طلب استرداد الأشياء الموضوعة تحت سلطة القضاء عندما تكون القضية في التحقيق .

رابعا : محامي المتهم و المدعي المدني
بمقتضى الفقرة الأولى من المادة ( 168 من ق.إ.ج ) يبلغ محامي المتهم و كذا محامي المدعي المدني بجمع الأوامر القضائية التي يصدرها قاضي التحقيق ، برسالة موصى عليها ، و ذلك في ظرف أربع و عشرين ساعة .
و بوجه عام فإن الغرض من التبليغ هو إعلام صاحب الشأن بالقرار الذي اتخذه قاضي التحقيق ة تحديد تاريخ الإعلام بحساب سريان أجل الطعن بالاستئناف و تمكين الخصوم من الطعن بالاستئناف و تمكين الخصوم من الطعن بالاستئناف عند الاقتضاء .
و من ثم فإن عدم صحة التبليغ لا يرتب عليه بطلان الإجراء و إنما يترتب عليه تأجيل ميعاد الاستئناف إلى غاية ما يتم التبليغ .








الفرع الثاني : مباشرة الاستئناف

إن أول عمل تقوم به غرفة الاتهام هو البحث في توافر الشكل القانوني في الأمر لديها ، أي توفر الشكلية التي أوجبها القانون من حيث الأجل القانوني للاستئناف ، والصفة و الشروط التي أوجبها القانون ، فإن كانت الشروط الشكلية متوفرة فإن على غرفة الاتهام قبول الاستئناف من حيث الشكل ثم بعد ذلك تتصدى لموضوع الاستئناف ، أي تتصدى للموضوع .
إذا كانت الإجراءات الشكلية متوفرة في الاستئناف ، فإن غرفة الاتهام تتعرض لموضوع الاستئناف ذاته ، من حيث قابلية الأمر للاستئناف أو عدم قابليته ، و صفة القاضي الذي أصدر الأمر محل الاستئناف مع صحة و سلامة هذه الإجراءات ، و أسباب الاستئناف القانونية .
فإذا كان الاستئناف مقبولا شكلا و لكنه غير مؤسس قانونا قررت تأييد الأمر المستأنف ، أما إذا كان الاستئناف مؤسسا تأسيسا قانونيا و مبني على أسباب وجيهة قررت إلغاء الأمر كليا أو جزئيا على حسب الأحوال ، أو قررت إبطاله إن كان الأمر خاليا من الأسباب الموضوعية و فيه إغفال أو مخالفات لا يمكن تداركها و ذلك حسب ما تقتضيه الظروف و الأحوال .
أما إذا رأت غرفة الاتهام أن الإجراءات مشوبة بالبطلان قضت ببطلان الإجراء المشوب بالبطلان و تصحح ذلك بالتصدي لموضوع الإجراء أو تحيل القضية إلى قاضي التحقيق نفسه أو لقاضي غيره لمواصلة إجراءات التحقيق . ([9])
و تعيد غرفة الاتهام الملف إلى قاضي التحقيق في معظم الحالات لمواصلة التحقيق و التحري و بالأخص إن كان لا ينهي الإجراءات التي يقتضيها موضوع القضية ، و ذلك كما في حالة رفض طلب الإفراج المؤقت .
و في حالة صدور الأمر بعدم الاختصاص وقررت عكس ما جاء في الأمر المستأنف ، ففي مثل هذه الحالات يعاد الملف إلى القاضي المحقق لمواصلة التحقيق حتى النهاية على أساس أن القضية لم تأخذ حقها في التحقيق أمام الدرجة الأولى من قضاء التحقيق ، و حتى لا يحرم الخصوم من مزايا التحقيق على درجتين .
و الواقع أن قاضي التحقيق إن هو قضى بعدم الاختصاص في نظر الدعوى أو بالأوجه للمتابعة و إقامة الدعوى فإنه في حقيقة الأمر ، الأمر لا يكون قد باشر تحقيق الدعوى من حيث الموضوع ، فلا يكون قد استنفذ ولايته القضائية في موضوع الدعوى ، فلا تملك غرفة الاتهام بناء على ذلك – إن هي ألغت أمر قاضي التحقيق في هذا الشأن – أن تحكم في الموضوع مباشرة لأن هذا العمل يعتبر تجاوزا لاختصاصاتها ، أما إن هي رفضت الاستئناف شكلا و قررت عدم قبوله فإنها لا تتصدى للموضوع على الإطلاق ، لأن مواعيد سريان الاستئناف و إجراءاته من النظام العام ، و إذا كانت كذلك فإنه يحق ل غرفة الاتهام إثارتها من تلقاء نفسها في أية حالت كانت عليها الدعوى، وتعود إليها سلطة تقدير صحة الإجراءات من عدم صحتها، فإذا تبين لها أن الاستئناف قد رفع خارج المهلة القانونية أو لم تراع فيه إحدى الشروط الشكلية فإنها تقرر عدم قبوله من حيث الشكل .
و باختصار فإن مهمة غرفة الاتهام ( في الاستئناف ) أن تدرس الأمر المستأنف دراسة موضوعية ، و تدرسها أولا من حيث قبول الاستئناف شكلا من عدم قبوله ، فإذا كان الاستئناف مقبولا شكلا بعد ذلك تتصدى لموضوع الاستئناف فتنظر في المسائل القانونية المثارة كما تثار مثلا مسألة الاختصاص أو قبول الدعوى العامة من عدم قبولها .
فإذا وجدت أن القضية قد أخذت ما تستحقه من البحث و التحري القدر الأوفر فليس لها سوى تأييد الأمر المستأنف ، أما إذا وجدت وجها من وجوه الإلغاء أو الإبطال فإنها تلغي الأمر المستأنف إلغاء كليا أو جزئيا و تتصدى للفصل في الموضوع المستأنف، و على العموم فسلطة تقدير و تحديد الإجراءات القانونية المناسبة و التي لم يتخذها قاضي التحقيق و بذلك تصلح ما يمكن إصلاحه وفقا لما هو مثار أمامها في تقرير الاستئناف لأنها مقيدة بما جاء به فعلا فلا تتعداه .
أولا : مجال تطبيق الاستئناف
يختلف مجال تطبيق الاستئناف باختلاف صفة حاجب الحق في الاستئناف كما سنبينه فيما يلي : ([10])

النيابة العامة :
تتمتع النيابة العامة بحق عام في الاستئناف بحيث يخول قانون الإجراءات الجزائية لوكيل الجمهورية الحق في استئناف كل أوامر قاضي التحقيق (المادة 170/1 من ق.إ.ج) بما فيها تلك المطابقة لطلباته .
و للنائب العام كذلك نفس الحق في استئناف أوامر قاضي التحقيق ( المادة 171 من ق.إ.ج ) فالحق العام في الاستئناف الذي خوله المشرع للنيابة العامة هو تعبير عن سلطتها في ممارسة الدعوى العمومية ، و من ثم سلطتها في نقد قرارات قاضي التحقيق التي ترى أنها لا تعطي للدعوى العمومية بعدها الحقيقي .
و من جهة أخرى فإن حق النائب العام في الاستئناف يشكل وسيلة غير مباشرة لممارسة رقابته السلمية على وكيل الجمهورية .
و إذا كان لوكيل الجمهورية و النائب العام نفس الحق في الاستئناف فإن استئنافهما يختلفان من حيث الميعاد و الأثر على تنفيذ الأمر المستأنف .

المتهم و محاميه :
حصرت المادة ( 172/1 من ق.إ.ج ) حق استئناف المتهم و محاميه في ثلاثة أصناف من الأوامر هي :
* الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق حال فصله في النزاعات بشأن قبول الإدعاء المدني ( المادة 74 من ق.إ.ج ) .
* الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق بشأن الحبس الاحتياطي و هي على فئتين :
أوامر تمديد الحبس الاحتياطي ( المادة 125 من ق.إ.ج ) و أوامر رفض طلب الإفراج المؤقت ( المادة 127 من ق.إ.ج ) .
* الأوامر التي بمقتضاها يفصل قاضي التحقيق في اختصاصه بنظر الدعوى ، إما من تلقاء نفسه أو بناء على دفع أحد الخصوم بعدم الاختصاص .
و ما يلاحظ على هذه القائمة أنها لا تتضمن مجموعة كبيرة من الأوامر لا سميا تلك التي لها طابع قضائي ، نذكر منها على وجه الخصوص :
+ الأمر برفض رفع الرقابة القضائية على المتهم .
+ الأوامر التي تبت في طلب استرداد الأشياء المجوزة .
+ الأوامر ذات الصلة بالخبرة :
- الأمر برفض طلب إجراء خبرة .
- الأمر بإجراء خبرة تكميلية و الأمر برفض إجراء خبرة مضادة ( المادة 154/2 ) .
+ أمر الإحالة إلى المحكمة و الأمر بإرسال المستندات إلى النائب العام .
        و بالتالي لا يجوز للمتهم و لا لمحاميه استئناف هذه الطائفة من الأوامر .
المدعي المدني و محاميه :
نصت المادة ( 173 من ق.إ.ج ) على حق الاستئناف للمدعي المدني و محاميه في أربعة أنواع من الأوامر و هي :
أ – الأمر بعدم إجراء التحقيق .
ب – الأمر بأن لا وجه للمتابعة .
ج – الأوامر التي بمقتضاها يفصل قاضي التحقيق في اختصاصه بنظر الدعوى ، إما من تلقاء نفسه أو بناء على دفع أحد الخصوم بعدم الاختصاص .
د – الأوامر التي تمس الحقوق المدنية للمدعي المدني ، و يقصد بها تلك الأوامر التي يكون من طبيعتها إفشال الدعوى المدنية ، غير أنه في كل الأحوال لا يجوز أن ينصب الاستئناف على أمر أو على شق من أمر يتعلق بحبس المتهم احتياطيا ( المادة 173/1 من ق.إ.ج ) .
و بالمقابل هناك مجموعة أخرى من الأوامر لا يجوز للمدعي المدني استئنافها بالرغم من طابعها القضائي و هي :
- الأوامر التي تبت في طلبات الاسترداد .
- الأوامر بشأن الخبرة .
- أوامر الإحالة .
- الأوامر المتعلقة بالحبس الاحتياطي و الرقابة القضائية .
و من الجمع بين أحكام المواد ( 168 ، 172 ، 173 من ق.إ.ج ) نستخلص أن المشرع لم يربط حق الاستئناف لا بالطابع القضائي للأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق و لا بتبليغها إلى أصحاب الشأن .
و بوجه عام نلاحظ أن مجال الاستئناف أضيق من مجال التبليغ ، كما أنه لا يتسع إلى كل الأوامر القضائية .

ثانيا : أشكال و مواعيد الاستئناف
تختلف أشكال ومواعيد الاستئناف في أوامر قاضي التحقيق باختلاف صفة المستأنف.

النيابة العامة :
يكون استئناف وكيل الجمهورية بتصريح لدى كتابة ضبط التحقيق ( المادة 170/1 من ق.إ.ج ) و يرفع هذا الاستئناف في مهلة ثلاثة أيام من تاريخ صدور الأمر .
و يكون استئناف النائب العام بالأوضاع ذاتها المقررة لوكيل الجمهورية بخصوص شكل الاستئناف رغم صمت المشرع بخصوص هذه المسألة . ([11])
و يرفع هذا الاستئناف في مهلة 20 يوما من تاريخ صدور الأمر ، و يجب على النائب العام أن يبلغ استئنافه للخصوم خلال هذه المهلة ( المادة 171/1 من ق.إ.ج ) .

المتهم و محاميه :
يكون استئناف المتهم و محاميه بعريضة تودع لدى كتابة ضبط التحقيق ( المادة 172/2 من ق.إ.ج ) و إذا كان المتهم محبوسا يجوز له أن يسلم عريضة الاستئناف إلى كاتب ضبط مؤسسة إعادة التربية و يتولى مدير المؤسسة تسليمها بدوره لكتابة ضبط قاضي التحقيق في ظرف أربع و عشرين ساعة و إلا تعرض لجزاءات تأديبية ( المادة 173/3 من ق.إ.ج ) .
و يرفع الاستئناف في ظرف ثلاثة أيام من تاريخ تبليغ الأمر إلى المتهم طبقا للمادة ( 168 من ق.إ.ج ) .
و بالرجوع إلى المادة ( 168 ) المذكورة سابقا نجدها تنص على أن أوامر قاضي التحقيق تبلغ للمتهم و محاميه في ظرف أربع و عشرين ساعة برسالة موصى عليها ، وإذا حصل تأخير في التبليغ يترتب على هذا التأخير تأجيل بدء سريان مهلة الاستئناف حسب مدة التأخير . ([12])

المدعي المدني و محاميه :
يرفع استئناف المدعي المدني و محاميه بنفس الكيفية التي يرفع فيها استئناف المتهم و محاميه و في نفس الميعاد ( المادة 173/3 من ق.إ.ج ) حيث يرفع بعريضة تودع لدى كتابة ضبط التحقيق في ظرف ثلاثة أيام من تاريخ تبليغهما الأمر طبقا للمادة         ( 168 ) من ( ق.إ.ج ) غير أن تبليغ الأمر للمدعي يكون في الموطن الذي يختاره .
و تترتب أيضا نفس النتائج بالنسبة ببدء سريان ميعاد الاستئناف على التأخير في التبليغ و على عدم التبليغ .
و سواء تعلق الأمر باستئناف النيابة أو المتهم أو المدعي المدني أو محاميهما يتعين على المستأنف أن يبين في وثيقة الاستئناف تاريخ الأمر المستأنف فيه و طبيعته والتهمة محل المتابعة .
يرسل الملف في أسرع وقت بمعرفة وكيل الجمهورية إلى النائب العام الذي يرفعه بدوره إلى غرفة الاتهام مرفقا بطلباته .

ثالثا : آثار الاستئناف
يتميز الاستئناف في أوامر قاضي التحقيق بثلاثة خصائص و هي :

* لا يوقف الاستئناف مجرى التحقيق :
تنص المادة ( 174 من ق.إ.ج ) بهذا الخصوص على أنه في حالة استئناف أوامر قاضي التحقيق يواصل هذا الأخير إجراء التحقيق ما لم تصدر غرفة الاتهام قرارا يخالف ذلك .

* للاستئناف أثر موقف على تنفيذ الأمر المستأنف :
من آثار الاستئناف وقف تنفيذ الأمر المستأنف ، و هكذا تنص المادة ( 170/3 من ق.إ.ج ) بخصوص استئناف النيابة العامة في أمر قاضي التحقيق بالإفراج المؤقت عن المتهم أنه " متى رفع الاستئناف من النيابة العامة بقي المتهم محبوسا احتياطيا في حبس حتى يفصل في الاستئناف، ويبقى كذلك في جميع الأحوال إلى حين انقضاء ميعاد استئناف وكيل الجمهورية إلا إذا وافق وكيل الجمهورية على الإفراج عن المتهم في الحال " .
يستفاد من هذا النص أن استئناف وكيل الجمهورية يوقف تنفيذ الأمر المستأنف فيه خلال الميعاد المقرر للاستئناف و هو ثلاثة أيام من تاريخ صدور الأمر .
و إذا استأنف وكيل الجمهورية في الميعاد المذكور يوقف تنفيذ الأمر خلال نظر الاستئناف و حتى يصدر قرار غرفة الاتهام فيه .
و إذا انقضى الميعاد المحدد للاستئناف دون أن يرفع وكيل الجمهورية استئنافا خلاله جاز تنفيذ أمر قاضي التحقيق
غير أنه يجوز تنفيذ الأمر بالإفراج المؤقت فورا إذا وافق وكيل الجمهورية على ذلك .
و استثناء من مبدأ وقف تنفيذ قاضي التحقيق المستأنف فيه خلال ميعاد الاستئناف أو عند الطعن فيه بالاستئناف خلال الميعاد فقد نص المشرع على أن استئناف النائب العام في الأمر الإفراج المؤقت لا يوقف تنفيذ هذا الأمر ، إذ جاء في المادة ( 171/2 من ق.إ.ج ) أن ميعاد استئناف النائب العام و هو عشرون يوما من تاريخ صدور الأمر ، وكذا رفع الاستئناف لا يوقفان تنفيذ الأمر بالإفراج .
و من جهة أخرى فإن استئناف المدعي المدني في الأمر القاضي بانتفاء وجه الدعوى لا يوقف تنفيذ هذا الأمر ، حيث يستفيد المتهم المحبوس احتياطيا من الإفراج المؤقت ، بمجرد انقضاء مهلة استئناف المدعي المدني ( المادة 173/1 من ق.إ.ج ) .

* للاستئناف أثر ناقل :
من آثار الاستئناف كذلك نقل الدعوى إلى غرفة الاتهام بحيث يرفع الأمر إليها حسب الشروط الآتي بيانها .
و تجدر الإشارة إلى أن استئناف المدعي المدني في الأمر بانتفاء وجه الدعوى يؤدي إلى رفع إجراءات الدعوى برمتها إلى غرفة الاتهام بما في ذلك الدعوى .




(1) إسحاق إبراهيم منصور ، مرجع سابق ، ص 145 .
(2) مولاي ملياني بغدادي ، مرجع سابق ، ص 315 .
(3) المادة 196 من قانون الإجراءات الجزائية .
(1) مولاي ملياني بغدادي ، مرجع سابق ، ص 316 – 317 .
(1) مولاي ملياني بغدادي ، مرجع سابق ، ص 287 .
(1) أحسن بوسقيعة ، مرجع سابق ، ص 183 .
(1) أحسن بوسقيعة ، مرجع سابق ، ص 185 .
(2) المجلة القضائية ، العدد الرابع ، 1989 ، ص 297 .
(1) مولاي ملياني بغدادي ، مرجع سابق ، ص 308 – 310 .
(1) أحسن بوسقيعة ، مرجع سابق ، ص 187 – 188 .
(1) أحسن بوسقيعة ، مرجع سابق ، ص 190 .
(1) المجلة القضائية ، العدد الرابع ، مرجع سابق ، ص 297 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © القانون والتعليم

تصميم الورشه